الميليشيات والأرض المحروقة

نزار السامرائي

قبل عدة أيام قامت مجموعة تنتمي إلى ميليشيا "حزب الله/ العراق"، والله والعراق منها ‏براء، بغزوة على مديرية شرطة التاجي وأطلقت سراح مجموعة من القتلة المجرمين ‏المنتمين إليها كانوا موقوفين على ذمة التحقيق بشأن ما ارتكبوه من جرائم سلب ‏وحرق البيوت والمحال التجارية في مدينة تكريت أثناء احتلالها وتشريد أهلها ومنع ‏حتى أعضاء مجلس المحافظة الذي بح صوت أعضائه في المطالبة بمشاركة "الحشد ‏الشعبي" بالمشاركة في القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية، ومرت حادثة مديرية ‏شرطة التاجي وكأنها لم تحصل، على الرغم من أن توقيف أولئك المتهمين كان بأمر ‏رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي، والذي كان يصر وبعناد ‏عجيب على أن القوى المنضوية تحت لافتة "الحشد الشعبي" ليست ميليشيات وإنما ‏جزء من القوات المسلحة. ‏

 

 

ويوم الخميس 29/4 قامت مجموعة من الميليشيا نفسها باحتلال منشأة "الشهيد" ‏الصناعية في عامرية الفلوجة واعتقلت العاملين في المنشأة واعتدت عليهم بالضرب ‏والإهانة، وسطت على مرتبات العاملين في المنشأة، وقال متحدث  باسم شرطة ‏الأنبار إن المجموعة سرقت عجلات المنشأة، إضافة إلى سرقة النحاس الخام من ‏مخازنها ثم نقلته إلى كركوك ضمن صفقة دخلت عليها ميليشيا "حزب الله" بالتنسيق ‏من أشخاص متنفذين من محافظة الأنبار.‏

وذكرت تقارير من موقع الحادث أن حيدر العبادي أرسل للمجموعة الإرهابية مبعوثا ‏خاصا متمنيا عليها إخلاء المنشأة لما يسببه احتلالها من حرج شخصي شديد له، لأنه ‏أهلك نفسه في الدفاع عنها بحرارة ووقف ضد كل من يصفها بالميليشيات، وأكد أنها ‏جزء من القوات المسلحة وأنها تتحرك بموجب أوامر صادرة من القائد العام للقوات ‏المسلحة، وقالت التقارير إن المجموعة تظاهرت بالاستجابة لتوسلات رئيس الحكومة، ‏ولكنها وبفعل ينم عن همجية غير مسبوقة ونزعة في غاية اللؤم تذكرّنا بما فعلته ‏قطعان الغوغاء عام 1991 والتي كان هدفها تدمير كل منشئات الدولة الإنتاجية ‏والخدمية على حد سواء، أقدمت على إضرام النيران في المنشأة والتي تضم معدات ‏عملاقة ربما لا تضاهيها إلا منشئات محدودة في العالم، ومرد الحقد على هذه المنشأة ‏بالذات أنها جزء من تاريخ الإنجازات الكبرى التي أقامها العراق في مرحلة البناء ‏والتنمية الشاملة قبل الاحتلال الأميركي عام 2003، وأنها تبقى صالحة للإنتاج ‏الحربي من ذخيرة متعددة المواصفات مع إنتاج أحدث القوالب اللازمة في هذا القطاع ‏الذي لو أمسكته أياد أمينة لحررتالعراق من كل قيود الابتزاز من مجهزي السلاح ‏الإقليميين والدوليين، ولكن فكرة تجريد العراق والمحافظات السنية بشكل خاص من ‏كل عناصر قوة البناء العسكري والاقتصادي ومصادر الثروة والتشغيل ومن المنشئات ‏الاقتصادية،تبقى هي المسيطرة على العقول المريضة في ميليشيات الحقد الطائفي، لأن ‏هذا الهدف تلتقي عنده قوى محلية وإقليمية ودولية لا تريد للعراق أن يستعيد عافيته ‏السياسية والعسكرية والاقتصادية، وخاصة إيران وإسرائيل، وجهات أخرى تعتبر أن ‏هذه المنشأة وغيرها من صروح النهضة الصناعية بمثابة عامل قوة وتهديد يقطع يدها ‏عن التلاعب بمصائر العراقيين.‏

لقد وصلت الأمور هذه المرة حدا لم يعد ممكنا تجاهل أبعاده فالسلوك المنحرف ‏للميليشيات ومراجعها السياسية والدينية، بات يأخذ بعدا انتقاميا من طراز خاص ‏وخبيث إلى أبعد الحدود في وقت واحد، فالميليشيات المنضوية تحت لافتة "الحشد ‏الشعبي" والتي تشكلت بموجب فتوى علي السيستاني والموسومة بفتوى "الجهاد ‏الكفائي" باتت تتحرك ضمن خطة تدميرية لصروح البناء الاقتصادي الصناعية ‏والزراعية والخدمية والطرق والجسور والسدود في المحافظات السنية، ظنا منها أنها ‏ستترك هذه المناطق أسيرة الحاجة إلى العون من أية جهة كانت، مما سيقّيد حركتها ‏ويربطها بعجلة التوازنات المحلية والإقليمية والدولية، لأن هذه الميليشيات حتى وهي ‏ترفع شعار وحدة العراق وزعما بعدم موافقتها على أية خطوة تعرّض وحدة التراب ‏الوطني للخطر، فإنها في واقع الحال تعمل على هدي برنامج سياسي وأمني ‏واقتصادي يتحرك وكأن التقسيم واقع غدا لا محال، ولهذا فإنها وهي تحتل مدن ‏المحافظات السنية تحت لافتة تحريرها من الإرهاب، فإنها تتصرف بعقلية المحتلين ‏الذي يحرصون على حرمان البلد الذي يحتلونه من كل عناصر قوته كي لا يمثل ‏تهديدا مستقبليا عليهم.‏

لكن السؤال الملح في واقعة منشأة الشهيد، من هم الأشخاص الذين خانوا أنفسهم ‏وتجردوا عن قيمهم بل وعن شرفهم فتواطئوا مع حزب الشيطان العراقي لتهريب ‏النحاس الخام إلى كركوك، وكأن شمال العراق لم يشبع بعد من النهب المنظم لمعدات ‏المنشئات ومواقع العمل في المشاريع الاستراتيجية الكبرى، حتى انتقل إلى النحاس ‏الخام وكأن النحاس الخام مفقود من أسواق تشيلي وزامبيا حتى يتهالك الجشعون على ‏موجودات منشأة تعتبر مفخرة للصناعة العراقية من هذه المادة، لأنهم وببساطة شديدة ‏لا يريدون رؤية العراق بالصورة التي يطمح لها كل عراقي غيور وشريف، ولكن من ‏أين نأتي لعملاء إيران بالقليل من الشعور والشرف الوطنيين؟

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :135,620,286

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"