عمر الكبيسي
-
لا نختلف جميعا ان مشروع تقسيم العراق والمنطقة بعد غزو العراق عام 2003 كان الهاجس الاكثر خطورة واثارة للفزع لدى كل عراقي غيور على مستقبل وطنه ومستقبل اجياله ولكل عربي حريص على الحفاظ على هويته وأمن امته ودور العراق التاريخي في استقرار وريادة المنطقة. خصوصا عندما تشير معظم التحليلات ومراكز التحليل والاستقراء ان اهم الاهداف التي يهدف اليها مشروع احتلال العراق وما اعقبه من مشاريع واحداث هو تقسيم العراق مرورا الى تقسيم المنطقة وهو المشروع الذي خطط له قبل الاحتلال وفقا لوثائق ونصوص ربما لأكثر من عقدين من الزمن.
وقد مارست معظم المحافل السياسية الدولية ناهيك عن مراكز البحوث بل ومعظم ساسة الاحتلال وكيانات العملية السياسية دورا كبيرا في ترسيخ فكرة تقسيم العراق وكأنه الحل الوحيد ليس لنكبة العراقيين فحسب بل لأنه ضرورة لازمة لمصالح الدولة الكبرى الطامعة في المنطقة وامن الدولة الصهيونية. وحتى قوى المقاومة العراقية عندما شرعنت استخدام السلاح بوجه الاحتلال وقوى المعارضة العراقية المناهضة ما زالت تبرر مواقفها بخطورة الاحتلال بسبب خطورة مشروع التقسيم الذي يهدف اليه الاحتلال الذي كرس سياسة المحاصصة الطائفية واقراره الدستور الغامض والملغوم بنوايا التقسيم والتشظي والفوضى الخلاقة والاقتتال الطائفي وبانت معالمه بعدئذ بمشروع بايدن وبتنامي النفوذ الايراني في العراق وظهور الميليشيات الطائفية ومن ثم ظهور تنظيم الدولة في العراق والشام (داعش) ونشر السلاح خارج السلطة واخيرا مشروع ثوربيري الاخير.
-
تبنت جميع الكتل السياسية المشاركة بالعملية السياسية بسبب هشاشة ركائزها الطائفية والعرقية قضية الاقاليم والاتحادية (الفدرالية) التي تؤسس للتقسيم في غياب نص دستوري صريح بعدم التجزئة والتقسيم واستغلت هذه الكتل التهديد بالانفصال والتقسيم لفرض نفوذها على الاخرين في صراعها وفي تنافسها . هددت قيادات البيت الشيعي وكتل التحالف باستثناء الصدريين بالاقليم الشيعي واعتبروه ضرورة لوجودهم توجسا من خطر السنة وهيمنتهم في البداية وهدد الاكراد بالانفصال تكرارا ضاغطين لتنفيذ منافعهم واخيرا عندما همش المكون السني تنادى ساسته بالاقليم السني واعتبروه خلاصا لمحنتهم وتهميشهم . والحقيقة ان هذه الصيحات لم تكن تمثل حقيقة الشارع العراقي ولا المكونات العراقيى بل كانت صيحات لساسة مثلوا المكونات سياسيا من خلال انتخابات غير نزيهة ومنصفة وبممارسات فاسدة وسياسات طائفية واقصائية ادت الى تفاقم الاوضاع الانسانية والمعاشية والبنوية في مجمل المجتمع العراقي .
اليوم يكاد جميع الساسة المشاركين بالعملية السياسية ومن هم خارجها يدركون خطورة التقسيم الذي سيزيد من تفاقم الازمات الخانقة بالعراق والتي تهدد كيانه بسبب تشعب اوجه الازمة اقتصاديا وعسكريا وسياديا وسياسيا وما سيخلفه التقسيم من عنف ونزوح واقتتال وابادة، اصبحت هذه النتائج واقعا يهدد الجميع حكاما ومحكومين بالخطر، وحين لم تعد المصالح الشخصية والمنافع الذاتية تلعب دورا كبيرا وحين فشلت الدولة الحاكمة في حماية اركانها وحماية شعبها، وحين الجميع مهدد بسبب طبيعة الصراع وحالة التشظي داخل الكتل والاحزاب الحاكمة ذاتها، لم يعد امام هذه الكتل جميعا القدرة على تشبثها بالتقسيم وتبنيها له.
