كلنا نُخطئ ونُخطئ ونُخطئ، ونُصيب، ولكن!‏

مصطفى كامل

لا أدري لماذا يتخذ البعض من قول الحق الهادف إلى التصويب والحريص على الحقيقة، هدفاً شخصياً يستهدفونه بشن حملات تشويه وتخوين وتكذيب!

ولا أدري لماذا ينبري البعض بألسنة حداد لا تتقي الله، رداً على كل محاولة لإثبات حقيقة أو نفي باطل!

ولا أدري لماذ يصرُّ البعض على ترويج الكذبات، وهو يعلم في قرارة نفسه أنها مجرد كذبات!

دارت في ذهني هذه التساؤلات خلال الأيام الأخيرة، بعد أن تداول عديدون على  صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، فيسبوك وتويتر، ومواقع أخرى عديدة، خبراً يقول ان الرئيس الأميركي السفاح، جورج بوش الابن، اعترف بجريمة العدوان على العراق عام 2003، وقدم اعتذاراً علنياً عنها!

ولأنني أعاني من (مرض) خطير غير معدٍ، مع الأسف، اسمه "البحث عن الحقيقة" فقد لفت نظري هذا العنوان الصارخ الذي أوردته، مترجماً إلى العربية، جريدة الفجر المصرية (انظر هنا) فقررت البحث عنه في موقع الصحيفة الأميركية التي نقل عنها الخبر، هافينغتون بوست، والمواقع الإخبارية الأخرى.

وكان مبعث اهتمامي الفائق بالموضوع، أن هذا التصريح، إذا صحَّ، يمكن أن يكون أفضل دليل لسوق المجرم جورج بوش الإبن، وأركان إدارته المجرمة، إلى المحاكم الدولية ومحاكمتهم بارتكاب جرائم حرب، باتوا هم يقرُّون بها!، مع كل ما يترتب على ذلك من تعويض للعراقيين عن كل ما أصابهم جراء هذه الجريمة التي اعترف بها مرتكبها! فضلاً عما يترتب على هذا الاعتراف من نتائج مهمة في الداخل الأميركي!

وفعلاً بحثت عن أصل القصة فلم أجدها على الإطلاق، وأكرر على الإطلاق، فما كان مني إلا أن كتبت المنشور الآتي على صفحتي الشخصية في فيسبوك:

"نشر شخص منشورا في الفيسبوك يفيد ان السفاح جورج بوش الصغير اعترف بأن الحرب ضد العراق كانت جريمة. 
وللامانة العلمية فإن الكلام المنقول عن المجرم بوش ليس صحيحا.
فقد دققت ما ورد في الصحيفة الأميركية قبل أربعة ايام ولم يرد فيها هذا اطلاقا. لأن ما جاء في منشور الشخص الذي أشير إليه منقول عن ترجمة لصحيفة الفجر المصرية وهي ترجمة غير دقيقة.
لذا لزم التنويه حتى لا نتداول كلاما غير دقيق ونضلل به شعبنا وأمتنا ومن يقرأ لنا.
مع التقدير"

وهو، كما ترون، كلامٌ لا يعرِّض بأحد ولا يسيء إلى أحد، سوى من كان في قلبه مرض الكِبر والتعالي، عافانا الله جميعاً!

ولكن لأن أكثر البشر للحق كارهون، كما ورد في النص القرآني الكريم، فقد نشر بعض، ممن لا يعنيهم الأمر من قريب أو بعيد، تعريضاً بي يقول ان بعض مدَّعي العلم والمعرفة أنكروا وجود مثل هذا التصريح!

وأورد غير المعنيين رابطاً عن صحيفة أميركية مغمورة تدعى  Daily Currant  The (سنثبت ماهيتها بالدليل القاطع لاحقاً) لمادة صحفية تؤكد، دون غيرها من صحف العالم ووسائل إعلامه، أن بوش قدَّم اعتذاره عن الحرب على العراق (انظر هنا).

ودافع هؤلاء، غير المعنيين، عن الخبر، وكأنهم حققوا فتح الفتوح وسجَّلوا فوزاً ساحقاً على صحفي همُّه الوحيد نصرة الحق والدفاع عن الحقيقة.

ومرة أخرى، أصابتني نوبة شديدة من (مرض) البحث عن الحقيقة، وأكرر مرة أخرى انه مرضٌ غير معدٍ للأسف لأن الكثيرين من أصدقائي، رغم حديثي الدائم معهم، ما يزالون يقعون في أخطاء مهلكة. فلجأت إلى الصحيفة المذكورة، متصفحاً إياها فوجدت فيها العجب العجاب!

كانت الصحيفة التي استند عليها من هاجموا بحثي عن الحقيقة، ولم يهاجموني شخصياً في حقيقة الأمر، صحيفة ساخرة تهكمية، تنشر أخباراً مفبركة، غير صحيحة على الإطلاق، فوقعوا، بسبب جهلهم بالإعلام وخفاياه، في مطبٍّ كبيرٍ آخر!

وأقدِّم لكم، سيداتي سادتي الكرام، ثلاثة نماذج، فقط، مما نشرته الصحيفة (انظر هنا و هنا و هنا).

