من الكذبات التي يروِّج لها الإعلام العراقي باعتبارها واحدة من (المحرَّمات) كذبة شق الصف. وفي الحقيقة فإن هذه القضية تأخذ عندي اتجاها آخر. أنا مع شق الصف، وسأقول لكم لماذا. .
لأننا في معركة مصيرية فإن هناك خندقان بالضرورة: خندق الوطن وخندق أعدائه.. وهناك حرص كبير من جانب الأعداء على تداخل الخنادق، فالحالة الضبابية، التي يتعمدونها، هي الوحيدة التي تكفل لهم الاستمرار في التضليل والخداع، والذريعة وحدة الصف وعدم شقها!
ولعلني لا أبتعد كثيراً عن الحقيقة حينما أقول إننا في هذه المرحلة الحساسة أحوج ما نكون إلى شق الصف لكي تتضح المواقف ويميز الله الخبيث من الطيب.
حتى يبقى صفنا الوطني نظيفا قويا متماسكا لابد من فضح المخذلين والمنافقين وأصحاب الأغراض السيئة الذين يتسللون إلى خندقنا تحت جنح الظلام وفي ظل ستار كثيف من إدعاء الحرص الكاذب على وحدة الصف!
لقد يئس الأعداء من شراء ذمم ومواقف الرجال والنساء الصامدين على مواقفهم الشريفة منذ 11 عاماً، إذ لم تعد هناك أية إمكانية لتحقيق هذا الغرض الخسيس. فقد أثبت أولئك الشرفاء، بأدلة لا تقبل نقضاً، أن مواقفهم ليست للبيع ولا للشراء، وأن قضية الوطن غير خاضعة للمساومة، كما أنها ليست موقفاً سياسياً عابراً، إنها في صميم تكوينهم الإنساني، فكيف يمكن اختراق صفِّهم إذن؟ في إطار الإجابة على هذا التساؤل الذي يقع في صميم المشروع السياسي الاحتلالي توصل المخططون وراء الحدود، وعملائهم الصغار في بغداد، إلى حقيقة أن السبيل الوحيد الذي يستطيع المحتلون من خلاله التأثير على الموقف الوطني الشريف وتشويه صورته وحرفه عن مساره يكمن في زرع عناصر خبيثة وخلايا نائمة في جسم المشروع الوطني، وأوكلوا لكلٍ منهم دوراً محدداً يستيقظ من سباته في وقت محدد لينفذه وفق ترتيبات محكمة. وقد نجح بعض أولئك المتسللون في مهمتهم فنفذوا إلى صفِّنا الوطني، وبدا أنهم انسجموا في إطاره وباتوا جزءاً من حركته المتعاظمة. بل لعل بعضهم برز بشكل كبير باعتباره في القلب منه. هنا تحديداً يجد مشروعنا في شق الصف ضرورته وحتميته، إذ أن كشف هؤلاء المتسللين وتلك الخلايا النائمة ضرورة ملحَّة، لا تقلُّ أهمية عن سواها من المهام العاجلة.
بصرف النظر عن مدى صحة نسبة القول الشائع "لا تكرهوا الفتن فإن فيها حصاد المنافقين" الى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، حيث يؤكد بعض علماء الحديث الشريف أنه حديث ضعيف أو موضوع، أقول بصرف النظر عن ذلك فإنَّ معنى هذا القول صحيح تماماً.. ففي الفتن التي ادلهمَّت على الأمة برز منافقون كثر وتسلَّق على أكتافنا أشخاص عديدون ونمت على مشروعنا الوطني حركات غريبة مثل الطحالب، وهي تفعل فعلها الخبيث، في تقاسم أدوارٍ رهيبٍ، لاختراق صفَّنا طعناً وتشويهاً وتخذيلاً ومساومة..
أعرف جيداً أن "شق الصف" كلمة صادمة، وأنا أعنيها تماماً، فالصدمة بقدر ما هي معضلة فى بعض الأحيان فإن فيها علاجاً ناجعاً في أحيان أخرى.
نعم نحن مع شقّ الصف وفضح هؤلاء المتسللين لتتمايز المواقف وتتضح الخنادق ويميز الله تعالى الخبيث من الطيب، فالذهب الصافي لا يوجد في الطبيعة لوحده، والحصول على ذهب خالص يتطلب ناراً شديدة اللهب لتنقيته. وليس مثل نار هذه المعركة المقدسة نار تمكننا من الحصول على ذهب خالص.
شقوا صفكم، أيها الوطنيون العراقيون، وأخرجوا الخبث منه، ليبقى نقياً واحداً بهياً، ثم أعيدوا لحمته وسداه، وحينها لن يتمكن كائن من كان شقَّه أو التأثير على مساره المبارك. والله المستعان..