الاتفاق النووي الإيراني: فلسفة الربح والخسارة!‏

ضرغام الدباغ

ما يحملنا على دبج هذا المقال، هو ردود الأفعال التي طالعنا وسمعنا خلال الأيام القليلة المنصرمة على ‏الاتفاق الذي أبرم بين إيران ومجموعة 5 + 1، والمدهش أن بعض من كانت لهم ردود أفعالهم، ومن ‏تلك مقال لصحفي عربي معروف، يفلسف للنتيجة على أنها كارثة واقعة على رأس العرب، ولكن دون ‏أن يقول كيف؟ ومتى؟ ومالعمل؟ ‏

وابتداء فإن هذا التقدير الكارثي جاء بناء على ثلاث مشاهدات عيانية ومنها أنطلق أن الدمار الشامل ‏سيحل بنا، وأول تلك ابتسامة الوزير الإيراني، والغضب البادي على محيا رئيس وزراء العدو ‏الصهيوني، وصمت وأرتباك على وجوه العرب ولا سيما أهل الخليج منهم ...! فجاء التحليل كارثياً ‏لأن فلاناً قد ضحك، ونحن نعلم أن الضحك والابتسامة العريضة أمر غير محمود في الأعراف ‏الدبلوماسية إذ ينطوي على الخفة، وربما بعض المبالغة في الارتياح.‏

وقبل كل شيئ نقول، أن المشروع النووي في جانبه السلمي(وهو جوهر الاتفاق) لن يلحق بنا الضرر لا ‏بصورة مباشرة ولا غير مباشرة، إلا في حال تعرض المفاعلات النووية الإيرانية لحادث ما ينجم عنه ‏كارثة بيئية قد تلحق بيئية المنطقة بأسرها أضراراً لا يمكن تقديرها الآن. ‏

العرب ليسوا معنيين لهذه الدرجة (الارتباك) لأي تقدم نووي تحرزه أي دولة، فهناك الكثير من الدول ‏ومنهم من يعادي الأمة العربية سراً أم علانية لديهم أبحاث نووية متقدمة وربما قد صنعوا أسلحة نووية ‏وخزنوه، ولكن ذلك لم يحل إشكالية وجود الدولة، ولم يساعد على حل مشكلاتها الجوهرية ولم يمنع من ‏أن وصول قذائف حتى لعاصمتها. وهناك الكثير جداً من الدول التي لديها قدرات نووية ولكنها لا تفكر ‏بالقنبلة، فألمانيا مثلاً بوسعها إنتاج القنبلة بسهولة ويسر، ولكن من أجل ماذا ..؟

وإيران قد ألتزمت بعدم إنتاج القنبلة الذرية، وإذا ثبت غير ذلك، آنذاك سيكون للجميع موقف آخر. إذ " ‏لا يجوز لإيران أبداً، تحت أي ظروف أن تسعى إلى، أو تطور، أو تمتلك أية أسلحة نووية „(نص في ‏وثائق الاتفاقية) كما التزمت : تخفيض مخزون اليورانيوم الضعيف من 10,000 كغ حالياً إلى 300 ‏فقط والاكتفاء بمفاعل نطز للتخصيب، والإبقاء على 5060 جهاز طرد من طراز أدنى ووضع كافة ‏أجهزة الطرود تحت تصرف الوكالة الدولية للطاقة الذرية والسماح بالدخول إلى مواقع عسكرية غير ‏نووية وعدم السماح ببناء أي مفاعل للمياه الثقيلة طيلة 15 سنة.‏

الأسلحة النووية هي أسلحة دفاعية، مهمتها الأساسية هي تحقيق الردع، وليست أسلحة للاستخدام ‏السياسي بحسب المزاج، أو العسكري التقليدي. فهناك عقائد سياسية / عسكرية (‏Doctrine‏ ‏Military‏) تحكم استخدام هذه الأسلحة التي تصنف من بين أسلحة الدمار الشامل الأكثر خطورة، ‏واستخدامها ليست من ضمن الألعاب السياسية والابتزازية عليها للاستعراض والخديعة (‏Bloff‏).‏

