الاتفاق النووي حقائق لابد من تذكرها/ 3

صلاح المختار

كالايتام على مائدة اللئام

مثل عربي

هل تملك كل من (الاسرائيليتين) وأميركا القدرة على تحقيق النصر علينا بتنفيذ الاهداف الستراتيجية للمخطط وفي مقدمتها تقسيم وتقاسم الاقطار العربية؟

في الجزئين السابقين قدمنا الحال كما هو الامر الذي قد يوحي باننا عاجزون عن احباط المخطط المعادي لنا وهذا الايحاء خاطئ، ونحن نملك القدرة والامكانية لدحر العدو المشترك  رغم ان هذا الواجب معقد ويواجه تحديات كثيرة ، للاسباب التالية :

1-لقد لجأت أميركا و(اسرائيل) الغربية الى اعتماد الرافعة الايرانية في تنفيذ مخطط تقسيم الاقطار العربية على اسس طائفية وعنصرية نتيجة عجز الغرب والصهيونية عن تنفيذ هذا المخطط رغم محاولات عدة عقود لهذا اختارتا دعم (اسرائيل الشرقية) لانها تملك ادوات تنفيذ الفتن الطائفية وهي نغولها في الاقطار العربية ، لكن بالمقابل فان الصهيونية الفارسية عجزت عن اختراق منطقة انطلاق مشروع تقسيم العربية وهي العراق سواء في عهد الشاه او خميني وهزمتا كلاهما في كافة المنازلات العراقية الفارسية الحديثة . ما مامعنى هذه الحقيقة التاريخية والمعاشة ؟

2-يدل ما تقدم على ان العدوين الاساسيين لامتنا العربية وهما الصهيونية الغربية والصهيونية الفارسية لا يستطيع احدهما بمفرده قهر العرب وتنفيذ المخطط لان كلا منهما اصلا يواجه ازمات بنيوية مدمرة تحد من قدراته التوسعية، فالصهيونية الغربية خصوصا أميركا وبريطانيا تواجه انحدارا سريعا ومتعاظما منذ سبعينيات القرن الماضي، ويتمثل ذلك في تجاوز الدين العام الأميركي السقف الاعلى وهو 18 تريليون دولار وهذا المبلغ اكثر بكثير من مجموع الناتج القومي الأميركي كله، بمعنى ان أميركا تأكل وتتسلح وتعيش وتغزو بالدين ولهذا فان اي خلل في ترتيباتها يعرضها لانهيار داخلي اخطر واسرع من انهيار الاتحاد السوفيتي . بالاضافة لثغرات اخرى لا مجال للتطرق اليها .

اما (اسرائيل) الغربية فهي اكثر انكشافا من أميركا فهي بالاصل تعيش على الدعم الخارجي المالي والعسكري والسكاني وكل ما بنته يمكن تقويضه بتوفر امكانية استنزاف مستمرة لشهور، واخطر ما في هشاشة (اسرائيل) الغربية هو انها عاجزة عن تعويض سكانها ومالها اثناء الحروب. فهل وجود هذه الثغرات البنيوية القاتلة في أميركا و(اسرائيل) الغربية تسند مشاريعهما الامبريالية ؟ الجواب قدمته المقاومة الفلسطينية قبل احتوائها عندما وضعت الكيان الصهيوني في مهب الريح فاستنفرت قوى دولية واقليمية عديدة طاقاتها لانقاذه عبر احتواء المقاومة الفلسطينية ، اما المقاومة العراقية فقد اجبرت أميركا – اقوى واغنى دولة واكثر العالم تقدما تكنولوجيا - على الانسحاب مهزومة قبل اكمال 10 اعوام من غزوها وليس نصف قرن كما وعد بوش الصغير وغيره في بداية الاحتلال.

ان الاعتماد على (اسرائيل الشرقية) الخيار الستراتيجي الاهم لانه يوقف نزيف المال والدم الأميركي والاسرائيلي الغربي وهو مطلب اساسي لتجنب انهيارات كارثية في كلا الطرفين .

