الصورة: اللقاء الشهير بين السيد طارق عزيز وجيمس بيكر، 1991، الذي هدد فيه الأخير بإعادة العراق إلى عصر ما قبل الصناعة، أرشيفية.
صلاح المختار اغلبنا يتذكر تهديد جيمس بيكر وزير الخارجية الأميركية في عام 1991 قبل شن الحرب على العراق في ذلك العام فقد قال كلاما واضحا وصريحا ولا يقبل اللبس للاستاذ طارق عزيز فك الله اسره (سنعيدكم الى عصر ما قبل الصناعة)، وهذا الكلام لم يكن تهديدا مجردا للضغط بل كان موقفا متخذا مسبقا لكن غضب بيكر دفعه للنطق به .
الان عندما ننظر ليس الى حالة العراق فقط بل ايضا الى حالة سوريا وليبيا واليمن، وبقية الاقطار العربية تنتظر دورها ، سنلاحظ ان تهديد بيكر نفذ بطريقة انموذجية وكاملة ، فلم يعد العراق وسوريا وليبيا واليمن سوى مسارح لكوارث غير مسبوقة نتجت عن تنفيذ مخطط قام عمدا وتفصيليا على اشعال ازمات وحروب وعدم السماح باطفاء نيرانها وضمان ديمومتها حتى تدمر كل شيء : الانسان والعمران والقيم والدولة والمجتمع تدميرا شاملا يجعل الشفاء مقرونا بالاستحالة تقريبا . وسط هذه الصور الكارثية نرى ثلاثة اسماء تتسابق لابقاء الكوارث متواصلة : أميركا و(إسرائيل) الغربية و(إسرائيل الشرقية) . فهذه الاطراف الثلاثة هي المستفيد الاكبر مما يجري وتلك هي فرصتها التاريخية لتنفيذ خطط قديمة كان تنفيذها قبل انهيار الاتحاد السوفيتي مستحيلا ، فأميركا التي تواجه ازمة بنيوية غير مسبوقة تجرها جرا للانهيار الحتمي لو تواصلت دون اجراءات جذرية لتوفير متطلبات الديمومة وهي كلها موجودة خارجها ممثلة في ثروات الامم ومصادرها الطبيعية ، و(إسرائيل) الغربية لا تستطيع مواصلة بقاءها من دون أميركا القوية ودعمها لها ماليا وعسكريا ، لذلك فمن مصلحتها دعم خطط أميركا لتوفير مصادر بقاءها بالاضافة الى ان العرب بصفتهم اصحاب القطر الذي احتلته الصهيونية واقامت على انقاضة دولة مستوردة يفرض انهاء اي احتمال لنهضة العرب وتعزيز قوتهم وتحقيق وحدتهم لان تلك الحالة تقود الى انهاء (إسرائيل) الغربية . اما (إسرائيل الشرقية) فأنها الطرف الاكثر عداء للعرب لاسباب تاريخية ونفسية وجيوبولتيكية متداخلة بقوة فالفرس كانوا ومنذ اكثر من خمسة الاف عام يجدون في العراق ملاذا لهم من الجوع الدوري بسبب فقر الهضبة التي يعيشون عليها ، فيكون الخيار الوحيد امامهم هو غزو العراق الغني بالماء والارض الزراعية ، وتلك الحروب والغزوات انتجت ثأرات وكراهية متبادلة بين العرب والفرس تحولت الى نزعات عنصرية متجذرة لدى الفرس لان خلاصهم من فقر طبيعة بلدهم مقترنة بالاستيلاء على موارد العرب ، فكيف يكون حال الفرس عندما يجدون انفسهم وبعد ان اقاموا دولة حديثة متقدمة في النصف الاول من القرن العشرين مهددين بمواجهة كوارث انهيار دولتهم ومجتمعهم ؟ الجواب هو تفاقم نزعة العداء للعرب وتعاظم الاصرار على احتلال اقطارهم لتوفير الموارد الطبيعية بالاضافة لاشباع نزعات الثأر والاحقاد . أميركا التي رأت ان خلاصها مشروط بالسيطرة على منابع النفط كلها (مبدأ كارتر تطبيق لذلك) وتسخيرها للتعويض عن تدهور اقتصادها من جهة ، ولاستخدام النفط كسلاح ضد منافسيها وخصومها الدوليين من جهة ثانية ، فهي عاجزة عن تحقيق التفوق على الاطراف الاخرى ما لم تمسك بدم العصر وهو النفط والغاز وهو موجود بغالبيته في الوطن العربي . وبناء عليه فان أميركا تبنت خطة لاعادة ترتيب اوضاع الاقطار العربية بطريقة تسمح لها بالاستغلال الامثل لموقع وثروات العرب وذلك فرض عليها تبني خطة تفكيك الاقطار العربية بحروب طائفية وعرقية تمهيدا لتقسيمها وانهاءها الى الابد كقوة تمثل امة واحدة وهوية واحدة . و(إسرائيل) الغربية وجدت في التوجه الأميركي تنفيذا لاهم خططها التقليدية وهي خطة تقسيم الاقطار العربية لانهاء خطرها الى الابد ، اما (إسرائيل الشرقية) فانها عثرت عل هبة من السماء عندما تبنت أميركا خطة تقسيم الاقطار العربية لانها تمهد لها الطريق لتحقيق هدف قديم جدا وهو الاستيلاء على الاقطار العربية ووضعها تحت استعمارها واستغلال ثرواتها او بعضها بعد تقاسمها مع أميركا .ما قاله جيمس بيكر كان اشارة الى هذه الستراتيجية المشتركة بين الاطراف الثلاثة أميركا و(إسرائيل) الغربية و(إسرائيل الشرقية) وبدعم دول اخرى في مقدمتها بريطانيا واطراف اوربية اخرى . وهذا اهم ما يجب تذكره كي نرى الحقائق الميدانية . الان عندما نلاحظ عدم اكتراث العالم بكوارثنا المتصاعدة منذ بدأ ربيع بين صهيون في عام 2011 ونرى ان الغرب والصهيونية والفرس يمنعون اطفاء الحرائق ويصبون الزيت عليها كلما اوشكت على الانطفاء فهذا امر طبيعي ومنسجم مع مصالح وخطط تلك الاطراف الاقليمية والدولية . ومن يتحدث عن اخطاء أميركا وقصر نظرها وارتباكها وعدم وجود ستراتيجية واضحة لها او ان ستراتيجيتها فاشلة ... الخ اما جاهل بما يجري او متجاهل له حرصا منه على تواصل الكوارث حتى توصل العرب انظمة وشعبا ودول وهوية الى الفناء الكامل . ليس هناك خطأ وليس هناك نزعة تجريبية ، وليس هناك تردد او ضعف ادارة أميركية وليس هناك اختلافات داخل أميركا تجعلها متناقضة - في الظاهر - في مواقفها ، وليس هناك رئيس أميركي يختار الموقف الذي يراه مناسبا لان الاصل هو ان المؤسسة التي تتحكم في حكام أميركا هي التي تفرض الخطط الستراتيجية وليس الرئيس الا مديرا تنفيذيا ، ما نراه هو تنفيذ متتابع لخطوات في ستراتيجية أميركية صهيونية تشارك فيها (إسرائيل الشرقية) بدور حاسم ورئيس والهدف هو تقسيم وتقاسم الاقطار العربية بعد تعريضها لكوارث فوضى هلاكة تستمر حتى تحرق الاخضر واليابس ولا تبقي حجرا فوق حجر وتضع ملايين البشر تحت الارض موتى او مختبئين من الموت العشوائي والمنظم الذي ينتظرهم . ما نواجهه خطة مدبرة بكل ماتعنيه هذه الجملة