تظاهروا من أجل تحرير الوطن ولا تتظاهروا من أجل تقسيمه

عبد الكاظم العبودي

على من يُريدون أن يُنفقَ هؤلاء الدعاة وأتباعهم توزيع سلعتهم البائرة؟!

 

هؤلاء المتصايحون في ‏سوق الهرج السياسي هذه الأيام يعيدون نفس الدور القذر لأسلافهم من التابعين منذ قرون. وهؤلاء شذاذ ‏الآفاق، بكل ما سُميَت به كياناتهم وأحزابهم وكتلهم يتصايحون نفاقا بالدفاع عن "سيادة العراق"، وهم ‏باستنكاراتهم وصراخهم المزيف عن احتلال الأتراك لمناطق من شمال العراق لا يمكن أن تُجمل إلا ‏بمسمى واحد فقط هو أن " نفايات الاحتلال" يكتشفون اليوم لأنفسهم تعاريفاً جزئية لمعنى ومصطلح ‏الاحتلال الذي وضع منهم حكاماً على العراق في عملية سياسية احتلالية نصبها الغزو والاحتلال ‏الأميركي وحليفه النظام الإيراني.‏

‏"نفايات الاحتلال"  يملأون ميكروفونات العالم صخبا وضجيجا هذه الأيام باستنكار ما يسمونه "‏الاحتلال التركي" لـ "بعشيقة أو "الشيخان" أو "سنجار"... وهم قد سَمَّوا مناطق العراق ومدنه بشكل ‏يثير التقزز والقرف، وبانتقائية مقيتة، تحاول ترضية المحاصصة بينهم أيضاً. هم باتوا يفرزون خسَّة ‏معادنهم في سوق الوطنية العراقية، باستنكار ما فعلته أياديهم القذرة بحق العراق والعراقيين.‏

ولعل بعض الناس من ذوي الذاكرة القصيرة، لا يرون ولا يعرفون، حقيقة ودوافع ما يُعرض ‏أمامهم على المسرح السياسي المحلي والإقليمي والدولي، لاستهلاك الشعارات السياسية الانتهازية ‏والمصلحية ذات الإغراض الخدمية والعمالة لمصالح الغير خارج الحدود.‏

‏ ويبدو أن أقزام العمالات القديمة والمتجددة لا يتغيرون ، حتى وان صاروا محسوبين على رجال ‏السلطة والحكم، وهم يتسلطون على جهاز ركام الدولة العراقية المنهار بسبب كل تلك الصفقات والبيع ‏للعراق في المزادات الرخيصة. ‏

أذكر في سنوات الحرب العراقية الإيرانية، كنا نشهد ذات الموقف الانتقائي والانتهازي عند من ‏كانوا يضعون أنفسهم في خانة المعارضة للنظام الوطني، ففي الوقت الذي كانت إيران الصفوية ‏تشن الحرب على شعب العراق طوال ثمان سنوات، كان نفس هذا الجوق من شيوعيي عزيز محمد ‏وخليفته لاحقاً حميد مجيد موسى، إلى عصابات جلال الطالباني، مرورا بحزب الدعوة، ومجلس آل ‏حكيم اللاإسلامي، يعيدون إصدار نفس بياناتهم الحالية، بمناسبة ومن دون مناسبة، حول "الاجتياح ‏التركي لشمال العراق"،  في الوقت الذي كانوا يشكلون بفيالقهم ومنظماتهم ومنظماتهم المقيمة ‏بطهران، والتي تقودها إيران، ليصبحوا رأس الرمح في طعن خاصرة العراق والتآمر عليه، وكانت ‏أراضي العراق من أقصى شماله إلى جنوبه معرضة لهجومات إيران وقصفها لمدن العراق، وإرسال ‏مرتزقتها للتخريب، كلهم سكتوا حتى عند احتلال الفاو ودخول إيران إلى حلبجة ومناطق حدودية ‏عراقية، دفع أبناء العراق الأحرار والنشامى أزكى الأرواح من الشهداء والضحايا للدفاع عنها ‏وتحريرها. ‏

هل تغيرت عصابات بدر المقبور باقر الحكيم عن دورها في الارتزاق، حتى لو صارت تحكم ‏بلدا اسمه العراق ضمن التحالف اللاوطني، ويشرف عليها مجرم من أمثال هادي العامري تحت إمرة ‏قاسم سليماني وفيلق القدس الصفوي؟!

هل تغير حزب جلال الطالباني وجحوشه؟ حتى ولو ترأس ‏جلال الطالباني وسلفه فؤاد معصوم رئاسة جمهورية العراق المحتل لثلاث مرات على التوالي؟!

