من أي جحرٍ عفنٍ خرج معممون قادوا جهلة وغوغاء وهاجموا الأعظمية وبيوتها بحجة الهجوم على دائرة الوقف السني؟!
ولماذا يتم هذا الأمر بمناسبة وفاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم، وهي الذكرى التي ارتبط بها اسم الأعظمي النبيل الشهيد عثمان العبيدي؟!
أليست هذه الجريمة هي حلقة أخرى ينفذها أقزام إيران في سلسلة تشويه تاريخ العراقيين من الشيعة العرب وإظهارهم بمظهر الجاحدين الذين لا يفون لمن وفى لهم وتعلق بحبل الود معهم؟!
إلى متى يدوم صمت الشيعة العرب في العراق على إيران وما تفعله من تشويه لتاريخهم؟!
في مستهل أيام مراهقتي، بداية شهر حزيران 1970، توفي أبو العملاء والجواسيس المرجع الشيعي، يومها، محسن الطباطبائي الحكيم، وجرى تشييعه من الكاظمية عبر الأعظمية مرورا بشارع الرشيد وعبوراً على جسر الأحرار إلى علاوي الحلة ثم إلى النجف، وقد شاركت في ذلك التشييع الضخم، وعلى الأكثر كان سبب مشاركتي هو الفضول الذي قادني إلى مهنة الصحافة لاحقاً.
المهم، عندما مرَّ موكب التشييع في الأعظمية، كانت المحال التجارية كلها مغلقة مشاطرة للمشيعين في حزنهم، إلا أحد المحال، وكان محل تصليح أجهزة راديو وتلفزيون، فتح أبوابه فتحرك من يتبع دين إيران من العجم إلى مهاجمة المحل وتحطيم واجهته الزجاجية وطفقوا يهاجمون محالاً مغلقة، ولم يتحرك أبناء الأعظمية ولم يردّوا على العدوان، ولو فعلوا لحدثت كارثة كبرى، لكن المشيّعين أنفسهم هاجوا وماجوا بعد هذه الحادثة ليس لمواصلة عدوان هؤلاء المحرضين وإنما للإمساك بهم وتعنيفهم وحجزهم، ويبدو أن هذه المجموعة كان مناطاً بها هذا العمل فقط لإحداث فتنة لا تحمد عقباها، وعندما عبر موكب المشيعين جسر الأحرار واقترب من مبنى الإذاعة والتلفزيون خرج الرئيس المرحوم أحمد حسن البكر للمشاركة في التشييع فتحركت المجموعة الثانية التي كان مناطاً بها إحداث فوضى من نوع آخر حيث هتفت "سيد مهدي نريده هنا اسمع يالريس".
و"السيد" مهدي هو ابن المتوفى وكان في السودان، يومها، هارباً لاتهامه بالتجسس والتخابر مع بريطانيا.
وبدفع مما يسميه العلامة علي الوردي بـ"التنويم الاجتماعي" ردد بعض المشيعين الهتاف مع هذه المجموعة وهم لا يفهمون مغزاه فألقت السلطات المختصة القبض على المجموعة التي كانت، كما يبدو قد شخَّصتها بالتعاون مع بعض المشيعين، وانتهى الأمر وسار الموكب بهدوء.
أقول: إن هذه الحوادث ليست جديدة، ولم تؤثر يوما على العلاقة بين الأعظمية والكاظمية ولم تتحول إلى فتنة، وصحيح جداً أن حكومة الاحتلال المركَّب في بغداد تدعم هذه الميليشيات وتشجع على الفتنة لكنها لن تستطيع ثلم العلاقة الوثيقة بين العراقيين فأبناء الأعظمية من عشائر عربية لهم أبناء عمومة في الكاظمية من عشائرهم نفسها، وهناك مصاهرات لم تنقطع إلى يومنا هذا بين ضفتي دجلة: الأعظمية والكاظمية، ولذلك لن ينجح أحد في إشعال فتنة بين الضفتين.
ولا تنسوا يوم 31 آب 2005، حين أرادت حكومة إبراهيم الجعفري إحداث فتنة أعظم تسببت بكارثة جسر الائمة 2005 عندما سقط من الجسر وغرق في النهر أكثر من 1000 شخص، بينهم نساء وأطفال وشيوخ، نتيجة للتدافع الشديد على ذلك الجسر بعد انتشار اشاعة بوجود مفجر انتحاري مما أثار الذعر بين الجموع وبسبب اكتظاظ الجسر بالمشاة واغلاقه من أحد أطرافه بنقطة تفتيش سقط العديد من الزوار في النهر أو دهسوا بسبب الفوضى التي عمَّت بعد انتشار الاشاعة. ووقع الحادث عندما كان مئات آلاف الزوار متوجهين لاحياء ذكرى وفاة الامام موسى الكاظم، أيضاً.
وقام أهالي الأعظمية بمساعدة الغرقى والجرحى وانتشالهم من النهر، وغرق على أثرها أكثر من 10 غواصين من المعروفين من أهالي الأعظمية. ومات غرقاً الشهيد عثمان العبيدي من سكنة الاعظمية بعد انقاذه لعشرات الغرقى من الزوار.
وجمعت حكومة الجعفري باسم هذه الكارثة تبرعات بمئات الملايين من الدولارات من داخل العراق وخارجه بذريعة توزيعها على شهداء الكارثة، ثم لم يقبض ذوو الشهداء شيئاً منها، وذهبت إلى جيوب الجعفري والفاسدين من حكومته، ولا أدري هل أعطوا خمسها إلى ولاية الفقيه أم لم يعطوا؟!
وما يبهج النفس أن أحد شباب الأعظمية وقف، بعد جريمة اليوم، في طريق زوار الكاظمية معلقاً على صدره ورقة مكتوب عليها "أنا سني أحبك يا أخي الشيعي"، وكان الزوار يمرون به فيعانقونه أو يلتقطون الصور التذكارية معه.
وبعد جريمة اليوم في الأعظمية بدأنا نسمع أصواتاً طائفية تحريضية تدعو لإحداث فتنة بين الضفتين وتنفخ في جمرة الطائفية بينهما، لكن لن يجدي شيئاً ما يفعلون وتظل العلاقة بين الضفتين وثيقة لا تعكّرها الأصوات النشاز، ذلك أن العراقيين فهموا هذه اللعبة منذ مئات السنين، والمجرب لا يجرب.