إحراز التقدم العلمي النووي لا يعني وحده امتيازاً كبيراً، فهذه العلوم تدرس في معظم جامعات العالم ‏وصناعة القنبلة الذرية لا تعتبر من الأسرار الدفينة، ولا تعني تقدماً علمياً بنوع خاص، ولا تعد مؤشراً ‏على تقدم صناعي واقتصادي، فهناك ما يزيد على 35 دولة في أرجاء العالم،  فهناك دول تمتلك مخزوناً ‏من الأسلحة النووية ولكنها تعتبر فقيرة ومن البلدان النامية، بل وكانت إدامة تخزينها عبئاً عليها فتخلت ‏عنها وسلمتها أو فككتها، ومن تلك الدول : كازاخستان، وأوكرانيا، وبيلوروسيا، وجنوب أفريقيا، ‏وهناك دول يعد إنتاج الأسلحة النووية مجرد بحاجة لقرار سياسي فقط، ومن بينها أيضاً بلدان نامية ‏ودولتان عربيتان، ربما الآن أضيفت لها بلدان جديدة، والقنبلة الذرية ليست بمسألة يستحيل الحصول ‏عليها، لكن إدامتها، وخزنها، والتكلفة الاقتصادية والسياسية.‏

امتلاك إيران للعقول ليس أمراً ضاراً للأمن القومي العربي، بل بالعكس نتمنى لإيران أن تمتلك العقل ‏لا الخرافة، وأن تصبح دولة محترمة، والأسلحة النووية لوحدها لا تمنح الاحترام، فهناك دول نووية ‏أعلنت امتلاكها للسلاح النووي وبقيت مع ذلك في حبيسة محيطها الضيق جداً، والعلوم والأسلحة ‏النووية لا تعني بالضرورة أن نظام ذالك البلد متقدم، فهناك من الدول النووية ولكن نظامها السياسي ‏بقي متخلفاً كتخلف النظام السياسي الإيراني. ‏

كما ليس بالضرورة أن يعني امتلاك القدرة النووية والسلاح النووي أن يكون بوسع الدولة النووية حل ‏مشكلاتها الخارجية، فهذه الأرجنتين تعجز عن حل إحدى أبرز مشكلاتها (جزر الفوكلاند / مالوين) ‏باستخدام القوة المسلحة، وقد جربت استخدام الأسلحة التقليدية فخسرت خسارةً مبينة، أطاح بحكم ‏الجنرالات عام 1982.‏

لا يضر البلاد العربية أن تتطور الصادرات أو الاقتصاد الإيراني عامة، بل ولا يضر مطلقاً إن قرر ‏عقلاءهم أن يتعاونوا مع البلاد العربية اقتصادياً، بدل أن يتآمروا ويصدروا الثورات، فهذا أسلوب ‏مخرب للعلاقات لا يساعد على تطويرها، بل ويدفع لتنامي عداء لإيران الفارسية في المنطقة العربية، ‏كما أن حصاد التحريض الطائفي دفع ويدفع باتجاهات سلبية في المنطقة عربياً وإسلامياً.‏

ولا تعني الطموحات النووية بالضرورة أنها مرافقة لتطور اقتصادي، فالاقتصاد الإيراني يعاني من ‏متاعب بنيوية كثيرة، فالزراعة لما تزل متخلفة، ولا تشير مساهمة الصناعة إلى معطيات مشجعة في ‏التصدير، ولا يزال النفط والغاز ومشتقاتهما يهيمنان على معظم حقل الصادرات الإيرانية بما يزيد ‏على 85%.  ‏

والمحللين الذين يشيرون أن بعض بلدان المنطقة يرتجفون خوفاً من إيران، فهؤلاء لا ينظرون للمسألة ‏بعين العقل، بل بعين وعقل من طراز خاص، وقد فاتهم أن أي تدخل إيراني سيواجه بحزم، ويشير ‏تاريخ تدخلات إيران في دول المنطقة إلى فجاجة في المنطق، فلم ينجم عن تلك التدخلات سوى دماء ‏ودمار، وتراجع لسمعة إيران حتى غدت العدو الأول للشعوب العربية والإسلامية، وهناك من يعتبرها ‏أكثر خسة ودناءة من إسرائيل، وأنقلب التعاطف الذي كانت تتمتع به مطلع الثورة الإيرانية إلى كره ‏واحتقار، فإيران ما تزال تحتل بلداً عربياً بأسره (الاحواز) فإسرائيل لم تحتل فلسطين بأسره، وتحتل ‏أراض من دولة أخرى، وتزعم أنها تعمل وفق مبادئ الإسلام وحسن الجوار، ولكنها لا تمارس سوى ‏مشاريع تخريب وخلايا نائمة ومخربة، ولكن في نهاية المطاف لا يصح إلا الصحيح، فهذه السياسات ‏أساءت للعلاقات بين الشعبين العربي والفارسي، ودقت أسفيناً يصعب اقتلاعه، إلا برحيل نظام الملالي ‏المخرفين، وقيام دولة ديمقراطية فارسية محترمة.‏

