زعماء #العراق الجديد‏ وطرائف #جحا

علي الكاش

ذكَّرني أخر تحليل إستخباري وعسكري إستراتيجي لزعيم فيلق بدر الإرهابي والقيادي في ميليشيا  ‏الحشد الطاائفي هادي العامري بقصة جار جحا عندما أراد إستعارة حمار جحا، فإدعى جحا بأن ‏حماره ليس في البيت، وعندها نهق حماره، فقال له الجار: حمارك في البيت وها هو ينهق! أجاب ‏جحا: هل تكذبني وتصدق الحمار يا جاري العزيز؟!

جاء في تصريح العامري أن "السبب في حصول مجزرة‎ ‎سبايكر وسقوط الموصل لا يتعلق ‏بالتحقيقات مع ضباط وغيرهم، فهؤلاء مغلوب على‎ ‎أمرهم، لأن السبب الرئيس هم ساحات ‏الاعتصام التي أقيمت في الأنبار عام‎2012-2013 ‎‏"، وطالب العامري بمحاسبة "كل من ساهم ‏في ساحات الاعتصام هذه‎ ‎ودعا إليها، لأنها هي التي مهدت لظهور داعش وسقوط الموصل ‏وإرتكاب مجزرة‎ ‎سبايكر".‏

لا نعرف لماذا جاء تحليل العامري مباشرة بعد الحصانة التي أسبغها الخامنئي على رئيس ‏الوزراء السابق جودي المالكي مهددا بأنه سيهدم العراق فوق رأس شعبه إذا مست شعرة من شعر ‏أفضل وأعز العبيد إلى قلبه في العراق. ثم وزع أوصاف على المالكي لم يسبق إليها أحد سوى ‏النائب عن حزب الدعوة عامر الخزاعي الذي شبه جودي المالكي بالنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) بقوله "إذا كان ‏الرسول (عليه الصلة والسلام) مسؤولا عن خسارة معركة أحد، فأن المالكي مسؤول عن خسارة الموصل"!

‎ولا نود ‏الدخول في التأريخ لنفهم المعتوه الخزاعي بأن النبي المصطفى (صلى الله عليه وسلم) لم يصدرا أمرا للرماة على جبل ‏أحد بالإنسحاب من مواقعهم كما فعل المالكي بإصدار أمر إنسحاب موثق، ولا توجد أية علاقة ‏للحدثين ببعضهما، المقارنة بحد ذاتها حماقة كبيرة من الخزاعي تعبر عن مستوى جهله المدقع ‏بتأريخ الإسلام على الرغم من إنتمائه الى حزب (إسلامي) كما يسمي نفسه. لا يجوز المقارنة بين ‏مسؤولية رسول عظيم يوصل رسالة ربوية إلى العباد مع مجرم إرهابي فاسد نهب البلاد وسبى ‏العباد، ولكننا لا نستغرب هذه المقارنة من حزب عميل مشبوه ولد وتربى وترعرع في مستنقع ‏الشعوبية الآسن.‏

أبلغ‎ ‎مستشار المرشد الإيراني للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي، رئيس الوزراء‎ ‎العراقي حيدر ‏العبادي بتحذير طهران "من محاولة تقديم نائب رئيس الجمهورية‎ ‎رئيس الوزراء السابق نوري ‏المالكي إلى القضاء لمحاكمته بتهم تتعلق‎ ‎بالاجرام والفساد خلال توليه الحكم في العراق لثماني ‏سنوات" ووصف المالكي بأنه" قائد‎ ‎إسلامي عربي تجاوز حدود العراق، فقد كان ندا للرئيس ‏التركي، رجب طيب‎ ‎أردوغان، ولولا سياساته لاحتل من وصفهم بـالوهابيين كل مناطق السنة ‏بالعراق وانهارت الجبهة السورية وضعف محور الممانعة". مع هذا فأن شيعة السلطة مازالوا ‏يرددون بصفاقة  أن نظام ولاية الفقية لا يتدخل بالشأن العراقي الداخلي!‏

بلا شك عندما يقرأ القاريء الفاضل الخبر فأنه يتوقع بأن العامري بإعتباره ضابطا في الحرس ‏الثوري الإيراني وقائدا في الحشد الشيعي، ووزيرا سابقا وزعيما لكتلة برلمانية سيقدم تحليلا مهما ‏عن أسباب مجزرة سبايكر وإزالة الغموض عن سقوط محافظة نينوى في أغرب مواجهة عسكرية ‏في التأريخ بعد معركة (ترموبيل) عام 480 قبل الميلاد بين ملك اسبرطة ليونيداس والجيش ‏الفارسي بقيادة أحشويرش الأول. وكان الجيش الأغريقي يضم (300) مقاتل فقط، في حين الجيش ‏الفارسي يضم(180000) مقاتل. حيث لم يتمكن جيش المالكي الذي يعادل تعداده جيش ‏أحشويرش الأول من مواجهة (1500) مقاتل من تنظيم الدولة الإسلامية، فتهافتوا كالجرذان ما ‏بين الهروب إلى كردستان العراق أو الموت أو الوقوع في الأسر، مسلمين بكل أمانه أسلحتهم ذات ‏التقنية العالية كما هي جديدة بزيتها دون أن يطلقوا قذيفة أو رصاصة منها وأطنان من الأعتدة ‏تكفي التنظيم للقتال عدة سنوات. والطريف في الأمر، إن قادة المالكي وجنده دائما يتذرعون بشحة ‏السلاح والعتاد!‏

