صبيحة احتلال العراق صحا العالم على عصابات تجتاح مبنى متحف بغداد وتنهب اثار حضارات حكمت بلد الحضارات و(رَبَّت) العالم الوليد وهدهدته واخترعت له وسنّت القوانين وزرعت وحصدت وحاربت ودافعت.
لا بل ان تلك الحضارات أنتجت ثقافةً بقي اثر ُنورها يشع الى الان بحيث انك لا تدخل مكتبةً او متحفا في ارجاء هذا العالم او تقرأ قصيدةً او خاطرة الا وتحِسُّ بأثرِ ذاك الذي حين مات صاحبه انكيدو لم تسلمه الفاجعة الى الهزيمة بل الى البحث عن سر الخلود! فخط بفعله هذا ملامحٓ الشخصية العراقية التي دفعها هوسُها بالخلود الى كتابة اروع الأشعار ورسم اجمل اللوحات وتشييد أبهى النصب، فولدت المتنبي وجواد سليم وفائق حسن والعطار ونزيهة وإسماعيل الترك والملائكة والبستاني وعبدالرزاق عبدالواحد، وشيدت حضارة دمرها ونهبها محتلٌ بربري انتقل من (عصرالبربرية والهمجية الى عصر الانحلال دون المرور بمرحلة الحضارة) كما قال برناردشو عن أميركا مرة.
نُهِبَ المتحف مثلما نُهِب العراقُ كله امام أنظار قوات المحتل، ولم يهتز لها شعرة لأنها (هدفت الى حصول ذلك) ولأنها طوَّقت، دون كل مباني الدولة، مبنى وزارة النفط فقط في بغداد، التي أشبعتها قصفا على مدار الساعة كي (تحررها من أهلها وتجلب الغرباء لاحتلالها)...وهذا منطقي لأنها لم تأت اصلا لإنقاذ البشر وحمايتهم (كما ادعت) من نظام "دكتاتوري" (حافظ ولعقود على كل ما نهبه الذين قدموا بعد اسقاطه) بل أتت وراء النفط (ومطامع اخرى).
تذكرت هذا وانا اشاهد حيدر العبادي يتفقد آبار النفط ومنشآته في البصرة (الجائعة، المحرومة، المريضة بسرطانات "اليورانيوم المنضب"، والتي تكاد تذوب (دون كهرباء) تحت حرارة شمس فاقت 50 مئوية، وتموت عطشا (وملوحة وسموما) صدَّرتها الى مياهها ذات الجارة التي صدّرت المرجعية التي أفتت بالاحتلال، ومنحت الشرعية لهذا العبادي، البريطاني الجنسية.
زار حيدر البصرة فكان صورة طبق الأصل لسيده المحتل.تجاهل اهل البصرة، وآلامهم وفقرهم ومعاناتهم، تجاهل تاريخ البصرة وتذكر من جغرافيتها فقط انها تعوم على بحر نفط ملأت أموالُ عائداتِه جيوبَ حكومته وصحبه ومرجعيته وعمرت مشاريعا في ايران واشترت عقاراتٍ في كافة أنحاء العالم (للحرامية) الذين باسم الدين (باگوا- سرقوا) اهل البصرة والعراق كلّه فحرموهم حتى من دورهم ومدنهم ووطنهم وأسكنوهم الشوارع نازحين، متظاهرين.
طمأن العبادي شركات النفط على مصالحها ومصالحه وصحبه. ووقف مسؤول أمني تابع لرئيس الوزراء فور مغادرة الأخير يقول: سنشدد الإجراءات الأمنية حول آبار النفط! وهو بلا شك سيفعل، لأنه تلقى أوامر (جدية) بذلك كي لا يمس النفط اي سوء. لندرك فجأة ان بإمكان حكومة (خسرت ثلث مساحة العراق) ان تشدد الإجراءات الأمنية!
في عراق المفخخات الذي قُتِل فيه مئات الألوف من ابنائه لأن العبادي ومن سبقوه لم يشددوا إجراءاتهم الأمنية فيه كي يحموا البشر وقرروا استخدامها اليوم لحماية نفط البصرة! تماما كما فعل سيدهم بوش صبيحة نيسان في بغداد.
ارض العراق لا قيمة لها. متحفه وآثاره وحضارته، حتى جوه وسماؤه، لا قيمة لهم جميعا.. العراقي نفسه لا قيمة له، لذلك يموت يوميا بمفخخة او(حبل إعدام) او كاتم صوتٍ .. او قهرا.
وحده النفط، ووحدها الجيوب، خط احمر، وليذهب البلد الى جحيم فقدان الأمن والافلاس وانقطاع الكهرباء والموت!
سلامٌ على كلكامش الذي أورثنا (همَّهُ) وتراثه وآثاره.
سلام عليه يوم هزّه موتُ صديقه فدفعه الى التمرد والبحث عن سر الخلود..ماعساه يفعل لو انه عاش الان وشهد بأم عينه (موت) ابنائه جميعا.. واغتيال عراقه؟!
وكم نحن بحاجة الى (استحضار جيناته فينا) علنا نتمرد حقاً.
سلامٌ على انكيدو .... العراق كله يحسدك الان على صاحبك..