هل #إيران طرف في انتخابات الأول من تشرين الثاني البرلمانية في #تركيا؟

محمد زاهد غُل

لا تنفك الدبلوماسية التركية تغازلِ الإيرانيين في كل مناسبة ولقاء سياسي، وآخرها لقاء رئيس الوزراء التركي، أحمد داود أوغلو، مع الرئيس الإيراني، حسن روحاني، على هامش اجتماعات الدورة السبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، بعد أن ألقى كلاهما خطاب بلاده على منبر الأمم المتحدة.

والملفت للنظر أن رئيس الوزراء التركي ربط بين مستوى العلاقات التركية مع إيران بالانتخابات البرلمانية التي سوف تجري في الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر القادم، فقال في كلمة له مع الصحفيين “إن نتائج الانتخابات البرلمانية في تركيا التي ستجرى في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل لن تؤثر على العلاقات بين البلدين، وإن علاقات تركيا مع إيران لها الأولوية”.

 

التأثيرات الإيرانية على الانتخابات التركية

فلماذا ينفي رئيس الوزراء التركي أن يكون لنتائج هذه الانتخابات البرلمانية الداخلية أثر على العلاقات الخارجية لتركيا، وبالأخص مع إيران، فهل يستبطن هذا الكلام أو السؤال دورا سلبيا لإيران في الانتخابات السابقة في السابع من حزيران 2015؟، فمن عمل على تشويش مسار تلك الانتخابات هي التنظيمات الإرهابية لحزب العمال الكردستاني الذي يتخذ من جبال قنديل قاعدة له، ولا بد أن وراء هذه التطمينات رسالة موجهة إلى الحكومة الإيرانية، التي أصبح لها يد في التأثير على جبال قنديل وقيادته الكردية، وبالتالي على الأحداث الداخلية في تركيا من خلال أتباع حزب العمال الكردستاني الرسميين مثل أعضاء حزب الشعوب الديمقراطي، وغير الرسميين الذين يتلقون أوامرهم من جبال قنديل، التي تقع تحت سيطرة الحرس الثوري الإيراني، بل إن بعض المحللين يرون أن قيادة قنديل التي تأخذ تمويلها وتسليحها من إيران لم تعد تملك من أمرها شيئا، وبالأخص بعد أن رحلت قيادة حزب العمال الكردستاني إلى داخل الحدود الإيرانية بعد طرد حكومة إقليم كردستان العراق لقيادة حزب العمال الكردستاني إلى خارج إقليم كردستان العراق كله وليس من جبال قنديل فقط، بهدف حماية شعبها في الإقليم.

وقد نسبت وكالة أنباء فارس لداود أوغلو قوله “إن علاقة الصداقة بين البلدين ستكون مثالا يحتذى به لكل دول المنطقة وكل دول الجوار” ونسبت له القول:” إن البلدين يعملان في تناسق وتوافق لمواجهة الجماعات والتنظيمات الإرهابية”، وفي ذلك إشارة إلى أن الاعلام الإيراني يريد أن يظهر للشعب الإيراني صداقة تركيا لإيران، وحرصها على التعاون معها في مكافحة الإرهاب، وكأن إيران بعيدة عن الإرهاب الذي يهدّد الأمن القومي التركي!!

فهل توافق القيادة الإيرانية بأن تنظيم حزب العمال الكردستاني حزب إرهابي؟!، وهل يمكن للحكومة الإيرانية أن تتعاون مع الحكومة التركية في محاربة تنظيم حزب العمال الكردستاني في العراق وجبال قنديل، وأن تتعاون مع الحكومة التركية في إلقاء القبض على القيادة التي هربت من قنديل إلى داخل إيران وسوريا، وقد تبنّت هذه القيادات في بيانات علنية وصريحة الأعمال الإرهابية التي وقعت في تركيا في الأشهر الماضية، وقتلت مائة وأربعة وثلاثين  مواطنا تركيا بين عسكري ومدني، فضلا عن الخسائر المادية التي أضرت بالأكراد قبل غيرهم.

 

تركيا وسياسة الابتعاد عن ملفات الخلاف مع إيران

لا شك أن قراءة رئيس الوزراء التركي داود أوغلو تهتم بالبعد الاقتصادي، فرئيس الوزراء التركي لا يسعى لفتح أبواب اختلاف مع إيران، لا حول الملف السوري ولا في غيرها، وتهتم بالدرجة الأولى بالتحديات الأمنية التي تمس الأمن القومي التركي، وقد أكّد داود أوغلو أن “رفع الحظر الاقتصادي المفروض على إيران يعطي الأمل في وصول التبادل التجاري بين البلدين إلى المعدلات المخطط لها بنحو 30 مليار دولار أمريكي”، فكان جواب الرئيس روحاني “إن إيران بعد رفع الحظر الاقتصادي لن تنسى أصدقاءها الذين وقفوا بجانبها في أيامها الصعبة، متعهدا بأن تضمن حكومة بلاده امتيازات لصالح هذه الدول”، على حد قوله، ولكن روحاني لم يتناسى أن التباحث بين الجانبين تناول عددا من القضايا الإقليمية، مطالبا: “بزيادة التعاون بين البلدين والتشاور فيما بينهما فيما يتعلق بمواجهة الجماعات والتنظيمات الإرهابية في العراق وسوريا”.

