التغيير في #العراق ضرورة تاريخية

سيّار الجميل

‏"لترحل هذه الطبقة السياسية عن حكم البلاد، ‏وتحلَّ بدلها نخبة وطنية، لها المهنية العالية لإعادة ‏ضبط الأمور في طور انتقالي، يحتاجه العراقيون ‏اليوم قبل الغد"‏.

 

باتت الطرق كلها مسدودة في العراق، كما يبدو حتى اليوم، مما يجري على أرضه الساخنة. وكما ‏تخبرنا تحليلات المراقبين في كل العالم. ولكن، على المسؤولين العراقيين أن يكونوا متواضعين ‏قليلاً، ليستمعوا إلى معارضيهم، فليس كل من عارض سياسة النظام الحاكم في العراق اصطف ‏مع الإرهاب والتكفيريين والبعثيين والطائفيين، حسب ترديدهم الكليشيهات الجاهزة التي سئم ‏الناس سماعها من النظام الحاكم وأنصاره!

وليس كلّ من قدّم رأيا فكرياً، أو اقترح مشروعاً ‏سياسياً غدا خائناً وعميلاً وإرهابيا وطائفياً. ولا أدري كيف غّير أغلب المسؤولين العراقيين، اليوم، ‏جلودهم، إذ أخذوا بانتقاد الأميركان وسياساتهم، وقد نسوا أن المحتل الأميركي نصبّهم طبقة ‏سياسية في حكم العراق منذ عام 2003! ‏

بدا واضحا أن نظام العملية السياسية الحالي كان سبباً في تمزق العراق وسحق العراقيين. وغدا ‏العراق دولة فاشلة، اذ ساهمت في تمزيق المجتمع بسياساتها التي استخدمتها طائفياً، مبتعدة عن ‏توظيف أية نزعة وطنية، وأنها استخدمت المحاصصة الطائفية بغطاء إجراء الانتخابات، وهي ‏تسيطر على كل المرافق الحيوية وغيرها، من جراء ما فعلته الأحزاب الحاكمة منذ أكثر من تسع ‏سنوات، وما اتبعته من سياسات خاطئة. وها قد مضى أكثر من عام على سقوط الموصل، وما ‏تبعها من المناطق العراقية، حتى بات زحف داعش (أو الدولة الإسلامية) على أبواب بغداد. ‏

ويبدو للعيان أن الحلول العسكرية باتت صعبة جداً، في ظل واقع مهترئ سياسياً، وساقط ‏أخلاقياً تماماً، بل إن النظام السياسي الحاكم غير قادر على ضبط أمن حتى العاصمة، التي تعدُّ ‏مقره، فلم تزل التفجيرات والتفخيخات لم تهدأ أبداً فيها، فكيف يخرج العراق من أزمته القاتلة ‏والمزمنة؟ اذ لم تعد تنفع أيّة إجراءات طالب بها العراقيون الوطنيون منذ سنوات مضت، ولم ‏تنفع الحلول الوسطى لمعضلة باتت معقدّة جداً، خصوصاً أن المجتمع العراقي انقسم على نفسه ‏الآن. ومن ينفي ذلك فهو ينافي الحقيقة. ‏

لم تتخذ الحكومة الحالية أية إجراءات حاسمة، كما كان متوقعاً، لتصفية الحسابات مع المالكي ‏الذي وقف على رأس الحكومة السابقة وما قبلها ومحاكمة كل الجناة.

يقول منطق التاريخ إن ‏مصير كلّ الأنظمة السياسيّة المهترئة الزوال، انتحاراً أو فراراً أو إعداماً، وأعتقد أن مصير النظام ‏الحالي في العراق سيكون مأساوياً، مع وجود قوى إرهابية شرسة جداً، تستفحل بامتداداتها يوماً ‏بعد آخر، وهي تسيطر على الأرض، وتمتلك عوامل القوّة، وهي تضع أيديها على الأسلحة والذخائر ‏العراقية، عمليّة بعد أخرى، بل وتهدّد بغداد نفسها التي سيصبح مصيرها يمشي في طريق تاريخ ‏آخر. ومن أغرب ما يسمعه المرء عندما يخرج أركان النظام، ليستخفّوا بهذه القوّة استخفافاً. ‏