إيران تعاني من مشكلات هيكلية عميقة (‏structure problems‏) وفي مقدمة تلك المشكلات:‏

‏1.‏إيران ليست كياناً سياسياً بصفة نهائية وفق الموقف الحالي، وهي تهيمن باستخدام القوة الغاشمة ‏وليس وفق أتفاق حر ديمقراطي على شعوب لا تخفي رغبتها وإرادتها بالتحرر ونيل حقوقها ‏الوطنية والقومية، ولهذه الشعوب أدواتها السياسية والنضالية، وفي مقدمة تلك الشعوب: شعب ‏الأحواز الذي تعرض لاحتلال غاشم عام 1925، وهو يقاوم هذا الغزو بكافة الوسائل حتى ‏يومنا هذا. وشعب كردستان إيران الذي يهفو إلى التحرر وتقرير المصير، والشعب ‏البلوشستاني الذي يناضل بقوة من أجل حق تقرير المصير والحرية، وشعب أذربيجان الشرقية ‏الذي تتوالى ثوراته من أجل ألتحاقه بالجزء المستقل من إذربيجان الكبرى. وكذلك الشعب ‏التركماني في شرق إيران.‏

‏2.‏تسعى إيران، بالضبط كالمساعي الإسرائيلية، أن تصدر أزمتها للخارج، فتثير العواصف ‏والمشاكل هنا وهناك، وليس على أسس مبادئ الحرية والديمقراطية وحقوق تقرير المصير، ‏فهذه مبادئ لا تعترف بها إيران الرسمية، بل على أساس إضعاف دول الجوار لكي تبقى هي ‏تمارس دورها منذ عهد الصفويين كمثير للمشاكل (‏Troublemaker‏) ووفق نظرية فرق ‏تسد، ومستند الدول العظمى في خططها حيال المنطقة، هكذا مارس الصفويون، والقاجاريون، ‏والبهلويون السياسة الدولية، وهكذا يفعلها الملالي اليوم، فصاروا عوناً للروس القياصرة، ‏والإنكليز وغازلوا ألمانيا الهتلرية، إلى أن أحتل الإنكليز إيران، وصاروا الخدن الحميم لهم، ‏وأنقذوهم من ثورة الشعب الكردي (جمهورية مهاباد) ثم صاروا عوناً للأميركان، حتى قرروا ‏استبدالهم بنظام الملالي بوصفه أكثر قدرة على دور مثير المشاكل، وساعدوهم على احتلال بلد ‏إسلامي جار لهم (أفغانستان) ثم العراق، وهاهم يشاركون ويتصدرون الحملة المعادية للعرب ‏والإسلام ويفعلون ما لم تفعله أي جهة معادية من قبل في العراق وسورية ولبنان واليمن، ‏وحيثما وصلت أياديهم. ‏

‏3.‏حيال هذه المقدمات الواقعية والمادية، لم تكسب إيران منذ شروعها بتصدير الثورة عام 1979 ‏‏(36) عاماً سوى الكره والعداء والحروب والمشاركة الفعلية أو القيام بدور المقاول الثانوي ‏بحروب قذرة، ومجازر، لعبت فيها دور التابع والمنفذ.‏

‏4.‏من كل هذا يتضح أن الاتفاق النووي سوف لن يكون له ذاك المفعول الذي يتغنى به عازفوا ‏الكمان وراء الكواليس،  سم يداف في عسل الكلام ... مشخص بدقة ...!‏

