الاتفاقية النووية انتصارٌ كاسح لإيران أم تجرّعُ سُمٍ وهوان؟ (1)

بعث لنا الأكاديمي والدبلوماسي العراقي السابق، الدكتور عبدالله الغني، دراسة موثَّقة بالغة الأهمية عن الاتفاقية النووية بين إيران والقوى الكبرى.

ويسر وجهات نظر أن تقدم لقرائها الكرام هذه الدراسة على ثلاثة أجزاء، وهذا هو الجزء الأول منها.

مع التقدير

 

الاتفاقية النووية

انتصارٌ كاسح لإيران أم تجرّعُ سُمٍ وهوان؟ (1)


د. عبدالله الغني

وقَّعت مجموعة الدول الكبرى الست، أميركا وفرنسا وروسيا وبريطانيا والصين زائدا ألمانيا، والاتحاد الأوربي مع إيران في فيينا يوم 14 تموز/ يوليو  2015 الاتفاقية النووية التي سُميت خطة العمل الشاملة المشتركة (Joint Comprehensive Plan of Action {JCPOA} ) بعد مفاوضات بين الطرفين بدأت عام 2006.

وكان أول تفاهم توصل اليه الطرفان لمعالجة أزمة البرنامج النووي الإيراني قد تم في 24 تشرين الثاني/ نوفمبر 2013، في جنيف وسمي اتفاق جنيف المؤقت (Interim Geneva Accord) وتعهدت فيه إيران بتجميد مؤقت لبرنامجها النووي في مقابل تخفيف أميركا بعض العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران، ووعدا بالعمل على اتفاق طويل الأجل.

وبعد جولات متواصلة من المفاوضات استمرت نحو 30 شهراً توصلا في لوزان بسويسرا بتاريخ 2 نيسان/ أبريل 2015 الى اتفاق على إطار عام للاتفاقية النهائية التي سميت بخطة العمل الشاملة المشتركة. وتضمن اتفاق الإطار 43 عنصراً بنيت عليها الاتفاقية النووية الشاملة التي أنهت عملياً مشروع إيران الطموح لصنع الأسلحة النووية.

بدأت أزمة البرنامج النووي الإيراني تلوح في الأفق منذ تشرين الثاني/ نوفمبر 2003 عندما أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران قد أخفقت في الإيفاء بالتزاماتها المنصوص عنها في اتفاق ضمانات معاهدة حظر الانتشار النووي التي وقعتها عام 1968 وانضمت إليها في العام التالي، وأنها لم تعلن عن أنشطة نووية  لتخصيب اليورانيوم ولإنتاج وقود للمفاعلات (بمعدلات تخصيب عالية) لصنع أسلحة نووية.

ثم كشفت الوكالة في تقرير رفعته إلى مجلس الأمن الدولي في شباط/ فبراير 2006 أن إيران أجرت على الأرجح قبل العام 2003 بحوثا وتجارب ترمي إلى تطوير أسلحة نووية. وبذلك تسلم مجلس الأمن ملف البرنامج النووي الإيراني، فأصدر عدة قرارات تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، باستثناء القرار القرار رقم 1835 في 27 أيلول/ سبتمبر 2008 تضمنت مطالب محددة وعقوبات وهي:
- القرار رقم 1696 في 31 تموز/ يوليو 2006، ويطلب تعليق تخصيب اليورانيوم؛
- والقرار رقم 1737 في 23 كانون الأول/ ديسمبر 2006، ويفرض عقوبات على إيران لعدم امتثالها للقرار السابق؛
- والقرار رقم 1747 في 24 تموز/ يوليو 2007، ويقضي بتوسيع العقوبات والترحيب بمبادرة الدول الخمس الكبرى + المانيا للتدخل في حل الأزمة؛
- والقرار رقم 1803 في 3 آذار/ مارس 2008، ويتضمن توسيع العقوبات ومنع إيران من استيراد بعض المنتجات التي يمكن أن تساعد البرنامج النووي والصاروخي الإيراني؛
- والقرار رقم 1835 في 27 أيلول/ سبتمبر 2008، يؤكد القرارات الأربعة السابقة؛
- والقرار رقم 1929 في 9 حزيران/ يونيو 2010، وأوقف تصدير جميع انواع الأسلحة إلى إيران التي لها علاقة بالصواريخ البالستية، وقرر تفتيش السفن التي تنقلها واحتجازها، وتجميد أرصدة اعضاء حرس الثورة الإيرانية، ومراقبة خطوط النقل البحري؛ 
- والقرار رقم 1984 في 8 حزيران/ يونيو 2011، ويقضي بتمديد العمل بالقرار السابق لمدة 12 شهراً إضافيا.

