من هو الإرهابي اليوم؟

ضرغام الدباغ‏

بعد مرور كل هذه السنوات الطويلة على الاحتلال وما أفرزه من نتائج، سياسية في المقام الأول، ثم ‏انعكاساته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية‎ بتواصله وتراكمه، بحيث يمكن القول بكل موضوعية، أن ‏ليست هناك حكومة في العراق، لسبب بسيط جداً، أن الحكومة ذاتها لم تطرح نفسها كحكومة لكل العراق، ‏ولسنا نحن من يقول هذا الكلام، بل وطائفة كبيرة من رجال الدين أنفسهم من ‏المرجعيات، وبين فترة وأخرى ينظم إليهم رجل دين آخر ليشير بوضوح تام أن الوضع في العراق ‏أصبح عاراً في جبين التاريخ والإنسانية، في وضع بلغ من الهزال والانحدار: أن يكتب صحفي معروف ‏أن العراق ليس حكومة ولا دولة، بل بنك أستولى عليه لصوص وسراق ومحتالين.‏

 

هكذا أصبح مصير بلد كان على وشك أن يغادر حقل البلدان النامية، بلد كان على وشك أن تبلغ صادراته ‏من الصناعة بقدر وارداته النفطية، فيما يتضاعف اليوم دخله من النفط أضعاف مضاعفة ولكن مع تراجع ‏بعشرات الأضعاف في كل الاتجاهات، والانسحاق والاقتتال بين أبنائه خدمة للمصالح الأجنبية، ولا نريد ‏التآمر على ذكاء القراء، فتلك الجهات صارت معروفة حتى لأطفال الروضة.‏

لماذا يدور كل ذلك؟

لأن هناك جهات باتت لا تخجل من طرح الأمور على نحو طائفي، في خاتمة يراد ‏لها أن يقسم الوطن!

المسألة والأزمة اليوم لا تكمن في الأسماء والمواصفات التي ينبغي لها أن تحكم، ‏فلطالما كان العراق يحكم بأسماء مختلفة، ولكن الأزمة الجوهرية لها هدف واحد أن لا يكون العراق ‏حاضنة لجميع العراقيين، بل ويتبجح البعض أنه الحل الأوحد، متناسين أن العراق ليس كياناً سياسياً جديداً ‏في التاريخ، بل هو موجود قبل الإسلام وقبل انتشار موضة أزياء السلع الطائفية وموديلاتها المختلفة، ‏وبعدها، ولكن اليوم يروج هؤلاء النفر، ونؤكد أنهم نفر، ولا يمثلون سوى أنفسهم، ولكنهم يمتلكون ‏صلاحية التصريح والتفسيخ، ومدعومون من القوى الغاشمة، القوى المعادية لبلادنا وللعرب والإسلام، ‏والأمور لم تعد خفية، وليس ذكاء منا أن نذكرها، ولكن الأمر بحاجة إلى وقفة مخلصة مع الذات، وجرأة، ‏وشجاعة وأحتقار المكاسب، والمنافع، والرؤية الشاملة وليست الضيقة.‏

قبل أيام فقط، اختتمت في ألمانيا قمة الدول الصناعية السبعة في إلماو بجنوب ألمانيا، الناس تناقش ‏كيف تزيد مكتسبات بلادها، تفكر كيف تواجه مشكلات المستقبل، مع دقة مدهشة في التفاصيل، يفكرون ‏بمصالح بلادهم، وآخرون يأتون وهمهم أن ينفقوا المليارات في شراء أسلحة ليقاتلوا مع شعبهم، يا للمأساة ‏المخجلة، فالصحافة الألمانية تتساءل ببراءة ربما نجدها نحن ساذجة، أليس من الأسهل أن يجدوا طريقة ‏يتفاهموا بها مع خصومهم وهم من شعبهم، ومن أبناء ديانتهم وقوميتهم ومواطنين في بلادهم؟ لماذا هذا ‏القتال على مبدأ مصارعة الزومو اليابانية، أن يقذف المصارع بخصمه خارج الحلبة، وهو قتال على ‏طريقة العبيد في عصور ما قبل التاريخ؟ ترى هل تستحق هذه القضية خراباً ودماراً بهذه الدرجة؟

 ‏برأيهم نعم تستحق، فهم جاءوا من الطرقات والحانات لا يساوي أحدهم شروي نقير، واليوم تلعب المليارات ‏في جيوبهم، وممتلكاتهم تترى في القارات الخمس، أما ما شهده العراق من تخريب فهذه كانت أمنية ‏مستحيلة للصهيونية والصفوية ساعدتهم الولايات المتحدة بتحقيقه.‏

