العالم يضيق ذرعا بنظام الملالي

علي الكاش  ‏

قال أفلاطون" من فكر في الشر لغيره، فقد قبل الشر على نفسه".‏

السياسة في معظم الأحيان يغلب عليها طابع المراوغة والمخاتلة والكذب والنفاق، وقد حاول بعض ‏الساسة تعريف السياسة بطرق توائم متطبات العصر، والإبتعاد قدر الإمكان على التعاريف التي ‏تنتقص من السياسيين عموما، بأن السياسة هي فن الممكن، وهذا الفن كما يُستشف من العبارة ‏جُرد من صفة الخير والشر، (فن الممكن) يعني محاولة نيل الشيء أو تحقيق الهدف بأسرع أو ‏أفضل أو أسهل الطرق الممكنة، بغض النظر عن ماهية الأسلوب الذي ينتهجه السياسي لنيل ‏الهدف.‏

بعد قيام تركيا بمهاجمة طائرة روسية إنتهكت أجوائها وأسقطت على الحدود السورية التركية، ‏تضاربت آراء السياسيين والمحللين والكتاب وفقا للميول والأهواء إلى جانب روسيا أو تركيا، ‏وغالبا ما كانت التصريحات بعيدة عن الواقعية والمنطق، ان من ينظر إلى الأحداث بعاطفة ‏وميول شخصية أو طائفية لا يمكن أن يصل إلى الحقيقة أبدأ. الغريب في الأمر أن من كان يرى ‏في روسيا الشيوعية سابقا عدوة للعرب والإسلام، اخذ يدافع عن بوتين وسياسته، ومن كان البارحة ‏في أحضان الرئيس أوباما، انتقل بلا خجل الى أحضان بوتين مع ان احضان الرئيس الأسود أدفأ ‏من أحضان الرئيس الأبيض. والأغرب إن المسلمين سيما الشيعة وقفوا إلى جانب الرئيس ‏الروسي الوثني ضد الرئيس التركي المسلم! وفات الجميع أن هذا المنظار الضيق لا يمكن أن يسع ‏الحدث وينقل الصورة بمصداقية وشفافية. ‏

قف على الحياد وأنظر للموضوع كالآتي: طائرة إنتهكت السيادة الجوية لدولة، وقامت الدولة بإنذار ‏الطيار بأنه إخترق مجالها الجوي عدة مرات، الطيار تجاهل نداءات الإنذار، هاجمت الدولة ‏الطائرة التي أنتهكت سيادتها وأسقطتها. رمى الطياران نفسيهما بالمضلة أحدهما مات، والآخر تم ‏إنقاذه، الطيار الحي قال بأن تركيا لم تنذرهم إطلاقا. تبين أن الطيار كاذب من خلال التسجيلات ‏الصوتية والصندوق الأسود. روسيا ترغد وتزبد عن إسقاط طائرتها ولكنها لا تتحدث عن إختراق ‏سيادة دولة اخرى! الآن يمكنك الحكم وتحدد من الجاني!‏

لو إفترضنا حدث العكس، وقامت روسيا بإسقاط طائرة تركية أخترفت مجالها الجوي، هل كان ‏ستحدث نفس المعمعة وردود الفعل؟ لماذا لا يتحدث أحد من أنصار الروس عن موضوع السيادة ‏التركية؟ شيعة العراق وسوريا لا عتب عليهم فالعراق وسوريا بلا سيادة وهذا أمر معروف للجميع ‏ولا يحتاج الى مناقشة، ساحتا البلدين تتواجد فيها قوات من عدة جنسيات ومرتزقة وميليشيات ‏وعناصر مخابرات من القارات السبع تعمل بكل حرية فالبلدان سائبان، وكل زعيم يتصرف كأنه ‏رئيس الدولة، لا بشار الأسد ولا حيدر العبادي قادران على التفوه بكلمة واحدة عن السيادة لأن مثل ‏هذا الحديث سيثير التهكم والسخرية. ‏

