التوأمة الجينية للاسرائيليتين

صلاح المختار

اذا اتفقنا على ان من كتب تاريخنا العربي والاسلامي هم المستشرقون الغربيون الصهاينة والمتصهينون فاننا بأزاء ‏سؤال يفرض جوابه واجبا حتميا وهو:

هل يكتب  المستشرق الغربي تاريخنا وفقا لحقائق ميدانية ثابتة ام ان هدفه ‏اثبات فرضيات  لا صلة لها بما جرى فعلا في التاريخ ؟

الجواب طبعا هؤلاء الاوربيون ثم الامريكيون الذين تدفقوا على ‏العراق ومصر وسوريا في القرون الاخيرة كانوا يريدون نبش تاريخ حيث مركز اول الحضارات واقدمها والحصول على ادلة ‏تدعم فرضياتهم وهي في غالبيتها توراتية او انها توظف لخدمة حركة الاستعمار الاوربي المتوسع قاريا .‏

اذن ماذا علينا ان نفعل لابطال اكبر عملية تزوير للتاريخ الانساني حدثت ووقعنا في فخاخها الخطيرة نحن ؟ ‏ببساطة علينا ان نعيد كتابة التاريخ بواسطة خبراء عرب من اقطار عربية خصوصا من اقطار تلك الحضارات ذاتها فليس ‏معقولا ان يفهم الاوربي او الامريكي لغتنا وتاريخنا اكثر منا الا اذا اعترفنا باننا من درجة دنيا وهذا وضع تناقضه بالذات ‏حقيقة التاريخ الذي زور واثبت ان العرب من الشعوب الحية والتي كانت المبادرة في تأسيس الحضارات الاصيلة ونشر ‏ثقافتها في العالم القديم فكل العالم يعترف الان بان وادي الرافدين ومنطقة الهلال الخصيب العربية ووادي النيل ‏كانت اولى مراكز الحضارة الانسانية ولهذا ليس صدفة ان متاحف الغرب تعتز باثار تلك الحضارات وليس ‏بحضارات غربية او توراتية مزعومة  او ضحلة اشتقت من تلك الحضارات الاقدم والاعرق  .‏

‏ وهنا لابد من لفت النظر الى ان احد الاسباب الرئيسة لغزو وتدمير العراق هو مبادرة عراق البعث الى اعادة ‏دراسة التاريخ وكتابته وتشكيل لجان علمية عملت وانتجت وكانت ثمرة ذلك تقديم نظرة جديدة لتاريخنا تنسجم مع ‏الواقع التاريخي وكانت كشوفات العلامة احمد سوسة في مقدمة تلك البحوث الواقعية والصحيحة ،لذلك كان ‏يجب القضاء على تلك المحاولة الخطيرة لانها تنقض خطة تزوير تاريخ العالم .‏

الان وبعد صراعات عقود بين الوعي القومي العربي وبين الثقافات الملفقة التي لقنت لنا في المدارس والجامعات ‏اخذنا نرى حقيقة ما جرى في التاريخ بل واخذنا نفهم تفاصيل الاهداف المخفية للمستشرقين بعد ان اخذ عسكر امريكا ‏يزلزلون بسرفات دباباتهم ارض الحضارات ويدمرون انفس الاثار البشرية كما فعل الجيش الامريكي في العراق بعد غزوه ‏بتحويل بابل واور الى مناطق عسكرية يمنع دخولها ونشرت الدبابات فوق اثار نادرة لا تعوض لتدميرها ومحوها من ‏الوجود وحضر عشرات الخبراء خصوصا من اسرائيل الغربية واستمروا في الحفر لمدة تزيد على الخمسة اعوام وصولا ‏لاهداف لم يعلنوا عنها وقتها .‏