من معنى فنحن ضحايا اعداء اتفقوا على ابادتنا وتدمير كل مظاهر الحياة الطبيعية في وطننا العربي الكبير ، فمن المستحيل ان يهدد بيكر في عام 1991 ثم نرى الخطوات تترى واحدة اثر اخرى لتهشيم وحدة الاقطار العربية ويكون ذلك عفويا ولا صلة له بالتهديد ! ما يجري الان هو التنفيذ الدقيق والتفصيلي لخطة أميركية صهيونية فارسية ولذلك نلاحظ ان نغول الساحات مهما تناقضوا وتقاتلوا يمثلون ادوارا في هذه الخطة . فالارهابي الصفوي المتطرف (الشيعي) وعدوه ونقيضه الارهابي (السني) المتطرف كلاهما ادوات في لعبة تدمير الامة بكافة اقطارها ، توزع الادوار بينهما مثلما توزع الادوار بين أميركا و(إسرائيل) الغربية و(إسرائيل الشرقية)، وهدف توزيع الادوار هو ارباكنا ومنع رؤيتنا للصورة الحقيقية وابعاد وعي شبابنا عن اكتشاف حقيقة ما يجري . لذلك فانه سيكون خطئا قاتلا افتراض ان أميركا سوف تتراجع او تغير موقفها ، وغباء افتراض ان الاسرائليتين سوف تغيران موقفهما منا لاسباب (انسانية) او غيرها ، كل هؤلاء يعملون وفقا لوعي كامل بان واجبهم هو انهاء الوجود العربي ومحو الهوية القومية العربية وعدم السماح بان تقوم قائمة اخرى للعرب . فلا تأملوا عطفا او تراجعا من اعداءنا ، اما الخيار الوحيد الصحيح والناجح الذي يخرجنا من قعر الكوارث وجحيمها فهو وحدتنا وتعاوننا نحن العرب جميعا حكاما ومحكومين احزابا وكتل وشخصيات في مشرق الوطن العربي ومغربة لاننا جميعا حكم علينا بالاعدام الجماعي ولكن واحدا بعد الاخر او كتلة بعد اخرى ، الان علينا تجميد كافة خلافاتنا وهما كانت عميقة والتوجه الكلي لدحر العدو الثلاثي المذكور . المقاومة المسلحة هي السلاح الامضى في صراعنا الوجودي مع هؤلاء اما السياسة فتأتي بعد العمل المسلح ولدعمه لان اعداءنا لا يفهمون الا لغة القوة ولا يتراجعون الا عندما ينزف دمهم ويصل النزيف حد الانهيار ، الم تلحس أميركا اعلانها الرسمي بانها سوف تبقى في العراق على الاقل نصف قرن لكنها هربت بعد ثمانية اعوام بفضل المقاومة المسلحة ؟ اتركوا كل الخيارات وكل الامال والاوهام وتيقنوا ان أميركا عدو خطير وهو ذكي بقدر لؤمه ، وهذا ينطبق على ال(إسرائيل)يتين الشرقية والغربية ، لا تقبلوا الوعود والتطمينات من هذه الاطراف فهي كلها خطة لخداع الضحايا كي يستسلموا للذبح وبلا اي مقاومة ، ولا تفكروا بالتفاوض او الحوار مع هذه اطراف الا ونحن مسلحين حتى الاسنان بسلاح اليقين بان اعداءنا لن يتراجعوا الا عندما نوصلهم للكوارث مثلما هي حالنا ، وهذا هو ما فعلته المقاومة العراقية في معركتي الفلوجة في عامي 2004 و2005 واجبرت أميركا على التيقن من انها عاجزة عن قهر شعب العراق فقررت الانسحاب لتجنب كوارث الاستنزاف . ليكن وعينا بحقيقة ما يجري هو سلاحنا الاهم ، فما لم ندرك حقيقة ما يجري فسوف نذبح حتما ، لنذبح اعداءنا لنضمن نجاة شعبنا .