لكن العتب على نظام الملالي الحاكم في إيران، في تصريحات الرئيس الإيراني روحاني هناك ‏خلط وتلاعب بالإلفاظ وتضاد وتناقضات تثير العجب، كأنك نشاهد مهرج في سرك يتلون مع كل ‏دور. لا نعرف كيف يحكم هؤلاء بلد كبير ومهم مثل إيران! في تصريحاته عن إسقاط الطائرة ‏الروسية، ذكر روحاني خلال جلسة لمجلس الوزراء" إطلاق الصواريخ وإسقاط‎ ‎الطائرات في ‏الجو ليس لعبة وتسلية"! هذا صحيح ولكن من قال لك يا روحاني إنها لعبة وتسلية مثل اللعبة التي ‏ابتكرتوها وهي تسب العرب وتدعو الى قتلهم! ولماذا تهددون من يتعدى على سيادتكم  بأنكم ‏سوف تبيدونه من الخارطة؟ هل تصريحاتكم فعلية ام تتسلون بنا نحن الشيعة العرب؟ من ثم يذكر ‏بأن " المعلومات التي نملكها تشير إلى أن‎ ‎الطائرة کانت تقوم بعمليات في الأجواء السورية عند ‏استهدافها". حسنا! الطائرة حربية فهل ستقوم بنقل مدنيين برحلة سياحية وترفيهية من موسكو إلى ‏دمشق؟ أي عبقرية مخابراتية هذه؟ وبطريقة خلط السم بالعسل يدعي بأن" الحادث الذي جرى في ‏أجواء‎ ‎سوريا، بالقرب من حدود ترکيا". مع أن التصاوير الجوية والأقمار الصناعية أكدت بأنها ‏ضربت داخل الحدود التركية، وسقطت داخل الحدود السورية. يبدو أن مصدر معلومات روحاني ‏روسيا فقط بغض النظر عن صحة المعلوماتـ،. فالتحالف مع الروس يعني الإيمان المطلق ‏بكلامهم إن صدق أو كذب.‏

بكلام في غاية الغرابة يشير روحاني" إذا افترضنا أن هذه الطائرة اقتربت من حدود ترکيا، فإن ‏الصاروخ والطائرة‎ ‎ليسا لعبة أطفال کي يقرّر أحد إطلاق النار". ماذا تفعل الدولة التي تنتهك ‏سيادتها إذن يا روحاني؟ هل ترسل مناطيد إبتهاج، وتوزع طائراتها حلوى بهذه المناسبة السارة ‏إحتفاءا بالسيادة والكرامة الوطنية؟ وهل إسقاط طائرة من قبل تركيا لطائرة إخترقت أجوائها هي ‏من لعب الأطفال وفق النظرة الإيرانية؟ إنه تهجم وقح تجاه القيادة التركية من قبل الرئيس روحاني ‏عبر هذا التشبيه البعيد عن الحقيقة. ‏

لقد صرح نائب رئيس الوزراء التركي (نعمان كورتولموش) بأن " تحذير الطائرة  الروسية تم ‏عبر قنوات تواصل مشتركة بين الحلفاء، وأن الطائرة التي تنتهك الأجواء لا حلٌ سوى اسقاطها، ‏اننا اسقطنا الطائرة الروسية لأنها لم تستجب لتحذيراتنا". وأن هذه ليست هي المرة الأولى التي ‏تنتهك الطائرات الروسية المجال الجوي التركي، بدأت الإنتهاكات في الثالت والرابع من شهر ‏تشرين الثاني الماضي وإستمرت، ونبهنا القيادة الروسية عدة مرات. إذن ماذا بعد يا روحاني؟

من جهة أخرى ذكرت وكالة تاس" أن موسكو آبلغت الحكومة العراقية بضرورة غلق مطارات ‏محافظتي أربيل والسليمانية، استعدادا لشن عملية عسكرية كبيرة داعش بمشاركة 69 طائرة ‏حربية من طراز "سوخوى"، وقاذفات عملاقة من الطائرات الاستراتيجية المدى توبلوف 160، ‏وبمشاركة الغواصات الروسية في البحر الأبيض المتوسط، وسُمّيت هذه العملية بـالدمار الشامل". ‏حسنا! هل إحترمت روسيا ما يسمى بسيادة العراق؟ كيف تتخذ مثل هذا القرار دون الرجوع الى ‏الحكومة العراقية؟ الغريب هو ما جاء على لسان  مصدر مطلع لموقع (السومرية نيوز) بأن " ‏تعليق شركات الطيران‎ ‎لرحلاتها بسبب العمليات العسكرية في‎ ‎شمال العراق، وبسببب اجتياح ‏الطيران التركي الحدود العراقية لاستهداف حزب‎ ‎العمال الكردستاني". لا حظ الطيران التركي، ‏وليس الطيران الروسي!‏

