التجاوز الإيراني لضوابط العلاقات الحسنة مع #تركيا

محمد زاهد غُل

قد تبدو الإشكاليات السياسية في تركيا والتي تصاحب نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة في السابع من حزيران الماضي، على أنها إشكاليات سياسية داخلية خالصة، وطبيعية في ظل نتائج انتخابات ديمقراطية غير حاسمة لأحد الأحزاب السياسية، وعدم القدرة على تشكيل حكومة إقلية أو أغلبية أو ائتلافية عنها، وأنها مجرد اختلافات في وجهات النظر بين الأحزاب السياسية في تركيا، وبالأخص الأحزاب السياسية الأربعة التي فازت في الانتخابات الأخيرة.

 

ولا شك أن جزءا من الحقيقية يتضمن ذلك الوصف الظاهري للأحداث، ولكن ما ينبغي الانتباه إليه وربطه مع الإشكاليات السياسية الناتجة عن الانتخابات الأخيرة أولاً، وفشل الأحزاب تشكيل حكومة إئتلافية ثانياً، بالرغم من مرور المدة القانونية وهي 45 يوماً، هو البحث عن مدى تأثير العوامل الأخرى التي سارت مع مسيرة الانتخابات الأخيرة، وعملت على استغلالها لضرب مسيرة الاستقرار في تركيا، التي نعم بها الشعب التركي منذ 14 عاماً على أقل تقدير، ومن هذه العوامل:

1 ــ لماذا قام حزب العمال الكردستاني بنقض الهدنة وأعلن وقف عملية السلام مع الحكومة التركية في هذه المرحلة؟

2 ـــ لماذا استأنف حزب العمال الكردستاني عملياته الإرهابية، واستهدف الجنود والأمن وهيبة الدولة التركية في هذه الظروف والأوضاع السياسية؟

3 ـــ لماذا قام تنظيم الدولة "داعش" بعمليات إرهابية ضد الدولة التركية في هذا التوقيت بالذات؟

4 ــ لماذا زاد حزب جبهة التحرير اليساري عملياته الإرهابية ضد تركيا في هذا الوقت؟

5 ـــ لماذا قام الإعلام الإيراني الموجه من الدولة الإيرانية والحرس الثوري الإيراني، بتشويه صورة تركيا ورئيس جمهوريتها في هذا التوقيت.

6 ـــ لماذا استهدفت تصريحات قادة حزب الشعوب الديمقراطي الدولة التركية بالاتهام والإساءة في هذا التوقيت؟ بالرغم من ان حكومة حزب العدالة والتنمية هي من وفرت لها شروط النجاح في الانتخابات الأخيرة.

7 ـــ لماذا قام زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كلجدار أغلو، بتنسيق مواقفه السياسية حول تشكيل الحكومة الائتلافية مع السفير الإيراني في أنقرة، ولماذا أفشل محاولات تشكيل حكومة ائتلافية مع حزب العدالة والتنمية.

8 ـــ لماذا كان موقف حزب الحركة القومية وزعيمه دولت بهجلي، سلبيًا للغاية في رفض كل العروض من حزب العدالة والتنمية لتشكيل حكومة ائتلافية، أو حكومة اقلية، أو حكومة انتخابية أو غيرها، وحول الاختلاف السياسي الإيجابي إلى صراع شخصي مع رئيس الجمهورية أردوغان، وصلاحياته التي يحكمها الدستور التركي.

9 ـــ لماذا قام الإعلام العالمي الغربي والعربي والإيراني المعادي للمواقف السياسية التركية خلال العقد الماضي، بتبني حملة إعلام معادية لتركيا، واتهامها بشن حرب ضد الأكراد لأغراض سياسية، وغيرها من الأكاذيب.

