الحلقة المفقودة في #الصندوق_الأسود

علي الكاش ‏

قال عمر بن الخطاب، رضي الله عنه "لا يقل مع الإصلاح شيء، ولا يبقى مع الفساد شيء"‏‎.‎

كما يُبلى المرء بالمرض، فأن الأمم تُبلى بالفساد، والفساد أنواع ودرجات لكن أخطرها هو الفساد ‏الحكومي لأن هذا النوع يكون تأثيره أيجابيا على الطبقة الحاكمة فتزداد غنى ونفوذ وقوة، وسلبيا ‏على الشعب لأنه يزداد فقرا وجوعا وجهلا ومرضا. ولا نغالي بالقول إنه منذ أن سَلمت دولة ‏الإحتلال الأحزاب الإسلامية دفة الحكم في العراق، شهد البلد من الفساد ما لم يمرٌ به في حقب ‏التأريخ القديم والمعاصر، وهذا بإعتراف الفاسدسن أنفسهم علاوة على المنظمات الدولية المعنية ‏بالفساد.‏

‏إن ملفات فساد الأحزاب الإسلامية الحاكمة تكاد أن لا تُعد ولا تُحصى، وبالرغم من محاولة إطفاء ‏الحكومة شيئا من غضب الجماهير التي أنتفضت ضد الفساد الحكومي، فأن هذه المحاولات لا ‏ترقى أن تكون أكثر من قطرة في بحر. لأن الجهات التي تدعى محاربة الفساد والمتمثلة بهيئة ‏النزاهة والقضاء كلاهما أفسد من الآخر، لذا فأن حيتان الفساد الكبيرة ما تزال تسبح في تيار ‏الحكومة بكل قوتها ونشاطها، في حين الأسماك الصغيرة هي التي تقع في شباك القضاء المسيس. ‏أما ما يعلن عن ملفات فساد بعض الوزراء فإن القضاء لا يتخذ ضدهم إجراءا إلا بعد أن يتأكد من ‏خروجهم من العراق، وهناك المئات من الأدلة. لذا أحمق من يظن أن الحكومة جادة في محاربة ‏الفساد، لأن الحكومة الفاسدة لا يمكن ان تحارب نفسها، ونفس الشيء ينطبق على البرلمان ‏العراقي.‏

منذ أشهر رفع المتظاهرون شعارات وأطلقوا هتافات لإصلاح السلطة القضائية الفاسدة وإقصاء ‏قاضي الفساد الأول في العراق مدحت المحمود، ولم يعلق رئيس الوزراء حيدر العيادي على هذا ‏الموضوع بتاتا، ولم يوعد الجماهير المنتفضة بأي إصلاح يتعلق بالقضاء، بل صرح بأمر يثير ‏السخرية والحيرة معا، وهو أنه ترك القضاء يصلح نفسه بنفسه! لا نفهم كيف يصلح الفاسد نفسه ‏بنفسه وهو غارق في لج الفساد. لكن الأمر الذي يجب أن لا يغفل أحد عنه هو ان لا العبادي ولا ‏أي مسؤول في الحكومة والبرلمان يمكنه ان يواجه قاضي القضاة، لسبب بسيط وهو أن الجميع ‏لديهم ملفات فساد، ويمكن للمحمود أن يحرق ورقة اي مسؤول إن تجرأ عليه إعتبارا من رئيس ‏الجمهورية والبرلمان والحكومة فنزولا للمدراء. نستذكر إنه عندما إشتدت الحملة على مدحت ‏المحمود، وبعد أن فضحه النائب صباح الساعدي، وهرب إلى الولايات المتحدة، فإنه في حقيقة ‏الأمر نقل معه المئات من ملفات الفساد، وعندما لمح بها من هناك، طيبوا خاطره وإعتذروا منه، ‏وعاد قافلا للعراق وهو أكثر قوة من قبل.‏

بلاشك يتربع على عرش الفساد جودي المالكي رئيس الوزراء السابق، والرجل لا منافس له في ‏عالم الفساد، وقد نقل وبائه المدمر إلى كل مؤسسات الدولة، ومازال يتمتع بنفوذ يحسده عليه ‏رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي، الذي يخشاه كما يخشى الفأر القط. وحديث التحدي الذي ‏تنشره بعض وسائل الإعلام الحكومي وغير الحكومي للعبادي ليس أكثر من هواء في شبك، ‏الرجلان توأمان و رضعا معا من ثدي حزب الدعوة، وحليب هذا الحزب فاسد، فلا غرابة أن يكونا ‏فاسدين هما، وكل من رضع من هذا الثدي القذر .‏