وعليه، لا أقترح على أركان النظام الحالي في العراق شيئاً، لأنهم قوم لا يسمعون، بل أناشد ‏العراقيين كلّهم أن يعوا مصالحهم، ويراعوا مستقبلهم، ولا حلّ أمامهم إلا السعي إلى التغيير، ‏ذلك أن الطريق الذي مشوا فيه تحت شعارات وممارسات قد كبلتّهم أجندات غسلت أدمغتهم، ‏وأوصلتهم إلى الخراب حتماً. وليس لهم الا الاعتراف التاريخي بفشل العمليّة السياسيّة الحاليّة في ‏مواجهة مستقبل العراق وتحدّياته ضرورة أساسية من أجل تأسيس نظام سياسي وطني عراقي ‏جديد، وكان العراقيون يعولون على مجيء رئيس جديد لمجلس وزراء، باستطاعته إنقاذ العراق من ‏ورطته ومشاكله، بعد أن خربه حكم نوري المالكي تماماً. ولكن، يبدو أن الدكتور حيدر العبادي ‏لا يتحلى ببطولة مرحلة، ولا قدرة له على صنع قرارات استراتيجيّة قويّة، وإنه لا يخالف رفاقه، ‏ومنهم المالكي، في ما يقره حزبه الذي يعتبر مسؤولاً حقيقياً أمام التاريخ عن مأساة العراق، رفقة ‏من تحالف معه من الكتل والاحزاب والجماعات . ‏

ومع الاعتزاز بمشروع "المصالحة الوطنية" الذي كان يُطالَب به منذ زمن طويل، ويعيد المطالبة ‏بتحقيقه مخلصون عرب، إلا أن أوانه فات الآن، ولم تعد الأطراف المناوئة تقبل بالمصالحة!

ينبغي ‏أن يقتنع أغلب العراقيين بأن السفينة باتت مخرومة من قاعها، ومثلومة من جهاتها كلها، ‏وستغرق لا محالة إن بقيت الطبقة السياسية الحاكمة، ليس لها إلا اللغو والأكاذيب ورفع ‏الشعارات الخاطئة وتبادل الشتائم والصراع بين الكتل على النفوذ والسلطة وتأجيج الطائفية ‏وبقاء المحاصصات وتبادل المصالح الشخصية والحزبية وسرقة المال العام والخوف من ‏الساخطين والمعارضين. ‏

العراق يحكمه أناس لا يدركون كيفية إدارة الأمور، ولا صنع أية استراتيجية عليا أو دنيا، ولا ‏يتمتعون بأية معرفة دقيقة ببلادهم، وهي تمر بحالك فترات تاريخها!

أصبح أغلب العراقيين ‏ساخطاً على المسؤولين الحاليين كلهم، وأصبح الشعب قابلا للالتهاب، إن وجد الفرصة سانحة. ‏والمسؤولون جميعا سيفرون، بكل وسائطهم، إن اقترب الخطر منهم، وسيدفع الشعب ثمن كل ‏ما صنعوه. وتتحمل الولايات المتحدة المسؤولية التاريخية كاملة لما جرى في العراق بعد الاحتلال ‏عام 2003، وهي ملزمة بأن تعيد النظر في كل ما يحدث في العراق، وهي المسؤولة عن مصير البلاد ‏الذي بات على كف عفريت!

