#حيدر_العبادي، إرادة الحزب فوق إرادة الشعب؟

علي الكاش

يقول برنارد شو "السلطة لا تفسد الرجال، إنما الأغبياء إن وضِعوا في السلطة هم من يُفسدونها".‏

 

 

في بعض الأحوال يتطلب الحزم السياسي موقف محدد أما مع أو ضد، أي لا توجد منطقة وسطى ‏بين الموقفين المتعارضين، ربما يعتبر هذا الأمر متناقضا مع ما يسمى بالحياد أو عدم الإنحياز، ‏ولكن أحيانا الحياد نفسه يعتبر تحييزا، مثلا عندما تكون هناك حرب ظالمة من قبل دولة كبرى ‏كالولايات المتحدة الأميركية ضد دولة أخرى كالعراق وبحجج واهية وكاذبة، وتقف دولة ما على ‏الحياد في هذه الحرب، فهذا يعني إنها لم تقف مع الحق ضد الباطل، فكيف يعتبر هذا الموقف ‏محايدا؟ الرئيس الأميركي السابق نفسه إستخدم هذا المبدأ وأعتبره معيارا لتقييم الدول في حربها ‏على الإرهاب، أما مع الإرهاب أو ضده، وأن كنت ضده فهذا يعني المشاركة الفعلية في الحرب ‏بغض النظر عن نوع المشاركة عسكرية أو اقتصادية او مخابراتية او بصيغ أخرى. واحيانا يكون ‏الحياد ايجابي عندما يكون الموقف غامض ويصعب تمييز الحق عن الباطل، وهذا ما يتمثل ‏تأريخيا في الحرب بين الصحابيين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان لذا إعتزل معظم الصحابة ‏الفتنة.

وهذا الموقف يتماشى مع حديث النبي (صلى الله عليه وسلم) قال حذيفة "كان‎ ‎الناس يسألون رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ‏عن الخير، وكنت أسأله عن الشر ‎مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله! إنا كنا في جاهلية وشر ‏فجاءنا الله‎ ‎بهذا الخير فهل بعد الخير شر؟ قال‎: ‎نعم!‏‎ ‎فقلت: فهل بعد هذا الشر من خير؟ قال‎: ‎نعم ‏وفيه دخَنٌ،‎ ‎قال قلت: وما دخَنُهُ؟ قال‎: قومٌ يستنُّونَ بغيرِ سُنتي ويَهْدونَ بغير هدْيِي تعرفُ منهُمْ ‏وتُنكرُ،‎ ‎فقلت: هل بعد ذلك الخير من شر؟ قال‎:‎ نعم، فتنةٌ عمياءٌ، دُعاةٌ على أبوابِ جهنم، مَنْ ‏أجابَهُمْ إليها قذفوهُ فيه.‏‎ ‎فقلت: يا رسول الله! صِفْهُمْ لنا! قال: ‎نعم، قوم من جَلدتِنا ويتكلمونَ بألسنتِنا،‎ ‎فقلت: يا رسول الله، وما تأمرني إن أدركت ذلك، قال: تلزَمُ جماعةَ المسلمين وإمامِهِم،‎ ‎قلت: فإن لم ‏يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال‎: ‎فاعتزلْ تلك الفرقُ كلِّها، ولوْ أنْ تعَضَّ على أصلِ الشجرةِ حتى ‏يُدركُكَ الموتُ وأنتَ على ذلك". (اخرجه الشيخان).‏

