آل الحكيم، شعوبية وانحطاط أخلاقي وانحراف عن فقه آل البيت/1 *

موسى الحسيني

*من مجموعة مقالات "الحركة الاحتجاجية لسكان مدن الجنوب وبغداد، ماذا وإلى أين؟"

 

لعلها المرة الاولى في تاريخ المرجعية، ان تنخرط المرجعية الشيعية في لعبة استخدام الطائفية في السياسة  خدمة لدولة معادية، لها اطماع صريحة في العراق كايران، كان هذا في زمن محسن الحكيم جد عمار الحكيم، وجده هذا هو كل بضاعته التي يستند اليها في ما يحتله من مكانة في العراق اليوم .

منذ بدايات عام 1963 كان التيار القومي العربي، البعث ثم التيار الناصري هو المهيمن على الحكم في العراق، ما اثار مخاوف الشاه من ان يؤدي ذلك الى اعلان الوحدة مع الجمهورية العربية المتحدة (مصر الناصرية) . فعبأ  كل قواه العسكرية لدعم حركة العصيان الكردية في شمال العراق، وحرك محسن الحكيم للترويج للطائفية وتخويف الشيعة من ان يكونوا اقلية في دولة الوحدة، فكان التحريض الطائفي اهم ادواته . استغل الحكيم ظاهرتين:

الاولى: كثرة الطلبة من خريجي الدراسة الثانوية، ممن لم يتم قبولهم بالجامعات العراقية لتدني معدلات نجاحهم (اقل من 60%)، فراح يروج الى انهم لم يقبلوا في الجامعة لانهم من الشيعة، رغم ان الظاهرة كانت تشمل الطلاب من الطائفتين، وكل ابناء الاديان الاخرى وليست خاصة او محصورة بابناء الطائفة الشيعية. ولا شك ان مثل هؤلاء الطلبة وجدوا في  الترويج لهذ الاشاعة ما يبرر فشلهم، فتمسكوا بها وساهموا هُم واقاربهم بالترويج لها.

الثانية: الظاهرة الاخرى كانت نتيجة للظاهرة الاولى، قلة التوظيف في دوائر الدولة، لعدم قدرتها على استيعاب العدد الكبير للخريجيين، فروَّج الحكيم لاشاعة ان الدولة تمتنع عن توظيف الطلبة الخريجين لانهم شيعة. مع ان التوظيف في دوائر الدولة كان يتم من خلال ما يعرف في حينها بمجلس الخدمة، ولا صلاحية لوزير او مدير عام في تعين اي شخص مهما كان الا من خلال مجلس الخدمة هذا. ومنذ عام 1963 الى حين الغاء المجلس في بداية السبعينات، رأسه اثنان هما  محمد حسين ال ياسين، ثم عندما تقاعد تلاه مشكور ابو طبيخ، وكلاهما شيعي من عوائل شيعية معروفة. يعني ان التوظيف في اي دائرة من دوائر الدولة كانت بيد الشيعة . ولااعتقد انه من العدل اتهامهم بالطائفية السنية!

أتذكر ان رئيس الوزراء العراقي في حينها، عبدالرحمن البزاز، ناقش بالتلفزيون في ما يُعرف بحديث الاربعاء، وسمعته وجميع المشاهدين  كيف فسَّر ذلك بأن أعداد الخريجين كانت أكبر مما يمكن ان تستوعبه دوائر الدولة.

وكما قلنا في اعلاه استطاب الطلاب الذي فشلوا في الحصول على معدل عالي، واولئك الذين استحلوا البطالة من الخريجين ممن لم يبحث عن عمل خارج اطار الوظيفة الحكومية ، هذا التبرير الذي قدمه لهم محسن الحكيم، وبدأوا بالترويج له .

التقت الميول الشعوبية لمحسن الحكيم مع الميول الشعوبية للحزب الشيوعي العراقي، الذي كان يروِّج لنفس الشائعات ، وان الدولة ترفض طلب اي شيعي يتقدم للقبول في الجامعة او للحصول على وظيفة، ويُكتب على اضبارة طلبه (3 ش) اي شيعي، شروكي، شيوعي!

لاشك ان كل من محسن الحكيم والشيوعيين استفادوا من الحريات المتوفرة في زمن الاخوين عارف، وانعدام الرقابة والمتابعة الامنية لهم. انقطعت اشاعاتهم هذه مع وصول البعث للسلطة عام 1968، وتوقفت وخَرس الجميع امام الشدة التي واجه بها الحكم الجديد هذه الممارسات المؤججة للفتنة بين ابناء الشعب الواحد الذي تعايش بجميع اطيافه واديانه بسلام ووئام ومحبة.

