هل يستطيع الدب الروسي ‏العيش في المياه الدافئة؟

علي الكاش

صارت المنطقة العربية أشبه برقعة الشطرنج، اللاعبان الرئيسان أوباما وبوتين والأنظمة العربية ‏كأمراء الرقعة تحركهم المصالح الدولية بخفة يد دون أن يحسوا، والشعوب العربية بيادقا صامتة ‏لا حول لها ولا قوة تظن بالدعاء يُدحر الأعداء، مع إنها أول من يضحى بها. التحرك الروسي ‏الجديد في المنطقة حسبما يتصور البعض كفيل بإنهاء الأزمة في سوريا والعراق وربما لاحقا في ‏اليمن ولبنان ودول الخليج، وراحت بعض الأبواق الجاهلة تطبل للرئيس بوتين معتبرة إنه من ‏نسل آل البيت أو كأحد النصارى الذي قتل مع الحسين(النصراني وهب) في أمر لا صحة له بتانا، ‏هؤلاء الحمقى هم أنفسهم الذين طبلوا من قبل لأوباما حسين وإعتبروه من شيعة علي لأن إسمه ‏أبيه حسين، بهذه العقول التافهة كيف يمكن تفادي الوقوع في الهاوية؟

الغريب أن النظامين الشيعيين في إيران والعراق وملحقاتهما من حزب الله والحوثيين أيدوا التدخل ‏الروسي وهلهلول للنجم الشيعي الجديد (آية الله بوتيني) بإعتباره يدعم الشرعية الحاكمة المتمثلة ‏بالأسد، لكنهم وللعجب يعارضون إستقدام الرئيس اليمني لقوات التحالف العربي لإعادة الشرعية ‏في اليمن! إزدواج عجيب يدل على جهل مدقع، وطائفية عمياء.‏

في حين ما يزال المسؤولون في واشنطن وباريس ولندن يضربون أخماسا في أسداس حول طبيعة ‏وأهداف التدخل الروسي الجديد في سوريا، والشكوك حول النوايا الروسية في القضاء على تنظيم ‏الدولة الإسلامية. المواقف الأميركية نفسها تثير الريبة! فقد صرح وزير الخارجية الأميركي جون ‏كيري "إنه بناء على قرارات روسيا في المدى البعيد، فإن وجود الطائرات الروسية في سوريا ‏ربما يثير بعض التساؤلات عن نوايا موسكو". مؤكدا أن بلاده لم تتمكن بعد من كشف نوايا ‏بوتين. وكرر كيري أن نويا روسيا في سوريا غير واضحة اكثر من مرة في حين ورفضت‎ ‎وزارة ‏الدفاع الأميركية التعليق خلال إفادة صحفية حين سئلت عن تقرير‎ ‎وكالة رويترز وقالت إنه لا ‏يمكنها مناقشة أمور تتعلق بالمخابرات. لكن الوزارة‎ ‎قالت إنها " على دراية كاملة بما يجري على ‏الأرض في سوريا"، كلام متناقض يدل على تخبط واضح. مع ان الولايات المتحدة لم تتمكن من ‏فك طلاسم التدخل الروسي، لكن التحالف الشيعي  فك الرموز ورحب بالتدخل! إنهم حقا فطاحل ‏في علم السياسة.‏

كما أن الولايات المتحدة ترحب من جهة بمشاركة الروس في الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية، ‏ومن جهة أخرى تنتقد الروس لعدم تمييزهم ما بين المعارضة المعتدلة والمتطرفين. تشجع على ‏محاربة داعش من جهة، وتُلزم العراق برفض أي تعامل مع الروس في الحرب على داعش من ‏جهة أخرى! فقد ذكرت الأخبار بأن السفير الأميركي في بغداد منع العبادي من الإستعانة بالقوات ‏الروسية، وهذا بالطبع ما لم يفكر فيه العبادي والجعفري، عندما طالبا الروس بالمشاركة في ‏الحرب على داعش، حيث يبدو إنهما لم يطلع على الإتفاقية الأمنية بين الطرفين التي تلزم ‏الحكومة العراقية بعدم الإستعانة بأية قوات خارجية دون الرجوع إلى الولايات المتحدة، مع ‏إنهما(العبادي والجعفري) كانا أعضاء في مجلس النواب الذي صادق على الإتفاقية الأمنية! لكن لا ‏غرابة في بلد ضائع في متاهات الإجندات الخارجية لا يفقه حكامه أبجدية السياسة. لقد وضع ‏العبادي نفسه بين طرفي الكماشة فالرجل تتلاعب به الأهواء ويلزم نفسه بما لا يقدر عليه ولا طاقة ‏له بها. فهو الآن بين سندان الإرادة الأميركية ومطرقة حزب الدعوة الذي يرحب بالتدخل الروسي ‏ويضغط على العبادي، كما يبدو ان العبادي لا منفذ أمامه سوى الإستقالة وفسح المجال لمن تقرره ‏إرادتي الشيطان الأكبر والشيطان المعمم.‏