ربما تفاجأ البعض من العرب وليس العراقيين مما عرض في برنامج الصندوق الأسود لصاحب ‏الوجه الأسود جودي المالكي، الذي بثته قناة الجزيرة الفضائية، حددنا العرب فقط لأن العراقيين ‏بما فيهم الجهلة منهم يعرفون جيدا الدور القذر الذي لعبه محختار العصر الخائب لتخريب العراق ‏وطنا وشعبا، وقد نجح نجاحا باهرا في مسعاه الإبليسي بمباركة الشيطانين الكاوبوي والمعمم. ‏

وربما تبادر الى ذهن البعض كيف حصلت "الجزيرة" على الوثائق الخطيرة؟ وهل يعقل ان الولايات ‏المتحدة الأميركية لا تعرف المعلومات التي عرضتها القناة بشأن فساد المالكي فسلمته مقاليد ‏الحكم؟ ان كانت تعرف بسلوك المالكي المدمر، فلماذا سكتت عنه طوال ثماني سنوات من حكمه ‏الفاسد؟ وان كانت لا تعرف كيف تبرر حمقها وجهلها بمعلومات يعرفها ابن الشارع. بالطبع ‏وثائق ويكيليكس تُسقط الإحتمال الثاني، لأنها وثائق رسمية صادرة من جهات حكومية. لذا يبقى ‏الإحتمال الأول، لماذا سكتت الولايات المتحدة عن المالكي ليس خلال حكمه، وانما حتى بعدها، ‏عندما هاجم الولايات المتحدة ـ التي حولته من كاتب في مديرية تربية طويريج الى رئيس وزراء ـ ‏متهما أياها بأنها سبب تخريب العراق ودماره.‏

لو إعتبرنا السكوت الأميركي علامة الرضا على فساد المالكي، ونفسره سياسيا، نقول ان الولايات ‏المتحدة لم تعلق على سلوكه الإجرامي والطائفي وفساده خلال حكمه، ولا تصريحاته اللاحقة، لأن ‏خدماته لها تبرر هفواته وسقطاته. من المعروف ان الإعلام لا يعكس واقع العلاقات السياسية ‏وهناك الآلاف من الشواهد. مما يستوجب التفكير فيما قدمه المالكي للولايات المتحدة، وتحديد ‏المنتفع الرئيس من سلوك المالكي ـ بعد نظام الملالي الحاكم في إيران ـ عندما يخدم حاكم ما ‏طرفين نقيضين، فهذا يعني إن النقيضين ليسوا بنقيضين بل هما على وفاق تام. وهذا ما يمكن أن ‏نحكم به على المستفيدين من سياسة المالكي، اي الولايات المتحدة ونظام الملالي الحاكم في إيران، ‏وإذا اعتبرنا ان الولايات المتحدة والكيان الصهيوني وجهان لعملة واحدة ستتوضح الصورة بشكل ‏أفضل، بمعنى أن المالكي خدم الولايات المتحدة والكيان الصهيوني وإيران.‏

ورد في تقرير "الجزيرة" نقلا عن وثائق رسمية عراقية وأميركية عن ضلوع نائب رئيس ‏الجمهورية المقال ورئيس الحكومة السابق نوري المالكي في عملية اغتيال المئات من العلماء ‏النوويين والطيارين العراقيين، وأشارت التقارير إلى كيفية تزويد المالكي كلا من (إسرائيل) وإيران ‏بمعلومات ساهمت في تصفية المئات من العلماء النوويين والطيارين العراقيين، وذكر التقرير ‏بأن" 350 عالما نوويا عراقيا و80 من طياري من القوات الجوية العراقية تعرضوا لعمليات ‏اغتيال بقيت لغزا شغل الشارع العراقي". ‏

الحقيقة أن عدد الضحايا أكثر من هذا الرقم سواء تعلق الأمر بالطيارين والعلماء أو أساتذة ‏الجامعات وكبار القادة العسكريين علاوة على أشهر الأطباء والمهندسن العراقيين، أي بإقتضاب ‏تصفية الكفاءات العراقية في شتى حقول المعرفة. سبق أن أشارت تقارير سابقة في السنوات ‏الأولى من الغزو بأن عدد العلماء الذين تم تصفيتهم حوالي (500) عالم، ولم يتوقف مسلسل ‏التصفيات بعد تأريخ إصدار هذه التقارير. وللإنصاف نقول إن التصفيات الإرهابية هذه بدأت منذ ‏الشهور الأولى للغزو وقبل أن يتولى المالكي رئاسة الوزراء، وهذا لا يعني إنه كان بمعزل عن ‏التصفيات لأنه من زعماء حزب الدعوة، وربيب نظام الملالي. وخلال حكمه الظلامي إنشغل ‏بتصفية خصومه السياسيين ومعاركه الحامية ضد أهل السنة، وهذا ما يعرفه الجميع. وعندما تسلم ‏العبادي رئاسة الوزراء كانت الساحة العراقية شبه خالية من الكفاءات في مختلف الميادين.‏

