موسم خروج الثعالب ودنو ساعة الصفر ‏

عبد الكاظم العبودي

رحم الله أمير الشعراء احمد شوقي  في رسمه صورة للنفاق الاجتماعي والسياسي في قصيدته الرائعة  ‏التي كان مطلعها:‏

 

برز الثعلب يوماً في ثياب الواعظينا ‏‎

فمشى في الأرض يهذي ويسبّ الماكرينا‎

ويقول : الحمد لله إله العالمينا ‏‎

يا عباد الله توبوا فهو كهف التائبينا ‏‎

وازهدوا في الطير إن العيش عيش الزاهدينا ‏‎

واطلبوا الديك يؤذن لصلاة الصبح فينا‎

فأتى الديك رسول من إمام الناسكينا ‏‎

عرض الأمر عليه وهو يرجو أن يلينا ‏‎

فأجاب الديك: عذراً يا أضلّ المهتدينا ‏‎

بلّغ الثعلب عني عن جدودي الصالحينا ‏‎

أنهم قالوا وخير القول قول العارفينا ‏‎

مخطئٌ من ظنّ يوماً أنّ للثعلب دينا ‏

اللصوص الكبار في العراق،  تأخذهم هذه الأيام العزة بآثامهم ويتشبثون بها بقوة وشراسة رغم خوفهم ، ‏وهم متضامنون ، ومتعاونون ، رغم أننا نراهم وهم يضربون بعضهم بعضا بقشور الموز، بالتلويح ‏الكاذب بنشر بعضا من ملفات الفساد لبعض رموزهم على قاعدة: إن لكل واحد منهم نصيبه من تلك ‏المحاصصة، وسيأخذ كل واحد منهم نصيبه  عند الحساب،إن تم على يد الشعب المقهور،  وتلك قاعدة ‏تقاسمتها لمافيات، وهم  الذين شرعوها وقننوها لصالحهم ولمستقبلهم في قرارات وتوصيات وتشريعات ‏نهبوا بها العراق كله.‏

‏ نراهم، وهم لازالوا يتمسكون بدستورهم، وتشكيلات عمليتهم السياسية، من برلمان وحكومة ومجلس ‏قضاء منحرف، نسمعهم كفحيح الأفاعي يسربون أضغاث أحلامهم إلى الإعلام الممول منهم ، حتى بعد ‏صحوة وتصاعد الانتفاضة الشعبية التي تحيط بهم. منهم من صار نبيا يدعو للإصلاح والزهد والتقوى ‏والتريث في المحاسبة وعدم الانجرار للعنف والتظاهر السلمي بحماية المليشيات والحشد الشعبي ، ‏ومنهم من يقدم آجالا لخارطة طريق جديدة لحيدر ألعبادي وحكومته لإحداث التغيير على قاعدة لا غالب ‏ولا مغلوب، وهم ينظرون إلى ما تبقى في يد حيدر ألعبادي هي حكومتهم التي تحاصصوا فيها ، ومنهم ‏من ظهر في مثل هذا  اليوم، ويتباكى على هذه الدنيا الفانية،  فيأخذ  دور المرشد والراعي والموجّه ‏لمن ضلَّ عن سبيل وصلاح العملية السياسية، منهم من أخذ يلبس جبة الإصلاح ويطالب بالتغيير ‏الهادئ المتزن، فنراه وهو يتجلبب بثياب الواعظين، ويلعن الساسة والسياسيين والمنافقين إلى يوم الدين ‏ويدعو الديك إلى منح الثقة بالثعلب والذئب وبنات آوى في العراق ألتعددي الديمقراطي الذي عششوا ‏فيه.‏

سبحان مُغَيّر الأحوال، ورغم  أن هذه اللعبة المنافقة حد النخاع لا تنطلي على أحد بعد اليوم، طالما أن ‏التضليل الإعلامي لهؤلاء بات يكشف نواياهم ويفضحهم بمردود عكسي، ورغم أن فضائياتهم ووسائط ‏إعلامهم تحاول خلط الأوراق متعمدة أمام أنظار الجماهير المنتفضة كي تساعد على هروب المجرمين ‏بأموالهم ولترتيب أوضاعهم إلى حين مرور هذه الأيام العصيبة التي تعصف بأركان المنطقة ‏الخضراء.‏

‏ إن الإعلام المُضَلل يأخذ  دوره بارتزاق في محاولات تدمير الانتفاضة الشعبية والحراك الشعبي ‏وصنع أسماء وأصنام جديدة يجري تلميعها وتصدرها لشاشات الإعلام المفبرك، وهي شخصيات ‏هامشية لا تاريخ لها في قيادة الحراك وممانعة العملية السياسية، وتجري عملية إسناد ما يجري من ‏حراك إلى دور المرجعيات الرشيدة ومحاولة فرض ولايتها على مصير وحقوق الشعب العراقي، في ‏الوقت الذي تسعى الى حماية المجرمين الكبار وتسهيل محاولات هروبهم من العراق تحسبا لتطورات ‏وسوء الأوضاع المرتقبة في العراق واحتمالات خروج التظاهرات عن السيطرة التي تحاول العصابات ‏الحاكمة تحريكها وتوجيهها عن بعد أو قرب.‏