فهل تم تحديد أسماء التنظيمات الإرهابية التي سيتم التعاون لمواجهتها في العراق وسوريا، وبالأخص تلك التنظيمات التي تتخذ من العراق وسوريا قواعد عسكرية ومعسكرات تدريب وتسليح عناصرها وتوجيهها إلى داخل الأراضي التركية، بغض النظر عن قوميتهم وجنسيتهم وأهدافهم.

فالحكومة التركية معنية أن تجد من يتعاون معها في مواجهة الإرهابيين الذي يوجهون ضرباتهم وجرائمهم نحو الشعب التركي، وبالأخص من دول الجوار في العراق وإيران، فلم يكن إلقاء القبض على عبدالله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني عام 1999 إلا بتعاون استخباراتي بين المخابرات التركية والسورية والولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك مواجهة عناصر حزب العمال الكردستاني الذين تمّت معاقبتهم في جبال قنديل وتدمير معسكراتهم وتدمير مقراتهم في شمال العراق الذين لا ينبغي أن يجدوا ملاذا آمنا في سوريا ولا إيران، فالمعلومات الاستخباراتية تقول بأن معظم قيادة حزب العمال الكردستاني قد دخلوا الأراضي الإيرانية، وقد يكون ذلك مقبولا لو أنهم أوقفوا عملياتهم الإرهابية ضد الدولة التركية بعد دخولهم الأراضي الإيرانية، وربما كان ذلك مفهوما لو أن هؤلاء الإرهابيين من حزب العمال الكردستاني أوقفوا استهدافهم لدوريات الجيش التركي في المناطقة الجنوبية الشرقية، التي تحمي تلك المناطق، بعد لجوئهم إلى الدولة الإيرانية، ولكن ذلك لم يحصل، فلا تزال العمليات الإرهابية متواصلة ويتم تبنيها من حزب العمال الكردستاني.

 

تأثير الضربات الجوية على قواعد حزب العمال الكردستاني

صحيح أن الضربات الجوية للجيش التركي على قواعد قنديل قد أثرت كثيرا على بنيته العسكرية في جبال قنديل، وأن الضربات التركية كانت مدعومة بمعلومات استخباراتية صحيحة ودقيقة، وكان لمواصلة هذه العمليات العسكرية الجوية تأثير كبيرا على إضعاف حزب العمال الكردستاني المدعوم خارجيا، ولكن عند النظر إلى الذين استنكروا واعترضوا على عمليات الجيش التركي نجد أنهم الحكومة العراقية في بغداد بزعامة العبادي ووزير خارجيته إبراهيم الجعفري والحكومة الإيرانية، وبالرغم من أنهم كانوا قبل العمليات يصرّحون بأنهم ضد الإرهاب ويطالبون بالتعاون ضد التنظيمات الإرهابية، ولكنهم كانوا يعلمون في نفس الوقت أنهم يرعون في بلادهم وعلى أراضيهم معسكرات وقيادات هذا التنظيم الارهابي، فالتزمت الحكومة التركية عدم مهاجمتها حتى هاجمت هي تركيا، بل وقتلت من الجيش والشعب التركي، بل وأعلنت مسؤوليتها عن هذه العمليات الإرهابية، بل ودعت المواطنين الأكراد إلى العصيان المدني والنزول إلى الشوارع والمطالبة بالحكم الذاتي، متجاوزين بنود عملية السلام التي توافقت عليها الحكومة التركية مع قيادة حزب العمال الكردستاني عبدالله اوجلان.

ورغم كل هذا النجاح العسكري للجيش التركي في قنديل إلا أن الحكومة عازمة على المصالحة الداخلية ولكن دون تقييدها بقومية معينة، بل لكل القوميات التركية، فقد أعلن نائب رئيس الوزراء أكدوغان إلى مواصلة مسيرة الحل والسلام وعدم التراجع عنها، وقال “لا يمكن لنا أن نقول فلنعد إلى البداية. هناك الآن ثغرة أمنية. التنظيم خان المسيرة، لا يمكن إدامة هذه المسيرة، وذلك لأن المسيرة وصلت إلى طريق مسدود بهذه الممارسات. سيتم سد هذه الثغرة الأمنية تماما”، فالمسيرة سوف تستمر ولكن بطريقة أخرى تؤكد على قيم الأخوة الوطنية بين أبناء الشعب التركي كله، وليست مصالحة بين طرفين فقط، وإلا فإن البلاد سوف تبقى في حالة توتر أمني وسياسي، وهذا لا يحقق مصلحة البلاد اجتماعيا ولا اقتصاديا ولا سياسيا، فكل من أراد استهداف تركيا بالأعمال العدوانية وجد بأحزاب المعارضة للحكومة التركية طريقا لاستهداف الدولة التركية وليس الحكومة التركية فقط، وإن كانت هذه الحكومة ممثلة للدولة والشعب التركي، حيث أنها منتخَبة ديمقراطيا من الشعب التركي نفسه، فهي الممثلة للشعب التركي والدولة التركية بحكم انتخابها قانونيا وديمقراطيا.