10 ـــ لماذا يشارك تنظيم وإعلام الكيان الموازي في هذه الحملة المعادية لتركيا، ورئيسها، ولرئيس الحكومة وحزبه حزب العدالة والتنمية؟

هذه بعض الأسئلة وغيرها كثير وكثير، والسؤال الكبير: كيف اجتمعت كل هذه العوامل ضد الدولة التركية، وضد رئيس الجمهورية أردوغان؟، ألا يستدعي ذلك البحث عن الأيدي الخارجية التي تحيك المؤامرات ضد تركيا، وضد جيشها، وضد مؤسساتها المدنية، وضد اقتصادها، وضد ازدهار شعبها، وضد المصالحة الوطنية، وضد الديمقراطية المحافظة، التي صنعت التقديم التركي المعاصر، وضد الدور الإقليمي الإيجابي الذي تقوم به تركيا في المنطقة والإقليم والعالم؟!!

هذه الأسئلة يجيب عن بعضها نجاح المخابرات التركية في تحديد أماكن الأهداف التي يضربها الطيرن التركي داخل تركيا وخارجها، وبالأخص في جبال قنديل، حيث وكر المؤامرات والتخطيط الشيطاني ضد تركيا، فقد حددت المخابرات المحلية التركية معلومات دقيقة وتفصيلية عن القدرات اللوجستية، والقدرات العسكرية، والمعسكرات والمخيمات التي يستخدمها حزب العمال الكردستاني لمهاجمة تركيا، وهي معلومات مهمة وحساسة، فقد أظهرت معلومات المخابرات الدقيقة أن عملية الدعم الأساسية للتنظيم الإرهابي تأتي من إيران عبر سليماني إلى طالباني.

أما تحالف حزب الاتحاد الديمقراطي السوري الكردي وميليشياته وحدات حماية الشعب مع النظام الأسدي، وضد الثورة السورية وضد الدولة التركية فهو مما يعلنه الحزب صراحة، فقد أعلن صالح محمد مسلم رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي السوري الكردي عن ذلك صراحة، وزياراته الأخيرة إلى بغداد كشفت كثيرًا من الأمور، فقد عقدت الأحزاب الكردية في سوريا وتركيا تحالفاتها مع المحور الإيراني في المنطقة، واعتبرت نفسها جزءًا منه، واخذت منه الدعم المالي والعسكري والبشري، فمقاتلو فيلق القدس بقيادة قاسم سليماني التابع للحرس الثوري الإيراني، يقاتلون إلى جانب وحدات حماية الشعب في شمال سوريا، بحجة محاربة تنظيم الدولة داعش، بينما هي تعمل على تفجير الأوضاع شمال سوريا للتأثير على جنوب تركيا، سواء تم ذلك من خلال محاولة إقامة كيان كردي شمال سوريا، أو القيام بأعمال إرهابية على الحدود التركية السورية.

وقد كشفت التحقيقات الأخيرة، التي قام بها البرلمان العراقي عن دور رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، عن تورطه في إسقاط مدينة الموصل بأيدي تنظيم الدولة "داعش" في شهر يونيو/حزيران عام 2014، وتسليمهم أسلحة أربعة فرق عسكرية بكامل معداتها وأسلحتها وذخيرتها العسكرية، وعندما برز اسم داعش وزيادة سيطرتها في شمال العراق في إبريل/نيسان 2013، أخذ الغرب يصف هذا التنظيم بأنه تنظيم "سني" متطرف، ونسبت له كثيرًا من الأعمال الإرهابية والوحشية، لتشويه التنظيمات السنية في المعارضة العراقية ووصفها بالتطرف والإرهاب، وكان الهدف من ذلك صرف الأنظار عن الجرائم والمجازر والحرب الكيماوية التي قام بها بشار الأسد، ونوري المالكي، والميليشيات الشيعية التابعة لحزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيراني في سوريا والعراق لسنوات عديدة، بينما الإعلام الإيراني وأتباعه من إعلام الأحزاب الكردية الإرهابية يتهم الدولة التركية بدعم داعش، فلماذا تعادي إيران تركيا، وتعمل على زعزعة الاستقرار فيها؟

لقد وقفت الحكومة التركية إلى جانب الدولة الإيرانية في مرحلة المفاوضات النووية منذ مراحلها الأولى، واستضافت تركيا عددًا من اللقاءات بين الحكومة الإيرانية ووكالة الطاقة الذرية، وكذلك عملت الحكومة التركية على تخفيف أثر العقوبات الدولية والحصار الذي فرض على إيران بسبب البرنامج النووي الإيراني، فكانت تركيا إلى جانب إيران وإلى جانب شعبها في سياستها الداخلية وصراعها مع الغرب، ولم تنتقد الحكومة التركية السياسة الإيرانية إلا بسبب تدخلاتها في شؤون الدول العربية في العراق وسوريا واليمن، وما نتج عنها من قتل لمئات الألوف من المسلمين بغير وجه حق.