أحد المشاكل التي يعاني منها العراق هو عدم وجود نص دستوري يلزم رئيس الحكومة بالإستقالة ‏عن حزبه عند تسنم منصبه الجديد، ربما لا ضرر من الجمع بين الصفة الحزبية والوزارية في ‏الدول المتطورة وذات النهج الديمقراطي العريق والوعي الشعبي المتحضر، حيث يتعامل رئيس ‏الحكومة مع جميع شرائح الشعب بشكل متساوِ مبني على أساس المواطنة وليس الحزبية، كما ان ‏الدستور يرغمه على التعامل بهذا النهج السليم، وللسلطة القضائية والسلطة الرابعة دور المراقبة ‏الذي يعين الخلل ويحاسب الرئيس عليه. ولكن في دولة متخلفة كالعراق لا تزال الاقليمية ‏والحزبية والعشائرية والمذهبية تلعب دورا رئيسا في إدارته، العراق لم يشهد التحول الديمقراطي ‏الحقيقي طوال تأريخه، لذا من الصعب ان  يتنصل رئيس الحكومة عن حزبه الذي أوصله الى ‏الرئاسة، وسيكون ملتزما برد الجميل للحزب من خلال سياسة التمايز الحزبي وهذا ما يقال عن ‏بقية العوامل المؤثرة.‏

مهما حاول رئيس الحكومة أن يلتزم بالقواعد الأخلاقية والمثل العليا في تعامله مع الآخر، فإن ‏إلتزامه لا يكون حقيقيا ولا شاملا، فالمؤثرات الخارجية تتغلب على النوازع الداخلية، والخروج ‏من الشرنقة الحزبية والعشائرية والمذهبية ربما تضعفه أو هو يتصور ذاك. لذا نلاحظ ان حاشية ‏رئيس الحكومة من مستشارين وقادة كبار ورؤساء مؤسسات سيما الأمنية منها غالبا ما تكون ‏عناصرها من أقاربة وعناصر حزبه وأبناء منطقته وعشيرته، ذلك يشعره بالإطمئنان على أقل ‏تقدير، مع أن الأمان بهذا الأسلوب ليس قاعدة، فمن لا يجلس على كرسي الحكم، يبقى يحلم به ‏ويسعى إليه إن لم يحاربه علنا أو سرا. بلاشك أن رئيس الوزراء السابق جودي المالكي يُعد أفضل ‏شاهد حي على هذا المسلك. فالفساد والعمالة هما ثروة حزب الدعوة، الثروة التي لا ينضب معينها ‏أبدا.‏

بنى الكثير من العراقيين آمالا على رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي، رغم ان العبادي لم يأتِ ‏من كوكب آخر، مع إنه من مخلفات حزب الدعوة وأختير بسبب ضعفه وإهتزاز شخصيته لكي لا ‏يعيد سيناريو المالكي في الولاية الثالثة. وقد كان رئيسا للجنة المالية في البرلمان، وما حصل من ‏فساد في حكم المالكي كان شاهدا عليه إن لم نقل ضالعا فيه، من منطلق الساكت عن الفساد لا يقل ‏فسادا عن المفسد، ولم نسمع منه اي نشاط حول محاربة الفاسدين، وكشف ملف من ملفات الفساد، ‏أو الضغط على المسؤولين لكشف ذممهم المالية. ولد العبادي من رحم حزب الدعوة، وهو حزب ‏مشبوه تفقس وترعرع في ولاية الفقيه، وأول محطة توقف عندها العبادي كانت طهران حيث أدى ‏مراسم الخنوع والخضوع للولي الفقية وعاهده بأن يعمل وفقا لتوجيهاته. وفي أكثر من مرة كرر ‏العبادي إلتزامه بتوجيهات مرجعية النجف، وهذا الأمر فيه نوع من الميتافيزيقيا! كيف تكون ‏الولاية لجهتين متعارضتين، احداهما تؤمن بولاية الفقية والأخرى لا تؤمن بها كما تدعي، مع إنها ‏في الحقيقة تمارسها؟

