تنظيرات وتخديرات!‏

جاسم الشمري

هل السياسة هي فن التخدير عبر التنظير الذي لا أساس له على أرض الواقع؟!‏

 

أظن أن حقيقة علاقة السياسة بالتخدير باتت واضحة المعالم في إطار سلسلة ‏الإصلاحات الخيالية التي أجراها – وسيجريها – حيدر العبادي، رئيس الوزراء في ‏عراق التنظيرات والتخديرات والتحذيرات.‏

قصة الفساد بدأت ملامحها تتضح مع أول ثمانية مليارات حصل عليها العراقيون في ‏زمن الحاكم الأميركي بول بريمر، التي قدمها الأميركان كمعونات لإعادة إعمار البنى ‏التحتية التي خربتها قنابل وصواريخ قوات التحالف الدولي المحتلة، لكن تلك المليارات ‏اختفت، ولم يعرف مصيرها إلى اليوم، ومن ساعتها صار العراق أكبر بلدان الفساد ‏المالي.‏

ويبدو أن غالبية من تعلموا فنون السياسة خارج العراق من " المعارضين" للحكم ‏السابق، تلقوا دروساً - في دورات موازية - في فنون السرقة والنهب والتحايل على ‏الجمهور والمال العام!‏

الفساد في العراق لم يقف عند حدود نهب الأموال، بل إن حدوده وصلت إلى مشاريع ‏وعقود وهمية، ومعتقلين خياليين، وجنود فضائيين، ووفود مزيفة، وغيرها من صور ‏النهب والسرقة والتزوير.‏

الارتباك في عموم الملفات دفعت العراقيين للمضي في مظاهرات سلمية منذ قرابة ‏شهرين، مطالبين فيها بتنقية البلاد وتنظيفها من السرّاق والفاسدين - بغض النظر عن ‏مناصبهم وعناوينهم - وهذا ما دفع حكومة العبادي لإعلان حزمة إصلاحات "شكلية" ‏لتخدير المتظاهرين وإسكاتهم، ومنها إلغاء مناصب نواب رئيسي الجمهورية ‏والوزراء، وإلغاء أربع وزارات (منها وزارة حقوق الإنسان)، ودمج أربع أخرى مع ‏وزارات، دون استشارة الكتل السياسية، وبعضها اتهمته بالاستهداف المقصود، وعند ‏البدء بتطبيق القرارات ظهرت أمام العبادي مشاكل سياسية وقانونية وإدارية!‏

واليوم- وبعد شهرين من المظاهرات- خرج المتظاهرون يطالبون العبادي بعدم ‏الاستمرار بحزم الإصلاحات الوهمية، وبضرورة تطبيق إصلاحات حقيقية يقاد ‏بموجبها القتلة وسرّاق المال العام إلى محاكم عادلة، وهذا ما لم يحصل على الرغم من ‏حصول العبادي على تفويض برلماني يمكنه من اتخاذ قرارات جريئة وحازمة، إلا أن ‏الرجل يبدو أنه ما زال في مرحلة التردد، والوقوع تحت الضغوط السياسية والدينية ‏والاجتماعية من هذا الطرف السياسي والمنتفع أو ذاك!‏

التردد الحكومي، والربكة الإدارية والضغوط الشعبية والسياسية دفعت رئيس البرلمان ‏سليم الجبوري للتشكيك في السرعة التي تسير بها الإصلاحات، مهدداً في ذات الوقت ‏بأن" البرلمان قد يعيد النظر في التفويض الذي منحه للحكومة بشأن إتمام عملية ‏الإصلاحات".‏

الحكومة ورغم وعودها بالإصلاحات إلا أنها تناقض نفسها في أسلوب التعامل مع ‏المتظاهرين، حيث أطلقت قوات مكافحة الشغب الحكومية النار قبل يومين على ‏متظاهرين سلميين في بابل، وقبلها في البصرة وكربلاء، وهو ما زاد من قلق منظمي ‏المظاهرات الشعبية في بغداد والمحافظات الأخرى، وهذا أكبر دليل على زيف ‏الديمقراطية في بلاد الرافدين!‏

العبادي – وفي محاولة لتبرير عدم جدية إصلاحاته - اتهم بعض السياسيين - الذين ‏تعرضت مصالحهم للضرر بسبب القرارات التي اتخذها من أجل محاربة الفساد- ‏بمحاولة "تجميع قواهم لتعطيل هذه الإصلاحات"!‏

وضوح شكلية الإصلاحات دفع مجلة إيكونومست البريطانية قبل أسبوع للقول، بان" ‏قليلاً من العراقيين يرون أن لدى العبادي فرصة كبيرة للنجاح في مساعيه للإصلاح، ‏وأن بعضاً آخر منهم يرون أن هذه الإصلاحات مجرد حبر على ورق، وأن عدداً ‏كبيراً من المسؤولين العراقيين متورطون في الفساد، وأن هناك عثرة أخرى في طريق ‏الإصلاح تتمثل في المليشيات المسلحة المدعومة من إيران، وأن  العبادي يظهر ‏باجتماعات حزبه وهو ما زال متمسكاً بهم، وهم رموز الفساد، وكان الأجدر به أن ‏يستقيل من حزبه، ومن هذا التحالف لأنهم سبب الفساد، وكل المصائب التي حلت ‏بالعراق".‏

أساس المشكلة العراقية أن غالبية الفاسدين متنفذون، وعليه فإن محاولة الإطاحة ‏بهؤلاء يعني الدخول في مرحلة الفضائح الحزبية، وهذا يكبّل كافة الزعماء الحزبيين، ‏ومنهم السيد العبادي، وعليه ينبغي التحرر من عباءة الحزبية، ثم الانطلاق في مركب ‏الإصلاحات، لتشمل كل الفاسدين دون استثناء!‏

فهل سيجرؤ العبادي على اتخاذ هذه الخطوة؟!‏

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :135,625,936

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"