أما ما تحدث عنه التقرير من أن مسألة الإغتيالات بقيت لغزا يشغل الشارع العراقي! فلا صحة ‏لهذا الأمر البته، العراقيون يعرفون جيدا أن التصفيات تمت من قبل الموساد الإسرائيلي وقوات ‏بدر وهو في حقيقته الجناح العسكري للحرس الثوري الإيراني في العراق، وسبق ان تحدثنا عن ‏هذا الموضوع في مقالنا بعنوان (الكلام السليم في كشف نوايا الحكيم) وغيره، عندما اشرنا ‏لمعلومة خطيرة حصلنا عليها عام 2003 من مصدر قريب جدا من عبد العزيز الحكيم، عندما ‏طلب من بريمر تصفية بعض الشخصيات القيادية في حزب البعث المدنية منها والعسكرية التي ‏آذتهم خلال فترة ما يسمى بالمعارضة، وقد أعطي بريمر الضوء الأخضر للحكيم على أن يتم ‏العمل بالتنسيق مع أحدى الشخصيات الأميركية (في الحقيقة ضابط كبير في الموساد) سماه بريمر ‏للحكيم. وبعدها أتفق الجانبان علىبأن يتولى الموساد تصفية العلماء سيما في مجال التصنيع ‏العسكري، والحقول العلمية  ذات العلاقة بالتسليح، كعلوم الكيمياء والفيزياء النووية والبيولوجي. ‏وأن يتولى فيلق بدر تصفية الطيارين العراقيين وكبار القادة العسكرين، علاوة على ضباط أجهزة ‏الأمن والمخابرات العراقية، كما إتفق الطرفان على أن تجري عمليات الإغتيال بشكل هاديء لا ‏يثير اللغط في الشارع العراقي، ولا أن تترك بصمات تكشف الفاعل، وعلى فترات ومناطق ‏متباعدة للتمويه. وجرى الأمر حسب الإتفاق في بداية الأمر، لكن الله تعالى أراد ان يفضحهم، ‏عندما قام بعض الإرهابيين من فيلق بدر بكتابة جملة (هذا مصير كل من قصف حزيرة خرج) ‏على جثث الطيارين من ضحاياهم، فأنكشف المستور.‏

لقد أماط عناصر بدر اللثام عن وجوههم العميلة، وظهرت الحقيقة، ولم يعد الأمر لغزا، كما أشار ‏تقرير الجزيرة. علاوة على هذا فقد ذكر بعض الطيارين ـ الذي نجوا من عملية الإغتيال ولجأوا ‏الى الدول العربية المجاورة وأوربا ـ إلى الجهة التي كانت تقف وراء عمليات إغتيالهم. فلا سر ‏ولا لغز في هذه المسألة. ويمكن الرجوع إلى مقالينا المنشورين عام 2009 بعنوان (غياب ‏الصقور وحضور الغربان) حول عمليات إغتيال وأسماء الطيارين من ضحايا الغدر والخيانة.‏

ولابد من التنويه بأن أول من إستولى على وثائق جهاز المخابرات والتصنيع العسكري والأمن ‏العامة هو أحمد الجلبي وميلشيته، وبعد ضغوط من المجلس الأعلى للثورة الإسلامية ونظام ‏الملالي في إيران، تقاسمه مع المجلس الأعلى الذي أرسل لإيران الأرشيف المخابراتي والأمني ‏المتعلق بها، علما ان الجلبي إحتفظ بكافة الوثائق (تخص المعارضة العراقية في الخارج) التي ‏تفضح تعاون الكثير من ما يسمى بعناصر المعارضة مع المخابرات العراقية، وذلك لغرض ‏إبتزازهم. لذا يخشى جميع الزعماء الحاليين أحمد الجلبي لهذا السبب. ويمكن القول بأن لأحمد ‏الجلبي دور أسبق من المالكي في تزويد الإيرانيين والصهاينة بأسماء وعناوين الرموز العراقية ‏العلمية منها والعسكرية. هذا لا يعني تبرئة ساحة المالكي مطلقا، صحيح أن وجه المالكي أشد ‏سوادا من وجه الغراب، لكن الجريمة في هذا الجانب لا يتحملها هو فقط أو حزبه العميل، وإنما ‏هناك شركاء لا يقلوا إرهابا وفسادا وعمالة عنه، وهم يتحملون المسؤولية أيضا، ولا يجوز غض ‏النظر عن دورهم القذر في تصفية الكفاءات الوطنية العراقية.‏

لنا عودة أخرى.. بعون الله.‏

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,036,851

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"