ولكن الان تكشفت تلك الاهداف تدريجيا عندما لاحظنا ان الغزاة سرقوا المتحف العراقي بعملية عسكرية ‏مخابراتية متقنة لاجل استخدامها في تزوير التاريخ الحقيقي او القضاء على ادلة اصالة حضارتنا ، ثم تركوا الرعاع الذيم ‏جلبوهم معهم يدخلون المتحف لسرقة وتدمير ما بقي فيه ثم واصلوا مسيرة محو تاريخنا باستخدام ومن دربوهم ليقومو ‏بتدمير منظم ووفقا لخطط موضوعة لاهم اثارنا وسط صمت دولي يؤكد بلا شك ان العسكر والادوات التي تدمر ادلة ‏تاريخنا المادية انما ينفذون مخطط مقر سلفا  لصالح هدف كتابة تاريخ مزور لنا وللعالم . ‏

لمن نسي نذكّر باخطر حقائق عصرنا وهي ان جوهر ما يجري هو صراع الهويات الثلاثة – العربية والفارسية ‏واليهودية - في منطقتنا فنحن عندما نقرأ التاريخ ونفحص الاثار وندقق في اللغات نلاحظ بسهولة ما يلي : ‏

‏1-ان التوراة ملفقة وهي لا صلة لها بديانة النبي موسى لانها كتبت من قبل رجال دين لا يختلفون عن رجال الدين ‏الذين نراهم الان الاكثر سعيا وراء الانانية واللذة والفساد ولكن تحت غطاء الدين ، ولهذا فان الكيان الصهيوني ومنذ ‏انشأ يقوم بحفر ارض فلسطين بحثا عن ادلة تثبت روايات التوراة وبقية الكتب اليهودية ، ومع ذلك لم يتم العثور على ‏دليل واحد يثبت هذه القصص رغم مرور اكثر من ستين عاما . فماذا تفعل الصهيونية لضمان ديمومة الكيان ‏الصهيوني واضفاء المشروعية التاريخية عليه ؟ التلفيق ونهب ليس الارض فقط بل التراث الفلسطيني كله – ملابس ، ‏طعام ، منتوجات طبيعية - وتقديمه  للعالم على انه تراث يهودي لان اليهودية دين وليست حضارة لها تراث انساني . بل ان ‏السكان في اسرائيل الغربية ليسوا يهودا بالاصل بل هم في غاليتهم من سكان اوربا وبالذات من منطقة الخزر ، ولهذا ‏يرفض اليهود الاصليون مثل نطوري كارتا اسرائيل ويؤكدون بان يهودها ليسوا يهودا .‏

‏هنا نحن في حالة صراع هوية بين هوية اصيلة مبتكرة ومبدعة هي الهوية العربية في فلسطين وبين هوية مزيفة ‏مختلقة لا يمكنها ان تستمر بدون سرقة هوية الاخر . صراعنا مع الكيان الصهيوني اذن صراع هوية وليس صراع ‏ديانة مادامت اليهودية مزيفة بكتبها وتعاليمها الحالية كما نراها في فلسطين المحتلة  بالاضافة الى حقيقة هي الاهم ‏وهي ان صراعنا مع اليهودية سابق لظهور الاسلام ولو كان صراعنا دينيا فكيف نفسر اسبقية الصراع على ظهور ‏الاسلام ؟ ‏

‏ ‏لقد خضنا نحن العراقيون اكثر من حرب لتحرير لفلسطين من اليهود قبل الاسلام وخضنا حرب تحريرها بعد ‏الاسلام – وهذه اهم ميزة للعراق عن بقية العرب في الصلة بفلسطين - وهذا دليل قاطع على ان صراعنا مع الصهاينة ‏اسبق من الدين كله ويتصل جوهريا بطبيعة الارض ( حتميات الجيوبولتيك ) حيث يسعى كل طرف الى العثور على ‏مصادر عيش وفلسطين فقيرة بالموارد والمياه ولهذا فان من يريد تحويلها الى امبراطورية اقليمية وهو هدف الصهيونية ‏عليه اولا ضمان الموادر وهي في الجوار العربي وليست في فلسطين  والعراق ومصر اول المستهدفين بالغزو الصهيوني طال ‏الزمن ام قصر . من هذا المنطلق فان قضية تحرير فلسطين قبل الاسلام وبعده وفي المستقبل بالنسبة للعراق قضية ‏عراقية قبل ان تكون واجبا تجاه اشقاء .‏