رافق وصول البعث الى السلطة وفاة عبدالناصر عام 1970 ما طمأن مخاوف الشاه من تراجع موضوع الوحدة بين مصر والعراق. ثم وفاة محسن الحكيم وصعود مرجعية الخوئي التي عرفت بالعقلانية والابتعاد عن التدخل بالسياسة.

الا ان هذه التوجهات والاشاعات تركت ، بلا شك ، بعض الاثار في نفوس  بعض الشيعة ممن تعوزهم المتابعة الموضوعية لمجريات السياسة العراقية في حينها .

في كتاب اصدره عام 1997 واحد من عصابات الحكيم، المدعو حامد البياتي، تحت عنوان "شيعة العراق بين الطائفية والشبهات" ، اراد ان يستشهد به من خلال تقارير الدبلوماسيين البريطانيين الذين خدموا في العراق أبان فترة حكم الرئيس المرحوم عبدالسلام عارف ، على طائفية عبدالسلام، وعدائه للشيعة، ورغم ان الكاتب كان يستبق كل وثيقة بمقدمة بعشرات الصفحات يلوي بها العبارات لياً لاثبات ما يريد الوصول اليه ، الا ان القارئ سيكتشف بسرعة ان الرئيس عبدالسلام لا الشيعة هو من كان يخضع لابتزاز طائفي من قبل محسن الحكيم وابنه مهدي. سبق ان ناقشت هذا الكتاب في كتابي "ساطع الحصري والخطاب الطائفي الجديد".

كما توصل الكاتب المختص بشؤون الطائفة والمرجعية الاستاذعادل رؤوف في كتابه "عراق بلا قيادة " لنفس النتيجة : ان عبدالسلام، وليس الشيعة، هو من خضع لابتزاز طائفي من قبل محسن الحكيم واتباعه .

بعد وفاة  محسن الحكيم كشف اولاده واخوانه عن توجهاتهم وممارسات من الزندقة تكشف روحية لصوصية، استغلالية، لاتتورع عن عمل اي شئ في تهالكهم للحصول على الملذات والامتيازات الدنيوية، الى حد اكل السحت المحرم، فكسروا العرف السائد منذ قيام مؤسسة المرجعية، بأن تعاملوامع اموال المرجعية وممتلكاتها، واستولوا عليها كإرث شخصي، مستغلين شخصية الخوئي المسالمة والتي تتحاشى الصدامات مع اي طرف اخرى. وعلى نهجهم  سار اولاد الخوئي فيما بعد، ليصبح هذا السلوك كنهج جديد لأولاد المراجع.

الا ان محمد صادق الصدر حاول التصدي لهذه الظاهرة ، فشن اولاد الحكيم من طهران ، واولاد الخوئي من لندن حملة تشويه شعواء ضده، لم يتركوا شتيمة او صفة سيئة الا وألصقوها به فقالوا عنه: انه مجنون ، عميل مخابرات عراقية، شككوا بعلميته وانه لا يستحق ان يكون مرجعا ، فهو صنيعة المخابرات العراقية، اتهموه بانه السبب في اعدام محمد باقر الصدر، وغير ذلك من الاتهامات. ووجدوا في السيستاني طلبهم الذي اتفقوا معه على ما يبدو ان يكتفي بما سيأتيه من اموال، ويسكت عن ما هو تحت ايديهم، فروَّجوا للسيستاني ضد الصدر، حتى قُتل.

هذا ما يفسر اسباب قتل جماعة الصدر لمجيد الخوئي عند وصوله للعراق في الاشهر الاولى للاحتلال. والاسباب التي دعت جماعة الصدر يستقبلون باقر الحكيم بالضرب المبرح بالاحذية عندما جاء ليشارك في التعزية بوفاة الصدر في مجلس الفاتحة المقام في مسجد اعظم في قم.

يبدو ان توجهات اولاد الحكيم والخوئي هذه التقت مع المخططات الاميركية لاحتلال العراق ، وكان الصدر يبدأ خطاباته في صلاة كل جمعة بالهتاف "كلا كلا اميركا، وكلا كلا اسرائيل"، فتعاونوا جميعاً على التخلص منه، لانه كان سيشكل عقبة كبرى بوجه الاحتلال، ويسلب ليس الاضواء فقط بل يسترجع اموال فقراء الشيعة من ال الحكيم والخوئي.

ال الحكيم اكلي السحت الحرام، اموال فقراء الشيعة لان هذه الاموال تجمعت اما من الزكاة التي يدفعها  تجار العراق والخليج ، فهي اموال عموم فقراء الشيعة وايتامهم، او من تبرعات هؤلاء التجار الذين يعتقدون ان المرجع سيضعها في مكانها الصحيح لا في ارصدة اولاده!