المعلن عنه عبر التصريحات الإعلامية في عالم السياسة غالبا لا تكون له علاقة بالأهداف السرية، ‏وما يروج حاليا بشأن التدخل الروسي ومنافعه تفنده الكثير من الحقائق على الأرض، روسيا بوتين ‏هي التي أرخت أيديها تجاه العناصر الإرهابية التي توافدت من جمهورات الإتحاد الروسي الى ‏تنظيم الدولة الإسلامية، وقد وجدت لاحقا إنه من الأجدى لها أن تحاربهم على أرض العراق ‏وسوريا بدلا من أرضها، كما أن هناك خطورة في عودتهم لروسيا لذا فأن أفضل الطرق هو سد ‏الباب بوجههم عبر قتالهم في أرض المعركة.‏

وهناك أسباب كثيرة تقف وراء التدخل الروسي من بينها، تحويل الأنظار من اوكرانيا الى سوريا ‏علما أن كلا من بريطانيا والولايات المتحدة حتى هذه اللحظة ترفضان‎ ‎اتفاقية مينسك التي وقعت ‏في فبراير2015 واعتبرها الطرفان حينذاك قصيرة‎ ‎الأمد. ولا تزال أوكرانيا من أبرز المشاكل ‏الروسية التي قوضت إقتصادها بسبب الحصار الإقتصادي المفروض عليها من قبل الولايات ‏المتحدة وأوربا الغربية.‏

ولا ننسى إن حلم الروس الأبدي كان في الوصول الى المياه الدافئة وأيجاد موطيء قدم لهم في دول ‏الحوض المتوسط كند للولايات المتحدة وأوربا، اللذان وسعا ومن وجودهما وقواعدهما العسكرية ‏ومنظوماتهما الصاروخية في تركيا وقبرص. وهذا ما عبر عنه الكاتب والمحلل السياسي الروسي ‏‏(اندريه ستيبانوف) بأن"روسيا تحاول المحافظة على مصالحها السياسية في هذه المنطقة والشرق ‏الأوسط". الأمر الذي يضاعف من مخاوف الغرب وحلفائهم بالمنطقة سيما تركيا، فقد ذكر ( ينس ‏ستولتنبرج) أمين عام الناتو بقوله" الحلف يقيم بشكل ثابت ما يجب القيام به لحماية الحدود التركية ‏وأن الناتو يعزز القوات التي يمكن نشرها في تركيا إذا لزم الأمر". وحول مدى استعداد الناتو ‏لتوسيع مهمته على ضوء القصف الصاروخي الروسي الأخير، أكد ستولتنبرج إن "الناتو قادر ‏وجاهز للدفاع عن جميع حلفائه بمن فيهم تركيا". كما ذكر المتحدث باسم الخارجية التركية (تانغو ‏بلغيتش) أن" تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي تواصل المحادثات مع الحلف وشركاء آخرين ‏بشأن تعزيز قدراتها الدفاعية التي تتضمن أنظمة صواريخ باتريوت". كما إن الجانب التركي ‏يخشى من تدفق جديد للاجئين السوريين للبلاد التي تستضيف مليونين منهم.‏