اذن لا أميركا ولا (اسرائيل) الغربية قادرتان على تنفيذ مخططات التقسيم بمفردهما . ولهذا فان الصفقة الستراتيجية الاخطر في التاريخ الحديث في منطقتنا كانت تبادل الدعم فمقابل قيام (اسرائيل الشرقية) بتسخير نغولها العرب وتطرفها في الحقد على العرب وسعة مطامعها الاقليمية لخدمة الهدف الصهيوأميركي وهو غزو العراق ونشر الفتن الطائفية فان أميركا وفرت لفارس اهم شروط انطلاق وتوسع مشروعها الاستعماري التوسعي وهو اسقاط النظام الوطني في العراق والذي شكل اكبر عقبة عقبة منعت التوسع الاستعماري الفارسي وحاصره النظام الوطني في عقر داره خصوصا بعد هزيمة العار التي لحقت بـ(اسرائيل الشرقية) في الحرب التي فرضتها على العراق لمدة ثمانية اعوام . كان اسقاط النظام الوطني ، اذن ،اهم مقدمات وشروط تمكن (اسرائيل الشرقية) من تحقيق نجاحات ستراتيجية في الوطن العربي ، من هذا التحالف الاستراتيجي تستمد الصهيونية الأميركية قوتها مثلنا تستمد الصهيونية الفارسية قدرتها على تحقيق اختراقات جوهرية في الوطن العربي وبدونه فان الفشل هو مصير كافة محاولات تقسيم الاقطار العربية .

نأتي الى (اسرائيل الشرقية) هل تستطيع ادامة حروبها في الاقطار العربية الى مالا نهاية؟

كلا بالطبع فهي اكثر هشاشة من أميركا و(اسرائيل) الغربية من زواية تركيبها السكاني فهي دولة تستعمر فيها القومية الفارسية عدة شعوب رغم ان الفرس اقل من 40% كما ان 80% من ثروات هذا البلد الاساسية تتركز في الاحواز وهي في حالة انتفاضة دائمة منذ استعمارها من قبل فارس في عشرينيات القرن الماضي، ولولا الدعم الغربي (بريطانيا اولا ثم أميركا) لتمكنت الشعوب المستعمرة من التحرر من الغزو الفارسي وهذا يعني عمليا تقسيم (اسرائيل الشرقية) ، فالغرب و(اسرائيل) الغربية لهما مصلحة ستراتيجية في بقاء (اسرائيل الشرقية) موحدة وما يجري الان يقدم افضل الادلة على ذلك ، والا لو اردا الغرب تقسيم (اسرائيل الشرقية) فيكفي حملات اعلامية مع سلاح محدود يقدم للاحرار الرازحين تحت الاستعمار الفارسي.

الاعتراف المتبادل بين أميركا و(اسرائيل الشرقية) بأنه لولا الدعم الايراني لما نجح غزو العراق وافغانستان ولما انتشرت الفتن الطائفية وبانه لولا الغطاء والدعم الأميركيين لما نجحت ايران في التوسع الاستعماري في الوطن العربي يؤكد بان كلا الطرفين لا يملك كل واحد منهما بمفرده شروط النجاح .

في القادسية الثانية انتصر العراق وقبر مشروع التوسع الامبريالي الفارسي 23 عاما وكان يمكن ان يكون القبر دائميا للتطلعات الامبريالية الفارسية، ولكن الصهيونية الغربية و(اسرائيل) الغربية اختارتا توفير الفرصة لـ(اسرائيل الشرقية) لاحياء مشروعها التوسعي بتقديم العراق لها بعد تدمير عوامل مقاومته فغزته في عام 2003 وحلت الجيش ومؤسسات الدولة ودمرت البنى التحتية واعادت نشر الامية والفقر والجهل وانشأت او دعمت ميليشيات متعددة ونصبت الفاسدين والحرامية وانصاف الاميين حكاما له ثم سلمته لـ(اسرائيل الشرقية) ثم اضعفت امكانية حصول مقاومة شرسة سريعة  بعد الانسحاب الأميركي بأعداد (جيوش خاصة) مهمتها الاساسية تصفية المقاومة العراقية بكافة فصائلها وتحت غطاء مقاوم زائف .

في ضوء ما تقدم هل لدينا القدرة على عمل فوري لتوفير ضمانات النصر واحباط ذلك المخطط ؟ نعم نحن لدينا القدرة والامكانية على ذلك  ولكن في اطار ما يلي :

1-ان الاعتماد على الذات هو الشرط الاساس في تحقيق النصر في العراق فلا يمكن التعويل الدعم العربي الا اذا اقتنعت اطراف عربية ان المقاومة العراقية تملك مقومات النصر الاساسية وهي التنظيم المسلح القوى والارادة القتالية والوضوح الستراتيجي. عندما يتحقق ذلك فان اطرافا عربيا تجد ان مصلحتها تفرض دعم المقاومة العراقية ولكن ليس قبل ذلك . ولهذا فان الخطوة الاولى في الانتصار على الحلف الصهيوأميركي فارسي هي ارتقاء فصائل المقاومة فوق العقد الصغيرة والخلافات الايديولوجية والاقتناع بان النصر مرهون بالوحدة القتالية الفعلية .

