قراءة في اتفاق فيينا النووي الايراني

سامي سعدون

نتيجة ضغوط واصرار لادارة الرئيس الأميركي، باراك اوباما، اعلن في فيينا في 16 تموز/ يوليو الجاري عن ‏توصل مجموعة 5+1 الى اتفاق مع ايران حول برنامجها النووي، اذ عدّ (جواد ظريف)وزير الخارجية ‏ورئيس الوفد الايراني المفاوض  الاتفاق على انه" افضل ما كان يمكن التوصل اليه"! فيما وصفه ‏الاعلام الغربي بأنه "اتفاق يمنع ايران من صنع قنبلة نووية".

اوباما، الذي اراد بالاتفاق ان يغطي ‏على سياسته الفاشلة وضعفه بتحقيق نصر سياسي له وحزبه وتوظيفه في الانتخابات الرئاسية ‏القريبة، ابرزما قاله بأن الاتفاق "سيمنع انتشار الاسلحة النووية في الشرق الاوسط ،وهو ضمان لأمن ‏(اسرائيل) واستقرار المنطقة وبقاء الانظمة الخليجية" ولكن حقيقة الامر ومن خلال قراءة للاتفاق الذي سقره الكونغرس الأميركي وأيده مجلس الامن، تؤكد الاتي:

1ـ ان الاتفاق عبارة عن صفقة بين ‏الولايات وبين ايران، عملت ادارة الرئيس اوباما منذ بداية الولاية الثانية على طبخها في مراكز الدراسات ‏الاستراتيجية وفي زيارات مكوكية وجولات مكثفة ولقاءات سرية ابرزها لقاء مسقط عام 2014 وما ‏سبقه في محادثات جولتي بغداد وموسكو ومتابعته في جنيف، وكانت ارضيته (الاتفاق الاطار) الذي وقع ‏في لوزان السويسرية في 2 نيسان/ ابريل الماضي.

2ـ انه اتفاق "تخادم وتحالف أميركيـ ايراني" لتنفيذ ‏المخطط الاستعماري لرسم خارطة جديدة لشرق اوسط جديد، يكون لإيران دور اساس فيه مقابل اضفاء الشرعية ‏على سياستها التوسعية وتنفيذ اجندتها الفارسية على حساب العرب بعد ان مكنتها واشنطن من بسط ‏نفوذها على 4 عواصم عربية ،اي (احياء دور الشرطي الايراني في المنطقة!).

3ـ الاتفاق عبارة عن ‏تأخير انجاز البرنامج النووي لسنوات مقابل رفع العقوبات الاقتصادية والسياسية عن طهران وإطلاق ‏يدها الطولى في المنطقة دون الاكتراث لسحق شعوب وبلدان العراق وسوريا ولبنان واليمن، وربما غيرها، ‏وبما يخدم المصالح الأميركية والغربية لاسيما وان المنطقة، ومنذ احتلال العراق عام 2003 ، في حالة "‏فوضى خلاقة" اغرقتها بالدماء والعنف والانفلات على كل الاصعدة وخلقت "ارهاب داعش والنصرة ‏والقاعدة" وعملت على تمكينه واستفحال امره، لتبرر لادارة اوباما فرض هذا الاتفاق/ الصفقة، وبما يوثق ‏التحالف مع "دولة ايران الراعية للارهاب" التي تمسك  بهذا الملف الخطير والوضع المتفجر في اكثر من ‏بلد عربي.

4ـ الاتفاق لن يوقف انتشار الاسلحة النووية في المنطقة. فالولايات المتحدة ودول عديدة  ‏تجهزمنذ فترة اكثر من دولة شرق اوسطية (السعودية ومصر وتركيا) بقاعدة الصناعة النووية من بناء ‏مواقع ومعدات ومواد وخبرة، بل ان الاتفاق سيشجع هذه الدول وغيرها على الاسراع في ذلك لاسيما ‏ان الاتفاق لم ينه البرنامج الايراني وانما كل ما فعله، حسب قول اوباما، انه "سيبعد ايران اكثر عن صنع ‏قنبلة"!!

