خرق الاتفاق النووي الأميركي- الايراني قبل تطبيقه!

علي حسين باكير

لم أجد حتى الآن أفضل من التعبير الدقيق الذي استخدمه القائد الاعلى السابق لقوات الحلفاء في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، الأدميرال المتقاعد "جايمس ستافريديس" في وصف الاتفاق النووي الأميركي- الايراني عندما علّق عليه بتهكّم قائلا "الثغرات الموجودة في الإتفاق كبيرة لدرجة أنّه من الممكن لك أن تقود شاحنة من خلالها"!

بالفعل، في كل صفحة من الاتفاق الذي يقع في 159 هناك ثغرات خطيرة وألغام مدفونة قابلة للإنفجار في أي وقت، وهو مؤشر سيء على انّ الاتفاق لا يهدف الى حل المشكلة على المدى البعيد بقدر ما يهدف الى معالجة المتطلبات الآنيّة للطرفين المتمثلين بالرئيس اوباما والمرشد خامنئي وبالتالي تأجيل الاشكال والإنفجار الذاتي لوضع الرجلين في البلدين وترحيل المشكلة الى مرحلة لاحقة.

إحدى اهم المشكلات المتعلّقة بنص الاتفاق نفسه انّه مليء بالنقاط التي تسمح لإيران بايقاف تنفيذ إلتزامتها الواردة فيه جزئيا أو كليا. إقدام إيران على مثل هذا الاجراء حال نشوء اي نزاع حول الاتفاق لن يكون حقيقة بمثابة خرق للإلتزامات المفروضة عليها بموجبه، يكفي إيجاد أي ذريعة لفعل ذلك والاستناد الى الفقرة التي تأتي في الصحفة السادسة بعد المقدّمة مباشرة أو الى النقطة رقم 36 في الاتفاق تحت عنوان "آلية حل النزاع" واعتبار الموضوع مثار نزاع حتى تقوم بايقاف تنفيذ إلتزاماتها.

في الأسبوع الماضي، نشر موقع الوكالة الدولية للطاقة الذرية نص رسالة كانت الوكالة قد تسلمتها من الجانب الايراني  بتاريخ 24 يوليو/ تموز 2015، ويظهر من خلال نصّها انّ الجانب الايراني يشكو فيها الولايات المتّحدة الأميركية متّهما ادارة اوباما بخرقها الاتفاق الذي تم التوصل اليه في فينّا في 14 يوليو الماضي، أي بعد أقل من 10 ايام فقط على اعلانه، وذلك بسبب تصريح للمتحدث باسم البيت الأبيض، جون ارنست، يشير فيه الى ان "الخيار العسكري سيبقى قائما"، باعتباره تهديدا باستخدام القوة العسكرية ضد ايران.

لقد اعتبر الجانب الايراني انّ التهديد باستخدام القوة او استخدامها هو خرق لميثاق الأمم المتحدة و"خرق خطير" أيضا لنص الاتفاقية النووية على أساس أنّه يقوّض المتطلبات الأساسية لتطبيقه كما أنّه يخل بالالتزامات المفروضة بموجب الاتفاق. واعتبر كذلك أنّ التصريح يهدد دور الوكالة الدولية للطاقة الذريّة ويعرّضه للخطر، وقد طالبت ايران في نص الرسالة بانّ تحمي الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأسرار الايرانية التجارية والتكنولوجية والصناعية والماديّة وأي معلومات سريّة اخرى ستطلع عليها من أي جهة ثالثة.

لكن الحقيقة انّ المتحّدث باسم البيت الأبيض لم يكن يهدد باستخدام القوة العسكرية ضد ايران وانما كان يجيب على سؤال في جلسة ايجاز معتادة تطرّقت الى الاتفاق النووي، وكان مما قاله أرنست في الجواب "الخيار العسكري سيبقى على الطاولة..". هذا بطبيعة الحال ليس تهديدا بقدر ما هو شرح للخيارات المتاحة، والمفارقة ان المتحدث باسم البيت الأبيض كسائر أعضاء ادارة أوباما أراد من خلال هذا الكلام أن يبدد شكوك المستفسرين الذين كانوا يسألونه بشأن الاتفاق. بمعنى آخر، المتحدث باسم البيت الأبيض كان يحاول الدفاع عن الاتفاق النووي مع ايران، ولكن المكافأة من قبل الجانب الايراني كانت باعتبار تصريحه خرقا للاتفاق!

لا شك انّ ايران لا تبحث الآن عن وسيلة لإيقاف الاتفاق او الانسحاب منه، لكن يمكن ملاحظة مدى سرعة إستغلالها له بكل الطرق والوسائل الممكنة والمتاحة. من خلال الرسالة الموجّهة للوكالة الدولية للطاقة الذرّية، يمكننا القول واستنادا الى الخبرة التاريخية بسلوك النظام الايراني بأنّ الاخير  يحاول أن ينشئ قواعد تفسير لبعض مواد الاتفاق لتكون بمثابة مرجع مستقبلي للتفسير حال نشوب أي نزاع، وبالتالي فهذه الحالة اليوم هي بمثابة التأسيس لقواعد إشتباك مستقبليّة.

أضف الى ذلك، فقد كان لافتا ربط الموضوع بدور الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومطالبتها بضرورة حماية الاسرار التي قد تطّلع عليها، ربما يريد الجانب الايراني بذلك ربط التهديدات المستقبلية بدور الوكالة لكي يمكّنه ذلك من ايقاف او تعطيل أي عمليات التفتيش بحجّة ان الوكالة قد تنقل معلومات حساسة الى الجانب الأميركي يستخدمها في اي عدوان أو عمل عكسري، وهذا ربط مثير للإهتمام من دون شك.

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :135,617,269

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"