2-بما ان أميركا و(اسرائيل الشرقية) قد اطلقتا جيوشهما الخاصة لاحباط الثورة الوطنية العراقية اضافة لاشعال الفتن بين المقاومين فان المطلوب هو تجنب اي صراع جانبي مع اي طرف غير (اسرائيل الشرقية) ونغولها ومهما كانت خسائرنا ، فما ان ننجر الى معركة لا تدخل في اطار مقدمات التحرير فاننا نستهلك كوادرنا وسلاحنا وهو محدود في غير ساحات التحرير وتلك هي مقتلة المقاومة  كما تراها أميركا و(اسرائيل الشرقية).

3- ادامة الصراع في العراق سيجبر (اسرائيل الشرقية) على زيادة الانغماس فيه وذلك هو مفتاح النصر لانه يؤدي حتما في مرحلة ما الى انهيار الفرس من داخلهم بالاضافة لزيادة عزلتهم عراقيا وتجريدهم من اغلب نغولهم او المخدوعين بهم. ولو نظرنا الان لردود فعل الناس العاديين لرأينا ان اعدادا متزايدة خصوصا من اهل جنوب العراق تقف ضد الغزو الفارسي الذي افقرهم وتسبب في موت مئات الالاف من ابناءهم وزيادة حرمانهم من الخدمات واساسيات الحياة  .

ومظاهرات البصرة الاخيرة التي ركزت على انقطاع الكهرباء ورفض فتوى السيستاني التي يقتل بواسطتها الاف العراقيين من ابناء الجنوب اسبوعيا  هي مؤشر على ذلك ، بينما كان الامر مختلفا قبل الانسحاب الأميركي حيث كانت كتلا بشرية مضللة تدعم الغزو الفارسي . اذن كلما زاد تورط (اسرائيل الشرقية) في العراق كلما زادت عزلتها عن اهم داعميها داخل اقطارنا وباطالة الحرب فاننا نستطيع ضمان انهاك الفرس الى درجة ايصالهم الى حافة الانهيار .

4-الدعم المطلوب عربيا ليس دعم انظمة فقط وهذا امر جوهري لالحاق الهزيمة بـ(اسرائيل الشرقية) على المستوى العربي كله ، بل الاهم الان هو التنسيق مع حركات التحرر الوطني في سوريا واليمن ولبنان والبحرين من اجل تصفية نغول ايران فيها فبوحدة مناهضي الاستعمار الفارسي نستطيع جر (اسرائيل الشرقية) الى عدة مقاتل عربية تسرع في تحقيق النصر عربيا وليس عراقيا فقط .

5-الان وقد تكاملت صورة التحالف الصهيوأميركي فارسي ضد العرب بعد توقيع الاتفاقية النووية فان اي نظام عربي يرى انه مهدد بغزوات الفرس او نغولهم ، فان نجاته من التامر الخطير رهن بدعم المقاومة العراقية بلا تحفظ فمن كان يخشى أميركا فانها وبلا دعم انظمة عربية للمقاومة العراقية تقوم بتعزيز تعاونها مع (اسرائيل الشرقية) ضد تلك النظم وباقي الاقطار العربية ، فلا مبرر بعد الان للتخوف من التعاون مع المقاومة العراقية مادام البديل عن ذلك هو سبي كافة العرب انظمة وجماهير .

6-العمل على تعظيم مشاعر الفرس العاديين والشعوب المستمعرة في (اسرائيل الشرقية) بان المطلوب قبل كل شيء حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة وليس تسخير الموارد الجديدة لاغراض دعم  غزوات الخارج فبقدر النجاح في اقناع من يقع تحت حكم الفرس بانهم ضحايا نظام استعماري يسخر موارد البلد للغزو والتوسع الاستعماري وليس لخدمة الناس وحل مشالكهم فان النخب الفارسية ستواجه معارضة اشد وربما تتحول الى انتفاضة شعبية كبيرة تسقط النظام .

العدو المشترك ليس قوة سحرية بل هو امكانيات مخرمة بالعديد من الطلقات ونحن لدينا القدرة الكافية على تحقيق الاختراقات من تلك الخروم والوصول للنصر، ولكننا نحتاج لارادة التوحد في اطار نظرة حكيمة بعيدة. لا أميركا ولا الغرب ولا (الاسرائيليتين) قادرين على تحقيق النصر مهما فعلوا مادمنا نقاوم بلا مساومات او ضعف .

 

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :135,620,291

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"