يبدو ان البخل والحرص على المال والطمع والبخل في وضع الاموال المسلمين في غيرموضعها ، والاستيلاء عليها، ورثها اولاد الحكيم من ابوهم، او هي كامنه  فيهم بفعل الجينات الاثنية غير العربية المندسة في تركيبتهم السيكولوجية!

فما يعرفه القريبون من الحوزة من قصة رهن محسن الحكيم بيت احد اهم قادة الدعوة عبد الصاحب الدخيل ، الذي تم اعدامه من قبل النظام عام 1972 ، والذي رفض محسن الحكيم المرجع الاب اقراضه مبلغ 1700 دينار عراقي لحاجته لها الا برهن بيته مقابل المبلغ ، مع  كتابة عقد ايجار سنوي يدفع بموجبه عبد الصاحب الدخيل ، كأرباح لال الحكيم مقابل القرض والى حين تسديده، ثم الشكوى عليه لتنفيذ الرهن  والاستيلاء على  الدار وطرد عائلته منه بعد سجنه، لانه لم يسدد الدين . قصة تعني ان المرجع محسن الحكيم لم يتورع عن اخذ الربا مقابل الدين تحت غطاء الايجار. (يمكن الاطلاع على القصة بتفاصيلها الكاملة  في كتاب عادل رؤوف، عراق بلا قيادة ، ص : 212- 220 )

فكانت هذه الظاهرة اول مؤشر لزندقة الاب الذي يرابي باموال المسلمين، وتوريثه حتى الزندقة لابنائه واحفاده الذي سرقوا اموال المرجعية باسم الدين والولاء لال البيت. والزندقة تعني ان يبطن الانسان من نوايا غير ما يظهر، اي النفاق باشد اشكاله . فهم يسرقون اموال  المسلمين باسم الدين والطائفة!

جاء باقر الحكيم الى سوريا عام 1980 ، مبعوثا من المخابرات العراقية ، لتهدئة اخويه مهدي وعزيز اللذين سبقاه في الخروج من العراق، والذين نشطا في اعلان عدائهما للنظام بعد مجئ خميني، الا ان باقر الحكيم استحلى لعبة المعارضة في الخارج واستجاب للعرض الايراني بتشكيل حزب جديد معارض للنظام العراقي، كبديل عن حزب الدعوة، الذي كان لا يقر بمبدأ ولاية الفقيه العامة الذي طرحه خميني. وهي احدى البدع جديدة التي ادخلها خميني على الفقه الشيعي . فما كان من النظام الا ان يعدم انتقاما ، مجموعة من اخوانه. ولايعتقد الانسان ان باقر الحكيم كان غافلا عن مثل هذا الانتقام ، كما اعتقد ان المخابرات توعدته بمثل هذا الانتقام ان هو لم يَرجع بعد اللقاء باخويه الفارين. عكس بذلك روحية دنيئة خسيسة الى حد الاستعداد للتضحية باخوانه من اجل الامتيازات التي لوَّح بها له الايرانيين مقابل العمل معهم .

بنى باقر الحكيم تنظيمه على اساس فكرة اقامة دولة اسلامية في العراق تابعة  للدولة الاسلامية، وللولي الفقيه (خميني) في ايران . الا ان باقر لم يحقق شيئا او انتصار يذكر الا على ابناء الطائفة الهاربين الى ايران او المهجرين، الذي كانوا محرومين  من الحصول على اي خدمة يحتاجونها ، كتعليم او قبول اولادهم في المدارس، او علاجهم بالمستشفيات الايرانية، او حتى شراء او بيع اي ممتلكات خاصة، او شراء سيارة، او الحصول على وثيقة سفر، او السماح لهم بالعمل، الا بكتاب موافقة من باقر الحكيم الذي لم يخف بخله  باعطاء موافقته الا لمن ينتمي لحزبه. والقصص والروايات كثير يعرفها ابناء الطائفة الذي عاشوا في ايران وتحملوا  ممارسات وقمع باقر هذه.

عندما فشل باقر الحكيم وايران من وراءه في أن يحققوا اي انتصار لهم في العراق ، لا بالحرب ، ولا بالتآمر، ولما وجدوا اصراراً اميركيا على غزو العراق ، أعلن باقر الحكيم انه استاذن ولي امر المسلمين الجديد (خامئني) ، في ان يشارك في اي حكومة جديد تقوم على أساس ديمقرطي، وان يعلن تخليه عن شعار الدولة الاسلامية التي تخضع لولاية الفقيه.

الملاحظ هنا، ان الديمقراطية اصبحت  البديل عن الشريعة الاسلامية، والحكم الاسلامي، وولاية الفقيه. فالمصلحية والانتهازية عند اولاد الحكيم تجعل كل المتناقضات مقبوله وممكنة.