‏2-الفرس في كافة مراحل تطورهم لم يبدعوا حضارة اصيلة كما يدعي الجهلة او المعادين للعرب ، بل ‏حضارتهم مستنسخة من حضارة وادي الرافدين ويكفي ان نلاحط ان لغتهم القديمة هي استنساخ للغة وادي ‏الرافدين وكذلك اثارهم الحية والتي تعد استنساخا لاثار وادي الرافدين . بل ان الفرس الان ليست لديهم ابجدية ‏لغوية خاصة فلغتهم الحالية تتكون بحوالي 70% منها من مفردات عربية صرفة وحروف لغتهم هي الحروف العربية  . ‏ومثل فلسطين فان ارض فارس لا تصلح لنشوء امبراطورية اقليمية لانها اصلا مناطق هضاب فقيرة وبلا مياه ولا تصلح ‏للزراعة وتلك احدى اخطر مشاكل فارس التاريخية المعروفة  والسبب الاصلي للصراعات مع العراق .‏

لهذا فان النخب القومية الفارسية قبل الاسلام وبعده كانت عندما تنهض لا تستطيع اكمال اهدافها ‏الامبراطورية من دون احتلال ارض الرافدين الغنية بالمياه والاراضي الزراعية الممتدة د من شمالها الى جنوبها ، وبناء ‏عليه لم تكن صدفة ان التاريخ شهد جعل عاصمة الامبراطورية الفارسية قرب بغداد في منطقة المدائن وليس في مناطق ‏العمق الفارسي . وهذا ما يتكرر الان فعندما تمكنت اسرائيل الشرقية من احتلال العراق وسوريا واليمن ولبنان – ‏بدعم امريكي - اعلن قادة كبار فيها بان الامبراطورية الفارسية قد قامت وان عاصمتها هي بغداد ولم يقل طهران . ‏عليكم ان تدققوا  في مغزى هذه التصريحات ودلالاتها الواضحة . ‏

الفرس كانوا ومازالوا امام محنة الافتقار الى مقومات قيام الامبراطورية مع انها حلمهم الاعظم عبر التاريخ ‏خصوصا بعد ان تقدموا وقامت لهم امبراطوريات اعتمدت مباشرة على موارد العراق ولغته وتراثه ، والان الفرس ‏وهم يصلون الى ذروة توتر نخبهم القومية التي ترى انها تتوسع استعماريا لكنهم يصدمون مرة اخرى كما صدمهم ‏شعب العراق مرارا في التاريخ القديم والحديث بان العراق هو اللقمة المغمسة بالسيانيد ومن يبتلعها يموت حتما ، ‏والان نشهد الرحلة الحتمية لغروبة عصر اسرائيل الشرقية وبدء زوالها على يد ابناء الرافدين كما فعلوا عبر التاريخ ‏‏. ‏

نحن امام ثلاثة ظواهر متزامنة ومترابطة تجبر الفرس والصهاينة على الغزو والتوسع الاستعماري على حساب ‏العراق والعرب :‏

‏1-التموضع الجغرافي الفارسي لا يصلح لقيام حضارة او امبراطورية فارضهم فقيرة وتزداد خطورة هذه الازمة ‏بنقص كبير للمياه الضرورية للارواء ، ولهذا وبسبب قوة الحث الامبراطوري تحولت النخب الفارسية الى نخب استعمارية  ‏توسعية بثقافتها وسلوكها العدواني الشرس  فهي لا تفهم الا ستراتيجية الغزو وادعاء ان ارض الاخرين تعود لهم .‏

‏2-التلفيق الفرس كما الصهاينة ونظرا لافتقارهم للهوية القومية المتميزة بانجازاتها المستقلة يعمدون الى تلفيق ‏هوية قائمة على سرقة مكونات الاخر المستهدف وهو العراق وفلسطين . فلغة الفرس الحالية عربية بنسبة 70% تقريبا ‏وحروفها عربية صرفة وتراثهم الاثاري  عراقي بالكامل ، واللغة العبرية الاصلية هي لغة عربية  قديمة في قواعدها واصولها . ‏ولمن لم يعلم لابد من التنبيه الى ان العربية كانت عدة لغات قبل الاسلام ومنها اللغة العبرية والبربرية ولغة قريش ‏وغيرها  والعربية الحالية هي لغة القران  التي بقيت بينما تحولت بقية اللغات الى لهجات فرعية .‏