جاء تصريح العامري بعد أن اكملت لجنة التحقيق البرلمانية تقريرها الذي بقي في التداول ستة ‏أشهر، وخضع إلى مساومات سياسية تابعها الجميع، واوصى البرلمان بطبع التقرير على شكل ‏كتاب ليطلع الشعب العراقي على تفاصيل المأساة. الحقيقة أن التقرير تضمن تفاصيل مهمة لكنه ‏أيضا حابى جهات مختلفة، التهم التي وجهت الى المالكي هي الأغرب مع تحميله جزءا من ‏مسؤولية السقوط، ولأن الهزيمة عسكرية فيفترض أن تكون أولوية المسؤولية على القيادة ‏العسكرية وليس الجهات المدنية أو الذين قاموا بأنشطة بعد سقوط المدينة، التقرير لم يشر الى ان ‏المالكي كان علاوة على ترأسة مجلس الوزراء، كان القائد العام للقوات المسلحة، ووزير الدفاع، ‏ووزير الداخلية والأمن الوطني. كما أن تعبير عدم تقدير المالكي لللموقف لا يتناسب مع حجم ‏المسؤولية الملقاة على عاتقه بأي شكل من الأشكال. ‏

توقعنا أن يحلٌ لنا العامري الغموض الواضح في التقرير ويفكك ألغازه، لا أن يزيد الطيبن بله! ‏تصريحه جاء بمثابة الطامة الكبرى والخيبة الأعظم عندما برأ القيادات العسكرية والأمنية ‏بإعتبارهم "مغلوبين على أمرهم"، وحصر المسؤولية على قادة منصات الأنبار. وهذا يعني إن ‏قرار محكمة الجنايات المركزية بإعدام (24) متهما بقضية سبايكر هو قرار ظالم لأنه حكم على ‏أناس" مغلوبين على أمرهم" حسب دعوى العامري! ‏

تبقى المسألة الرئيسة من يقف وراء سقوط الموصل؟ حيث تباينت التصريحات الرسمية.‏

‏1. تقرير اللجنة البرلمانية

أشار تقرير الجنة التحقيقية البرلمانية كما أوضحنا بأن المالكي يتصدر قائمة المتهمين بسقوط ‏الموصل وهذه بديهة بحكم المناصب العسكرية والأمنية التي شغلها المالكي، علاوة على بقية ‏المتهمين من العسكريين والمدنيين. وقد صوت البرلمان على تقرير لجنته دون قراءة التقرير على ‏النواب،  في حالة نادرة في تأريخ العمل البرلماني.‏

‏2. تصريح هادي العامري

إتهم العامري قادة ساحة الإعتصامات ومن خطب على المنصات من الجماهير المضطهدة التي ‏طالبت بحقوق مشروعة بإعتراف المالكي نفسه. مع إن الحكومة هاجمت المعتصمين المسالمين ‏بالدبابات والمدرعات وقتلت وجرحت المئات منهم.‏

‏3. تصريح المالكي

إتهم المالكي اربيل وأنقرة بمسؤوليتهما المباشرة حيال سقوط مدينة الموصل منوها بأن " سقوط ‏الموصل كان مخططا من أقليم كردستان العراق وتركيا". مع إنه سبق أن صرح بأن سقوط ‏الموصل مؤامرة، لكنه لم يكشف عن المتآمرين، أي تستر عليهم وهذه تُعد جريمة حسب القانون. ‏ووصلت به الوقاحة لأن يصرح" لا قيمة للنتيجة التي خرجت بها لجنة‎ ‎التحقيق البرلمانية حول ‏سقوط الموصل". متهما رئيس اللجنة التحقيقية الزاملي بأنه إرهابي وأرتكب العديد من جرائم ‏القتل والخطف خلال وكالته وزارة الصحة ولديه الملفات التي تدينه. وهذه حقيقة الزاملي، لكن ‏إحتفاظ المالكي بالملفات التي تخص الزاملي وعدم عرضها على القضاء حينذاك تجرمه أيضا.‏

