تستند العمليات الجويّة و/أو البرّية التي تقوم بها القوات المسلحة التركية اليوم في سوريا والعراق الى تفويض صادر عن البرلمان التركي يجيز لها من الناحية القانوينة هذا التحرك ويعمل على تغطيته.
في الاعوام السابقة كان هناك تفويضان منفصلان لكل من العراق وسوريا يتيحان للقوات المسلحة التركية تنفيذ عمليات جراحيّة ان صح التعبير خارج الاراضي التركية لحماية الامن القومي ومواجهة التهديدات الارهابية. لكن في العام 2014، إرتات الحكومة التركية دمج التفويضين في تفويض واحد على اعتبار ان المخاطر على تركيا أصبحت تتنقل بشكل مفتوح بين العراق وسوريا.
تقدّمت الحكومة حينها بمشروع مدمج الى البرلمان للتصويت عليه. وبالفعل تم الموافقة على مشروع المذكرة الحكومية من قبل البرلمان بتاريخ 2 أكتوبر 2014 وذلك بأغلبية 289 صوتا مؤيدا يمثلون حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية في مقابل معارضة 98 صوتا يمثلون أصوات حزب الشعب الجمهوري والنواب المحسوبين على حزب الشعوب الديمقراطية الكردي.
ويعتبر هذا التفويض صالحا لمدّة عام من تاريخ إقراره ويتم تجديده بشكل دوري بالتصويت عليه في البرلمان، وهو يعطي الحق للحكومة التركية باستخدام القوات المسلحة التركية في عمليات داخل سوريا والعراق، كما يسمح بنشر قوات أجنبية داخل القواعد العسكرية التركية وكذلك بنقل هذه القوات عبر الاراضي التركية.
ويستند هذا التفويض البرلماني الى المادة رقم 92 من الدستور التركي المتعلقة باعلان حالة الحرب والسماح بنشر قوات عسكرية تركية، والتي تشير الى انّ سلطة إعلان حالة الحرب أو السماح بنشر قوات عسكرية تركية خارج حدود البلاد أو بالسماح لقوات عسكرية أجنبية بالتواجد على الأراضي التركية إنما تعود الى البرلمان، وانّه اذا تعرّضت البلاد لعدوان خارجي مفاجئ في وقت يكون فيه البرلمان في عطللته السنوية أو غير قادر على الانعقاد بحيث يصبح من المحتّم اقرار استخدام القوات العسكرية فيمكن لرئيس الجمهورية حينها أن يقرر استخدام القوات المسلحة التركية.
هناك عنصر اضافي دخل على هذه المعادلة مؤخرا وهو الاتفاق التركي- الأميركي المتعلق بفتح قاعدة انجرليك لقوات التحالف للقيام بهجمات ضد تنظيم "داعش". هذا الاتفاق وكل ما يتعلّق به بستند أيضا الى التفويض البرلماني المذكور أعلاه والذي سينتهي في الثاني من أكتوبر القادم.
وتكمن المشكلة في انّ حزب العدالة والتنمية لا يمتلك اليوم ونتيجة لانتخابات 7 يونيو الماضي الاغلبية البرلمانية التي تخوّله التجديد لهذا التفويض لوحده في البرلمان وهذا يعني انّه بحاجة الى موافقة من قبل أعضاء آخرين.
في العام الماضي، صوّت حزب الشعب الجمهوري ضد التفويض، ولذلك لن يكون مستغربا اذا فعل نفس الشي هذه المرة، أما بالنسبة الى حزب الشعوب الديمقراطيّة الكردي فسيكون في وضع حرج للغاية، وقد يتسبب موقفه ايضا بارباك كبير للحكومة والجيش وللنظام السياسي بأكمله، فهو يريد تعطيل التفويض لانّ جزءً من الهجمات التي تقوم بها القوات المسلحة التركية ولاسيما في العراق هي ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني ولأنّ التفويض قد يستهدف انشاء منطقة آمنة في سوريا وهذا سيضر بحزب الشعوب الديمقراطيّة الكردي، ولكنّ اذا كان تصويته سيؤدي الى تعطيل التفويض فهذا يعني انّه سينسف الاتفاق التركي- الأميركي أيضا والموجّه بالأساس في جزء كبير منه ضد تنظيم "داعش"، ولا شك انّ ذلك سيسبب توترا في العلاقات الأميركية – الكرديّة، أضف الى ذلك أنّ مثل هذا الموقف سيخلق حالة من التناقض بين مشاركة الحزب بالحكومة المؤقتة من جهة، والتصويت في البرلمان ضد مذكرة مقدمة من قبل الحكومة نفسها من جهة اخرى.
أما بالنسبة الى الحزب القومي، فهو كان قد صوّت لصالح التفويض العام الماضي، لكن هذه المرّة المعادلة مختلفة. صحيح اّنه قد يرى انّ هناك حاجة لدفاع تركيا عن أمنها القوي وانّ هذا التفويض مطلوب من أجل اتاحة المجال امام القوات المسلحة للقيام بهذه المهمة دون ان يفسّر ذلك على انّه دعم للحكومة، لكنّه في المقابل يعاني الأن من عقدة إنضمام "طغرل توركش" احد أبرز مسؤوليه وابن الزعيم المؤسس لحزب الحركة القومية الى الحكومة المؤقتة بالرغم من مقاطعة الحزب لها، ولذلك فقد يعبّر الحزب عن ردّة فعل سلبية بالتصويت ضد التفويض، لكنّ ذلك يبقى غير مؤكد على كل حال.
من سوء الحظ انّ البرلمان لن يكون في عطلته السنوية على ما يبدو ولذلك فسيكون هناك حاجة ولا بد من اجل التصويت على تجديد التفويض، وبالرغم من انّ المادة 114 من الدستور تتيح للحكومة المؤقتة اصدار مراسيم أو لوائح يتم التوقيع عليها من قبل رئيس الجمهورية لتكون بمثابة قانون، الا انه من غير المؤكّد عمّا اذا كان يمكن الالتفاف على موضوع التفويض البرلماني من خلال هذه الطريقة . ولذلك فان حزب العدالة سيكون بحاجة الى دعم احد الاطراف في البرلمان، واذا لم يتوفر هذا الدعم فهذا يعني أنّنا سنكون امام مشاكل داخلية واقليمية كبيرة في المرحلة القادمة.