مصطفى كامل
كنا أطفالاً صغاراً وعرفنا العم ضياء حسن.. وهو صديق الوالد والعم.. وكبرنا ونحن نعرف الأستاذ ضياء حسن.. وهو الصحفي والمعلم.. وبعد أكثر من 40 عاماً على معرفتنا بأبي هدى رحل هذا الرجل الممتلئ نبلاً وأصالة وصموداً وخبرة..
نعم اليوم، الثاني من أيلول/ سبتمبر 2015، رحل ضياء عبدالرزاق حسن الهاشمي، المناضل الأصيل والصحفي الرائد والرجل الوفي.. حاملاً معه في غربته هم العراق، ولا شيء غير العراق، إلا إذا قلنا أن هم الصحافة العراقية والعربية كانت تتقاسم انشغالاته بالعراق.
منذ ان بدأت الرحلة في بلاط صاحبة الجلالة (الصحافة) كان الأستاذ ضياء حسن نموذجاً فريداً في كل شيء، في مهنيته العالية وفي خلقه الراقي، وفي وفائه النبيل، وفي انسانيته..
هذا الرجل الذي تخرجت على يديه أجيال عديدة من الصحفيين، لم يكن صحفياً فقط، بل كان مثالاً للصحفي الإنسان، الصحفي الملتزم، الصحفي البارع.. وهذا بعض ما تعنيه فجيعتنا فيه.. والبعض الآخر انه كان صديقاً، رغم فارق السن الكبير بيننا، وأنه كان عراقياً خالصاً، لا تعرف عنه إلا إنتماءه للعراق الواحد.. بلا تفصيلات أخرى..
نعم هكذا كان، منذ "الحرية" صحيفة الأستاذ قاسم حمودي، إلى "الثورة"، صحيفة حزب البعث العربي الاشتراكي، مروراً بمدرستنا العراقية الثرة "الجمهورية"، المدرسة البهية التي أعطاها الراحل عصارة خبرته ونضجه ودفق عطائه، مروراً بأخريات هنا وهناك، كان ضياء حسن معلماً صحفياً شامخاً وانساناً متميزاً بالابداع وبالخلق الكريم.
هذا البغدادي الأصيل، وهو في الأصل ابن البصرة، ظلَّ وفياً لبغداديته ولعراقيته رغم آلام الغربة ومحن الشرفاء فيها، ورغم موجبات العمر ورغم الآلام الشخصية، وكنا إذا تهاتفنا، خلال سنوات الغربة اللئيمة لا نتحدث إلا بهم العراق الواحد، أو بهمٍ صحفيٍ أو شاغلٍ هنا أو هناك، وفي كل الأحوال لم تخرج شواغلنا عن هذين الغرضين، العراق ومهنة الصحافة.
شاءت الأقدار أن تجمعنا مهمة وطنية مشتركة بعد الاحتلال الأميركي المجرم، ومع فارق السن واعتباراته ومع الخبرة الهائلة التي يتمتع بها، يرحمه الله تعالى، لم يكن تعامل الأستاذ معي إلا تعامل الند والقرين كأننا أبناء جيل واحد، وبخبرة متقاربة، كان فياضاً بالمحبة مليئاً بالتواضع الذي يعرفه الرجال بحق.. ولم يكن يتعامل بفوقية أو يضع للعمر اعتباراً إلا بقدر ما يقدم لنا، نحن الذين شرفنا بتلك المهمة الوطنية حينها، عصارة خبرته ونضح تجربته وعميق دروسه.
كان الأستاذ ضياء حسن شعلة من نشاط، لا يهدأ ولا يمل، رغم ان السنين لها حقها ورغم ان الأمراض أخذت منه مأخذها أو أكثر، إلا انه بقي متقد الفكر، حاضر العبارة، واضح الفكرة.. وكان قلمه منذوراً لخدمة وطنه وأمته، والارتقاء بمهنته التي أحبها وقضى فيها العمر كله حتى تساقطت شعرات الرأس المشتعل شيباً، منذ عرفناه، وذوت نضارة الوجه الباسم.
سأضيف في الحديث عن أبي هدى سجية يعرفها من لازمه، انها الوفاء، فهذا الرجل مطبوع على الوفاء والخلق النبيل، أذكر اننا سافرنا لمؤتمر منظمة الصحفيين العالمية في العاصمة الأردنية عام 1994، وكان من المقرر أن يحضر أحد الزملاء معنا إلى ذلك المؤتمر، إلا أن ظرفاً ما منعه من الالتحاق بنا. فوجئت ونحن نمرُّ بمنطقة الرويشد، في طريق عودتنا إلى بغداد، بالاستاذ ضياء يشتري لأسرة ذلك الصديق بعضاً مما كان مفقوداً في العراق أيام حصار الأوباش المطبق على العراق حينها.. كانت ملمحاً من وفاء ونبل، استوقفتني معانيه كثيرا..
سنحت لي فرصة اللقاء به، لآخر مرة، في العاصمة البلجيكية، بروكسل، في ربيع العام 2014 حينما شاركنا في مؤتمر حقوقي دولي، جاء إليه، من غربته السويدية، رغم متاعب السن وإرهاق المرض، ليعرض قضية شخصية، تتعلق بفقدانه اثنين من أبنائه على يد الميليشيات الإرهابية الطائفية المجرمة في بغداد عام 2006، إلا أن الأستاذ ضياء خرج من الهم الخاص إلى الهم العام، فكان حديثه عن العراق وللعراق.
يبقى الحديث عن الأستاذ أبي هدى ثرياً مليئاً بالعبر والوقفات الجميلة الغنية، ويبقى لهذا الرجل ألقه وذكره الطيب في مسيرة الصحافة العراقية والعربية، وتبقى لهذا المناضل سيرته الوضاءة، وقبل كل ذلك وبعده يبقى لأبي هدى معالم انسانيته ونبله وخلقه الجم.
سلام لك أيها الأستاذ، سلام لك وسلام عليك، وسلام تحمله لأعزاء رحلوا كنت تحبهم، وأعرف كم تألمت على رحيلهم.
الرحمة والغفران لك أيها المعلم الجليل، ولنا جميل الصبر وعميق الإيمان، والبقاء لله والعزاء لنا وللوطن.




