زيارة #بشار_الأسد لروسيا والتحذير الإيراني المبطن لموسكو

نبيل العتوم ‏

هل سيؤدي إستدعاء رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى موسكو لأزمة سياسية غير معلنة ‏بين طهران وموسكو، نتيجة إدراك بوتين لضرورة تبني مقاربة جديدة مستندة لإستراتيجية ‏فاعلة وعاجلة تضمن خروج روسيا بشكل عاجل من بوابة الأزمة السورية بعد أن اقتنعت ‏بحجم الفشل الذريع الذي إقترفته، واخفاقها العسكري الكبير نتيجة صمود الشعب السوري ‏البطولي؟ ‏

لا شك بأن المفاجأة الروسية بسرعة إستدعاء الأسد على عجل مستقلاً طائرة شحن عسكرية، ‏سوف تتسبب في إحداث بيئة صدامية بين موسكو وطهران، على ضوء ما تحمله المواقف ‏الإيرانية التي بدأت تتسرب، وبشكل باتت تعلم فيه بأن موسكو قد توصلت إلى قناعة بأن ‏إستمرارها في التورط بالمستنقع السوري سيستنزف قدراتها، ويجعلها تدفع ثمناً كبيراً على ‏مختلف الصعد السياسية والعسكرية والاقتصادية.‏
نتيجة لذلك وعلى الفور تحركت إيران بالمقابل بكامل مؤسساتها، لتدرك خطورة مستجدات ‏الموقف الروسي على مصالح طهران وأمنها القومي، وبدأت باطلاق مواقف تكاد تكون ‏متضاربة، وتعكس هاجس وكابوس تركها وحيدة مع مليشياتها الدموية، لمحاربة ما إصطلحت ‏على تسميته دوماً بالارهاب التكفيري في سوريا .‏
بداية وصفت طهران لقاء بوتين ورئيس النظام السوري بشار الأسد بالقمة الفاصلة لأعداء ‏سوريا ، ورأت أن العنوان الرئيسي لهدف هذه القمة هو القضاء على الارهاب، معتبرة هذه ‏الزيارة بأنها تعكس تحولاً استراتيجياً في مسار العلاقات بين دول الممانعة وروسيا خاصة بعد ‏دخول موسكو وبقوة غير معهودة على خط الأزمة السورية، بطلب من حكومتها لمكافحة ‏الارهاب الذي بات يشكل تهديداً لإيران وأمنها بالدرجة الأولى .‏
تقول طهران أن زيارة الاسد تأتي بناء على دعوة من الرئيس بوتين، حيث أحدثت صدمة ‏من العيار الثقيل في الوسطين الاقليمي والدولي. نتيجة لما حظيت به هذه الزيارة من اهتمام ‏متزايد ، وتركت أصداء كبيرة للبحث في دوافعها وأبعادها ، معتبرة أن سفر الأسد في مثل ‏هذه الظروف يعتبر تحدياً لكسر العزلة التي حاولت أوروبا وبعض الدول العربية فرضها على ‏سوريا، وأنها ستفتح الباب أمام صفحة جدیدة في ملف الأزمة السوریة والعلاقات الإقليمية . ‏لكن سرعان ما انقلب الموقف الإيراني، وبدأ نفسه يثير الكثير من الهواجس والتخوفات من ‏زيارة الأسد، وما سينجم عنها من تسويات قد تعرض مصالح طهران في سوريا والمنطقة ‏للخطر، وهذا ما سوف نبحثه لاحقاً . ‏

 

أسباب الزيارة، رؤية إيرانية: التمهيد للهجوم البري الكاسح ‏
تدعي طهران أن هذه الزيارة جاءت بعد التطورات الملحوظة في الميدان السوري نتيجة للتنسيق ‏الخماسي بين طهران موسكو ودمشق وبغداد إضافة لحزب الله، وكذلك بعد الضربات الجوية ‏الروسية الفعالة ضد التنظيمات الإرهابية، لذا لابد من لقاء قمة وبهذا المستوى لتقييم الموقف ‏في الميدان، واستباق للتطورات للتحضير لحل الازمة السورية سياسيا، بعد تحقيق نصر ‏كاسح على الأرض.‏
وبشرت طهران أن القادم من الأيام يخفى الكثير من المفاجات لما ستتمخض عن هذه الزيارة ‏سواء في الميدانين العسكري أو السياسي، وما ستحققه من نتائج كبيرة ومذهلة تدفع بالعالم ليقف ‏اجلالاً لما حققه التحالف الخماسي.‏
وضمن هذا السياق أکد القائد العام لقوات حرس الثورة الاسلامية اللواء محمد علي جعفري بأن ‏سوريا ستشهد خلال الأيام القادمة انتصارات مصيرية كبرى، ومؤكداً أن أمن منطقة غرب آسيا، ‏ومنها ايران “الاسلامية“ يعتبر مركز لانطلاق الثورة الاسلامية، والذي بات يرتبط بشكل مصيري ‏وأساسي بسوريا ومحور المقاومة في هذه الجبهة، وأن إيران لن تسمح مطلقاً باسقاط الدولة ‏السورية ، انسجاماً مع أوامر خامنئي بأن سوريا باتت تعتبر الخط الأمامي لجبهة الثورة ‏الاسلامية، وأنه ينبغي دعم هذه الجبهة بكل قوة، وعلى هذا الأساس فإن إيران ستدافع حتى أخر ‏قطره من دمها عن الثورة الاسلامية وحرية شعوب المنطقة.‏