ليست هناك عملية سياسية، في حفلة الذئاب لا يوجد سادة محترمون، الكل يريد أن يفترس، بل والافتراس ‏بوحشية أصبح طبيعة تتسيد اليوم الموقف السياسي، في أوربا السياسيون والصحفيون وأساتذة أكاديميون ينظرون إلى ‏ما يجري بدهشة تامة، ويؤسفني جداً القول أنهم لم يعودوا يحترمون أحد، فهذه الحكومات تريد أن تبقى في ‏سدة الحكم، لماذا؟ أمن أجل إعمار البلاد؟! أكيد كلا .. أمن أجل تحقيق الوحدة العربية؟! بالطبع لا .. أمن ‏أجل تحقيق ولو جزء بسيط من العدالة الاجتماعية؟! بالطبع كلا ... وألف كلا .... الهدف الوحيد الذي ‏كان يختبئ وراء شعارات وطنية وقومية وتقدمية، اليوم لم يعد بوسعه أن يخفي نفسه وراء ورقة توت ‏مهلهلة، اليوم الكل عراة، لصوص وقتلة محترفون، يفعلون كل شيئ بأسم الدين والطائفة، بأسم المناطقية، ‏ويا للمهزلة حتى باسم القومية،  قل ما تشاء، ومن أجل المكوث في السلطة ولو أسبوعاً آخر، أما إذا كان ‏يمكن توريث هذه المجزرة لنجله فهذا أروع وأبدع، كما فعل الأسد الأب، وليدفع هذا الشعب المسكين، ‏الذي صفق السذج منه له يوماً، ثمن هذه الشهوة القاتلة.

هذه الدعارة السياسية، تدور اليوم ليس في سورية ‏والعراق فحسب، بل في أكثر من قطر بأسماء وعناوين مختلفة. ولكن الناس يعرفون مخرجي الحفلة، ‏حيثما تجري الدماء ويدور التخريب.‏

تسألني مقدمة البرنامج: وسط هذا الإرهاب ماذا عن المستقبل في العراق؟

شخصياً أتعرض لهذا السؤال يومياً ومن جهات مختلفة. نحن لا نمد يدنا إلى الحفلات ‏المشبوهة، ولا نقتل عراقيين لمصالح أجنبية، نعم سندافع عن العراق بكل الوسائل، ولكننا لن نكون جزء ‏من المصالح الأجنبية. اليوم في العراق 25 ميليشيا تديرها إيران باسم الحشد الشعبي، جيش السلطة، ‏قوات رئاسة الوزراء (النخبة)، وقوات سوات، وقوات الشرطة، مقابل قوات الدولة الإسلامية (داعش)، ‏بالإضافة بالطبع لفصائل المقاومة الوطنية.

يراد لهذه القوات أن تواصل القتال فيما بينها إلى ما نهاية، ‏الأسلحة التي تصل للجيش ستستولي عليها "الدولة الإسلامية"، والعسكريون يفهمون ماذا يعني هروب أكثر ‏من ثلاث فرق في ثلاث ساعات، في الموصل والرمادي، فقوات "الدولة الإسلامية" لديها اليوم مدافع ‏وصواريخ وأسلحة ثقيلة وربما حتى طائرات. وهي اليوم على مشارف بغداد، والقاعدة العسكرية الضخمة ‏في الحبانية محاصرة، وكذلك قاعدة عين الأسد، والقوات الحكومية بسافل أفعالها تشجع الناس على ‏الالتحاق بقوات "الدولة الإسلامية"، لأنها تمارس القتل العشوائي، ولسان حال الناس يقول: فإذا لم يكن من الموت من بد، فالموت مع أهلي وأقربائي معقول أكثر في هذا اللا معقول الذي يدور، للأسف هذا هو ‏المنطق بين المتقاتلين.‏

 

ولكن كل هذا سينتهي يوماً، وهناك مصطلح  سياسي/عسكري: المتعبون من الحرب ( ‏war-weary‏  /  ‏kriegsmüde‏)، ستنتهي أغراضهم منها ويضطرون لإشهار إفلاسهم ويعودوا من حيث جاءوا. ‏

سيغادر الساحة ... ‏

ــ كل اللصوص والسراق وتجار الدين والشعارات المزيفة.‏

ــ كل من ولغ حتى ارتوى من دماء العراقيين.‏

ــ كل من لا مبادئ سياسية له يسترشد بها. ‏

ــ كل حركة تفتقر إلى الهدف السياسي/ الاجتماعي الواضح.‏

ــ كل حركة لا تنظر إلى العراق والعراقيين نظرة عمودية وأفقية شاملة، كوحدة واحدة موحدة.‏

هؤلاء هم الإرهابيون الحقيقيون الذين يبتزون الشعب: إما نحن أو الموت الزؤام ....‏

إن الغد لناظره ولمنتظره لقريب ...... ‏

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,028,768

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"