محمد سيف الدولة
"أصبح المصريون وقياداتهم أكثر دفئا تجاه اليهود و(اسرائيل)"
***
كان هذا عنوان مقال نشرته وكالة التلغراف اليهودية "JTA" وتداولته عدد من الصحف والمواقع الاسرائيلية على رأسهم جريدة الجورزاليم بوست.
استشهد المقال، والصحف التي نشرته، بالزيارة التي قام بها الى القاهرة، وفد الجنة الأميركية اليهودية للقاهرة The American Jewish Committee - (AJC). فتحدث عن الحفاوة التي استقبلهم بها الرئيس المصري. والتي ناقشوا فيها عديد من الموضوعات على رأسها "كيف يمكن لمصر و(اسرائيل) ان يتعاونا معا ضد الاتفاق النووى الايرانى؟" وكذلك التهديدات الإرهابية الإقليمية، ومحادثات السلام المتعثرة بين الصهاينة والفلسطينيين، والحفاظ على التراث اليهودي المصري.
وعلق عضو اللجنة الأميركية اليهودية، جيسون آيزاكسون، على الزيارة، بقوله "أجد مزيد من التسامح، أجد المزيد من الاحترام لإسرائيل والشعور بالقواسم المشتركة بين الاهتمامات الاستراتيجية المصرية والإسرائيلية و المواقف المشتركة تجاه حماس..."
وكتب بعض المحللين الصهاينة أن "الحكومة الجديدة في القاهرة في عهد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أسست علاقة ودية مع الشعب اليهودي وظلت وسيطا نزيها في التفاوض بشأن اتفاقات متبادلة المنفعة مع دولة (إسرائيل). ولقد شهد القادة الأميركيين والإسرائيليين تغييرا ملحوظا في سلوك الحكومة المصرية".
وقارن المقال بين الموقف من اليهود في مصر في العقود الماضية والذين بلغ عددهم 75 ألفاً قبل حرب 1948 والذي اصبح اليوم لا يتعدى 8 نساء مسنات بالقاهرة، نتيجة "معاداة السامية في مصر واضطهاد اليهود وتجريدهم من المواطنة والجنسية منذ الخمسينات".
وأثنى على الوضع الحالي الذي لم تعد فيه كلمة "يهودي أو حتى كلمة "صهيوني" تمثل لعنة كما كانت من قبل. واستشهد في ذلك بمسلسل "حارة اليهود" الذي عكس موقف كثير من المصريين من ان الاخوان المسلمين اليوم وليس الصهاينة هم الذين يمثلون التهديد الاخطر والعدو الاكبر للامن المصري!
كما انه خلال الحرب بين العدو الصهيوني وحماس في الصيف الماضي، أدانت الحكومة المصرية حماس حليفة الاخوان، لسلوكها التصعيدى ضد (اسرائيل). ونشرت محطات التلفزيون التي تديرها الدولة في مصر، مصطلح "إرهابي" لوصف الهجمات الصاروخية التي أطلقتها حماس على الكيان الغاصب.
واشار المقال الى ما قاله السيسي في آذار/ مارس الماضى من انه يتحدث الى رئيس الوزراء (الاسرائيلي) بنيامين نتنياهو كثيرا، وهي الممارسة التي لم يسبق لها مثيل منذ أيام كامب ديفيد، وكذلك القواسم المشتركة الذي لم يسمع بها من قبل .
كما ان السيسي قد قام بتعيين حازم خيرت سفيرا جديدا لدى العدو، بعد ان تم سحب السفير السابق منذ ثلاث سنوات في تشرين الثاني/ نوفمبر 2012 بعد ضرب غزة.
كما انه في أعقاب زيادة النشاط الارهابي في سيناء، فان هناك زيادة في التنسيق العسكري والامني بين الجيشين المصري والصهيوني .
***
ومن ناحية أخرى نشرت الجورزاليم بوست في 11 آب/ اغسطس تقريرا عن الزيارة التي قام بها "وفد آخر" من الكونغرس لكل من مصر و(اسرائيل) في 10 من الشهر الجاري، بترتيب من مؤسسة "حلفاء اسرائيل Israel Allies Foundation" وهى الزيارة التي حرصت المؤسسة على ترتيبها في سياق التواصل مع المعارضين للاتفاق النووي. وأن الوفد قد عقد لقاءات مغلقة مع عدد من المسؤولين المصريين. ولقد أعلن الوفد بعد الزيارة بأن "مصر مثل (اسرائيل) ترفض الاتفاق النووي مع ايران."