كان احد مطالب المتظاهرين ان يستقيل العبادي من حزب الدعوة، والحقيقة أن خروجه من صدفة ‏حزب الدعوه سيمكنه من التنفس بشكل صحيح بعيدا عن الضغوط والإلتزامات بالتوجيهات ‏الحزبية سيما أن قائده الحزبي هو جودي المالكي، الذي يتحين الفرص ليُفشل مشاريع العبادي في ‏محاولة يائسة لإثبات أنه أفضل من العبادي وأصلح منه لقيادة البلد. كان المطلب الجماهيري ‏بإستقالة العبادي فرصة ذهبية ليستقيل من الحزب ويتحرر من قيوده وينطلق لمحاسبة حيتان الفساد ‏ومعظمهم من حزب الدعوة بحجة الضغط الجماهيري، لكن العبادي وبسبب ضعفة ولا نقول غبائه ‏ـ كما وصفه مسؤوله الحزبي عزت الشاه بندر ـ ضيع الفرصة الثمينة، مؤكدا إلتزامه التام ‏بالحزب، وهذا يعني عدة أمور.‏

‏1. إلتزام العبادي بنهج الحزب، يعني إنه سيكون تحت ولاية قائده الحزبي جودي المالكي وإلتزامه ‏بتوجيهات المالكي. فقد ذكر النائب السابق عزت الشابندر في‎ ‎تصريح صحفي في 25/8/2015 ‏‏ أن " المالكي يعد أقوى من العبادي داخل الحزب الدعوة، والحزب يعتبر أضعف احزاب البلاد ‏من حيث الدعم الشعبي،‎ ‎والكفاءات". وهذه حقيقة صادرة من أحد قادة حزب الدعوة.‏

‏2. عدم تمكنه من فتح ملفات الفساد للعناصر الفاسدة في حزب الدعوة بذريعة المحافظة على نسيج ‏وسمعة ووحدة الحزب، وبالتالي سيتنصل عن عهده بمحاربة الفساد، أو على أقل تقدير يمتنع عن ‏محاسبة الفاسدين من أعضاء حزبه. وهذا ما عبرت عنه النائبة عن‎ ‎دولة القانون عواطف نعمه ‏‏"كيف لرئيس الوزراء وهو من ضمن ائتلاف دولة‎ ‎القانون ان يتصرف بمفرده متناسيا ان منصب ‏نائب رئيس الجمهورية لأمينه العام‎ ‎في الحزب وان هذا المنصب توافقي".‏

‏3. الولاء لحزب الدعوة وهو حزب عميل وفاسد وذو اجندة أجنبية، إنما يعني ان العبادي سوف ‏يبقى رهين العمالة والفساد، فليس من المعقول أن يكون فاسدا ومصلحا في آن، ووطنيا وعميلا في ‏نفس الوقت! كما أن من يعيش في مستنقع الفساد منذ أكثر من عقد برضا تام، ويصاحب طفيليات ‏الفساد بود وتآخي، ولا يشعر برائحة عفونتهم، كيف له أن يحارب الفساد؟ كما يُلاحظ أن العبادي ‏لم يوجه أي تهمة أو إنتقاد لأي من الفاسدسن من حزدب الدعوة، سيما زعيمهم جودي المالكي. من ‏لا يقدر على نقد الفاسدين لا يقدر  بالتأكيد على محاسبتهم. ‏

‏4. رفض العبادي الإستقالة هو ضربة قاصمة للجماهير التي وقفت معه في إصلاحاته الهامشية ‏رغم إنها لا تلبِ الحد الأدنى من طلباتهم، وهي إصلاحات تقشفية ظاهريا ـ سيتسلم الوزراء ‏والمسؤولون وموظفو الوزارات الملغية نفس الرواتب والمخصصات والتغيير في المواقع ‏والمناصب فقط ـ ولا علاقة لها بمحاربة الفاسدين. لقد إختار العبادي الحزب وفضله على الشعب ‏والوطن، وهذا موقف لا يعبر عن دعوة إصلاحية حقيقية بل يكشف عن الاعيب ومراوغات ‏سياسية الغرض منها إمتصاص نقمة الشعب من جهة والحصول على المزيد من الوقت لخلط ‏الأوراق، وهذا ما حصل فعلا عندما إنضم عناصر المليشيات الى التظاهرات وسرقوها من ‏أصحابها الشرعيين. ان دعم الشعب أرقى وأزكى وأجل من دعم الحزب، وهذا ما لم يدركه ‏العبادي، ففوت الفرصة على نفسه، ربما أراد الله تعالى أن يفضحه ويخزيه!‏