أما غير العارفين بدهاليز السياسة ممن يظن ان الروس أتوا لأنقاذ الشعب السوري وهم يضحون ‏بجنودهم وأموالهم رغم الضائقة المالية التي يعيشها الشعب الروسي والحصار الإقتصادي الذي ‏تفرضه الولايات المتحدة وأوربا الغربية وهم يضحون بشبابهم من أجل عيون الشعب السوري ‏والعراقي. فأن هناك مجموعة من الحقائق لابد من التذكير بها عسى أن تنفع الذكرى:‏

‏1. أن تنظيم الدولة الإسلامية أصلا لا يشكل خطرا على الروس، ولم تخرج تصريحات من قبل ‏قادة التنظيم تهدد بلاد العم بوتين.‏

‏2. ثانيا ان التنظيم يقاتل الأميركان، والأميركان أعداء للروس كما يفترض، اي التنظيم بالنتيجة ‏في صف روسيا إنطلاقا من القول عدو  عدوي هو صديقي. ‏

‏3. تدعي روسيا بأن من أهدافها المحافظة على الأقليات الدينية والعرقية في سوريا، ولكن أين ‏كانت هي منذ بدأ الأزمة السورية؟ ولماذا لا تتخذ نفس الموقف مع الأقليات المضطهدة في العراق ‏وإيران أسوة بالأقليات السورية. بل على العكس من ذلك فهي تدعم النظامين القمعيين في العراق ‏وإيران.‏

‏4. التدخل الروسي سيفاقم المشكلة الطائفية لا أن يحلٌها، لأنه سيعزز ويدعم العلويين دون بقية ‏الأقليات، وهذا من شأنه أن يؤجج نار الفتنة الطائفية ويرفع درجة حرارة القتال لا أن يهدأها.‏

‏5. الواقع الحربي يقول شيئا مخالفا، فقد فشلت آلاف الغارات الأميركية في القضاء على التنظيم ‏فهل ستتمكن الغارات الروسية من القضاء عليه؟ ذكرت صحيفة (وول ستريت جورنال) بأن عدد ‏غارات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة بلغ (1849) غارة لغاية 30/9/2014 والولايات ‏المتحدة على لسان مسؤوليها تعترف بفشلها. كما ان الرئيس الروسي وأتباعه أشاروا بأن التدخل ‏الروسي في سوريا محدود ولفترة محددة، بمعنى ان الفشل سيكون أيضا مصيره.‏

‏6. تشير المعلومات العسكرية بأن صرفيات الولايات المتحدة في حربها على التنظيم تبلغ حوالي ‏مليار كل أربعة أشهر، وتبلع تكلفة العمليات العسكرية يوميا ما لايقل عن (8) مليون دولار، أي ‏حوالي(330000) ألف دولار في الساعة. فهل يمكن للإقتصاد الروسي النحيل أن يتحمل هذه ‏التكلفة الباهظة؟

‏7. ستتحول سوريا الى ساحة حرب عربية ـ عربية، وعربية ـ دولية، ودولية ـ دولية، فالأطراف ‏العربية والغربية المناهضة للرئيس السوري لن تقف مكتوفة الأيدي أزراء التدخل الروسي، فقد ‏أشار مصدر سعودي لشبكة (بي بي سي) بأن المملكة ستقدم أسلحة متطورة وعالية التقنية لفصائل ‏الجيش الحر ناهيك عن المساعدات السرية لبقية الدول العربية والأجنبية. وتشير الأخبار بأن ‏الولايات المتحدة أرسلت أسلحة وذخيرة متطورة للمعارضة السورية ، حسبما أعلنه الكولونيل ‏‏(باتريك رايدر) المتحدث بإسم القوات الأميركية في الشرق الأوسط.‏

‏8. لا أحد يجهل الوضع الإقتصادي الصعب لروسيا في ظل الحصار الأميركي الأوربي أولا. ‏وإنخفاض أسعار النفط ثانيا. والنفقات العسكرية الباهضة في اوكرانيا ثالثا. ونفقات الحرب الجديدة ‏في سوريا رابعا، مما يحدد من مطاولتها في الحرب.‏

‏9. قد تلجأ الولايات المتحدة وحلفائها الغربيون والعرب لوسائل فاعلة تُفشل التدخل الروسي من ‏خلال:‏

أ. تعاون الولايات المتحدة والمملكة السعودية لإغراق السوق الدولية بالنفط وتخفيض أسعارة لحد ‏أدنى يجعل الروس يعيشون كابوسا إقتصاديا جديدا.‏

