وحدة وطن وقلوب متناثرة!‏

جاسم الشمري

الحديث عن التعايش بين العراقيين في بعض المواقف والمراحل صار كعازف ‏الناي في وسط المدافع والحرائق والخراب والدمار، لأن غالبية السياسيين يهمهم أن ‏تنحدر الأمور إلى دمار أكثر من الدمار الحالي، وإلى خراب أشد من الخراب ‏الحاصل، وإلى انهيار أعمق من الانهيار الموجود، لأنهم – وببساطة - لا يمكنهم ‏العيش في الظروف الطبيعية.‏

 

 

قبل الحديث عن الأحداث المليشياوية التي وقعت في مدينة الأعظمية ببغداد نهاية ‏الأسبوع الماضي ينبغي أن نفرق بين الموقف الشعبي والموقف السياسي، فغالبية ‏العراقيين لم تصل إليهم حتى الآن شرارة، أو جمرة الطائفية المقيتة، والقلة القليلة ‏منهم حركتهم هذه النبرة السقيمة، وصاروا جزءاً من تيارها الجارف الحارق.‏

ومقابل هذه النسبة القليلة من المواطنين نجد أن غالبية السياسيين من الأحزاب ‏الحاكمة هم طائفيون حد النخاع، لأنهم يعتقدون- وهم على حق- أنهم ماسكون ‏بزمام الأمور، وهم يريدون أن يوصلوا الطرف الآخر(سنة العراق)، إلى قناعة ‏تامة أن "التعايش بين العراقيين غير ممكن"، ولذلك فهم حريصون على دعم ‏المليشيات وإخفاء جرائمها، وفي ذات الوقت هم مقتنعون أنهم عاجزون عن حكم ‏البلاد من دون اللعب على وتر الطائفية.‏

في ظل هكذا أجواء غير صحية صارت المليشيات المتنوعة هي الآمر الناهي في ‏غالبية الملفات الأمنية. ‏

والقوات الأمنية أمامها لا تحرك ساكناً، ولا تسكن متحركاً في الميدان، فهي - إن لم ‏تكن من المليشيات - فإنها تفتح الطريق لجرائمها!‏

غالبية جرائم المليشيات في السنوات الأخيرة كانت في الخفاء، إلا أن الأمر في ‏الفترة الأخيرة – وخصوصاً بعد تشكيل الحشد الشعبي- تطور وفقاً لتطورات ‏المرحلة، وحجتهم في ذلك مكافحة الإرهاب، وعليه تشجعت المليشيات للقيام ‏بجرائمها أمام مرأى ومسمع القوات الأمنية الحكومية.‏

ما حدث في مدينة الأعظمية ببغداد خلال زيارة الإمام الكاظم على يد بعض ‏الزائرين - الذين يمرون سيراً على الأقدام من الأعظمية باتجاه الكاظمية عبر جسر ‏الأحرار الرابط بين المدينتين – يُعد جريمة جديدة تضاف لسجل المليشيات الأسود.‏

الحادثة التي وقعت نهاية الأسبوع الماضي بدأت حينما أقدمت مجموعة من ‏الزائرين الغوغاء على العبث بمحتويات مبنى هيئة استثمار الوقف السني ثم ‏احراقه، وبعدها حطموا عدداً من المحال التجارية وسرقة محتوياتها وحرقها أمام ‏أنظار القوات الأمنية الحكومية، وأصيب نحو (15) شخصاً من أبناء المدينة ‏بجروح متفاوتة، إضافة إلى إحراق (30)  منزلاً وعشرات السيارات التابعة ‏للأهالي.‏

وبعد الحادثة صرنا نسمع من أطراف حكومية وغير حكومية نداءات بضرورة ‏الحفاظ على الوحدة الوطنية.‏

لا شك أننا جميعاً مع هذا المطلب الأساسي، والقاصم لظهر الطائفية في العراق، ‏لكن عن أية وحدة وطنية نتحدث، وأية وحدة نأمل؟!‏

الوحدة الحقيقية بين العراقيين لا تكون بالصلاة الموحدة ولا بالخطابات السقيمة ‏الخالية من روح الواقع، وإنما تكون بتوحيد القلوب والرؤى والمواقف قبل توحيد ‏الأجساد، أما موضوع الوحدة المنزوعة الروح فهو نوع من زج الكذب في الواقع ‏بالتوقيت غير الصحيح، أو هو نوع من تهوين جرائم المليشيات بلباس وطني، لأن ‏غالبية هؤلاء الساسة يعلمون أن حب الدين والوطن له مكانة كبيرة في نفوس ‏وعقول وضمائر العراقيين جميعاً، وعليه فهم يرددون هذه الشعارات من أجل بقاء ‏العملية السياسية، وبالمحصلة بقاء المكتسبات الشخصية والحزبية الضيقة.‏

رئيس الحكومة وجميع الزعماء - إن كانوا حريصين على العراق - عليهم أن ‏يجمدوا هذه المليشيات، ويقطعوا طريق الجريمة عليها، بعد أن أُلبست ثوباً دينياً ‏ورسمياً بعد ارتباط الحشد الشبعي بهيئة الحشد التابعة لرئاسة الوزراء!‏

ما جرى في الأعظمية لا يمكن أن يكون فعلاً غير مدبر، وإنما هو شرارة أرادت ‏بها المليشيات حرق الأخضر واليابس في الوطن، فهل سنتعلم من هذه التجربة، أم ‏أن "حُكماء المصالح" سيمررونها كبقية الجرائم التي وقعت في عموم البلاد؟!‏

حقاً: لا خير في الحكمة الممزوجة بالضعف والهوان، والحكمة القوية خير من ‏الضعيفة، وفي كل خير!‏

 

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,035,203

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"