‏5. أن حزب الدعوة حزبا شيعيا طائفيا وإلتزام العبادي بنهجه يعني إنه لا يمثل العراقيين جميعا ‏بل الطائفة التي ينتمي اليها، وهذا الأمر يفقد العبادي مصداقيته، والإدعاء بأنه غير طائفي هو ‏إدعاء يدحض نفسه بنفسه.‏

‏6. الكثير من أعضاء حزب الدعوة بما فيهم زعيمه جودي المالكي أبدوا رفضهم وإمتعاضهم من ‏الإصلاحات التي أعلنها العبادي، والبعض أعتبرها تمردا على الدستور والقوانين، على الرغم من ‏أنها مطالب شعبية محدودة الأهداف الغرض منها إصلاح العملية السياسية وليس إلغائها، والشعب ‏كما هو معروف مصدر السلطات، لذا يمكن الجزم بأن قادة حزبه والإئتلاف سوف يستميتون ‏لإعاقة تنفيذ هذه الإصلاحات وبشتى السبل الممكنة، وتتوفر عندهم الإمكانات لإجهاضها كالمال ‏والإعلام علاوة على ولاء الميليشيات والجيش والشرطة والحشد الشعبي والدعم الإيراني.‏

‏7. يبقى الولي الفقية صاحب القرار الأول والأخير في العراق، وهذه حقيقة لا يختلف عليها إثنان، ‏وقد ابدى نظام الملالي رفضه لإصلاحات العبادي، وكفر المتظاهرين ونعتهم بشتى الأوصاف، بل ‏ان السفير الإيراني في العراق حسن كاظمي قمي خالف السياقات الدبلوماسية المتعارف عليها ‏وصرح" ان التظاهرات التي تشهدها‎ ‎عدد من المدن هي تحركات مشبوهة تقوم بها بعض ‏التيارات المجهولة تحت غطاء‎ ‎الاحتجاجات الشعبية". وطالما ان موقف حزب الدعوة رهين إرادة ‏الولي الفقيه، لذا كانت أفضل طريقة للخروج من هذا المأزق هي إستقالة العبادي من حزب ‏الدعوة.‏

‏8. وقوف مرجعية النجف ـ وهي التي تتحمل المسؤولية الأولى عن تدهور البلد و تفاقم ظاهرة ‏الفساد ـ بجانب العبادي، اضافة الى وقوف العديد من العراقيين الى جانبه في حربه المزعومة على ‏الفساد، كانت أفضل فرصة لإستقالته من الحزب، بدعوى إن الشعب يطالبه بالإستقالة وعليه ان ‏ينفذ إرادة الشعب، كما ان المرجعية طالبته بمحاربة الفساد، وهو لا يستطيع القيام بهذه المهمة ‏الصعبة طالما هو مرتبط بالحزب.‏

‏9. أشاع حزب الدعوة مؤخرا بأن العبادي تمرد على الحاكم الحقيقي للعراق الجنرال سليماني ‏خلال إجتماع الإئتلاف الشيعي الأخير، وغادر الأخير الإجتماع غاضبا من العبادي، ويبدو الأمر ‏كمسرحية هزلية مرتب لها، لا العبادي ولا معصوم  ولا السفير الأميركي يمكنهما مس شعرة ‏واحدة من شعر سليماني والدليل إنه زار مؤخرا مدينة كربلاء تحديدا دون غيرها بصحبة عدد من ‏المرافقين لا يتجاوزون أصابع اليد، وتنقل في أسواقها وشوارعها مشيا بحرية تامة، تاركا ورائه ‏المئات من علامات الإستفهام حول شعار المتظاهرين الكربلائيين (إيران بره بره، كربلاء تبقى ‏حرة)! زيارته هذه هي بحد ذاتها رسالة تحدي صلف للكربلائيين قبل غيرهم.‏

وهذه النقاط لا تمثّل سوى غيض من فيض.‏

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,028,271

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"