المعروف في السياسة ان تنظيما او جماعة تتخلى عن المبادئ الاساسية التي قامت عليها،  يفرض عليها ان تحل نفسها، ما دامت قد انتفت الحاجة لتحقيق تلك المبادئ. الا ان لعبة السياسة والنزعات النرجسية  المضخمة حول أنا مريضة ، دفعت باقر للتشبث بالعمل السياسي. فكان ان رفع (شعار مظلومية الشيعة)  كبديل عن الحكومة الاسلامية وولاية الفقيه . ونصَّب نفسه كمدافع عن الشيعة، الراغب في العمل فقط برفع المظلومية عنهم ، ولوجه الله تعالى، وحباً بآل البيت وانصارهم.

بدأ باقر الجكيم  بالتعاون، علناُ ، مع الغرب واميركا  لغزو العراق واحتلاله وتدميره، مرتكبا بذلك فعلاً جديداً من اعمال الزندقة والخروج على فقه ال البيت، وكشف عن تركيبة سايكولوجية تخضع لنزعات مريضة لا علاقة لها بالطائفة او الدين، اصلاً .

فكما  بينا بالجزء الاول من هذه الدراسة، ان دعاء الثغور للامام الرابع علي بن الحسين ، يحرم التعاون مع عدو غير مسلم يريد غزو بلداُ اسلامياُ ، وان الدعاء يشخص بدون غموض ان هوية البلد الاسلامي عند الامام يحددها سكان البلد لا طبيعة الحكم او الحاكم ، فيدعو لنصرة جيش الدولة الاموية على الثغور (الحدود) ، نفس الجيش الذي قتل اباه و 70 من اهل بيته وانصاره، ويقول فيه "اللهم صل على محمد وال محمد، وكثر عددهم، واشحذ أسلحتهم، واِحرس حوزتهم، وامنع حومتهم، وألف جمعهم ، ودبر أمرهم، وواتر بين ميرتهم ، وتوحد بكفاية مؤنهم ، وأعضدهم بالنصر، وأعنهم بالصبر ، والطف لهم بالمكر".

كان هذا الدعاء هو القاعدة الفقهية التي استند عليها فقهاء الشيعة عند دعوتهم للجهاد في ليبيا أمام الغزو الايطالي لها عام 1908 ، وليبيا بلد اسلامي جميع سكانه من المسلمين السنة ، لا الشيعة . كما هي فتواهم  ومشاركتهم العملية في حركة الجهاد ضد الغزو البريطاني للعراق عام 1914. والعراق كان محكوماً من قبل الدولة العثمانية.

ان التعاون مع غازٍ اجنبي لدولة اسلامية يعتبر خروجا على فقه وتعاليم آل البيت . فبإلغاء فقه الامام الرابع لايستوي المذهب عند الشيعة الامامية ، ولن يعود تشيعا او اسلاما بل دين جديد اخر! فأي شيعة هؤلاء الذين دعموا الاحتلال ، والحديث يشمل جميع التنظيمات الطائفية التي تعاونت مع اميركا في غزوها للعراق . انهم على ما يبدو من شيعة الشيطان، زنادقة لا علاقة لهم بالمذهب أو الدين. فماذا سيبقى من المذهب ان هم تنكروا لفقه الامام علي بن الحسين؟!

لعب باقر الحكيم لعبة شيطانية اخرى، تعكس رغبة العائلة للاستحواذ الكلي على شؤون شيعة العراق فأدعي أنه سيتفرغ للدراسة الفقهية والحوزوية، ونصَّب أخاه عزيز رئيساُ ل (المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق) ، دكانتهم السياسية، لتستولي العائلة بذلك على كل شؤون الطائفة ومقدراتها، اخوه للسياسة وهو يدعمه بالفتاوى الباطلة، ليغدو تسلطهم على الطائفة وكأنها ارادة الهية او تحقيقا لارادة الامام الغائب، الذي اصبح شماعة للتخريب والفساد واللعب بالدين من خلال ادعاء الكل الوصلَ به . لكن الباري كان اكثر رحمة بالعراق من خبث هذا الايراني المتعصب لفارسيته، كائن من يكون القاتل. رغم ان هناك تسريبات من ابنه حيدر تقول ان اخاه عزيز الحكيم كان يعرف من هم قتلته الحقيقيين، لكنه سكت بأـمل الاستحواذ هو وابنه  عمار على الامتيازات وتركة باقر الحكيم لهم وحدهم، ليحرموا حتى ابنه حيدر منها.

 

يتبع..

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,051,672

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"