وصف «الإقليم» الذي يطلق عليه «كردستان العراق» لا يغير من حقيقة أن المنطقة هي أكبر من هذه التسمية وأقرب الى الدولة المستقلة بهيكليتها ومؤسساتها وقواتها الأمنية وعلاقتها الدبلوماسية مع العالم الخارجي.
حتى أن سياسيا كبيرا يؤكد أن الكفة سترجح لصالحهم في أي مقارنة بينهم وبين دول مستقلة من عشرات السنين، ويرى أن القرن الحادي عشر سيشهد تحقيق الحلم الكردي في دولتهم المستقلة. وتبدو إعتراضات دول المنطقة ورفضها لأي تصريحات عن قيام الكيان الكردي المستقل شيئاً من الماضي، فالجميع يعلم بأن الصورة النمطية عن الأكراد تغيرت جذرياً وأصبح مقاتلو الجبال يديرون اليوم مؤسسات دولة متكاملة ويرتدون البذلات الأنيقة ويستقبلون الضيوف من جميع أنحاء العالم فيما يفضل أغلب ساسة المنطقة أن يطلقوا عليهم لقب «بيضة القبان» في المشهد العراقي. ومع أن الكثير من الأجواء مهيأة لإتخاذ خطوة جريئة في القضية الكردية إلا أن المستشار الإعلامي في برلمان كردستان طارق جوهر يؤكد أن نظرة القيادات الكردية الواقعية للتوازنات الدولية والإقليمية بالإضافة للحاجة الى استكمال البنى التحتية في كردستان يعملان على تأجيل إقامة الدولة، ولكنه متأكداً من أن القرن الواحد والعشرين سيشهد تحقيق الحلم الذي ينتظره 40 مليون كردي موزعين في اربع دول. ويؤكد جوهر أن حسابات الكرد ليست مبنية على الأماني أو العواطف بقدر كونها تستند الى خطوات بدأت بالحصول على الإقليم بعد انتفاضتهم الربيعية في سنة 1991 ومن ثم توجهوا نحو البناء والإنفتاح على العالم حتى وصلوا مستوى من التطور السياسي والاقتصادي يفوق العديد من الدول المستقلة منذ عشرات السنوات. ومثلما حقق العرب والفرس والأتراك واقعهم في دول مستقلة فإن المستشار الإعلامي يدعو دول الجوار والإقليم الى عدم فهم تحركات الكرد لتقرير مصيرهم بانه موجه ضد الشعوب والقوميات الأخرى، لافتاً الى أن دولة كردستان ستكون عامل استقرار في عموم المنطقة ومن مصلحة دول الإقليم والخارج ان تعترف بها. وعن الموقف الدولي العام من قيام الدولة الكردية يبين النائب الكردي في برلمان العراق مثنى أمين أنه يستغرب من ممارسة الاسكتلنديين حق تقرير مصيرهم عن دولة بريطانيا وقبلهم قرر هذا الحق إقليم كيبك الكندي ويرى ان الغطرسة العالمية هي المانع الوحيد أمام الإعتراف بهذا الحق للشعب الكردي. وبخصوص التوقيت الحالي يوضح أمين أن الكرد بإمكانهم تأجيل مشروع الدولة قليلاً حتى لحظة الوصول الى عراق معافى وتسوده العقلية الحكيمة، مذكراً بأن الكرد حافظوا على تماسكهم الداخلي وعلى سلامة الإقليم وسط موجة من المآسي وغياب الوطنية وغلبة الهوية الطائفية في العراق اليوم وهو ما يؤهلهم للقيام بدور عامل التوازن بين مختلف المكونات العراقية فضلاً عن دورهم الإنساني الذي جعلهم وجهة مفضلة من حشود اللاجئين والنازحين من أماكنهم في مختلف أنحاء العراق. وتسود أغلب الأوساط السياسية في إقليم كردستان اليوم نظرة أكثر واقعية وتفهماً لطبيعة الأوضاع في المنطقة التي تعصف بها كوارث أمنية لا نهاية لها بينما يتفق قادة الصف الأول على أن البناء المتأني والجاد لمؤسساتهم الاقتصادية والأمنية والخدمية لا يعني التخلي عن مشروع الدولة الكردية التي ستعيد جمع المواطنين الموزعين بموجب الإتفاقيات العالمية بين دول العراق وسوريا وتركيا وايران. وعلى عكس الذين يقولون بأن التطورات الأمنية الأخيرة في العراق أضعفت من موقف الأكراد وهزت صورتهم فإن المحلل السياسي نوزاد صباح يشير الى نظرية مغايرة تماماً لان الكرد حافظوا على أراضيهم وأبقوا على علاقات متينة مع أغلب المكونات وحازوا تأييداً ودعماً دوليين لم تنل الحكومة المركزية في بغداد مثيلاً له. ويتابع أن الأكراد استطاعوا أن يستوعبوا تطورات العاشر من حزيران/يونيو الماضي وسيطرة تنظيم «داعش» على الكثير من المناطق الواقعة تحت سيطرة بغداد وعملوا بشكل سريع على حماية مناطقهم وكسب التأييد الدولي لجانبهم كونهم مؤهلين أكثر من غيرهم لمحاربة «داعش» وغيرها من التنظيمات المتطرفة في وقت لعبوا دورا إنسانيا كبيرا تمثل بإحتضانهم أكثر من مليون نازح فروا من مختلف محافظات العراق واحتموا بالإقليم وقواته الأمنية. وفي استقرائه للتطورات يشير نوزاد صباح الى أن الكرد سيبقون محتفظين بدور لا يمكن الاستغناء عنه في إدارة الدولة العراقية ورسم مستقبلها مستشهداً بالزيارات الدورية لقادة الكتل والمكونات المســتمرة الى اربيل من أجل التشاور ومحاولة كسب التأييد الكردي لقضاياهم وهو أمر يراه منطبقاً أيضاً على السياسة الخارجية الكردية الناجحة بشهادة التزايد الكبير في عدد القنصليات والممثليات الدبلوماسية في الإقليم . ويستشهد صباح بالجانب الاقتصادي للحكم على نجاح المشروع السياسي للكرد ويستعرض عشرات الاستثمارات والمشاريع لشركات عالمية عملاقة منها ما وصل مراحل نهائية وأخرى تعمل فيها جيوش من عمال ينتمون لمختلف الجنسيات ويختم بأن رأس المال جبان ولا يتقدم بهذه الكثافة إلا إذا كان المكان آمناً تماماً ومستقبله يدعو للتفاؤل والإستبشار.