على من يُريدون أن يُنفقَ هؤلاء الدعاة وأتباعهم توزيع سلعتهم البائرة؟!
هؤلاء المتصايحون في سوق الهرج السياسي هذه الأيام يعيدون نفس الدور القذر لأسلافهم من التابعين منذ قرون. وهؤلاء شذاذ الآفاق، بكل ما سُميَت به كياناتهم وأحزابهم وكتلهم يتصايحون نفاقا بالدفاع عن "سيادة العراق"، وهم باستنكاراتهم وصراخهم المزيف عن احتلال الأتراك لمناطق من شمال العراق لا يمكن أن تُجمل إلا بمسمى واحد فقط هو أن " نفايات الاحتلال" يكتشفون اليوم لأنفسهم تعاريفاً جزئية لمعنى ومصطلح الاحتلال الذي وضع منهم حكاماً على العراق في عملية سياسية احتلالية نصبها الغزو والاحتلال الأميركي وحليفه النظام الإيراني.
"نفايات الاحتلال" يملأون ميكروفونات العالم صخبا وضجيجا هذه الأيام باستنكار ما يسمونه "الاحتلال التركي" لـ "بعشيقة أو "الشيخان" أو "سنجار"... وهم قد سَمَّوا مناطق العراق ومدنه بشكل يثير التقزز والقرف، وبانتقائية مقيتة، تحاول ترضية المحاصصة بينهم أيضاً. هم باتوا يفرزون خسَّة معادنهم في سوق الوطنية العراقية، باستنكار ما فعلته أياديهم القذرة بحق العراق والعراقيين.
ولعل بعض الناس من ذوي الذاكرة القصيرة، لا يرون ولا يعرفون، حقيقة ودوافع ما يُعرض أمامهم على المسرح السياسي المحلي والإقليمي والدولي، لاستهلاك الشعارات السياسية الانتهازية والمصلحية ذات الإغراض الخدمية والعمالة لمصالح الغير خارج الحدود.
ويبدو أن أقزام العمالات القديمة والمتجددة لا يتغيرون ، حتى وان صاروا محسوبين على رجال السلطة والحكم، وهم يتسلطون على جهاز ركام الدولة العراقية المنهار بسبب كل تلك الصفقات والبيع للعراق في المزادات الرخيصة.
أذكر في سنوات الحرب العراقية الإيرانية، كنا نشهد ذات الموقف الانتقائي والانتهازي عند من كانوا يضعون أنفسهم في خانة المعارضة للنظام الوطني، ففي الوقت الذي كانت إيران الصفوية تشن الحرب على شعب العراق طوال ثمان سنوات، كان نفس هذا الجوق من شيوعيي عزيز محمد وخليفته لاحقاً حميد مجيد موسى، إلى عصابات جلال الطالباني، مرورا بحزب الدعوة، ومجلس آل حكيم اللاإسلامي، يعيدون إصدار نفس بياناتهم الحالية، بمناسبة ومن دون مناسبة، حول "الاجتياح التركي لشمال العراق"، في الوقت الذي كانوا يشكلون بفيالقهم ومنظماتهم ومنظماتهم المقيمة بطهران، والتي تقودها إيران، ليصبحوا رأس الرمح في طعن خاصرة العراق والتآمر عليه، وكانت أراضي العراق من أقصى شماله إلى جنوبه معرضة لهجومات إيران وقصفها لمدن العراق، وإرسال مرتزقتها للتخريب، كلهم سكتوا حتى عند احتلال الفاو ودخول إيران إلى حلبجة ومناطق حدودية عراقية، دفع أبناء العراق الأحرار والنشامى أزكى الأرواح من الشهداء والضحايا للدفاع عنها وتحريرها.
هل تغيرت عصابات بدر المقبور باقر الحكيم عن دورها في الارتزاق، حتى لو صارت تحكم بلدا اسمه العراق ضمن التحالف اللاوطني، ويشرف عليها مجرم من أمثال هادي العامري تحت إمرة قاسم سليماني وفيلق القدس الصفوي؟!
هل تغير حزب جلال الطالباني وجحوشه؟ حتى ولو ترأس جلال الطالباني وسلفه فؤاد معصوم رئاسة جمهورية العراق المحتل لثلاث مرات على التوالي؟!