الإعلام المرتزق هو الذي سرب خبرا قال فيه:  إن المجرم نوري المالكي حاول الهرب بطائرة خاصة ‏من مطار بغداد، قبل يومين ، وتم منعه من الطيران، ونشر تسجيلا صوتيا عن حوار بين سلطات ‏المطار وحماية المالكي بث عبر البغدادية، وهذا الإعلام نفسه يقول عبر برامجه وهو يستضيف في ‏ذات الوقت أحد عتاوي العملية السياسية من أمثال إياد علاوي، الذي ظهر البارحة  في حصة تلفزيونية ‏مباشرة وهو يلبس ثياب الواعظين ويؤكد في عظمة لسانه عن عفته السياسية وزهده  وهو يحارب ‏الفساد والفاسدين منذ رئاسته للوزارة وانخراطه في مراحل العملية السياسية إلى اليوم ، رأيناه ، برغم ‏كل خلافاته المعروفة مع نوري المالكي يقول:  إن نوري المالكي لم يحاول الهرب، ولم يذهب إلى ‏المطار وتلك حكاية مفبركة، ويعلن ان المالكي قد سافر البارحة على ظهر طائرة من بغداد مع وفد من ‏أركان حزبه وتحالفه الوطني الى طهران في دعوة رسمية سربت أخبارها قناة آفاق التابعة للمالكي قبل ‏ثلاثة أيام.  ‏

في ذات المقابلة، البارحة، 12 آب 2015 ، أثنى إياد علاوي على شجاعة زميله حيدر ألعبادي ، بائع ‏الكبة الشهير، خلال إقامته في لندن ودوره في معارضة النظام الوطني الذي أسقطه الاحتلال الأمريكي ‏بالغزو والقوة المسلحة الغاشمة. حدث كل هذا في حين كانت فضائية الحشلوك التي تنتسب هذه الأيام ‏إلى معسكر أتباع حيدر العبادي الجدد تعاتبه في ذات الوقت وتسأله عن جدوى تضيع الوقت في تلك ‏اللحظات بمحاولته الاجتماع مع نوري المالكي لساعات لإقناع مسئوله ورئيسه في حزب الدعوة ‏والتحالف الوطني نوري المالكي ، بان يتعامل مع الإجراءات التي اتخذتها الحكومة بإلغاء مناصب ‏نواب رئيس الجمهورية بروح رياضية والانتظار حتى تمر موجة الغضب والسخط الشعبي بسلام. ‏

‏على الشعب العراقي أن يطبق على المجرمين ذات قانون المحاصصة الذي جر العراق إلى الخراب ‏الشامل وأفسد كل شئ بوضعهم في سلة واحدة ، والتطبيق هنا يجب أن يكون بروح ثورية جريئة ‏وعادلة، فرجال المحاصصة في برلمانهم عبر سنوات ودورات برلمانية عديدة إختلقوا طريقة غريبة ‏لإصدار التشريعات والقرارات التي تحمي مصالحهم وتكرس امتيازاتهم بتمريرها، كما يقولون هم  " ‏حزمة واحدة" أو  بـ " سلة واحدة"، أي على طريقة تقاسم اللصوص ( شيلني وأشيلك)، وهم يركبون ‏رؤوسهم العفنة، وتأخذهم العزة بالإثم، بركوبهم اليوم بمركب واحد وفي محاولة منهم للهروب من ‏حساب الشعب العراقي وقصاصه العادل.‏

‏ على الشعب العراقي حسم أمره بشكل نهائي دون إنصات لمن يحاولون تدجينه ودعوته من خلال ما ‏تعلنه ميكروفونات جمعة عبد الهادي الكربلائي والصافي والوكلاء وجنود الخفاء في الرتل الخامس ‏المعادي لتطلعات شعبنا العراقي، وسائر الأبواق والفضائيات الإيرانية والصفوية الأخرى التي تدعو ‏العراقيين للاستماع والإنصات إلى تعليمات مرجعيات ما، وتصوير دور حيدر ألعبادي، وكأنه المهدي ‏المنتظر أو المُخَّلص الذي أفرزته لهم العناية الإلهية ودعوات المرجعيات تتاجر باسم الدين وتحاول ‏تحريف الحراك الشعبي وتدجينه وتحويله طيعا بيد قوى معروفة تخرج من رحم ذات قوى الفساد ‏السابقة وتتلبس بثياب الواعظين.‏

وما لم تعبر الجماهير وهي معبأة وموحدة وبجرأة إلى حصون الباستيل الأخضر في المنطقة الخضراء ‏وتقلب الأوراق والحسابات والكراسي كلها مرة واحدة على رؤوس الظالمين ووكلاء الاحتلال ‏الأمريكي والإيراني فان تجنب عودة اللصوص والفاسدين من عتاوي العملية السياسية وقططها السمان ‏لن يكون مضمونا أبدا. ‏

الثورة حالة مخاض، لا يمكن تأجيلها، مهما كانت حالة العسر والطلق والآلام والتضحيات المرتقبة ‏خلالها، وهي  كما يقول عنها الثوار، ممن خبرتهم التجارب وثورات الشعوب والأمم الحية ... الآن .. ‏الآن وليس غداً ... الآن ...الآن وليس غدا.. ربما كان الأمس مبكرا  للثورة، وربما سيكون غدا متأخرا ‏جدا عنها ، لكن اليوم... هو الأنسب دائما في قرار الثورة عندما يحين النضج وعندما تدق ساعة الصفر ‏‏.‏

‏ إن التخمر الثوري يتعاظم فلا تفوتوا الفرصة ، أيها العراقيون الأحرار البواسل، لا بد من الاقتحام ‏الثوري الواعي لحصون اللصوص والقتلة والمجرمين من دون الرجوع إلى وصايات المترددين ‏والواعظين والمزورين لإرادة الشعب وأصحاب الحسابات والتكتيكات غير الدقيقة والصائبة.‏

وان غدا لناظره قريب  ‏

 

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :135,617,059

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"