ب. الضغط على تركيا لوقف إستيراد الغاز الروسي الذي يعتبر موردا ماليا مهما لروسيا، وتوفير ‏مصادر بديلة.‏

ج. تشديد الحصار الإقتصادي على روسيا، وتجميد أموالها في البنوك الأميركية والأوربية، ‏ومحاربتها إقتصاديا بمنع الحلفاء من إستيراد منتوجاتها الصناعية والنفطية. ‏

د. دعم القوى الأوكرانية المعارضة للوجود الروسي، وإشعال بؤر التوتر في الشيشان وغيرها.‏

هـ. توحيد قوى المعارضة السورية وتزويدها بأسلحة دفاعية وهجومية متطورة تمكنها من إفشال ‏التدخل العسكري الروسي.‏

إننا نناقش الموضوع من زاوية الرفض الأميركي والأوربي للتدخل الروسي في سوريا والعراق، ‏وأن الولايات المتحدة سحبت أقدام الدب الروسي القطبي إلى المياه الحارة التي لا تشكل بيئة ‏مناسبة له. لكن الدوائر السياسية تغمز بأن هناك توافق بين الروس والأميركان بشأن هذا التدخل، ‏وذلك من خلال تقوية النظام السوري، وإرغام المعارضة السورية على الرضوخ للحل السياسي ‏والجلوس أمام مائدة المفاوضات سواء بتقسيم سوريا أو بحلول أخرى، ربما ترضي الطرفين. على ‏إعتباران الحل السياسي أفضل من الحل العسكري، لأن المشكلة أصلا سياسية.‏

بالطبع في عالم السياسة لا يمكن إستبعاد اي إحتمال، سيما أن هناك توافقات غير معلن عنها ولكن ‏يمكن الإستدلال بها، على سبيل المثال.‏

‏1. إن إستمرار الأزمة تصب في النهاية لصالح الكيان الصهيوني. الطرفان متفقان على عدم ‏سقوط الرئيس بشار الأسد كما تدل الوقائع على الأرض وهذا ما يريده الكيان الصهيوني. من جهة ‏أخرى طمأن الرئيس بوتين نظيره الصهيوني بأن سيتم التنسيق بين الطرفين لتلافي الإصطدام.‏

‏2. يبدو ان الطرفين متفقان على تقسيم سوريا وإقامة دولة علوية برئاسة الأسد، وأخرى لقوى ‏المعارضة، وهذا ما يتردد في الاوسلاط السياسية.‏

‏3. ربما تنظيم الدولة الإسلامية قد وحد جهود الطرفين وهذا ما عبر عنه المحلل الروسي (د. ‏اندريه ستيبانوف) بقوله " هناك مظاهر التعاون ومزيد من التعاون بين الولايات المتحدة وروسيا ‏بإجراء العمليات المنسقة ضد داعش والتطرف". فقد أتفق النقيضان بأن الموقف الجديد هو أما مع ‏داعش أو ضدها، وهي نفس الإسطوانة التي كررها الرئيس السابق بوش بشأن الإرهاب.‏

‏4. موافقة الولايات المتحدة على وجود موطأ قدم محدود للروس في المنطقة، مع إن الأمر يحزن ‏الغرب لكن للضرورة أحكام، وهذا ما عبر عنه رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق فرانسوا فيون ‏بقوله ‏‎"‎يحزنني جدا أن فكرة إنشاء تحالف لتسوية الوضع في سوريا تنبثق من روسيا‎ ‎وليس فرنسا ‏أو الاتحاد الأوروبي". كما أشار الكاتب والمحلل السياسي (اندريه ستيبانوف) بأن" روسيا تحاول ‏المحافظة على مصالحها السياسية في هذه المنطقة والشرق الأوسط". مع هذا قوادم الأيام ستجلي ‏الموقف ويبدو أوضح للعيان، أما الأحزاب الشيعية التي تسابقت في الإعلان عن تأييدها للتدخل ‏الروسي فإنها كشفت للجميع عن شدة حماقتها، في السياسة على أقل تقدير.‏

 

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :135,622,307

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"