 

إيران نسَّقت زيارة رئيس النظام السوري لموسكو
تدعي طهران أن هذه الزیارة قد تم التنسيق لها مسبقاً من خلال لقاءات مستمرة، بمشارکة الطرف ‏المحوري في الأزمة السوریة، المتمثل بإيران وحزب الله ، وأن الأيام القليلة القادمة ستشهد ‏تطورات عسكرية، سيكون لإيران دوراً محورياً في التخطيط والتنفيذ لها بعد أن قرر بوتين تعديل ‏إستراتيجيات التعامل مع الأزمة السوريا ، لتوفير کل ما تحتاجه المعرکة ضد الإرهاب العابر ‏للمنطقة من سوريا، إذ تعتبر طهران أن ذلک یعنی أننا سنکون أمام مرحلة عسكرية جديدة من ‏حيث تعزیز عمليات سلاح الجو الروسي، وآليات عمله الميدانية، التی یفترض أن تلعب دوراً ‏أساسیاً في مواکبة مباشرة لکل العملیات البریة، والعمليات التي ستخوضها قوات خاصة ستتبنى ‏أستراتيجيات جدیدة أكثر نجاعة من أي وقت مضى.‏
كذلك تدعي طهران أن القیادة الروسیة، تأكدت من صحة التقدیرات التی تشارکتها مع ایران، ‏حول عجز المحور الآخر الذي يقاتل ضد نظام بشار الأسد عن القیام بأي عمل فعال على ‏الأرض من شأنه رفع مستوی تنسیق المجموعات المسلحة ضد التحالف الخماسي ممثلاً بإیران ‏وروسیا وسوریا والعراق وحزب الله، وتوقعت طهران أن یزور دمشق قریباً جداً، مسؤولون ‏عسكريون واستخباريون روس ستکون مهمتهم انجاح العملية البریة والجوية الروسية بشكل ‏أكثر فعالية، وقد بشرت طهران بجاهزیة وحدات جدیدة جری تجهیزها خلال الشهرین ‏الماضیین، لتولی مهمات عسکریة هجومیة نوعية سيكون لها دوراً مؤثراً، بعد النجاح بإعادة ‏هیکلیة الجیش السوري التی تتناسب وطبیعة المعارك المقبلة.‏

 

تعزيز فرص الحل السياسي بما ينسجم مع مصلحة إيران: التركيز على خطاب الحفاظ على ‏الدولة والنظام وليس شخص الأسد
تحاول طهران كذلك الترويج بأن زيارة رئيس النظام السوري إلى موسكو تصب في سیاق ‏تعزیز فرص الحل السیاسی، ولمحت إلى أن إيران ترصد هاجس دول الاقليم التي فشلت ‏سياسياً واستخباراتياً في إدراك أبعاد ونتائج دخول روسيا على خط الأزمة السوریة، وهؤلاء- ‏حسب الفهم الإيراني– لا یسعهم حتی اللحظة الإحاطة بکل الخطوات الروسیة، مع ما تحمله ‏من مفاجآت في المجال العسكري والسياسي، والتي ستظهر بوادرها خلال الأيام القليلة القادمة ‏، وبما ينسجم مع مصلحة إيران ، وتعزيز نفوذها في المنطقة، والتي ستبرز معالمه من ‏خلال العرض الروسی لبشار الأسد باختبار عملیة سیاسیة جدیة، تجيء بعد ثلاثة أسابیع ‏من انطلاق العملیات العسکریة، التی لا تزال بحاجة إلی المزید من الوقت لإحداث تغییر ‏نوعي على خلاف ما طرحته إيران مسبقاً، من أن العمليات الغسكرية الروسية كانت فعالة ‏ومؤثرة.‏
في رأي طهران فإن ما حدث من تطورات على مسار الوصول لتسوية سياسية يعکس قرار ‏تثبیت التحالف القائم بین دمشق وحلفائها الإقلیمیین والدولیین، وهو تحالف یستهدف أساساً ‏حمایة الدولة السوریة والنظام ومساعدة جیشها، ثم یستهدف خلق مناخات جدیدة تتیح الذهاب ‏نحو حل سیاسی واقعي، یقوم علی حقائق الأرض بعد دخول روسيه على الخط بقوة.‏
هذا عدا عن ترقب إيران لأهمية الدور العراقي المرتقب لمحاربة (العصابات الارهابية) في ‏سوريا، حيث ركزت إيران على عملية مصادقة البرلمان العراقي للتوقيع على معاهدة للتعاون ‏مع سوريا للقضاء على (العصابات الارهابية)، مما سيزيد الأمل في القضاء عليها في العراق ‏وسوريا في القريب العاجل ، من خلال التعاون مع طهران. ‏