‏4. تصريح وزير الدفاع

أشار وزيرالدفاع خالد العبيدي في بيان أصدره يوم 20/8 الشهر الجاري أي في نفس اليوم الذي ‏أطلق فيه العامري تصريحه العجيب، جاء فيه "الفساد وقلة الانضباط وتولي العناصر‎ ‎غير الكفؤة ‏سلم القيادة العسكرية، كان سببا في سقوط الموصل بيد داعش، كما أن التقرير الذي أعلنته لجنة ‏التحقيق البرلمانية الخاصة بسقوط الموصل،‎ ‎جاء ليلامس ما كنا قد أشرنا إليه حول نمط أداء ‏الجيش وسرٌ ما جرى في الموصل،‎ ‎كما في صلاح الدين والأنبار، وإن اختلف سياق الحدث أو ‏درجته أو تفاصيله.‏‎ ‎إن ضعف الأداء، وترهل القيادات، وقلة الانضباط، وتولي العناصر غير‎ ‎الكفؤة سلم القيادة، وضعف التدريب، وانفراط عقد الثقة الشعبية، كانت‎ ‎أسباباً حقيقية للنكسة، الفساد ‏آفة ملعونة نخرت جسد المؤسسة‎ ‎العسكرية وبددت الكثير من ثرواتها وأهدرت فرصها في البناء ‏السليم". ‏

‏5. إعترافات القادة العسكريين

جاء في إعتراف القادة الأمنيين والعسكرين بأنهم تلقوا أمرا بالإنسحاب من القائد العام للقوات ‏المسلحة، وهذا الأمر يعفيهم من مسؤولية الإنسحاب، لكنه لا يعفيهم من الفوضى التي صاحبت ‏الإنسحاب وترك الجنود ليواجهوا مصيرهم بأنفسهم، علاوة على ترك الأسلحة والعتاد كغنائم ‏لتنظيم الدولة الإسلامية.‏

6. تصريح البرزاني

رفض المتحدث الرسمي باسم رئاسة اقليم‎ ‎كردستان، في بيان له تصريحات المالكي آنفة الذكر ‏واصفاً اياها" بالهروب من الاسباب‎ ‎الحقيقية التي ادت الى سقوط الموصل، المالكي يتحمل ‏المسؤولية الاولى عن سقوط المدينة". وأضاف البيان" ان المالكي هو المسؤول الأول في المصيبة‎ ‎التي اصابت مدينة الموصل، ولا يستطيع الهروب من هذه المسؤولية بتهم‎ ‎وتصريحات غير مبنية ‏على مباديء واسس، فهو الذي مهد الارضية لداعش بسياساته‎ ‎الخاطئة وعدم اصغائه لتنبيهات ‏رئيس الاقليم". من جهة أخرى ردٌت انقرة باسم‎ ‎متحدثها في وزارة الخارجية التركية على ‏تصريحات المالكي واصفة‎ ‎اياها " بالهذيان لشعوره بالذنب لسقوط الموصل".‏

بلا أدنى شك يعتبر المالكي المتهم الأول في سقوط الموصل وبقية المدن بغض النظر عن كل ما ‏ورد في تقرير اللجنة البرلمانية، ولكن تقرير اللجنة هو فعلا ليست له قيمة كما وصفه المالكي، لا ‏قيمة له من الناحية القانونية، ومن الناحية السياسية، والناحية الإدارية، فقد حصل المالكي على ‏عصمة الخامنئي، وهذه العصمة لا ينزعها عنه إلا ربٌ السموات، فليس بمقدور القضاء العراقي ‏بل السلطات الثلاث تجاوز توجيهات الخامنئي، الخامنئي يتعامل مع العراق كمستعمرة إيرانية، ‏وهذه هي الحقيقية سواء قبلها البعض أو رفضها.‏

ما الذي سيحصل؟

السلطة القضائية ستركل التقرير جانبا وتحقق في القضية من الصفر، وطالما أن اللجنة البرلمانية ‏إستغرقت أكثر من ستة أشهر في التحقيق الذي لا يقدم ولا يؤخر وهي أعلى سلطة في البلاد كما ‏يُفترض، فإن القضاء المسيس سيحتاج الى ما لا يقل عن سنتين لإنهاء التحقيق ناهيك عن التأجيل ‏والإستئناف والتمييز وفنون والاعيب مدحت المحمود وأزلامه من رهط المالكي. أي إن القضية ‏ستخضع للإطالة والتسويف والتأجيل والمساومات السياسية، وسيكون عدد المتهمين أو الشهود قد ‏غادر العراق، والبعض منهم حاليا خارج العراق، لذا من الصعب إستحضارهم للتحقيق. كما أن ‏البعض سيغير إفاداته لقاء الوعود والرشاوي أو التهديد من قبل ميليشيات المالكي، وسوف تنتهي ‏القضية عند هذا الحد، وهناك الآلاف من الشواهد والملفات التي أكلتها العثه في أدراج القضاء ‏الهزيل.‏

مصير القضية يذكرنا بطرفة تتعلق بجحا أيضا.‏

يحكى أن جحا وعد السلطان أن يعلم حماره حروف الهجاء خلال خمسين سنة بعد أن فشل كبار ‏العلماء والفلاسفة في تعليم الحمار، وكانت عقوبة من يفشل في عمله القتل. تعجب الناس من ‏عرض جحا وهو يعلم نتيجة  الفشل، فسألوه عن سبب مغامرته الطائشة هذه؟ فأجابهم: خلال ‏50 سنة إما أن أموت أنا، أو يموت السلطان، أو يموت الحمار! واللبيب يفهم الإشارة.‏

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,056,697

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"