وقد كثرت حول هذه الاتفاقية التكهنات، وتعددت القراءات من كتاب ومعلقين عرب أكثرهم لم يطلع على نصوصها، ولا على اتفاق الإطار الذي استندت إليه. بعض من تناول الاتفاقية تعمَّد المبالغة والتهويل وقدَّم صورة غير حقيقية، إما تعبيراً عن الولاء لإيران، أو تعبيراً عن الانحياز الى التيار المناهض للموقف القومي العربي منذ أيام الرئيس الراحل جمال عبدالناصر. وآخرون فعلوا ذلك عن حسن نية نتيجة وقوعهم في أوهام الدعاية الإيرانية ومنابرها العربية.

واستند الجميع في تقديراتهم لهذه الاتفاقية الى التفسير الإيراني مما ورد على لسان رأس النظام الإيراني علي خامنئي ورئيس الجمهورية حسن روحاني والمسؤولين الآخرين وبعض الجهات المؤيدة للنظام الإيراني، وبالغوا كثيراً ببراعة المفاوض الإيراني وتمسكه بالثوابت ذات السقف العالي، وطول باله وصبره ومثابرته (مستنداً الى إستراتيجية حياكة السجاد الإيرانية حسب بعض المولعين بحب إيران. وصوروا اتفاق الإطار وهذه الاتفاقية النهائية بمثابة "الانتصار الكبير على قوى الاستكبار العالمية وحلفائها العرب وإسرائيل". ومما يسترعي الانتباه الدهاء في تمرير الدعاية الإيرانية. فوزير الخارجية الإيراني قدَّم الاتفاقية لبرلمان النظام الإيراني زاعماً ان إيران لم تقدم أي تنازل. والمجلس الوطني الإيراني الأميركي (NIAC) سارع الى نشر خلاصة على غوغل انتهج فيها نهج "ولا تقربوا الصلاة" فنشر فقرات تخفيف ورفع العقوبات لكنه حذف منها الشروط المطلوبة، أي بدون ان يذكر كيف ومقابل ماذا ومتى؟

وحدها صحيفة كيهان الرسمية الإيرانية (بنسختها الفارسية فقط) كشفت شيئاً من حقيقة ما جرى. لنقرأ مقتطفات مما نشرته يوم 15 تموز/ يوليو 2015:

- "الرواية الإيرانية عن الاتفاقية النووية التي وقَّعتها إيران تختلف 180 درجة عن الرواية الأميركية".

- "بنود هذه الاتفاقية تذكّرنا باتفاق جنيف (24 تشرين الثاني/ نوفمبر 2013)، الذي روَّجت له حكومة روحاني، وكان بمثابة الهزيمة والتنازل المطلق عن أهداف المشروع النووي الذي قاومت إيران من أجله عشرات السنين في وجه الاستعمار الغربي".

-"نشرت وزارة الخارجية الإيرانية في موقعها الرسمي بياناً مختصراً عن الاتفاقية، وهو مغاير للحقيقة، حيث يقول إنه في لحظة توقيع الاتفاقية النووية بين إيران ومجموعة 5+1 سترفع العقوبات التي فرضها على إيران مجلس الأمن الدولي والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بينما تنص بنود الاتفاقية على رفع العقوبات بشكل تدريجي، وهذا خلافاً لتوقعاتنا جميعاً وخلافاً لما ذكرته الخارجية الإيرانية".
- "الملف النووي الإيراني سيبقى للعشر سنوات القادمة في مجلس الأمن، وفقاً لنص الاتفاقية، وهذا يخالف بيان الخارجية الذي ذكر أن الملف سيخرج من مجلس الأمن حال توقيع الاتفاقية".
- "يناقض البيان الاتفاقية الأصلية التي تنص على وقف تخصيب اليورانيوم بمحطة فوردو النووية بشكل كامل لمدة 15 عاماً، لكن بيان الخارجية الإيرانية لم يذكر ذلك".
- "تضمنت الاتفاقية بنداً يتيح لوكالة الطاقة الذرية تفتيش المنشآت والقواعد العسكرية الإيرانية السرية.. مما يُعد فضيحة". (1)

