ثعالب وبنات آوى وخنازير العملية السياسية تظهر ما بين الخندقين

عبد الكاظم العبودي ‏

في مقالتينا الأخيرتين، (موسم خروج الثعالب ودنو ساعة الصفر) و (خندق أم خندقان ... وماذا ‏بعد؟)، أشرنا بكل وضوح في سياق ‏التحليل والتوقع لمسار التظاهرات والحراك الشعبي الحادث في العراق إلى بروز وفرز ‏ظاهرتين هامتين ستظهران بجلاء على مسرح التظاهرات القادمة:

 

هما محاولة واستمرار البعض التمترس في الخندق المواجه والمعادي لخندق الشعب الثائر ‏المنتفض، محاولة منهم لإجهاض الانتفاضة الشعبية، وهم شراذم من أيتام وأتباع أحزاب العملية ‏السياسية الساقطة وكيانات الإسلام السياسي الحاكم في العراق، وسيظهرون هذه المرة منظمين ‏في ستار الليل وسراديب القمع الأمني المليشياوي، وسيهاجمون بشراسة وخسة المتظاهرين ‏والمواطنين الأبرياء، سواء بأزياء رسمية من خلال رجال الأمن والمخابرات والشرطة أو حتى ‏الظهور بمظاهر العمائم واللحى وشيوخ العشائر وبثياب الواعظين في زى ثعالب وبنات آوى، ‏وحتى خنازير برية ستطلقها الأجهزة القمعية الإيرانية المتابعة لسير تطور التظاهرات في ‏العراق لإرعاب المواطنين ومنع التظاهر أو الحد من اندفاع الناس نحو الانتفاضة الشعبية،  أو  ‏بمحاولة المشاركة في التظاهرات، وفق مبدأ التقية والتستر على النوايا الحقيقية، وصولاً إلى ‏التسلل إلى إدارتها وقيادتها لكشف عناصرها الوطنية النشطة، أو بالعمل على رفع شعارات ‏ورموز وصور معينة ذات صبغة طائفية لأحداث اشتباكات وتصادم بين أفواج المتظاهرين ‏والتشويش على الشعارات غير المرغوبة من قبل السلطة وإتباعها، وحتى مع رجال الأمن ‏ورجال الدين، وصل الأمر بهم لرفع صورة للرئيس الراحل صدام حسين في تظاهرة ساحة ‏التحرير، لا حبا به ، بل لافتعال صدامات ذات أغراض وغايات مقصودة.‏

وقد حدثت مثل هذه الأمور فعلا في مظاهرات الجمعة 14 آب 2015 سواء في ساحة التحرير ‏في بغداد أو في ساحة ألحبوبي في الناصرية أو ساحة ثورة العشرين في النجف وفي ساحات ‏أخرى التي شهدت أفعالا مخلة بالتقاليد الديمقراطية التي تدعي حكومة ألعبادي التشبث بها، وتعد ‏الرأي العام بتوفيرها للمتظاهرين كي يعبروا عن شعاراتهم بكل حرية وأمان، كما وعد بذلك ‏حيدر ألعبادي وسليم الجبوري في تصريحاتهما من جهة،  ولكنهما حذرا أيضا، من جهة أخرى، ‏وكأنهما يرسمان تلك التوقعات في تلك التظاهرات، مما يؤكد ويوحي أن خطط إجهاض ‏التظاهرات ومحاولات وأدها وجرها إلى التصادم ومن ثم قمعها موضوعة،  وقد مهدت لذلك ‏فتوى احد المراجع " اليعقوبي" : من أن هذه التظاهرات تخدم داعش وعلى الحكومة معاملتها ‏معاملة الدواعش أي بجواز مهاجمتها وحتى إطلاق النار عليها وقد سبق لإيران أن أفتت بمثل ‏هذه التصريحات واصفة المتظاهرين من غير المسلمين وتوجههم جهات أجنبية... الخ. من تلك ‏الاسطوانات المشروخة.‏