شعرت الادارة الأميركية بحجم التهديد الذي يجابه عمليتها السياسية في العراق وفشل الحكومة المركزية في حماية السنة والكرد من مخاطر داعش والميليشيات التي تعكس حجم النفوذ الايراني في العراق ومنه الى سوريا واليمن وخطر ذلك على حلفائها في الخليج العربي، وما عكسته عملية تحالف صولة العزم وتوجهات القيادة السعودية الجديدة لمجابهة الموقف في اليمن بتدخل عسكري بعد ضربات جوية مكثفة ومؤثرة وحصولها على قرار من مجلس الأمن يدعمها في هذا التوجه، وفي إطار تقليص ومواجهة نفوذ ايران في العراق وامتداده الى سوريا واليمن واكتمال مشروع الهلال الشيعي، سارعت إدارة أوباما غير الطامعة بتجديد ولايتها المنتهية أولا بتغيير سياسة تعاملها مع سنة العراق المهددين بين خطري الميليشيات الايرانية من جهة وداعش من جهة أخرى فاعلنت مشروع الدعم وتسليح للأكراد لقاء تمسكهم بوحدة العراق وتسليح السنة لمجابهة داعش والميليشيات بشكل مباشر لقاء وعدها بتشكيل اقليم سني لهم يكون بمثابة خط الصد والقطع للهلال الشيعي الممتد.
يضاف لذلك حالة تدهور الوضع السياسي والاقتصادي لنظام الملالي في ايران والذي يعكسه ضعف ايران قي حماية الحوثيين والرد على صولة العزم وبروز احداث المعارضة بسب سياساتها القمعية في مناطق الاحواز والمناطق الكردية والبلوش وكذلك ما تم في لقاء اوباما بقيادات دول الخليج وتأثير ذلك على موقفها التفاوضي حول مشروعها النووي مجموعة الخمسه+1 .
ساهمت كل هذه الاحداث اضافة الى تحديات داعش وقدرته على الحاق هزائم وانكسارات متكررة في صفوف القوات العسكرية والحشد الشعبي في جبهات متعددة في خلق تغيير في الخطاب السياسي الحاكم وعاد الجميع يتظاهر او يقتنع بضرورة التمسك بوحدة العراق وتحقيق المصالحة الوطنية. وبدأنا نسمع الحكيم والصدر والعبادي والعامري وجميع كتل التحالف الشيعي اليوم تتنادي بالتمسك بوحدة العراق بعد ان شعروا بمخاطر انهيار دولتهم الفاشلة ، ومن المؤكد ان المجتمع السني الذي رفض التصويت للدستور بسبب نصوصه التقسيمية هو اكثر المكونات تمسكاً بوحدة العراق بالرغم من استهدافه وتهميشه.
ان القوى الوطنية العراقية المناهضة للإحتلال تجد امام مجمل هذه الاحداث ان فرصة تفويت الفرصة على نجاح مشروع التقسيم كهدف من اهداف غزو العراق واضعافه باتت اقرب الى الواقع اليوم من اي وقت مضى مما يجعل فرصة اصدار وثيقة الالتزام بوحدة العراق وعدم امكانية تقسيميه من قبل السلطة الحاكمة المتمثلة بالرئاسات الثلاث وتوفير ضمانات دولية له من دول لا يخدمها التقسيم ولا تجد فيه مصلحة لها اصبحت مؤاتية اليوم قبل غد .
-
لماذا ضمانة وحدة العراق اليوم هي المحور؟