وعندما دافعت دول الخليج والسعودية عن نفسها ضد التدخل الإيراني في اليمن ضد الحوثيين في عاصفة الحزم، وقفت الحكومة التركية إلى جانب الحق العربي، ونددت السياسة التركية بالسياسة الإيرانية الطائفية وإثارتها للمشاكل في هذه الدول، مما أغضب الإيرانيين من تركيا ومن أردوغان ومن حكومة حزب العدالة والتنمية، فأخذت تناصبها العداء المبطن، بدعم كل المعارضين للحكومة التركية ورئيس الجمهورية وحزب العدالة والتنمية.

ومن خلال الاتفاق النووي الذي وقعته إيران في فيينا بتاريخ 14 حزيران/ يونيو 2015، تبين أن إيران تنازلت عن مشروعها النووي مقابل إطلاق يدها في المنطقة سياسيا وأمنيا، وبالأخص في سوريا والعراق ولبنان، وإيران تعلم أن السياسة التركية لا توافق على سياستها في هذه الدول، فهذه السياسة الإيرانية ظاهرة الفشل والخطر والخراب والفساد للبلاد والعباد، وأدخلت كل هذه الدول في حروب أهلية، ولذلك أخذت السياسية الإيرانية تهيئ مرحلة توسيع نفوذها في هذه الدول بعد الاتفاق النووي، باستهداف تركيا داخلياً وخارجياً، بهدف إضعافها وإشغالها بمشاكلها الداخلية على أقل تقدير، وللأسف فقد وجدت إيران بعض الأحزاب الكردية الضالة، التي تبحث عن أحلام الانفصال والكيانات السياسية والأطماع الشخصية، ولو كانت على حساب الشعب الكردي نفسه، سواء في سوريا أو تركيا او العراق، وظنوا أن حالة عدم الاستقرار السياسي في تركيا، بسبب عدم القدرة على تشكيل حكومة لحزب العدالة والتنمية، هي فرصتهم التاريخية، فأخذوا بتجنيد كل من يتطوع للعمل معهم ضد الدولة التركية، ولو باسم معاداة أردوغان وحزب العدالة التنمية، بسبب الخطاب السياسي المتأزم داخل تركيا.

وهكذا تشكل هذا التحالف الظلامي ضد تركيا في وقت واحد وهدف واحد، وربما علم وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف، أنه سيواجه هذه الأسئلة التركية فآثر الهرب على مواجهتها في زيارته الأخيرة إلى أنقرة، فهو يعلم أن إيران تجاوزت حدودها في الإساءة إلى الدولة التركية في تدخلها في الشؤون التركية الداخلية، وكذلك تجاوزت حدودها في دعم الأحزاب الكردية الإرهابية، التي تستهدف الدولة التركية بالأعمال الإرهابية، لذا فإن على إيران أن تعلم أن حلم الإمبراطورية الإيرانية الفارسية هو مجرد كابوس في عقول الطائفيين الفرس، لا يمكن أن يتحول إلى حقيقة إلا إذا كسب القلوب والعقول قبل أن يكسب الأراضي، أو يعمل على تطهيرها عرقياً أو طائفياً كما يجري في مباحثات الزبداني الحالية، فالإيرانيون هم من يفاوضون الشعب السوري لمغادرة بلاده لإحلال الاحتلال الإيراني مكانه، وهذا يعني أن إيران خسرت معركتها في سوريا، لأنها خسرت أخلاقها الإسلامية، وخسرت التضامن العربي، وخسرت الصداقة التركية، جراء سياستها العدوانية في البلاد العربية وفي تركيا، وفي العالم الإسلامي كله.

 

نشر المقال هنا

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,037,158

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"