الصحيفة الإيرانية بطبيعة الحال لم تتناول جميع بنود الاتفاقية التي تتحدث عن شيء آخر تماماً غير ما تباهى به مسؤولو إيران وغير ما نقله عنهم الآخرون من مؤيدين أومتوهمين وقعوا في كمينها الدعائي!

فقد اضطرَّت إيران لتقديم من التنازلات الجسيمة ما ينهي عملياً كل ما كانت تطمح له وتتباهى به بوصفها قد دخلت النادي النووي وأصبحت دولة نووية، الخ من صور العظمة والغطرسة المعهودة عن النظام الإيراني.

وقد وصفت مريم رجوي، زعيمة المعارضة الإيرانية، موافقة إيران على الاتفاقية بـ"السم النووي" الذي تجرَّع كأسه خامنئي رئيس النظام الإيراني الصفوي ، في إشارة الى ما جاء على لسان مؤسس النظام الإيراني الصفوي، خميني في تموز/ يوليو 1988، حين وصف قبوله قرار مجلس الأمن 598 (20 تموز/ يوليو 1987) بوقف إطلاق النار في الحرب العراقية-الإيرانية بمثابة "تجرعه كأس السم". (2)

واعتمدت منظمة مجاهدي خلق المعارضة عبارة "تجرّع كأس السُم النووي" شعاراً رئيسياً لموقعها الالكتروني.

وثمة اعترافات صريحة من بعض مسؤولي النظام تؤكد هذا الأمر. فقد نقلت وكالة تسنيم الإيرانية عن محمد علي جعفري، قائد الحرس الثوري، قوله "بعض أجزاء الاتفاقية تجاوزت بوضوح الخطوط الحمراء للجمهورية الإسلامية خاصة ما يتعلق بقدرات إيران العسكرية".

وكتب حسين شريعتمداري، رئيس تحرير كيهان "حتى بمجرد النظر إلى الاتفاقية يمكنك أن ترى أن بعض الخطوط الحمراء الأساسية للجمهورية الإسلامية لم يتم الحفاظ عليها". وأضاف: "لطالما اعتبرت إيران قرارات مجلس الأمن الدولي غير قانونية لكن بقبول القرار الجديد نحن نقرها جميعا".

وقال أحمد بخشايش، عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان، إن المفاوضات النووية انحرفت كثيرا إلى المجال العسكري. ونقلت وكالة أنباء فارس الإيرانية قوله "لم يكن مفترضاً أن يتفاوض الفريق المفاوض على تكنولوجيا الصواريخ الباليستية الإيرانية." (3)

 

أهم بنود الاتفاقية

أولا- التزمت إيران بأنها لن تسعى أبداً وتحت أي ظرف من الظروف لتطوير أو حيازة الأسلحة النووية. ورد هذا الالتزام الصريح في المقدمة وفي الديباجة برقم 3. ثم تؤكد الاتفاقية في الفقرة العاملة 16 التزام إيران بأن "لا تنخرط في أي أنشطة، بما فيها أعمال البحث والتطوير، يمكن أن تسهم في تطوير صاعق (أداة تفجير) نووي، ويشمل ذلك أنشطة تعدين اليورانيوم أو البلوتونيوم، كما هو محدد في الملحق الأول". ولن تنتج إيران أو تسعى لحيازة اليورانيوم المخصَّب بدرجة عالية أو البلوتونيوم للسنوات 15 القادمة على الأقل، وتعلن إيران نيتها لذات الغرض لفترة أطول.