هل تغير حزب حميد مجيد موسى، المتشيع صفوياً، بعد مسيرة شيوعية منحرفة، وهو يتظاهر اليوم في ساحة التحرير ضد الاحتلال التركي لشمال العراق، ناسياً جرائم حكومة حيدر العبادي وسلفه نوري المالكي؟!
هذا غيض من فيض، والباقي أكثر.
كيف سيجتمع هذا الحشر اللا وطني في تظاهرات يدعو إليها نوري المالكي نفسه، موقع اتفاقية التنسيق التعاون الأمني عبر الحدود مع الحكومة التركية بنفس شخوصها وقيادتها الحالية، وأحد مؤسسي داعش برعاية إيرانية وتنسيق أميركي لإجهاض انتصارات مقاومة شعب العراق، التي كانت تدق أبواب بغداد لتحريرها؟!
يا عبيد كل الاحتلالات الأميركية والإيرانية والتركية والصهيونية: لا يمنعكم أحد من التظاهر أبداً ضد كل تلك الاحتلالات، بكل مسمياتها، بدءا من الاحتلال الأميركي الجاثم على صدر العراقيين، مرورا بالاحتلال الإيراني المتغلغل والمغتصب لكل مفاصل حياة أبناء العراق، وصولا إلى تنفيذه على الأرض مرحلة خطر ، تتجلى في الاستيطان. والاستيطان كما يطلق عليه الساسة وعلماء المصطلح السياسي بات "كولونيالية"، أي استعمار استيطاني، وهو أخطر أنواع الاستعمار، وهو تماما استعمار بغيض، كما فعلت فرنسا في الجزائر على مدى 132 عاما، وكما طبقته الحركة الصهيونية في برنامجها بعد احتلال فلسطين وإلغاء خارطته من الوجود، واليوم يواجه العراقيون نفس محنة الاستعمار الاستيطاني الصفوي هذه المرة، مندفعا وملتحفا بعباءة الطائفية والمذهبية ودافعا عبر الحدود مليون متسلل تحميهم وتمسح أرجلهم وأحذيتهم المليشيات المسلحة والمرتزقة المحسوبين على عنوان وطني اسمه "الجيش العراقي" للإساءة إلى شعب العراق وإذلاله.
إن ما يجري اليوم على ركح السياسة العراقية من مشاهد غرائبية، هي ليست جديدة، ويجب أن لا يغفل عنها أبناء العراق، فالحروب الصفوية ـ العثمانية تكالبت على العراق عبر قرون، وكتب عنها عالم الاجتماع الراحل د. علي الوردي، في ثمان أجزاء من كتابه [لمحات اجتماعية من تاريخ العراق] ، وكانت تلك الفترات المظلمة من تاريخ العراق بعد سقوط بغداد على يد هولاكو حولت العراق إلى ساحات خراب مدمر، شمل كل الأراضي العراقية، ونحن ندفع جزيتها الطائفية واحترابها المذهبي إلى اليوم.
إن ما يجري من تصاعد في حمى الدفاع عن مسميات الاحتلال التركي، لا تخرج عن تلك القاعدة التي دفعنا أثمانها غالية عبر قرون من خلال التكالب الإيراني ـ التركي على تقاسم واحتلال العراق. وليست القضية اليوم في وجود "داعش" ومحاربتها، وهي ربيبتهم كلهم ، نشأت تحت رعايتهم، من النظام الإيراني والسوري وحتى التركي وكبيرهم المنسق الأعظم للأدوار الاستعمارية والاستيطانية المشبوهة في واشنطن، وما احتلال بعشيقة، أو وجود معسكر تدريب للأتراك في شمال نينوى، لجماعة النجيفي داخل اراض العراق إلا "مسمار جحا" للتدخل، كما يقول المثل العربي.
إن من جلب الأتراك إلى داخل أراضي العراق هم "سنَّة السلطة" ، ومن وقَّعَ الاتفاقيات مع حكومة اردوغان هم "شيعة السلطة" أيضا. وما هذا اللعب على الحبلين سوى أغطية لخدمة كولونيالية قديمة ـ جديدة، وظفت فيها أطرافا عديدة تمهيدا لتقسيم العراق.
أيها الأحرار العراقيين تظاهروا من أجل تحرير الوطن
ويا أيها العبيد والأقنان لا تتظاهروا من أجل تقسيم وبيع الوطن.