‏#الموصل والحرب العالمية الثالثة!

عبدالجبار الجبوري

فتحت قضية دخول القوات التركية الى اطراف الموصل، الابواب على مصارعيها امام الدول ‏الكبرى لتفصح عن استراتيجيتها لما بعد معركة الموصل المرتقبة، وفضحت النوايا العدوانية ‏للدول الاقليمية المجاورة للعراق للعمل على محو هوية العراق العربية، بعد تقسيمه ‏وتجزيئه الى دويلات طوائف.

 

العراق الان مهيأ اكثر من اي وقت مضى الى التقسيم ‏والتشرذم والانهيار ومحو الهوية للأبد كما يرى قصيرو النظر، ويعمل عليه اعداء العراق من ‏كل الاطراف الدولية والمحلية، والتي يسميها البعض اعادة رسم خارطة سايكس بيكو الجديدة ‏وفقا لمشاريع ومصالح الدول الكبرى التي تعمل ليل نهار لهذا الغرض، ولنر الان ماذا ‏يحصل في العراق والمنطقة، وبالتحديد في اطراف الموصل، التي تتهيأ أميركا وحلفاؤها ‏لإعلان معركة الموصل وتحريرها من يد داعش كما تزعم، في حين الهدف هو اكبر من ‏تحرير الموصل، فماذا يجري على حدود الموصل؟ وكيف نقرأ الحشود التركية ‏والايطالية والأميركية والبيشمركة وغيرها، في منطقة زليكان قرب الموصل والقريبة من ‏مطار بامرني العسكري؟

هنا قراءة لما بعد معركة الموصل وقبلها والتحضيرات لها.

ما ‏يجري الان في اروقة حكومة العبادي هو سيناريو ايراني بامتياز ، يحضر له دهاقنة طهران ‏لابتلاع العراق وعلى الاقل الجنوب العزيز وبغداد وحزامها حتى حدود صلاح الدين، وهو ‏مشروع طائفي عنصري له مدلولات دينية واضحة لحكام وملالي طهران في استكمال ‏مشروعها الكوني التوسعي لإعلان الهلال الشيعي الذي يضم العراق وسوريا ولبنان واليمن ‏وصولا لدول الخليج العربي، وتصريحاتهم تؤكد هذا (ان بغداد عاصمة الامبراطورية الفارسية، او اننا ‏لا نحتاج الى اذن بدخول العراق لأنه ارض اجدادنا، وغيره عشرات الدلائل الاكيدة التي لا ‏يخفيها ملالي طهران وعملاؤهم وأحزابهم في العراق)، في حين المشروع الأميركي معروف ‏للجميع في اقامة المشروع الشرق اوسطي الكبير والمشروع الروسي العودة بقوة الى المنطقة ‏كقوة موازية لأميركا ومصالحها الاستراتيجية البعيدة في المنطقة وخاصة سوريا، وما انشاؤها ‏قواعد برية وبحرية هناك إلا دليل على عودتها وبقائها لفترة طويلة الامد وهذا هو مشروعها ‏ايضا في العراق وما تحالفها الرباعي مع ايران وسوريا والعراق الا هدفا لتحقيق هذا.

يبدو من ‏استماتة الرئيس الروسي فيلاديمير بوتين على الابقاء على نظام بشار الاسد كمعادل موضوعي لعودة روسيا ‏وضمان مصالحها في المنطقة، وهذا تحقق الان وبنجاح، بحيث اجبر أميركا وبريطانيا ‏وفرنسا وألمانيا والدول العربية، على تغيير رأيها وقرارها بضرورة البقاء على نظام الاسد ‏وعدم ازالته الان لوجود خطر داعش، العدو المشترك للجميع ، بالرغم من تعارض المشاريع ‏الأميركية ومصالحها مع المشاريع الروسية في المنطقة تعارضا كاملا ، ولكن المصائب ‏يجمعن المصابينا كما يقال.

اذن لكي نفهم انجرار الدول نحو اعلان الحرب على داعش ‏كخطر وكعدو مشترك يهدد الجميع، علينا ان نفهم ايضا ان هذه الدول لا تقاتل داعش من اجل ‏ابعاد خطره والقضاء عليه من اجل امنها ، ولكن من اجل تحقيق مشاريعها الاستراتيجية، حتى ‏ولو كان على جماجم الشعوب التي ستنطلق من ارضها الحرب على داعش وتدميرها!