ثانيا - تخفيض كمية اليورانيوم المخصب (UF6) بدرجة 20 % الذي بحوزة الحكومة الإيرانية لفترة الـ 25 سنة المقبلة بنسبة 98 % حيث ستخفض من حوالي 12 ألف كيلوغرام الى 300 كيلوغرام فقط وبدرجة تخصيب لا تزيد عن 3.67  %. وتلتزم إيران بالتخلص من الكمية المخصّبة الفائضة أي أكثر من 11 ألف كيلو غرام بشحنها الى الخارج وبيعها في الأسواق العالمية بالأسعار السائدة أو بتحويلها الى يورانيوم طبيعي غير مخصَّب.  

ثالثا - إزالة ثلثي أجهزة الطرد (centrifuges) اللازمة لتخصيب اليورانيوم التي بحوزتها وإزالة كل ما يرتبط بها من بنية أساسية (تحتية) ، وذلك بتخفيض العدد الذي بحوزتها من حوالي 19 ألف جهاز الى 6146 جهازاً فقط، على ان لا تستخدم إيران منها سوى 5060 جهازا وأن تكون من الجيل الأول (IR-1) القديم والبطيء. وتُحجَر الكمية الفائضة من أجهزة الطرد بما فيها الأجهزة المتقدمة وما يدعمها من بنية أساسية (تحتية) بعيداً عن متناول الحكومة الإيرانية، وتحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية على مدار الساعة لفترة الـ 10 سنوات المقبلة.

رابعا - حصر استخدام أجهزة الطرد المسموح بها في إيران (بموجب الفقرة ثانيا أعلاه) بمفاعل نطنز فقط وتحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتخفيض معدل تخصيب اليورانيوم من 20 %  الى 3.67 % فقط وذلك لفترة الـ 25 سنة المقبلة. وهذا المعدل المتدني أقل بكثير من المعدل اللازم لتصنيع السلاح الذري ولا يصلح الا  للابحاث الطبية وغيرها.

خامسا - إزالة ثلثي البنية الأساسية لمنشأة فوردو النووية وأجهزة الطرد المستخدمة فيها، ومنع إيران من استخدامها لتخصيب أو خزن المواد الانشطارية لفترة الـ 15 سنة المقبلة، وتحويلها للأبحاث الفيزياوية لمعالجة السرطان على ان تخضع لرقابة صارمة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ومنشأة فوردو من أكبر المواقع النووية الإيرانية وتقع قرب مدينة قم وهي مدفونة في موقع حصين تحت سفح جبل بنحو 200 قدم أي بارتفاع عمارة من 20 طابقاً، مما يقلل إمكانية تدميرها بهجوم جوي معادٍ. ولم تعلن عنها إيران وبقيت مخفية حتى عام 2009 حينما كشفت عنها الولايات المتحدة.

سادسا - ازالة مفاعل آراك للماء الثقيل وصب خرسانة في محوره الأساس أو قلبه (CORE)، واعادة بنائه وفق تصميم توافق عليه الولايات المتحدة ومجموعة الدول الكبرى، وتلتزم إيران باستخدامه للأغراض السلمية تحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة لذرية. ومنع إيران من بناء أي مفاعل للماء الثقيل أو إعادة  تدوير ومعالجة الوقود في مفاعلاتها الحالية لفترة الـ 15 سنة المقبلة.

سابعا - إخضاع كل سلسلة تجهيز الوقود النووي من البداية حتى النهاية- من منجم اليورانيوم الى المطاحن الى تصنيع وتشغيل اجهزة الطرد- لمراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية على مدار الساعة وبأحدث أجهزة المراقبة والاستشعار عن بعد، وذلك لضمان عدم تحايل إيران وتحويلها كمية ما من اليورانيوم عن مسارها المراقب. وسوف تستمر هذه القيود 20 سنة.  

