قصة جسر الحياة أو الموت؟!‏

جاسم الشمري

‏"بزَيْبـِز" ليس اسماً لمعبر يفصل غزة عن الكيان الصهيوني، وإنما هو اسم لجسر على الفرات ‏‏(27 كم غرب العراق)، يفصل عامرية الفلوجة عن بغداد.

هذا الجسر الحديدي المتهالك، صار ‏في لحظة من الزمن سفينة النجاة التي تقل المهاجرين الهاربين من الجحيم نحو "وادي الأمان". ‏

هذا الجسر الحديدي العتيق، الذي يقع تحت سيطرة القوات الحكومية، تكتب اليوم على صفائحه ‏الحديدية قصة شعب يُهان في بلاده!‏

القصة بدأت قبل شهرين تقريباً، حينما بدأت العوائل الأنبارية بالنزوح نحو بغداد، على اعتبار ‏أنها عاصمة وطنهم الذي طالما قاتلوا وضحوا من أجله منذ ثمانينيات القرن الماضي وحتى الآن. ‏وهنا كانت الفاجعة، أو المفاجأة!‏

الحكاية، ببساطة، أن القوات الأمنية المرابطة على الجسر، طلبت من الأهالي كفيلاً من داخل ‏بغداد حتى يُسمح لهم بالدخول. وهذا الإجراء تم في المحافظات المجاورة للأنبار أيضاً. وهو ما ‏أثار موجة من الغضب الشعبي في عموم الوطن، لأنه تقطيع لأواصر الأخوة والتآلف بين ‏العراقيين، وتهديد للسلم المجتمعي الذي تحاول العديد من الأطراف الداخلية والخارجية -جاهدة- ‏تدميره.‏

وهنا حاولت الحكومة امتصاص الغضب الشعبي، وأصدرت أوامرها للجيش بإلغاء هذا الشرط. ‏إلا أن الحال ما تزال مستمرة منذ شهرين وحتى الآن، ولا ندري من القادر على إصدار الأوامر ‏لهذه القوات: هل هي الحكومة، أم أطراف داخلية وخارجية أخرى؟!‏

على طرفي هذا معبر البائس، تقع اليوم مأساة حقيقية. وهناك مئات الصور من معاناة النازحين ‏قرب "بزيبز"، يمكن نقل بعضها هنا:‏

‏- نتيجة الحر الشديد والجوع والإجهاد الذي أصاب النازحين، بعد افتراشهم الرمال في عامرية ‏الفلوجة، قضى أكثر من عشرة أشخاص نحبهم، بينهم أطفال وشيوخ ومرضى. ومع الأسف، لم ‏تكلف الحكومة ووزارة الصحة نفسيهما إرسال سيارات الإسعاف لهذا المعبر الذي يتواجد حوله ‏أكثر من 15 ألف نازح، هربوا من جحيم المعارك الدائرة في عموم الأنبار!‏

‏- إهانة النازحين من قبل بعض الضباط والمراتب الذين يقفون على الجسر. إذ نقلت بعض مواقع ‏التواصل الاجتماعي صوراً لضابط برتبة عقيد، وهو يعتدي بالضرب، والسب، وإهانة النساء، ‏والتلفظ بألفاظ نابية بحق النازحين المحتجزين منذ نحو أسبوع عند الجسر.‏

وهذه الجريمة أكدها رئيس مجلس عامرية الفلوجة شاكر محمود، الذي ذكر أن ضابطاً برتبة ‏عقيد يدعى عباس -لم يذكر اسمه كاملاً- هو من اعتدى على المواطنين!‏

‏- بعض عناصر القوات الأمنية منعوا دخول الغذاء والدواء للمحتجزين بعامرية الفلوجة من ‏بغداد، إلا بعد حصولهم على رِشى!‏

وبعد حكاية إذلال كاملة الأركان، يدخل من يجد كفيلاً، لتبدأ بعدها -لغالبيتهم- قصة عدم وجود ‏مأوى، مما دفع الآلاف منهم للسكن في المساجد والجوامع، كبديل عن ترك الحكومة لهم ‏يواجهون مصيرهم المجهول في بلادهم!‏

هذه الصور المؤلمة ارتكبت أيضاً في المحافظات المجاورة للأنبار، والتي اشترطت الكفيل ‏لدخول النازحين إليها، لتسجل بذلك واحدة من أبشع صور الخزي والعار في التاريخ العراقي ‏الحديث.‏

ومن حقنا أن نتساءل: أين دور الحكومة والبرلمان؟! وأين دور النواب الذين يمثلون المحافظات ‏المنكوبة، في مواجهة هذه المآسي؟! ثم، لماذا تفتح الحدود العراقية للزائرين الإيرانيين من دون ‏اشتراط طلب التأشيرة، وهم يدخلون يومياً بالآلاف، بينما يشترط على ابن البلد إحضار كفيل ‏لدخول مدينة أخرى في وطنه؟! هل هذه سياسة راشدة تقود لرأب الصدع، أم هي سياسة ظالمة ‏تدمر الوطن المبتلى؟!‏

لقد أبدع د. خالد الجابري، حينما أنشد قائلاً:‏

لا القلبُ يسهو ولا الأجْفان ترتاحُ

‏                        فاليوم أهلي عن الأنبار نُزاحُ

رامَت كفيلاً لهم بغدادُ إذ وصلوا

‏                       جسر البُزَيْبزِ فالأحلامُ أشباح

دارَ السلامِ أيا بغـدادُ قاسيةٌ

‏                          ما فاقها قسوة وحشٌ وسفّاحُ

أهلي كرامٌ وشتَّى النَّاسِ تقْصِدهمْ

‏                        للغيرِ ديوانُهمْ طِيبٌ وإصلاحُ

قـُدُورُهم منْ لحومِ الضَّأن مُكرمةٌ

‏                           أمَّا الدِّلالُ فَمِنها الهَيل فوَّاحُ

فأي مهازل هذه التي ترتكب؟! أم أنها حكايات غابة تدعى "العراق الجديد"، وهذه بعض ‏أسرارها؟!‏

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,031,370

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"