‏3-وحدة الهدف وبسبب العوامل المشتركة بين الفرس واليهود والتي تكونت عبر مئات السنين منذ بابل وحرقها على ‏يد كورش لتحرير اليهود من الاسر البابلي وحتى الان ونحن نواجه كوارث الفوضى الهلاكة التي وضعت خطتها الصهيونية ‏الامريكية وتقوم بتنفيذها بصورة رئيسة اسرائيل الشرقية . ليس ثمة شك الان ونحن نشهد تساقط البراقع التي ‏تسترت بها اسرائيل الشرقية وحزب الله اداتها الرئيسة وهي براقع المقاومة ومناهضة الصهيونية وامريكا ، بان ‏العوامل المشتركة بين الطرفين ذات طبيعة سوبرستراتيجية مدعومة بتراث تاريخي تعاوني وثيق . ‏

في ضوء هذه الظواهر الثلاثة فاننا نواجه توأما احدهما تموضع في شرقنا وهي اسرائيل الشرقية والاخر ‏تموضع في غربنا وهي اسرائيل الغربية ، وهما ليسا سوى كيانين مكملين لبعضهما ويعمل كل منهما بنفس طريقة ‏الاخر لغزونا واستعمارنا وتدمير مقومات حياتنا ومحو هويتننا العربية وسرقة مكوناتها الحضارية والمادية  . هنا ‏يكمن مصدر يقيننا القديم  المعلن منذ اخذ خميني يشتم امريكا ونشبت بينهما حرب كلامية صرفة بان اي حرب لن تقوم ‏بين الفرس وامريكا واسرائيل الغربية ، لان الاصل هو ان الاسرائيليتين توأمان ينتميان لجينات مشتركة وتعملان وفقا ‏لاهداف مشتركة .‏

هل ترون الان لم اصبح اسم اسرائيل الشرقية هو الاسم الاصوب والاكثر انطباقا على من تسمى ايران ؟ ان ‏استخدامنا هذه التسمية ليس مبعثه العداء لاحد بل اكتشاف عوامل التلاقي والتطابق بن كيانين قاما اصلا لتحقيق ‏اهداف استعمارية ، فقبل عشرينات القرن الماضي لم تكن هناك دولة اسمها ايران بل كانت دولة اسمها فارس لكن ‏بريطانيا ارادت اعداد  نفس الكتلة البشرية في شرق العراق لتقوم باعادة لعب دور سبق لها ان لعبته في التاريخ القديم  ‏عندما كانت بابل سيدة الدنيا وكانت حارسة فلسطين وكان قادة العراق يقومون بحماية اجنحة الامة العربة الغربية ‏والشرقية . بريطانيا لاجل هدف مستقبلي نراه الان ينفذ ضمت الاحواز العربية الى فارس كي تتوفر لديها موارد مائية ‏وارض زراعية ومالية ( نفط وغاز الاحواز يشكل اكثر من 80% من موارد اسرائيل الشرقية )  فتستطيع القيام بدور ‏توسعي على حساب العرب . وفي ضوء تلك الخطوة الاستعمارية البريطانية نرى الان انها كانت اعدادا لما يجري الان ‏فاسرائيل الشرقية تقوم بدور المستنزف للعرب بشرا ومالا ومعنويات  لاجل اعفاء اسرائيل الغربية من التهديدات ‏العربية المشروعة . ‏

ولولا دور اسرائيل الشرقية التي جرت العرب جرا ورغما عنهم لصراعات ليست لهم مصلحة فيهها بل هي ضد ‏مصالحهم القومية والقطرية لما تمتعت اسرائيل الغربية بحالة الامن والامان منذ وصل خميني للحكم وفرضه ‏الحروب على العرب . اسرئيل الغربية قاعدة السندان اما اسرائيل الشرقية فهي مطرقته وبينهما تسحق الامة ‏العربية من العراق الى اليمن.‏

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,055,498

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"