لا شك جرى ويجري التضييق الواسع على حضور المتظاهرين في اغلب المدن، بل منعوا ‏من التجمع في بعض الساحات عند ساعات التجمع المبكرة، وتعرض متظاهرون إلى الضرب ‏بالهراوات وإطلاق المياه الساخنة والغازات المسيلة للدموع من قبل الشرطة وبأمر من ‏المحافظين انفسهم،  كما منع الإعلام من التغطية الموضوعية والمنصفة للتظاهرات وإيصال ‏صوتها إلى العالم، في الوقت الذي سمح للإعلام الحكومي والطائفي أن يختار عينات من لقطاته ‏ومقابلاته وحواراته كما يراها هو ويختارها بانتقائية مقصودة بعين طائفية وحاقدة على ‏المتظاهرين وأهدافهم الوطنية النبيلة، كما تحرك رجال الظل وبنات الخفاء بين جموع ‏المتظاهرين، سراً وعلناً، وبأجور مدفوعة الثمن، لمنع ارتفاع أصوات عراقية حرة للوصول ‏إلى أسماع العالم بهتافات ومطالبات جذرية وثورية واضحة،  تمركزت وظهرت بصوت عال ‏حول بعض القضايا منها:‏

ـ المطالبة بإدانة، وحتى بإعدام نوري المالكي، وتحميله وبطانته أوضاع الخراب الشامل في ‏العراق، وهي شعارات بكل وضوحها كانت تدين بذات الوقت حزب الدعوة والتحالف الوطني ‏الحاكم وتنال من مصداقية حيدر ألعبادي ودوره المرتقب في الإصلاح والتغيير بل حتى ‏مشاركته في محاولات تمييع هذه الانتفاضة والقضاء عليها لاحقا.‏

ـ من كربلاء وبغداد والناصرية والديوانية والمثنى خاصة ارتفعت هتافات صريحة وعالية ‏كمطلب جماهيري بإدانة الدور الإيراني واحتلاله العراق،  تجلى في هتاف ( إيران بَرَّه بَرَّه ... ‏وبغداد صارت حُرَّه)، وهو إيذان بارتفاع الصوت الشعبي وإدراكه بتشخيص حالة الاحتلال ‏الإيراني ونفوذه في العراق والمطالبة بطرده بتحرير العراق ومقاومته  وأتباعه بكل السبل.‏

ـ  ظهرت المزيد من صور وأسماء العديد من المفسدين واللصوص في شتى المجالات، وحتى ‏من الصف الثاني منهم، وخاصة في مجال الإعلام،  وتركزت المطالب والشعارات الرئيسية ‏على عزل وطرد مدحت المحمود، رئيس مجلس القضاء الأعلى في العراق، كونه حامي ‏المفسدين وخادم حكومات الاحتلال، والدعوة إلى تطهير القضاء وحقل الإعلام واعتقال ‏المجرمين قبل مغادرتهم العراق،  في حين كانت طائرة المالكي وخبر قناة آفاق العاجل ‏بمغادرته إلى إيران  يصل إلى أسماع المتظاهرين عبر الهواتف المحمولة ، محاولة من الحكومة ‏وإتباعها بشكل واضح لاستفزاز غضب الشارع والدفع به إلى التصادم مع القوى والعصابات، ‏الخفية والمعلنة، داخل التظاهرات، تلك العناصر الأمنية والطائفية المزروعة في جسد الهيئات ‏المركزية والقيادية التي تشرف وتنسق على إدارة المظاهرات مع محافظي المحافظات، ‏والإدارات المركزية للمحافظات المنتفضة ، ورجال الأمن، وقد لمح حيدر ألعبادي في خطابه ‏الأخير عشية انطلاق التظاهرات انه اضطر لسحب قوات أمنية وقتالية كبيرة خاصة من جبهات ‏القتال مع داعش حرصا منه على حفظ امن التظاهرات، واغلبها من قوات الحشد الشعبي، في ‏الوقت نفسه انتشرت لافتات ومنشورات وزعت بشكل مقصود وركز الإعلام الرسمي والطائفي ‏عليها لاستفزاز المتظاهرين والشعب العراقي بظهور هيئة جديدة وواجهة موحدة للأحزاب ‏الطائفية الحاكمة تحت عنوان (الحشد الشعبي المدني) وهم كانوا في تناغم وتنسيق مع القوات ‏الأمنية وعناصر الحشد الشعبي المسلح الموجود في كل ساحات التظاهر.‏

كل تلك الأمور وغيرها تُعد  بالونات اختبار لردود الأفعال ولاستفزاز الجمهور الغاضب ‏ومحاولات لتحديد وتشخيص شخوص وفعالية القوى الوطنية الموجودة أصلا في عمق ساحات ‏التظاهر وبين الجماهير، والتي صمدت أمام كل هذه الاستفزازات داخل التظاهرات وقد وصلت ‏إلى إطلاق النار على بيوت الناشطين ليلة الخميس والجمعة في عدد من المدن، لتهديدهم وثنيهم ‏عن المشاركة ، والى استخدام السكاكين ومقصات الخياطة والمدي الصغيرة التي حملتها بشكل ‏خاص عناصر رجالية تلبس العمائم ومعهم نساء منقبات ظهرن في ساحة التحرير ببغداد ويقدر ‏عددهم بحوالي 3000 عنصر حسب رصد بعض المتظاهرين لهم ولهن.‏