وفي أدناه صورة عن رؤوس الموضوعات الثلاثة، يفيد الأول بانتاج عصير البرتقال من أبقار معدَّلة وراثياً، ويتكلم الثاني عن انتاج شركة سجائر مارلبورو لنوع من السجائر مدعَّم بالفيتامين، فيما يتحدث الثالث عن مهرجان سعودي للأفلام جرى برعاية الملك سلمان بن عبدالعزيز، فاز فيه فيلم إباحي أميركي!

 

 

كما إنني، خلال النوبة المرضية الشديدة، وجدت أن إحدى الصحف الأميركية قد نشرت هذا الخبر، مؤكدة في عنوانه على انه (Satire ) أي سخرية أو تهكم (أنظر هنا).

والأدهى من ذلك أنني وجدت تصريحاً رسمياً من السفاح المجرم جورج بوش الإبن، يفيد بأنه راضٍ تماماً ومرتاح للغاية مما فعله في العراق، وقد جاء هذا التصريح في صحيفة هافينغتون بوست، ذاتها (وهي في الحقيقة موقع إخباري يقدم محتوى أصلي شامل نقلاً عن صحف أميركية عديدة، نال جائزة بوليتزر ليصبح أول نشرة الكترونية تحصل على هذه الجائزة) وقد نشر بتاريخ قريب من تاريخ الخبر الساخر المفبرك الذي نشرته Daily Currant  The (أنظر هنا).

إن من المؤسف حقاً، أن تكون الثورة الهائلة الحاصلة في تداول المعلومات، وفي الاتصالات، سبباً لترويج الأكاذيب وتضليل الرأي العام، فعِوضاً أن يلجأ مستخدمو وسائل الاتصال الاجتماعي وشبكة الانترنت إلى مواقع البحث المعروفة، ليبحثوا عن صدقية خبر أو مقال أو صورة ما، نجدهم يهرعون إلى صفحات التواصل ومواقع الانترنت ليبثوا أخباراً غير صحيحة، وربما ملفَّقة لغرض ما!

ويزداد الأمر خطورة إذا كان من يتداول هذه المعلومة الخاطئة، مسؤولاً مرموقاً في دولة أو برلمان أو منظمة أو حزب، أو إعلامياً له قراء ومتابعون كثر، فيكون الضرر حينها مزدوجاً: مرة بتضليل هذا المسؤول أو الإعلامي لجماهيره وقرائه الذين سينقلون عنه كلاماً يفتقر إلى الصدقية، ومرة أخرى بفقدانه، هو شخصياً، الصدقية، وهي أهم مستلزمات المسؤول أو الإعلامي الناجح.

ولأننا جميعا بشر معرضون للخطأ، فلا بأس أن يقدِّم المخطئ منا اعتذاراً لمن يعنيهم الأمر، عن خطأ ارتكبه بنقل خبر غير صحيح، أو على الأقل حذف ذلك الخبر من صفحته الشخصية أو موقعه الإلكتروني، وهو ما فعلته شخصياً عدة مرات.

صحيح جداً أنه ليس كل من يكتب على صفحات التواصل الاجتماعي أو المواقع الإلكترونية متخصصٌ بفنون العمل الإعلامي، لكن ذلك لا يعفيه، ما دام يمارس عملاً إعلامياً تقليدياً أو عبر وسائل الإعلام الحديثة، ويكتب باسمه وصفته المعروفة للناس، أن يلتزم بمعايير العمل الإعلامي، ويحاول أن يتعلمها، أو على الأقل يستجيب لرأي من يقدم له نصيحة أو رأيا يدلُّه فيه على الطريق الصحيح، فكما إننا لسنا اطباء ولا مهندسين، إلا أننا نلجأ للأطباء عندما يُداهمنا مرضٌ، عافاكم الله، ونلجأ للمتخصصين بالهندسة والتقنيات عندما نتعرض لمشكلة تتطلب حلاً تقنياً.

لقد بات البعض، للأسف الشديد، يستسهل مهنة الإعلام، فيصرُّ على كتابة المقالات والتصريحات وإصدار البيانات، وهو يجهل كثيراً من مستلزمات وضوابط العمل الإعلامي، ما جعل الفضاءات الإعلامية ساحة مكتظة بالغثَّ الكثير والسمين القليل!

إننا جميعاً، أيتها السيدات أيها السادة، بشر نُخطئ ونُخطئ ونُخطئ، ونُصيب، وقد سمّى الله تعالى نفسه "التواب" و "الغفور" في دلالة واضحة على أن عباد الله معرَّضون جميعاً للخطأ، وأن الله يغفر الذنوب جميعاً، وكاتب هذه السطور أول من يقع في الخطأ، وهو مستعد لتقديم اعتذاره العلني، لاحقاً، عن أي خطأ وقع منه في الماضي، وسلفاً عن أي خطأ سيبدر منه في المستقبل، فنحن بشر نُخطئ ونُخطئ ونُخطئ، ونُصيب، إلا من كان يرى نفسه فوق البشر، فيكتب متهكِّماً على الباحثين عن الحقيقة، ساخراً منهم، وهو يحتسي الشاي في مقهى فرنسي أو يرتشف كأساً من البيرة المثلَّجة في حانة إسبانية، فذلك لن نردَّ عليه، فهو من صنفٍ خاصٍ فوق البشر، ونحن مجرد بشر من خلق الله، نُخطئ ونُخطئ ونُخطئ، ونُصيب!

 

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,042,080

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"