هل ‏تغير حزب حميد مجيد موسى، المتشيع صفوياً، بعد مسيرة شيوعية منحرفة، وهو يتظاهر اليوم في ‏ساحة التحرير ضد الاحتلال التركي لشمال العراق، ناسياً جرائم حكومة حيدر العبادي وسلفه نوري ‏المالكي؟!

هذا غيض من فيض، والباقي أكثر.

كيف سيجتمع هذا الحشر اللا وطني في تظاهرات يدعو ‏إليها نوري المالكي نفسه، موقع اتفاقية التنسيق التعاون الأمني عبر الحدود مع الحكومة التركية بنفس ‏شخوصها وقيادتها الحالية، وأحد مؤسسي داعش برعاية إيرانية وتنسيق أميركي لإجهاض انتصارات ‏مقاومة شعب العراق، التي كانت تدق أبواب بغداد لتحريرها؟! ‏

يا عبيد كل الاحتلالات الأميركية والإيرانية والتركية والصهيونية: لا يمنعكم أحد من التظاهر ‏أبداً ضد كل تلك الاحتلالات، بكل مسمياتها، بدءا من الاحتلال الأميركي الجاثم على صدر العراقيين، ‏مرورا بالاحتلال الإيراني المتغلغل والمغتصب لكل مفاصل حياة أبناء العراق،  وصولا إلى تنفيذه ‏على الأرض مرحلة خطر ، تتجلى في الاستيطان. والاستيطان كما يطلق عليه الساسة وعلماء ‏المصطلح السياسي بات "كولونيالية"، أي استعمار استيطاني، وهو أخطر أنواع الاستعمار، وهو ‏تماما استعمار بغيض، كما فعلت فرنسا في الجزائر على مدى 132 عاما، وكما طبقته الحركة ‏الصهيونية في برنامجها بعد احتلال فلسطين وإلغاء خارطته من الوجود، واليوم يواجه العراقيون نفس ‏محنة الاستعمار الاستيطاني الصفوي هذه المرة، مندفعا وملتحفا بعباءة الطائفية والمذهبية ودافعا عبر ‏الحدود مليون متسلل تحميهم وتمسح أرجلهم وأحذيتهم المليشيات المسلحة والمرتزقة المحسوبين ‏على عنوان وطني اسمه "الجيش العراقي" للإساءة إلى شعب العراق وإذلاله.‏

إن ما يجري اليوم على ركح السياسة العراقية من مشاهد غرائبية، هي ليست جديدة،  ويجب أن ‏لا يغفل عنها أبناء العراق، فالحروب الصفوية ـ العثمانية تكالبت على العراق عبر قرون، وكتب عنها ‏عالم الاجتماع الراحل د. علي الوردي، في ثمان أجزاء من كتابه [لمحات اجتماعية من تاريخ العراق] ‏، وكانت تلك الفترات المظلمة من تاريخ العراق بعد سقوط بغداد على يد هولاكو حولت العراق إلى ‏ساحات خراب مدمر، شمل كل الأراضي العراقية، ونحن ندفع جزيتها الطائفية واحترابها المذهبي إلى ‏اليوم. ‏

إن ما يجري من تصاعد في حمى الدفاع عن مسميات الاحتلال التركي، لا تخرج عن تلك ‏القاعدة التي دفعنا أثمانها غالية عبر قرون من خلال التكالب الإيراني ـ التركي على تقاسم واحتلال ‏العراق. وليست القضية اليوم  في وجود "داعش"  ومحاربتها، وهي ربيبتهم كلهم ، نشأت تحت ‏رعايتهم، من النظام الإيراني والسوري وحتى التركي وكبيرهم المنسق الأعظم للأدوار الاستعمارية ‏والاستيطانية المشبوهة في واشنطن، وما احتلال بعشيقة، أو وجود معسكر تدريب للأتراك في شمال ‏نينوى، لجماعة النجيفي داخل اراض العراق إلا "مسمار جحا" للتدخل، كما يقول المثل العربي.‏

إن من جلب الأتراك إلى داخل أراضي العراق هم "سنَّة السلطة" ، ومن وقَّعَ الاتفاقيات مع ‏حكومة اردوغان هم "شيعة السلطة" أيضا. وما هذا اللعب على الحبلين سوى أغطية لخدمة كولونيالية ‏قديمة ـ جديدة، وظفت فيها أطرافا عديدة تمهيدا لتقسيم العراق.‏

أيها الأحرار العراقيين تظاهروا من أجل تحرير الوطن ‏

ويا أيها العبيد والأقنان لا تتظاهروا من أجل تقسيم وبيع الوطن.

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,045,207

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"