‏5.‏سنواجه إيران بقضها وقضيضها، هي معركة العروبة ضد الفرس الصفويين، وسيف الفرس ‏ليس أطول من سيف الأميركان، ولا الإنكليز ولا الفرنسيين، ولا حتى الصهاينة، ولا أطول من ‏سيف كسرى وقياصرة الروم من قبل ..... هؤلاء قذف بهم شعبنا العراقي والعربي بهم ‏وبسيوفهم ودباباتهم في مزابل التاريخ، فمن أستشهد دون بلاده له الرحمة، ومن يعش سيرى ‏النصر ..! ‏

‏6.‏الفرس يضعون أنفسهم رأس حربة في المعركة ضد العرب والمسلمين في تحالف أسود، لسنا ‏هواة حروب وصراعات، ولكن من يريد تجربة حظه فهاهنا المقبرة، وهناك طاقات عظيمة في ‏الأمة لم تعبئ بعد! والفرس يحبون أن يقتلوا في العراق، فهنا دفنت أحلامهم أكثر من ‏مرة، وهنا سيقتلون مرة أخرى. ‏

‏* القوى المقاومة للمشروع الثلاثي الأسود: الأميركي الإيراني الصهيوني، ترى هذه القوى في هذا ‏الاتفاق صفحة جديدة من صفحات المواجهة بين شعبنا وقواه الشريفة من جهة، والتحالف الثلاثي ‏الأسود من جهة أخرى، فنحن تعايشنا مع الخطر النووي الأميركي والإسرائيلي طيلة سنوات طويلة من ‏الكفاح من أجل حقوقنا المشروعة، لم تثنينا الترسانة النووية(‏Super power‏)الأميركية ولا الترسانة ‏الإسرائيلية عن حقوقنا، ولن يضيرنا أن تتسلح إيران بقنبلة أو أثنين وهذه الصفحة ليست أسوء من ‏غيرها من الصفحات التي طواها شعبنا في العراق وفلسطين وسورية ولبنان واليمن، وسائر ساحات ‏النضال بعزمه وشجاعته، وهي صفحة تدل على إعلان صريح لفشل كافة المحاولات السابقة، ‏وستمضي هذه أيضاً إلى حيث تستحق من الفشل والخذلان، وسيفشلون هذه المرة أيضاً كما فشلوا دائماً.‏

‏* المعسكر الفارسي الصفوي ومرتزقته: بعد أن فشلوا في معركة الخروج من مرتبة التابع والمقاول ‏الثانوي، إلى دور الشريك كإسرائيل أو حتى أقل قليلاً، يرون في هذا الاتفاق فرصة للأفلات من ‏العقوبات الاقتصادية، والتقاط الأنفاس، ومزيد من الأموال والقدرات لتصب في محرقة المشاريع ‏العدوانية الخارجية، والقبول بصفعة أفضل من المجازفات، والرضوخ للرغبة الأميركية التي تبقيها في ‏قفص التبعية.‏

‏* الولايات المتحدة الأميركية ومعسكرها: تشديد لأواصر التحالف الثلاثي، أطلاق سراح مشروط، ‏لإيران لا يخرجها من عصمتها يبقيها في دور المقاول الثانوي، الذي لا يرتقي لدور الشريك، وهو ‏طموح إيراني ما أنفك حلماً مؤرقاً في السياسة الخارجية الإيرانية.‏

‏* الصهيونية : قلق على فقدان دور متميز قامت به لصالح الإمبريالية العالمية طيلة حوالي ستة عقود، ‏باءت بالفشل الذريع، وها هي تحافظ بالكاد على كيانها المهزوز رغم ترسانتها النووية!‏

تحالف الأسد والضبع والغراب سوف لن يسفر عن نتائج تاريخية، ولكن هناك تساؤل يطرحه العقل ‏والحكمة: ماذا لو صرف الفرس هذه الأموال والجهود في إقامة علاقات ودية، صداقة وجيرة ومنافع ‏متبادلة، الم تكن النتيجة بأفضل مما هم عليه اليوم؟

كل تصعيد ينم عن فشل السياسة والأساليب السابقة حتماً! وكل استخدام للقوة يعبر عن الضعف ‏في الموقف السياسي العام.

يقول لوسيوس سينيكا حكيم روما : كل خشونة تنبع عن جذور الضعف.

وكأنني بالمتنبي يجيبه:

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا  ويأتيك بالأخبار من لم تزود

 

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :135,616,601

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"