نرى أن معركة إسقاط العملية السياسية وكياناتها ومرتزقتها وتحرير العراق ليست جولة واحدة، ‏ولا يمكن تنفيذها من خلال هذا الجهد المشتت في المظاهرات بعديد الساحات، وهي معركة ‏وتعبئة مستمرة وقاسية وتحتاج إلى التعبئة والتلاحم والتنسيق بين كافة قوى شعبنا الوطنية ‏المؤمنة حقا بالتغيير والتحرير والخلاص النهائي، وهي بلا شك قوى كانت حاضرة داخل جسد ‏التظاهرات، فتمكنت رغم إمكاناتها المتواضعة والقاسية، من توجيه المتظاهرين وضبط نبض ‏الشارع وخاصة في زرع روح المواطنة ونبذ الطائفية والتركيز على المطالب وفضح العملية ‏السياسية وإدانة كل ما جاء بعد الغزو والاحتلال 2003 من كيانات وأحزاب وحكومات، كما ‏نجحت إلى تطويع وإحضار وإقناع العديد من الوجوه الثقافية والنقابية والشخصيات الاجتماعية ‏، وشاركت اسر كاملة بأطفالها وشيوخها تحديا وحرصا على نجاح التظاهرات وسط بلبلة ‏إعلامية بالتخويف من احتمال تعرض هذه التظاهرات إلى التفجيرات الدموية، لقد عبرت ‏قطاعات واسعة من أبناء شعبنا عن استعدادها للتظاهر والعصيان المدني والانتفاضة وحتى ‏الثورة الشعبية مهما كانت التضحيات، كما جرى تحديد خطوط الفصل بين عناصر الخنادق ‏المتداخلة داخل ساحات التظاهر، وفضح المرتزقة وشلت قدراتهم من تنفيذ ما جاؤوا من اجله ‏لتفتيت التظاهرات وجرها إلى مواقف جانبية أو التصادم ، كما صمدت وشدت النساء والشباب ‏خاصة من عضد المتظاهرين وأوصلت الشعارات والمطالب إلى شعبنا والرأي العام العربي ‏والدولي، وقد وصلت أصداء تلك التظاهرات ومطالبها إلى أسماع العالم، مؤكدة زيف وفساد ‏العملية السياسية وأحزابها وقادتها وقواها السياسية ، كما كشفت عن الخراب والدمار الشامل ‏الذي جره الاحتلال الأميركي وشريكه الإيراني إلى العراق منذ 2003 وفضحت زيف ‏الديمقراطية وتطبيقات محاصصة اللصوص والفاسدين وفشل تطبيقات دستورها المزيف الذي ‏وضعته الإدارة الأميركية للاحتلال وأعوان النظام الإيراني ورفعت التظاهرات سقف المطالبة ‏من محاسبة رموز الفساد والإصلاح والتغيير إلى تحرير شعب العراق والثورة للخلاص من هذه ‏المحن وقطع الطريق على استمرار المأساة الوطنية والاقتتال الطائفي البغيض التي يعيشها ‏العراقيون منذ 13 سنة، والمطالبة بفتح الطريق السلمي نحو مصالحة وطنية حقيقية وبإقامة ‏دولة المواطنة لكل العراقيين وسن دستور ديمقراطي جديد يعرض على الاستفتاء ويلغي كل آثار ‏حكومات المحاصصة وتشريعات وقوانين الاجتثاث ويكفل مصالحة وطنية عراقية لا تستثني ‏أحدا من أبناء العراق لكي يعيش العراقيون بسلام وطمأنينة وتنمية وعدالة ووحدة اجتماعية تعيد ‏العراق إلى أهله ومجده وتاريخه الوطني المشرف، ومنع الحرمان وإلغاء كل مؤسسات ومظاهر ‏القمع والقسوة التي يعامل بها الشعب العراقي من قبل هؤلاء الخونة والمجرمون وشذاذ الأفاق. ‏وتلك المطالب سيزداد طرحها والتنسيق حولها في التظاهرات والاعتصامات القادمة التي ‏ستشمل كل مدن ومحافظات العراق المنتفضة.‏

وان غدا لناظره قريب ‏

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,036,937

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"