 

ضرورة نجاح الانتخابات التركية القادمة

لذلك فإن كل من يثبت عليه التعاون مع الأحزاب أو التنظيمات التي تعتدي على الحكومة التركية أو الدولة التركية أو الشعب التركي إنما هي جهة متعاونة مع التنظيمات الإرهابية ولا تكافحه، وهي في نفس الوقت تناصب الأتراك العداء فعليا، ولا ينفعها التصريحات السياسية والمجاملات الدبلوماسية، فأرواح الشعب التركي أغلى من المجاملات السياسية، وكما أعلن وزير الخارجية التركي، فريدون سينيرلي أوغلو، في أكثر من مناسبة:” إن تركيا تحارب كل من منظمتي حزب العمال الكردستاني، و”جبهة حزب التحرير الشعبي الثوري” وهي منظمة يسارية، إضافة إلى تنظيم “داعش”، وبالتالي فإن التعاون الدولي في مواجهة التنظيمات الإرهابية ينبغي أن يحارب هذه التنظيمات جميعها، دون استثناء أحد منها، ولا أن يجد قادتها الإرهابيون ملاذات آمنة في دولة معينة تسعى إلى صداقة الدولة التركية، والتعاون معها في مواجهة الإرهاب.

إن التعاون بين هذه الدول في مكافحة الإرهاب لا يحتاج إلى جيوش مشتركة كما تفعل أمريكا في التحالف الدولي دون تحقيق نتائج، وإنما إلى تعاون استخباراتي صادق عابر للحدود وتبادل معلومات دقيقة، تقضي على قدرات التنظيمات الإرهابية ماليا، وتمنع عنها حرية الحركة، وتقيد استعدادها للقيام بعمليات إرهابية ضد دولة أخرى، والأهم من ذلك حرمانها من كسب أنصار لها عبر الدعايات الكاذبة، التي يتذرع بها الغرب وأمريكا، فأمريكا أعلنت أن قوات وحدات حماية الشعب الكردية شمال سوريا ليست منظمة إرهابية، وقد اتهمتها منظمات سورية مدافعة عن حقوق الإنسان بانها ارتكبت عمليات تطهير عرقي، وشردت المدنيين من بيوتهم قسرا بهدف التغيير الديمغرافي شمال سوريا، بينما المطلوب مكافحة كافة أشكال الإرهاب مهما كانت هويته وأيديولوجيته.

وعندما تكون الدول صادقة في تعاونها على مكافحة الإرهاب مع الدول الأخرى فإنها تكون معنية كذلك باستقرار تلك الدول سياسيا، وعدم التعاون مع أحزاب المعارضة في الدولة الأخرى إلا وفق القنوات السياسية الصحيحة والعلنية وليست السرية، واحترام خصوصية الدول في قوانينها وأنظمتها المرعية في انتقال السلطة السياسية فيها، لأن انتقال السلطة السياسية بالطرق الديمقراطية سيعطي الحكومة الجديدة فرصة أكبر لتطوير علاقاتها الاقتصادية الدولية، وإلا فإن التوترات السياسية أو الخروقات الأمنية ستؤدي إلى ضعف الاقتصاد والعلاقات السياسية مع الدول الأخرى، ولذلك فإن الدول الصديقة فعلا تسعى لإنجاح الاستقرار السياسي بهدف نجاح سياستها الاقتصادية مع تلك الدول، وهو المأمول أن يتم في الانتخابات التركية البرلمانية القادمة في الأول من نوفمبر، فإيران يمكن أن تكون طرفا مساعدا على إنجاحها إذا قطعت تعاونها مع حزب العمال الكردستاني وتوابعه الإرهابية في تركيا والعراق وسوريا، فدعم هذه التنظيمات الإرهابية ليس في مصلحة إيران ولا حكومة العراق في بغداد، بينما نجاح الانتخابات البرلمانية القادمة في تركيا هو نجاح لاستقرار المنطقة أمنيا وسياسيا وتقدمها الاقتصادي أيضا.

 

نشر المقال هنا

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,038,746

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"