طواحين الأطفال!‏

جاسم الشمري

التشابه بين الأطفال وحبوب القمح كبير جداً، فكلاهما يتصفان بالضعف، وينشران السعادة ‏والطمأنينة في أرجاء الكون، وكلاهما سببان من أسباب ديمومة الحياة على كوكبنا. فبدون ‏الأطفال لا يمكن أن تستمر الحياة، وتغيب عنها بهجتها، وبدون القمح يفقد الإنسان مصدراً ‏رئيسياً للغذاء، وربما لا تستمر حياته بدونه إلا بجهد جهيد.‏

والطواحين استخدمها الإنسان منذ مئات السنين لطحن الحبوب، إلا أن استخداماتها اليوم قد ‏تغيرت، ومنها: ‏

‏- طَواحين هوائية: آلَةٌ هوائية يُديرها الهواءُ تستخدم لطحن الحُبوب.‏

‏- طواحين مائية: آلَةٌ يُديرها الماءُ لطحن الحبوب.‏

‏- طواحين التي أن تي: وهي صواريخ، وبراميل متفجرة تقذفها الطائرات لحطن البشر، وتهديم ‏البيوت على رؤوس ساكنيها.‏

وهذا يعني أن الطواحين في عصرنا المرعب لم تعد للحبوب فقط، فالأطفال اليوم – وبالذات في ‏شرقنا المتوسط المخيف- صاروا مادة لطواحين القتل والإرهاب العامرة في كل من فلسطين ‏والعراق وسوريا، وغيرها من دول عالمنا العربي، الذي يراد له أن يبقى مستنقعاً، ودوامة للعنف ‏والإرهاب!‏

الحيرة التي تغلف روح المتابع للشأن العراقي وفكره تجعله أحياناً يهرب من سفسطة السياسة ‏ومثالياتها غير الواقعية نحو المأثور الشعبي، لعله يجد فيه بعض التفسيرات والتوضيحات للحالة ‏الشاذة التي يتابعها.‏

ومن الأمثال الشعبية المعروفة في غالبية أرجاء المعمورة: ( ضربني وبكى، وسبقني واشتكى)، ‏وربما هذا المثل ينطبق على الأوضاع المرعبة في العراق اليوم، إذ أن الحكومة وقواتها الأمنية ‏المدعومة بميليشيات الحشد ترهب المواطنين، وتقتلهم، وتنهب أموالهم، وتنتهك أعراضهم، وتبتز ‏عوائل المعتقلين منهم، ثم بعد ذلك تشتكي من "الإرهاب"!‏

متابعة الأحداث الجارية على أرض العراق تجعل الحليم ضائعاً، فحكومة بغداد تدعي أنها تقاتل ‏‏"الإرهاب"، وأسرعت لدول العالم القريبة والبعيدة لاستجداء النصرة، والشكوى من "الإرهابيين"، ‏وقد استنفرت الجهود المدنية والعسكرية لمهمة قتال "الإرهابيين"، وبمتابعة خسائر "الإرهابيين" ‏نجد أن غالبية هؤلاء "الإرهابيين" هم من الأطفال والنساء، وهذا لغز لا يمكن تفسيره، إلا بأنه ‏استهداف حكومي - مع سبق الإصرار والترصد - لطحن المدنيين العزل في محافظة الأنبار ‏بحجة مقاتلة "تنظيم داعش"!‏

عمليات الطحن لا تقتصر على أطفال العراق، فقبل أيام ارتكب المستوطنون الصهاينة في ‏فلسطين جريمة بشعة، حينما صبوا جام غضبهم الأعمى على الطفل الفلسطيني الرضيع علي ‏سعد دوابشة، ذي الثمانية عشر شهراً، في واحدة من أبشع الجرائم الصهيونية التي لا تتوقف.‏

وهذه الجريمة تقع اليوم، وفي كل ساعة في محافظة الأنبار العراقية وغيرها من مدن العراق ‏الصابرة.‏

أطفال الفلوجة النازحون مع عوائلهم كانوا ضحية للشمس الحارقة، التي وصلت لمعدلات ‏خطيرة، ذابت أمامها أجسادهم الرقيقة، وأهلكت (52) طفلاً خلال الأسابيع الماضية.‏

وفي يوم الخميس الماضي طحنت طائرات حكومة بغداد، العشرات من الأطفال والنساء والشيوخ ‏في قضاء الرطبة في الأنبار، وخلفت وراءها أكثر من (45) شخصاً، بينهم (14) طفلاً.‏

وسبق لمساعدة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية فاليري آموس، أن كشفت نهاية العام ‏الماضي بعد " عمليات الطحن" المستمرة في الموصل والأنبار أن "نصف النازحين والمهجرين ‏هم من الأطفال، وأن الأحداث الأخيرة تسببت بمقتل وتشويه (700) طفلاً".‏

أما مفوضية حقوق الإنسان العراقية فقد ذكرت نهاية العام 2014، أن" عدد الأطفال النازحين ‏بلغ أكثر من (300) ألف طفل، توفي منهم ما يزيد على ألف طفل".‏

وكانت منظمة اليونيسيف قد أكدت "مقتل (872) طفلاً عراقياً، وإصابة أكثر من (3200) ‏آخرين بجروح بين عامي 2008 و2010"، فيما ذكرت لجنة حقوق الإنسان البرلمانية العراقية ‏أن" هنالك خمسة ملايين و(700) ألف يتيم، حتى العام 2013"! ‏

فكم هو عدد اليتامى في العراق اليوم؟!‏

عمليات الطحن الجسدي والنفسي والفكري والاجتماعي والصحي لأطفال العراق - نتيجة ‏استمرار العمليات العسكرية البرية والجوية، وسوء التغذية بسبب انتشار الفقر- ستترك آثارها ‏على مستقبلهم باعتبارهم الحلقة الأضعف، والذين وجدوا أنفسهم في دوامة لها أول، وليس لها ‏آخر!‏

فهل صار طحن الأطفال من البطولة التي يتباهى بها المجرمون القتلة؟!‏

 

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,050,023

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"