جرائم تحت ضوء الشمس!

جاسم الشمري

جرائم القتل الجماعي في عالمنا الكبير، الذي أصبح قرية صغيرة بفعل التطور الهائل في التكنولوجيا والاتصالات صارت تنقل مباشرة عبر الفضائيات التلفزيونية والإنترنيت لحظة بلحظة، وعلى الرغم من هذا التطور، ما زلنا نسمع بجرائم تُرتكب بهدوء تام، وتحت ضوء الشمس من عصابات الجريمة المنظمة، المدعومة بتجاهل مطبق من المسؤولين عن الأمر، دون أن يسلط الضوء عليها.

عموم الأوضاع العراقية تظهر اختفاءً شبه تام للدولة عن الميدان، وبالمقابل يلمس المتابع انتشاراً واضحاً للمليشيات في مناطق حزام بغداد وديالى وصلاح الدين، وعموم محافظات الجنوب.

جرائم  المليشيات المستمرة في ديالى تُثبت أن الدولة تمر بمرحلة الانهيار التدريجي، فمنذ عشرة أيام تقريباً والمليشيات المدعومة بقوات الجيش، تُسقط قذائفها القاتلة الحارقة على المدنيين العزل في قرية المخيسة، والقرى المجاورة لها، والغاية هي الانتقام والتهجير. والظاهر للعيان أن الحكومتين المركزية في بغداد، والمحلية في ديالى لم تتدخل - حتى اللحظة - لإيقاف تطويق هذه القرى وإبادة أهلها، وكأن ما يجري هناك لا يعنيها.

الخراب المليشياوي في ديالى، يقابله غياب واضح في الخدمات، ودمار البنى الفوقية والتحتية في المحافظات الجنوبية، التي دخلت منذ أيام في مرحلة المظاهرات الرافضة للفساد المالي والإداري، والمطالبة بمحاسبة المفسدين، والتي لا أظنها ستتوقف بتخديرات إعلامية، بل هي عازمة على هزيمة الفساد، وتصحيح مسار العملية السياسية.

الفساد المالي والإداري صار السمة الأبرز في عموم إدارة " الدولة العراقية"، ومن أبسط صوره ما كشفته قبل أيام  لجنة الأمن والدفاع البرلمانية أن "العراق أنفق، خلال ثماني سنوات، ما يزيد عن (145) مليار دولار على مؤسساته الأمنية، وأن مئات المدرعات العسكرية التي اشتراها العراق من أوكرانيا في عهد حكومة نوري المالكي السابقة، أصبحت اليوم مكباً للنفايات في معسكر التاجي ببغداد، لكونها مدرعات من الركام ومستهلكة".

فمنْ تعاقد عليها، وكيف اجتازت اختبارات اللجان المختصة؟!

ما يجري في الجنوب الآن، ارتقاءٌ مميز في مسار العمل الجماعي المناهض للسياسات الطائفية والتخريبية المستمرة منذ العام 2003، وثورة على الفساد الإداري، وردة فعل طبيعية لحجم الدمار المستشري في البلاد.

اليوم يحاول بعض السياسيين ربط الفساد بنهب الأموال فقط، وكأن المشكلة العراقية هي مشكلة أموال لا غير، وهذا الكلام جزء من الحقيقة، لكن الحقيقة الكاملة أن الفساد وصل لغالبية مفاصل الحياة السياسية والاقتصادية والدبلوماسية والاجتماعية والتربوية، وبالتالي التغيير ينبغي أن يكون جذرياً.

وعليه أعتقد أن المطلوب من المتظاهرين الوطنيين اليوم هو:

- الحفاظ على سلمية المظاهرات، وعدم إعطاء المجال للمندسين بقلب الطاولة على المتظاهرين، وعدم التعرض للممتلكات العامة والخاصة، حتى لا تُغتال المظاهرات، ونفتح الباب لإجهاض هذا العمل الوطني الشعبي، والابتعاد عن الأساليب الهمجية والتهور والانتقام، والسعي لأن تكون هذه المظاهرات واحدة من الأحداث الحضارية، التي ستكتب بماء الذهب في التاريخ العراقي الحديث.

- الابتعاد عن الشعارات الطائفية، وإفشال الدعوات والهتافات والمشاريع السياسية التقسيمية المدمرة لوحدة العراقيين.

- المطالبة بإنهاء تواجد المليشيات، التي صارت هي الحاكم الأبرز في الشارع العراقي، والقوة الأولى في البلاد، والمتحكمون بها "لهم مناصب حكومية عليا"، كما صرح بذلك "فرج موسى"، الرئيس السابق لهيئة النزاهة العراقية.

- الدعوة لمحاسبة كافة المسؤولين عن جرائم الفساد - بغض النظر عن مناصبهم وانتماءاتهم الحزبية - وعدم السماح لهم بالسفر خارج البلاد، حتى يتم تشكيل لجان قضائية وطنية نزيهة تميز المفسد من المصلح.

- عدم السماح لرجال الدين والسياسيين المشاركين بالعملية السياسية بركوب موجة المظاهرات، وهم كانوا – وما زالوا- سبباً رئيسياً في الانحطاط المنتشر في بلاد الرافدين، وعليه لا يُسمح لهم بالادعاء بأنهم مع الشعب، وإلا لو كانت هذه حقيقتهم لما أوصلوا الأمور إلى هذه الدركات المتدنية من الفشل والتآكل والدمار.

هذه الأسباب وغيرها ستكون عوامل نجاح ودعم لهذه المظاهرات الشعبية، التي نأمل أن تكون بداية الإصلاح والتغيير والبناء للعراق المبتلى.

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,039,990

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"