ثامنا - إلزام إيران بالانضمام الى البروتوكول الإضافي لمعاهدة عدم الانتشار النووي الذي يتيح للوكالة القيام بزيارات مفاجئة الى أي موقع تشتبه به بدون اتفاق مسبق مع السلطات الإيرانية وذلك في فترة سريان الاتفاقية وبعدها بشكل دائم. والسماح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بتفتيش أي موقع في أرجاء إيران تشتبه به الوكالة الدولية أو غالبية دول المجموعة  6+1 ، سواءً كان معلناً او غير معلن نووياً أو عسكرياً وبضمنها موقع بارجين العسكري. ووصف الرئيس الأميركي في مقابلته مع تومس فريدمن يوم 2 نيسان/ أبريل 2015 أعمال التفتيش التي ستخضع لها إيران بقوله "إيران ستواجه قيوداً صارمة على برنامجها، ووافقت أيضا على عمليات تفتيش شديدة واقتحامية ونظام للتحقق لم يسبق التفاوض عليه في أي وقت مضى في أي برنامج نووي في التاريخ. وسيتاح للمفتشين الدوليين قدرة غير مسبوقة ليس لتفتيش المنشآت النووية الإيرانية فقط، ولكن لكامل سلسلة التجهيز التي تدعم البرنامج النووي الإيراني.. مع هذه الإتفاقية، ستواجه إيران مزيداً من عمليات التفتيش أكثر من أي بلد آخر في العالم ... إن تدابير الشفافية غير المسبوقة هذه ستستمر لمدة 20 سنة أو أكثر. وفي الواقع، سيكون بعضها أبدياً بوصف إيران عضواً في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية". (4)
تاسعا - إلزام إيران بتقديم إجابات خلال 90 يوماً من توقيع الاتفاقية، أي بحلول 15 تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، على المسائل المعلَّقة التي طالما أثارتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية بخصوص شكوك بوجود أبعاد عسكرية مخفية لبرنامجها النووي. ويعدُّ قبول الوكالة ومجلس الأمن هذه الإجابات من أهم المتطلبات للبدء برفع العقوبات المفروضة على إيران بخصوص برنامجها النووي.

عاشرا - مقابلة أي عالم أو عامل في المنشآت النووية الإيرانية.

حادي عشر - عدم بناء أي منشاة نووية لفترة الـ15 سنة المقبلة.

ثاني عشر - التخلص من كميات الوقود النووي المستنفذ الموجودة الآن او التي ستتراكم في المستقبل بشحنها الى الخارج من أجل تدويرها أو التخلص منها. والامتناع عن الدخول في أي أنشطة لإعادة تدوير الوقود النووي، او إقامة منشأة لهذا الغرض أي منع إيران من حيازة دورة الوقود النووي لفترة 15 سنة القادمة.

ثالث عشر - منع بيع أو تزويد أو نقل أي مكونات أو تقنية متصلة بالصناعة النووية أو قابلة للاستخدام المزدوج إلى إيران إلا عبر آلية جديدة للمشتريات تخضع لرقابة دولية وعلى أساس كل حالة على حدة لتحقيق المزيد من الشفافية والرقابة.

وبهذه الإجراءات ستُقطع عن إيران كل الطرق المتاحة أمامها لصنع الأسلحة الذرية وهي مساران لليورانيوم وثالث للبلوتونيوم. والأمر يتعدى كثيراً وهم التأجيل الذي يحاول البعض تسويقه ويقوم على ان الاتفاقية لا تنهي قدرة إيران على تطوير برنامجها النووي باتجاه إنتاج الأسلحة النووية بل تؤجلها لعقد أو أكثر. ويجيب على هذا الوهم جون كيري وزير الخارجية الأميركي في مؤتمره الصحفي الذي عقده في فيينا بعد توقيع الاتفاقية يوم 14 تموز/ يوليو 2015 قائلاً "خلافا لتأكيدات البعض، لا نهاية لهذه الاتفاقية. بل ستنفذ على مراحل تبدأ في غضون 90 يوماً من موافقة "مجلس الأمن الدولي" عليها. بعض الأحكام تبقى سارية 10 سنوات، وأخرى 15 سنة، وآخرى 25 سنة. وستبقي بعض الأحكام سارية – بما في ذلك العديد من تدابير الشفافية وحظر العمل النووي– على نحو دائم". (5)