في عثرة روحانية أشد وطأة من التي سبقتها صرح روحاني" على الجميع أن ينتبه إلى أن هذه ‏الإجراءات (التركية)‏‎ ‎استفزازية، وأن تبعاتها الكبيرة من الناحية القانونية يتحملها البادئ بها‎"‎‏. ‏عجبا هل إنتهاك المجال الجوي بدولة ذات سيادة لا يعتبر إستفزازيا، لكن الرد عليها هو ‏الإستفزازي؟ أي منطق هذا؟ وهل الإجراءات القانونية الدولية مع الدولة التي أخترقت سيادة دولة ‏أخرى، أو الدولة التي أخترقت سيادتها من قبل دولة أخرى؟ يبدو ان روحاني لم يطلع على القانون ‏الدولي ولا ميثاق الأمم المتحدة. ونسأله بدورنا: إن كانت روسيا على حق! لماذا لم تعرض الحدث ‏على محكمة العدل الدولية وتكسب القضية، وبنفس الوقت تكسب الرأي العام الدولي إلى صفها؟

الآن لنلاحظ التلون والمراوغة في كلام روحاني في نفس الجلسة وعن نفس الحدث، فقد ذكر" ‏إيران تعتبر روسيا‎ ‎وتركيا بلدين جارين وصديقين لها"! صيغة الحديث عن روسيا كانت فعلا ‏كجار وصديق كما ذكر روحاني، لكن هل صيغة الحديث مع تركيا كانت بصفة جار صديق؟ ثم ‏بنفس الطريقة الحرباوية يذكر" إننا ترغب في أن‎ ‎تكون العلاقات بين الدول الجارة ودّية، ولن ‏نرضى بنشوب الخلافات والنزاع‎ ‎فيما بينها". إنه يوقد النار من جهة ويخشى توسعها وصعوبة ‏إطفائها من جهة أخرى! ‏

كالببغاء تلقينا من الرئيس بوتين كرر نفس القول" بضرورة تحديد الجهة الغربية التي‎ ‎تبيع النفط ‏للإرهابيين"، مع أن الرئيس التركي أعلن بكل وضوح ان تركيا لا تسمح كرامتها بشراء النفط ‏من الإرهابيين! بل أنه في لقائه مع قناة (24 الفرنسية)  ذكر بان روسيا تعلم جيدا انها " الدولة ‏الأولى التي نشتري منها البترول والغاز الطبيعي، والمرتبة الثانية إيران". مضيفا" لدي وثائق من ‏وزارة الخزانة العامة الأميركية، تشير إلى أن الشركات‎ ‎الروسية بالتعاون مع تنظيم داعش تقوم ‏ببيع البترول في سوريا، هل تعلمون‎ ‎لمن؟ تبيعه للنظام السوري، وهذا مثبت لدي بالوثائق".‏

وفي تحدِ صارخ بشأن النفط قال اردوغان" إن‎ ‎تمكّن بوتين من إثبات صحة ما جاء به، فإنني ‏سأستقيل من منصبي، فهل سيستقيل‎ ‎بوتين من منصبه في حال لم يستطع من إثبات صحة ‏ادّعاءاته؟ نحن نعيش‎ ‎بشرفنا، وسنبقى نعيش كذلك". ‏

بالطبع الرئيس روحاني يدرك جيدا بأن نظام بشار الأسد هو من يشتري النفط من الإرهابيين ‏بأسعار زهيدة، وهذه معلومة تنافلتها وسائل الإعلام الدولية ولم يعلق عليها أو ينفيها جزار دمشق.‏

كالعادة الساسة المعممون في إيران كأنهم يلعبون كرة المنضدة واحد يرفع الكرة وآخر يكبسها، لا ‏تعرف اين الحقيقة ومن يعبر عنها. على العكس من تصريحات روحاني المتشددة جاءت مواقف ‏لينة من قبل وزير الخارجية محمد جواد ظريف الذي عبر عن قلقه بشأن الأحداث‎ ‎الأخيرة، معتبرا ‏الحادث مقدمة لتفاقم الأزمة السورية، علاوة على حساسية الظروف الراهنة في سوريا، وتأثيرها ‏على السلام‎ ‎العالمي، وضرورة المكافحة الدولية المتحدة للإرهاب"، مؤكدا أن "النجاح لن‎ ‎يتحقّق ‏في مواجهة الإرهاب إلّا من خلال وجود إرادة إقليمية ودولية‎ ‎موحدة".‏

في نهاية المطاف حذر اردوغان نظيره بوتين من مغبة اللعب بالنار! والنار كما نعلم جيدا سوف ‏لا تصيب الطرفين بإذى كبير، بل ان سياطها اللاهبة ستلسع العراقيين والسوريين على وجه ‏الخصوص، هذان البلدان المنكوبان هما  مسرح الأحداث وتصفية الحسابات بين الكبار. يا ويلنا ‏من شر إقترب!‏

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,049,292

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"