المصلحة العامة والمصير القادم يقضيان بتوفير فرصة مناسبة لتغيير العمليّة السياسيّة في ‏العراق بالدعوة إلى انعقاد مؤتمر وطني، تشترك فيه كلّ القوى السياسيّة الممثلة للطيف العراقي ‏أجمعه (غير الدينية أو الطائفية الحاكمة) من أجل انبثاق طور تاريخي انتقالي طارئ، تمثله ‏حكومة انتقالية، تتمتع بصلاحيات حكم الطوارئ، وتجميد الأحزاب الدينية والطائفية، وإبعاد ‏رجال الدين الملالي ونفوذهم عن النظام الحاكم تماماً، وإلغاء الدستور الحالي، والعمل على ‏تغييره، وتشكيل لجنة من رجال قانون عراقيين مستقلين، يعملون لوضع مسودة قانون أساسي ‏عراقي للبلاد، وإحياء الجيش العراقي وطنياً، تحت قيادة ضابط قيادي محترف، وبرفقته طاقم من ‏القياديين الوطنيين. وإلغاء كلّ الميليشيات والكتل الحزبيّة، واعتبارها خارجة على القانون، وغلق ‏الحدود والمطارات فوراً، وإحالة كلّ المسؤولين المسيئين والسارقين والخونة إلى القضاء، لمحاكمتهم ‏محاكمة عادلة. ‏

نعم، ان العراق سوف يستقيم وضعه الطبيعي بتبلور نظام حكم جديد يساوي بين أبناء ‏البلاد ويسحق كلّ نزعة طائفيّة، ويحاسب كلّ من يتكلّم بطائفة أو مذهب حساباً عسيراً، ويبدأ ‏بمعالجة جروح الناس، ويفتح الأبواب أمام كلّ النازحين العراقيين الذين ليس في وسعهم أن ‏يتحرّكوا بحريّة على ترابهم الوطني، بسبب موانع وضعها النظام الحاكم أو الميليشيات التي خلقها، ‏ومعالجة الوباء الذي بات يتفشى في العراق والمنطقة، باسم داعش والدولة الإسلامية. وأيّ إصلاح ‏للوضع الحالي لم يعد نافعا أبداً، لأنّ الوضع الحالي هو استمرار هزيل للوضع السابق الذي أبقى ‏حكومتين بشعتين أساءتا إلى العراق والعراقيين ثماني سنوات بقيادة رئيس وزراء فاشل اسمه ‏نوري المالكي.

الثورة والتغيير هما العلاج الحقيقي لأزمة العراق، لأنّ ما سيحدث سيوحّد العراقيين ‏جميعا ضدّ الطارئين والداعشيين، وسيقضي على الإرهاب قضاء تاماً. ‏

ليعلم كلّ من يعارضني أنني لست بعثياً ولا تكفيرّياً إرهابّياً، ولست من أنصار النظام السياسي ‏السابق، ولكنني مواطن عراقي حر، يستشعر الخطر القادم، ويذيعه للعراقيين قاطبة.

إنّ أيّ ‏حلول عمليّة وجريئة وشجاعة ونظيفة وسريعة للعراق من أجل التغيير ستكون من صالحهم، ‏فالأيام المقبلة تخبئ مفاجآت غير سارة أبداً، ما دام التعويل على النهج الطائفي والمحاصصي ‏نفسه الذي رسمه ممثلو النظام السياسي الحالي، وهو النهج الذي أحدث ردود فعل كبرى، ‏بحجم الزرقاوي وداعش. ‏

التغيير ضرورة تاريخية. كفوا عن النفخ في قربة مقطوعة، كفوا عن استعراض عضلاتكم، كون ‏بغداد محمية ومحروسة، والعالم كله يشهد تفجيرات وحرائق وتفخيخات في قلبها منذ سنوات. ‏ولم تزل تعيش مفتقدة الأمن حتى اليوم.

ليرحل كل من ليس له القدرة على الحكم وإدارة البلاد. ‏لترحل هذه الطبقة السياسية عن حكم البلاد، وتحل بدلها نخبة وطنية، لها المهنية العالية لإعادة ‏ضبط الأمور في طور انتقالي، يحتاجه العراقيون اليوم قبل الغد.

تغيير العملية السياسية ‏سيقضي على ميليشيات ومنظمات الطرفين السنية والشيعية.

على العراقيين أن يكونوا أذكياء ‏لمعالجة الموقف قبل فوات الأوان. داعش وميليشيات الحشد الشعبي ستأكلان ما تبقى من العراق، ‏وسيفنى من تبقى من العراقيين في حرب أهلية طائفية طاحنة لا سمح الله.!

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,040,967

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"