والتدابير التي ألتزمت إيران بتنفيذها تزيل معظم الأجزاء الحيوية من البنية الأساسية (أو التحتية) للبرنامج النووي وتشل بقية الأجزاء بوضعها تحت رقابة صارمة غير مسبوقة لفترات تترواح بين 10 سنوات و25 سنة. فدورة الوقود النووي تتكون من خمس حلقات تبدأ بـ

(أ) التنقيب عن اليورانيوم واستخراجه ثم (ب) نقله الى المطاحن لصنع الكعكة الصفراء ومنها الى (ت)  المفاعلات حيث أجهزة الطرد ثم (ث)  تصميم وبناء وتشغيل المفاعلات سواء للأبحاث أو للكهرباء (ج) ومنشآت لمعالجة وتكرير الوقود النووي المستنفذ.

وقد أخضعت هذه الاتفاقية الحلقات الثلاث الأولى لرقابة صارمة وقيدت عمل أجهزة الطرد المركزي  بما هو أدنى بكثير من متطلبات صناعة الأسلحة النووية، كما حجبت عن إيران الحلقتين الرابعة والخامسة حيث حرمتها الاتفاقية من أي إمكانية  لبناء مفاعلات للأبحاث، كما حرمتها من إعادة تكرير الوقود المستنفذ أو المحترق.
وقد كشف الوزير كيري في هذا المؤتمر الصحفي عن مسألة بالغة الأهمية، فقال إن برنامج إيران النووي قد بلغ مرحلة متقدمة جدا حتى أصبحت المواد الانشطارية اللازمة لصنع السلاح النووي التي تراكمت لدى إيران  كافية لصنع 10- 12 قنبلة نووية. وقال "بدون هذه الاتفاقية فان وقت الاختراق في برنامج إيران النووي (أي الوقت المتاح لإيران لتحضير الوقود اللازم لصنع قنبلة نووية) هو شهران إلى ثلاثة أشهر".

وأضاف كيري "من هنا بدأنا. بدأنا مع إيران وكان أمامها شهران فقط لتهيئة مواد انشطارية تكفي لصنع 10 قنابل نووية. بهذه الاتفاقية سنجعل الوقت المطلوب أمام إيران لتهيئة الوقود اللازم لصنع السلاح النووي سنة كاملة لفترة 10 سنوات قادمة".

وتكشف هذه النقطة الحيوية والخطيرة مدى مصداقية النظام الإيراني الذي كان رئيسه خامنئي يقول "إننا نؤمن بأن إنتاج السلاح النووي أو الاحتفاظ أو استخدامه حرام حسب حكم القرآن وحكم الشريعة الإسلامية.. ولا نقوم بذلك".   

وفي هذا السياق ورداً على تساؤلات الكثيرين عن جدوى الثقة بتعهدات إيران، قال الرئيس الأميركي اوباما "هذه الاتفاقية ليست مبنية على الثقة وإنما على تدابير للتحقق غير مسبوقة". (6)

وأعاد وزير خارجيته، كيري، التأكيد على هذه النقطة فقال "لاشيء في هذه الاتفاقية يقوم على الثقة. كلها مبنية على تدابير وافية ومستفيضة للتحقق وضمان الشفافية تضمنتها نصوص دقيقة جدا في ملاحق الاتفاقية. فإذا أخفقت إيران في الالتزام بتعهداتها سنعرف وسيعرف المجتمع الدولي لأننا سنكون هناك من خلال الوكالة الدولية للطاقة الذرية وغيرها. سنعرف بسرعة، وسنكون قادرين على التصرف وفقا لذلك.. إذا أخفقت إيران في تنفيذ هذه الالتزامات فإن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وحتى عقوبات الامم المتحدة التي جاءت بإيران أساسا الى طاولة المفاوضات سوف ترجع فوراً، ولدينا نص خاص في هذا الاتفاقية (يدعى SNAPBACK) لعودة هذه العقوبات في حال عدم الامتثال". (7)

 

(يتبع: الجزءان الثاني والثالث)

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :135,620,113

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"