الشرطة في خدمة من؟!

جاسم الشمري

الأجهزة الأمنية هي صمام الأمان في المجتمعات الإنسانية، وهي الأداة الفاعلة التي تنشر الأمن والسلام بين المواطنين، ومن دونها لا يمكن تصور استمرار الحياة الطبيعية لأي مجتمع.

والأجهزة الأمنية الناجحة هي التي تُبنى على المهنية والولاء للوطن، والمنتسبون إليها ينبغي أن يكونوا مستعدين للتضحية بأرواحهم من أجل سعادة المواطنين، وإبعاد شغب الأشرار عنهم، والحفاظ على سلامة الوطن من شرور الغرباء.

في العراق، صرنا نسمع بين الفينة والأخرى أن الأجهزة الأمنية ألقت القبض على عصابة إجرامية بعض أفرادها من رجال الأمن الذين استغلوا نفوذهم الوظيفي لنشر الخوف بدل الأمن، والشر بدل الخير، والنهب بدل الحفاظ على أموال المواطنين. وهذا ليس غريباً على المؤسسات المدنية والعسكرية التي تؤسس في ظروف شاذة، تماماً كما هي الحالة العراقية منذ مرحلة الاحتلال الأميركي وحتى اليوم.

وفي بداية الأسبوع الماضي، أكد وزير الداخلية أن "الوزارة تعاني من ولاءات متعددة، بعضها حزبية وأخرى طائفية، انعكست على أداء الوزارة"، وأن "الفساد هو أخطر المعوقات التي تحاربها الوزارة"، وأن "من الشروط والمعايير التي يجب أن يتحلى بها رجل الشرطة -لتجعله قادراً على ممارسة مهامه- المهنية، والنزاهة، والكفاءة".

وفي اليوم ذاته، أكدت قيادة عمليات بغداد أن "الجريمة المنظمة انخفضت بنحو 70-80 بالمئة"، وأن "كثيراً من الجثث المجهولة وعمليات القتل وأعمال السلب والنهب قد انخفضت". وهذا الكلام بعيد عن الواقع، ويتناقض مع استمرار التدهور الأمني وتفشي الجريمة المنظمة، والاختطاف والاغتيالات المنظمة، في بغداد وغيرها من المدن.

وفي بداية أيلول (سبتمبر) الماضي، اتهم رئيس الحكومة حيدر العبادي "الفاسدين وأصحاب الجريمة المنظمة بالقيام بأعمال الخطف التي شهدتها العاصمة بغداد اليوم". وفي نهاية حزيران (يونيو) الماضي، طالبت لجنة الأمن والدفاع البرلمانية وزارة الداخلية، بتشكيل خلية خاصة لمكافحة الجريمة المنظمة بعد اتساعها في العاصمة بغداد، من خلال عمليات السطو المسلح والابتزاز والسرقات.

هذه التصريحات الحكومية والنيابية تتنافى تماماً مع رواية وزارة الداخلية التي تصر على انخفاض معدلات الجريمة؛ فهذا ما نتمناه لأهلنا، لكن الواقع ما يزال مليئاً بالرعب والإرهاب!

الفلتان الأمني صار الميزة الأبرز في عموم الساحة العراقية، ولا تكاد تمر ساعة من غير جريمة مروعة تقع هنا أو هناك. وقبل يومين، اغتال مسلحون "مجهولون" صاحب مكتب صيرفة في منطقة الكرادة، وهي من أكثر المناطق البغدادية تحصيناً، وسرقوا مبلغ 180 ألف دولار كانت بحوزته!

وفي الأسبوع الماضي، طالب أهالي قرية البوطعمة بمحافظة صلاح الدين، مجلس المدينة بالكشف عن مصير العشرات من أبنائهم الذين اختطفتهم المليشيات قبل أقل من شهر، ونقلوا إلى سامراء، واحتجزوا في مكان مجهول. وطالبوا الحكومة المركزية بوضع حد لانتهاكات المليشيات.

وفي بيجي، وبعد انتهاء غالبية المعارك في المدينة، يفترض أن تسلم المدينة إلى الشرطة، إلا أن مليشيات الحشد الشعبي استمرت بالعبث والتخريب. وهذا ما أكده محافظ صلاح الدين يوم أمس، إذ صرح أن عناصر "الحشد" خربوا أكثرمن 2000 منزل، والعشرات من الأسواق التجارية! فيما أفاد بعض أهالي المدينة أن عناصر المليشيات سرقوا ونهبوا ودمروا منازلهم! فأين دور الحكومة وأجهزتها الأمنية، والمتمثل في الحفاظ على أرواح المواطنين وممتلكاتهم؟!

والملاحظ في بيجي أن جميع الجرائم تمت وسط تعتيم إعلامي كبير، حيث طرد مقاتلو "الحشد" مراسلي القنوات والوكالات الفضائية غير الموالية لهم من المدينة! ولا ندري ما هي واجبات القوات الأمنية؛ هل هي حماية المليشيات والتستر على جرائمها، أم حماية المدنيين العزل؟!

سياسة الصمت عن جرائم الحشد الشعبي التي تنتهجها الحكومة وأجهزتها الأمنية، لا يمكن أن تكون أرضية لبناء دولة النظام والسلام والمحبة. الواجب الوطني يحتم على الجميع الوقوف ضد المجرمين من دون النظر لانتماءاتهم الحزبية والوظيفية. وحينها يمكن أن نؤسس لدولة النظام والسلام!

 

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,051,633

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"