 

رؤية إيران للحل السياسي للأزمة السورية، وتحذير طهران لموسكو بشكل مبطن
ترى إيران أن أي حل سیاسی في سوريا، یجب أن ینطلق من ثوابت، أبرزها إقرار الطرف ‏الآخر بأولویة مکافحة الإرهاب في سوريا علی أی أمر آخر، وهو ما سیجعل البحث في ‏تفاصیل الملف السیاسی غیر ممکنة الآن في حال عدم اجتثاث الارهاب، من خلال تدمير ‏التنظيمات “التكفيرية ” الذي قد يهدد إيران وأمنها القومي .‏
تؤكد طهران بأنه لا یجب توقع حل سیاسی سحري ، بمعزل عن تعزيز الجهود العسكرية على ‏الأرض، حیث للمیدان الکلمة الفصل، ولا سیما أن إيران کانت صریحة بما أعلنته من أن ‏التسویة السیاسیة تنطلق بعد الانتهاء من مکافحة الإرهاب قي سوريا بشكل قاطع، لأن خلاف ‏ذلك معناه أن الارهاب سوف يصل لحدود إيران، ويهدد مصالحها في المنطقة خاصة في ‏العراق ولبنان، وأن إيران ستدفع ثمن ذلك، وبالتالي على الروس إدراك مخاطر أية تسوية في ‏سوريا وتداعيات أثرها على إيران.‏

الرسالة التي ينبغي أن تصل للروس بأن البحث في التسویة السیاسیة ينبغي أن یترکّز حسب ‏رؤية إيران، وتحليلها سياسياً وعسكرياً وأمنياً، علی عدد من البنود المحورية:‏
رؤية إيران المحورية بتقديم ضمانات حقيقية ببقاء النظام السوري، مع ملاحظة عدم تأكيد ‏طهران على بقاء شخص بشار، بل النظام.‏
بقاء ملف مواجهة موحدة لتنظیم «داعش» والتظيمات التكفيرية في سوریا والعراق على سلم ‏الأولويات، وإستمرار المضي في المعرکة الفعالة ضدهم، حتى بعد التسوية السياسية ، لأن ‏الوقائع المیدانیة أثبتت خطورة الموقف، الأمر الذي يتطلب عملیات منسقة علی جانبی الحدود ‏بین العراق وسوريا من خلال التعاون مع روسيا، وهنا يجب الانتباه إلى أن واشنطن وحلفائها ‏يظهرون عدم الجدية والتردد في محاربة هذه التنظيمات، بذریعة أن النظام السوري هو ‏المسؤول عن وجودها، وبالتالي فإن إيران ستحصد أي تبعات نتائج میدانیة أو سیاسیة ‏للمماطلة في ضرب الإرهاب في سوريا، وبالتالي فإن مصالحها في المنطقة ستكون في مهب ‏الريح، خصوصاً بعد هجرة المزيد من العناصر الإرهابية، والذي تزامن بعد التدخل الروسي في ‏الأزمة السورية، والتي من السهولة أن تصل للحدود الإيرانية وللعراق ولبنان.‏
وضعت إيران استراتیجیة مستقلة لمواجهة الإرهاب في العراق وسوريا، إلا أنها لا تمانع في ‏قیام شراکة مع التحالف الدولي، ومع روسيا تحديداً لإستمرار تحقيق هذا الهدف المهم ‏والمحوري للحفاظ على المصالح الإيرانية في المنطقة .‏
الحديث عن الحل السياسي والجدول الزمني، والضمانات الضروریة العربیة والدولیة لرعایة ‏ومواکبتها للمرحلة الانتقالیة، لها تداعياتها الخطيرة إذا لم تراعي مصلحة إيران، لأن دخول ‏سوريا في المرحلة الانتقالیة سیفتح الباب أمام حلول ومشاريع جديدة سيتم إقتراحها في لبنان، ‏العراق، اليمن…. ‏
لهذا يجب الوقوف على كل التفاصيل الدقيقة بعناية فائقة، وتعزيز قدرات إيران الدبلوماسية ‏والاستخباراتية على رصد المواقف تجاه ما يجري في سوريا، وتحليلها أولاً بأول. ‏
النتيجة أن دولة الولي الفقيه باتت متأكدة تماماً بأنه ينبغي عليها التفكير، ووضع مختلف ‏السيناريوهات ليس فقط لمرحلة ما بعد الأسد، بل لما بعد ترك روسيا لإيران وحلفائها يواجهون ‏مصيرهم المحتوم بأنفسهم ، بعد قرار بوتين المرتقب بقرب الانسحاب من الأزمة السورية، ‏ووقف عملية استنزاف قواته هناك، لكن بعد الوصول إلى تسوية سياسية تضمن لبوتين حفظ ‏ماء وجهه الملطخ بدماء الشعب السوري.‏

 

نشر المقال هنا

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :135,620,108

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"