هذه الدعوة السيساوية لدمج (اسرائيل) في المنطقة!

محمد سيف الدولة

دعا عبدالفتاح السيسي في حديثه مع وكالة أسوشيتدبرس على هامش الدورة 70 للجمعية العامة للامم المتحدة، الى توسيع عملية السلام مع (اسرائيل) لتشمل دولا عربية أخرى، في سياق حديثه عن ضرورة تعاون كل دول "الشرق الأوسط" لمكافحة الارهاب الذي يهدد الجميع.

 

وبذلك يؤكد السيسي بشكل علني ولأول مرة ما سبق وردده نتنياهو كثيرا، من ان هناك دولا عربية كبرى، ترغب في التحالف الاستراتيجة مع (اسرائيل) ضد العدو المشترك المتمثل في الإرهاب!

وبالفعل التقط نتنياهو الخيط منه فورا وأصدر بيان رحب فيه بدعوة السيسي. ونشرت صفحة "إسرائيل بالعربية" عبر حسابها على موقع التواصل الاجتماعي تويتر النص التالي "ترحب الحكومة الإسرائيلية بدعوة رئيس مصر السيسي لتوسيع دائرة السلام مع إسرائيل لتشمل دولاً عربية أخرى ونتنياهو بانتظار أبو مازن لدفع السلام".

وهو ما يذكرنا بمسرحية زيارة السادات الى القدس، ومقولته الشهيرة، باستعداده الى الذهاب الى اقصى مكان في الارض، بل الى القدس ذاتها من اجل السلام. وهى الكلمات التي انتهت بكارثة اتفاقيات كامب ديفيد.

وفي حقيقة الأمر أن السيسي ليس بعيدا ابدا عن السادات، فهو يحرص بشكل ملفت بل ومبالغ فيه، كلما أتيحت له الفرصة، على تقديم نفسه الى الغرب على انه خليفة السادات والراعي العربي الاول للسلام مع اسرائيل.

فلقد وصف السلام بين مصر و (اسرائيل) في ذات الحديث "بالهائل و العظيم". وان لا احد منذ 40 عاما كان يتوقعه هكذا. وهو المعنى الذي كرره كثيرا في مناسبات متعددة، مثل حديثه في مؤتمر دافوس في يناير 2015عن عبقرية السادات في مبادرته للسلام. و أيضا ما قاله من قبل من ان السلام اصبح في وجدان المصريين، وانه لا عبث في هذا الموضوع، الى آخر عشرات التصريحات والمواقف المماثلة التي صدرت منه على امتداد العامين الماضيين.

***

ما هو وجه الخطورة في هذه الدعوة التي وجهها السيسي؟ وما الجديد فيها؟

خطورتها تتمثل فيما تطرحه من "رؤية عربية غير مسبوقة ومختلفة" لـ (سرائيل)، ليست بصفتها كيان احتلال وفصل عنصرى وكيان ارهابى دأب على ارتكاب جرائم حرب وإبادة في حق الفلسطينيين والشعوب العربية، وليست بصفتها كيان مزروعة ومعادية وشاذة وغريبة ومصيرها الى زوال. بل بصفتها دولة طبيعية في المنطقة تتعرض لذات التهديدات الارهابية التي نعانى منها جميعا، وهو ما يخلق فيما بيننا روابط أمنية و مصالح مشتركة في مواجهة هذه المخاطر!

ويزيد من خطورتها صدورها من مسؤول عربى، وليس اى مسؤول فهو رئيس اكبر دولة عربية.

لقد ضرب السيسي بهذه الدعوة رقما قياسيا جديدا في التنازلات العربية التي بدأت بكامب ديفيد مرورا باتفاقيات اوسلو ووادى عربة ثم مبادرة السلام العربية عام 2002.

أما اليوم فمرحبا بـ(إسرائيل) جارة و"شقيقة" في مواجهة العدو المشترك الذي يهددنا جميعا. مرحبا بها ولو لم تقبل بإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967. مرحبا بها رغم ابتلاعها لمزيد من ارض الضفة الغربية كل يوم. ورغم كل جرائم الحرب التي ارتكبتها في غزة في صيف 2014 وما قبلها. ورغم كل ما ترتكبه اليوم من تقسيم زمانى للمسجد الاقصى كمقدمة لتهويده تهويدا كاملا!

لنكون امام مشهد غريب ومزرٍ، يقوم الصهاينة باقتحام المسجد الاقصى، فنكافئهم بالدعوة الى توسيع السلام معهم، بدلا من أن نسحب السفراء، ونقطع العلاقات، او حتى نلوِّح بقطعها!

***

وليحتل الموقف العربي الرسمي مرتبة دنيا جديدة في عصر الانحطاط:

فالموقف الذي بدأ بلا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف. وحتمية تحرير فلسطين العربية من النهر الى البحر. والكيان الصهيوني ومشروعه يهددان مصر و الامة العربية كلها وليس فلسطين وحدها.

ثم تراجع الى مبدأ "خذوا ارض 1948 وأعطونا ارض 1967" الذي اسموه كذبا وتضليلا مبدأ "الارض مقابل السلام".

اصبح اليوم هو "السلام مقابل المشاركة في مكافحة الارهاب"!

مع العلم بطبيعة الحال ان الارهاب في المفهوم الصهيوني هو "المقاومة الفلسطينية للاحتلال"

***

لقد رفضنا التنازلات التي قدمها السادات ومبارك من اجل استرداد سيناء، رفضنا مقايضة سيناء بفلسطين، رفضنا الاعتراف بـ(اسرائيل) والصلح والتطبيع معها، وسحب مصر من الصراع العربى الصهيونى، رفضنا نزع وتقييد سلاح سيناء وقواتها، رفضنا تسليم مصر للأمريكان.

فهل يُعقل أن نقبل اليوم تنازلات عبدالفتاح السيسي الجديدة لـ(اسرائيل)، والتي لم تتوقف لحظة منذ توليه المسؤولية، مقابل تدعيم شرعيته الشخصية وشرعية النظام الذي يؤسسه.

هَزُلت.

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,048,679

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"