5ـ الاتفاق يحقق مصالح الولايات المتحدة في المنطقة ويحافظ على امن وتفوق الكيان الصهيوني، ‏ولكنه لن يحقق الاستقرار للمنطقة ولن يحمِ الانظمة الخليجية بل سيزيد من عدائية واستهتار وعنجهية ‏وغرور واستهانة نظام الملالي الفرس ويدفعه للانقضاض والتمدد على حساب العرب لتدفق المليارات بعد ‏رفع العقوبات عنه لتمويل اجندته التوسعية وتطوير قدراته التسليحية، ودعم اتباعه واذرعته وخلاياه ‏المنتشرة في اغلب البلدان العربية وبالاخص الخليجية.

6 ـ الاتفاق من اهدافه جعل دول الخليج العربي بحاجة ‏ملحة وطويلة الى الحماية الأميركية والغربية من"البعبع الايراني" الذي سيواصلون تضخيمه، ليستمر ‏حلبهم وتدفق المليارات عليهم وهذا ما يفسره لقاء كامب ديفيد في أيار/ مايو الماضي بين اوباما و قادة ‏مجلس التعاون الخليجي وما تهدف اليه الجولة القريبة لوزير الخارجية، جيمس كيري، في دول الخليج العربي.

‏‏7ـ الاتفاق لن يوقف حمّى التسلح النووي الايراني رغم تحديد نسبة التخصيب وتقليص عدد اجهزة الطرد ‏المركزي ووضع اليد على اكثر من 98% من اليورانيوم المخصَّب بنسبة 20% وتجميد العمل في ‏موقعي (تانز وفوردو) وافراغ موقع (اراك ) من الماء الثقيل، وجعل البرنامج تحت انظار وتفتيش الوكالة ‏الدولية للطاقة.. فإيران لايؤتمن جانبها، وهي تجيد التحايل والخداع واللعب في الظلام، ولديها بالتأكيد ‏منشآت نووية سرية في باطن الارض وداخل الجبال متناثرة في مساحات شاسعة من غير المواقع التي كشفتها وكالة الطاقة، فالاتفاق قد يُخرق ولا يُستبعد، بعد رفع ‏العقوبات الاقتصادية والسياسية عنها أن تفاجئ إيران العالم بصنعها قنبلة نووية كما فعلتها كوريا الشمالية! ‏لاسيما وان المرشد الاعلى (خامئني والمتشددين في الحرس الثوري) لم يرضوا عن الاتفاق رغم الفرحة ‏المصطنعة لارضاء المتشددين وتهدئة الشارع الايراني، التي تضمنها خطاب الرئيس حسن روحاني لشعوب ‏ايران على ان النقاط الاربع التي تفاوض عليها الايرانيون قد تحققت وهي:

أـ رفع العقوبات الاقتصادية

ب ‏ـ رفع قرار مجلس الامن

ج ـ رفع قرار وضع البرنامج تحت طائلة الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة

‏د ـ الاحتفاظ بالمنشآت والنشاطات النووية

8 ـ الولايات المتحدة هي الاخرى لا تلتزم بأي اتفاق، وستجد ‏العذر لذلك، لاسيما وان هذا الاتفاق غير خالٍ من الثغرات وفيه (مطبات وألغام) وبالإمكان استخدام الوكالة ‏الدولية للطاقة الذرية للتنصل بعد ان تنتفي الحاجة له، وهذا ما يفسره تأكيد أوباما على ان كل الخيارات مفتوحة امام ‏رؤساء بلاده، وان العقوبات سيعاد فرضها فور خرق طهران للاتفاق!

9ـ الاتفاق سواء نجح ام لا ‏،وايران سواء امتلكت سلاح الردع النووي ام لا، فان الاوضاع في المنطقة العربية لن تستقر والامن لن ‏يستتب والخارطة لشرق اوسط جديد على حساب العرب سترسم بحجم المؤامرة الكونية وبمقاسات ‏المصالح والاطماع الأميركية والغربية، وبما يضمن بقاء وتفوق وامن كيان العدو الصهيوني، ومن خلال دورفاعل ‏للشرطي الايراني في ظل التخدير الأميركي لحكام الخليج من الوعد بحمايتهم وبقائهم! فالخاسر الاكبر ‏هو شعبنا، والعرب لن ينقذهم الا موقف موحد قوي وجاد في مواجهة ما يستهدف وجودهم كشعب ‏وارض وانظمة وثروات وحضارة وتراث، فهل يدرك الحكام ذلك ومياه الطوفان تجري من تحتهم قبل ‏الغرق؟!    

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :135,623,936

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"