***
وأخيرا وليس آخرا، نقلت وكالات الانباء ان مطار القاهرة الدولي قد استقبل في 11 اغسطس الجاري، وفدا صهيونيا في زيارة سريعة، التقى خلالها عددًا من المسؤولين المصريين. وكان على رأسه المحامي "اسحق مولخو"، المقرب من نتنياهو وكبير المفاوضين السابق مع الفلسطينيين. ولم يتم اطلاع وسائل الاعلام عن أي تفاصيل بشأن هذه المباحثات التي اتسمت بطابع السرية.
***
كانت هذه جولة مع بعض مما تم نشره عن يوميات العلاقات المصرية الصهيونية خلال شهر اب الجارى فقط، وفيما يلى بعض الملاحظات:
-
نحن بصدد نشاط صهيوني مكثف ومحموم في القاهرة. ففي خلال شهر واحد زار القاهرة ثلاثة وفود، احدهما شبه سري برئاسة المستشار المقرب لنتنياهو، والآخرين من منظمات أميركية شديدة التطرف في صهيونيتها ودعمها للعدو، ويمكنك متابعة مواقفها من مواقعها الالكترونية.
-
تجاهلت وسائل الاعلام الرسمية والخاصة والصحف القومية والمستقلة في مصر، اي حديث عن طبيعة هذه المنظمات، وخلت من أى نقد لزيارتها الى مصر.
-
ليس من المقبول ان تكون القاهرة جزءا من الحملة الصهيونية ضد الاتفاق النووى الايرانى. وان تمتنع عن اثارة اي اعتراض على السلاح النووي الصهيوني. فهذا يمثل انحيازا فجا وصادما للكيان، وخروجا على السياسة الخارجية الرسمية، التي تمسكت، حتى في ظل مبارك، بالمطالبة بشرق اوسط خالى من السلاح النووى بما في ذلك الكيان الصهيوني.
-
ان التراث اليهودي في مصر، هو ِشأن مصري خالص، ومن غير المقبول ان نسمح لأي منظمات صهيونية او غير صهيونية، بالتدخل فيه بالمناقشة او التوصية او الاقتراح او حتى بالتلميح. ففي ذلك انتهاك للسيادة الوطنية، كما انه اعتراف بالرواية الصهيونية، فيما تدعيه من ان اليهود يمثلون شعبا واحدا، وليسوا مواطنين طبيعيين في بلاد العالم التي يعيشون فيها، وما يترتب علي ذلك من ادعاءات بحق الحماية والاشراف والمتابعة لأى شأن يهودي في العالم من قبل منظمات الحركة الصهيونية العالمية.
-
ان أطروحة "دفء المصريين تجاه (اسرائيل)" التي تحدثت عنها الصحف الصهيونية، هى أكذوبة صهيونية جديدة، فالموقف الشعبي المصري لم يتغير، فهو لا يزال وسيظل يعتبرها العدو الأول. وانما الذي تغير هو الموقف الرسمي، والذي عبر عنه السيسي بوضوح في أحد لقاءاته السياسية، حين قال "ان السلام مع (اسرائيل) أصبح في وجدان كل المصريين"!
-
كما أن الادعاء بأن المصريين كانوا معادين لليهود وللسامية منذ الخمسينات، هو كذبة اخرى، فاغتصاب فلسطين وذبح شعبها وطردهم واعتداءات 1956 و 1967 والمذابح اليومية للعرب التي لم تتوقف على امتداد 70 عاما، هى السبب في العداء المصري والعربى للكيان الغاصب وللصهيونية ولاتفاقيات الصلح والاستسلام والتطبيع معها.
-
ان القاعدة التي صكَّتها الانظمة والحكومات والحكام المصريين منذ عام 1974، بحظر المعرفة والمعلومات والحقائق والرأي والموقف على الشعب المصري في كل ما يخص العلاقات المصرية الصهيونية، واعتبارها من الاسرار المقدسة المحتكرة من جانب السلطة، هي قاعدة فاسدة وخطيرة ويجب أن تتوقف. ولقد سبق أن أدت الى توريط مصر وتكبيلها في اتفاقيات غير متكافئة، فرطت في السيادة الوطنية ومصالح مصر العليا والأمن القومى المصري والعربي.
-
وأخيرا وليس آخرا، على كل القوى والشخصيات الوطنية، ايا كانت مرجعيتها الفكرية أو مواقفها السياسية، أن تخرج عن صمتها وسلبيتها تجاه هذا الملف، وان تنتقد هذه التوجهات والسياسات الدافئة والحميمة التي يتم نسجها الآن مع هذا الكيان الصهيوني المسمى بـ(اسرائيل)، وان تؤكد رفضها لاعادة انتاج كامب ديفيد في ثوب جديد.