الغاية ‏تبرر الوسيلة وهكذا، نشهد الاعداد لمعركة الموصل، التي ستطول حتما قبل ان تحقق اهدافها ‏كلها بوقت واحد، فاوباما وإدارته يرفضون ارسال قوات برية للعراق لكي لا يتكرر مشهد غزو ‏المجرم جورج بوش وهزيمته في العراق، فيما اعلنت شخصيات أميركية نافذة في الكونغرس منها ‏جون ماكين وليندسي غراهام المرشح الاقوى للرئاسة الأميركية وغيرهم ان أميركا اعدت ‏سيناريو محكماً لهزيمة داعش والميليشيات الايرانية معا في العراق، من خلال ارسال ‏‏100 ألف مقاتل 10% منهم من القوات الأميركية، والباقي عربية وإقليمية وهكذا تم الان ‏وصول طلائع هذه القوات، وهذا اعلنه جون ماكين بتصريح مباشر للفضائيات، وابلغه لحيدر العبادي ‏شخصيا، واعدا اياه بدعم أميركي لحكومته فيما بعد، اذن السيناريو الأميركي في طريقه الى ‏التنفيذ، وسط تهديدات وتهويلات اعلامية ساخنة جدا لقادة الحشد الشعبي، هادي العامري ‏وغيره، وأعضاء دولة القانون والأحزاب الايرانية الحاكمة، وكل هذا يجري بدعم وتوجيه ‏وأوامر ايرانية لهم، وهذا التصعيد والتهديد بضرب تركيا وتدمير دباباتها على رأسها والطلب ‏من روسيا لقصف القوات التركية الموجودة في اطراف الموصل، وهذا بحد ذاته اعلان حرب ‏على تركيا ارضاءً لإيران وروسيا ودفعا منهما لإشغال العالم عن القصف ‏الروسي للمعارضة السورية، وردا على اسقاط الطائرة الروسية من قبل تركيا، اذن الاهداف ‏واضحة باتجاه ادخال تركيا في حرب لا تريدها وتدفع بها دفعا، في حين تصر روسيا وإيران ‏عليها اصرارا واضحا باستفزازها والهجوم الاعلامي الكبير عليها، والتبرير الايراني-‏ الروسي جاهز ضد تركيا وهو دعم داعش ومرور عناصرها وعدم ضبط حدودها معهم وشراء ‏نفطها، وهذه كلها تهم وافتراءات لا سند ولا وثائق تقدمها الاطراف المعادية لتركيا (قالها ‏الرئيس رجب طيب اردوغان صراحة وكذَّب بوتين: اذا استطاع بوتين اثبات ادعاءه ان تركيا تشتري نفط داعش ‏او تتعامل معها وتدعمها  فأنا سأستقيل)، وهذا كلام الواثق من نفسه، وبلع بوتين الفضيحة ، ثم دفع بجرابيع عراقية يقودون ميليشيات اجرامية طائفية لإعلان الحرب على تركيا ‏بحجة تدخلها في العراق وغزوه واحتلاله تمهيدا لضم الموصل له، وهذه فرية لا تنطلي الا ‏على السذج، لان الموصل وأهلها رفضوا هذا الضم عام 1925 فكيف يقبلون به وهم في ‏‏2015، علما ان رئيس وزراء تركيا اعلن قبل يومين تكذيب هذه الاقاويل والتهم والإشاعات ‏حين قال "تركيا ليس لديها اطماعا في اي شبر في العراق" مما يدحض المبررات العراقية ‏الواهية، والتي  بلع طعمها وزير الدفاع العراقي الفاشل خالد العبيدي، والذي زار بنفسه قبل ‏ايام معسكر الحشد الوطني واثنى على مقاتليه ورأى بام عينه المدربين الاتراك هناك والدبابات ‏التركية العشرين، ولكن لأنه منبطح في المشروع الايراني وغاطس الى اذنيه فيه، فهو ‏مشغول في (زيارة الاربعين للإمام الحسين) ويقوم بعمل أكلة القيمة والرز ‏للزوار، ويشرف على الطعام (يخوط في قدور الطبخ بنفسه)، ولم يكلف هذا الخسيس نفسه ‏ويزور اهله من نازحي نينوى والانبار الغارقين في وحل العراء بأربيل ودهوك وسط اكوام ‏الثلوج والبرد دون مأوى.

ان افتعال قضية التدخل التركي واضحة الاهداف تماما ووراءها ‏ايران وروسيا لغايات اشعال فتيل حرب اقليمية، وافتعال ازمة تمهيدا للتدخل وكل دولة من ‏زاويتها ، ايران لإفشال سيناريو أميركا الجديد الذي ابلغه جون ماكين للعبادي، وروسيا تريد ‏جر تركيا للحرب في العراق وسوريا ثأرا لإسقاط طائرتها في تركيا.

ولكن ماذا بعد كل هذا ‏التصعيد والتهديد العراقي والروسي والإيراني لتركيا؟ وهل تركيا على استعداد لمواجهة هذا ‏التهديد؟

نحن نعلم ان اردوغان يمتلك حكمة سياسية وصبراً استراتيجياً في معالجة الازمات ‏الدولية، وكلنا يتذكر ازمة الباخرة مع الكيان الصهيوني وكيفية نجاح الدبلوماسية التركية في انحناء ‏تل أبيب وتخاذلها لتركيا، ولكن هنا الوضع يختلف تماما، دول تريد اشعال حرب عالمية ثالثة، قالها بوتين بنفسه وبالحرف الواحد قبل يومين "روسيا مستعدة لحرب عالمية ثالثة" اذن ‏القضية ليست نزهة في ضوء القمر فهو يجر أميركا والمنطقة والعالم كله الى هذه الحرب التي ‏يحضر لها منذ سنين، مع حلفائه الايرانيين، كما تهيئ لها أميركا ايضا اذا تعرضت ‏مصالحها للخطر، وهاهي تتعرض مصالحها لخطر داعش وخطر ايران وروسيا انتقاما من ‏مواقف أميركا من الاتفاق النووي الايراني وإصرار أميركا على ادانة ودعم اوكرانيا في قضية ‏ضم جزيرة القرم الاستراتيجية لروسيا بالقوة.

لذلك نحن نرى ان معركة الموصل هي انطلاق ‏لحرب عالمية كبيرة مسرحها ارض العراق ومن الموصل تحديدا، وستكون سوريا مسرحا ‏لها ايضا، معركة الموصل ايذان لحرب عالمية طويلة تريدها الدول الكبرى لتحقيق ‏مشاريعها ومصالحها الاستراتيجية في الشرق الأوسط، ولكن بكل تأكيد لن يكون امل في تحقيق ‏اي من هذه المشاريع، لأن توزيع الاختلاف في توزيع الغنائم بين الدول المنتصرة سيكون ‏باهظا جدا، وسيكون حساب الحقل مختلفاً عن حساب البيدر، فالشعوب الحية وعت المؤامرة ‏وستفشلها بكل تأكيد، فعام سايكس بيكو ليس كعام الفيل..‏

 

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,048,642

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"