مقالتان في #الإرهاب

ضرغام الدباغ‏

في غضون أيام قليلة أجرت معي قناة تلفازية عربية/ أوربية مقابلتان حول موضوع واحد تقريباً، ‏يشغل بال السياسي والمثقف والمواطن العادي، ألا وهو الإرهاب وأصداءه وما تسعى إليه دوائر عديدة ‏في العالم الغربي، وقد أظم لهم العالم الشرقي، وكل من يريد أن يمد يده إلى الوليمة فيحصل على ‏الغنيمة أو جزء منها.‏

كل مواطن يشعر أن هناك ثمة شيئاً غير أعتيادي يدور، شيء من تجمع واسع النطاق يريد أن يوقع بنا ‏ضرراً كبيراً، واليوم هناك شعار كبير واسع يتسع لدول ومحاور ومعسكرات وأحلاف وائتلافات، ‏والكل يستخدم ما بحوزته من أسلحة، المحرم منها والمحلل، هنا حيث لا قانون، ولا شريعة، ولا حقوق ‏دول وأمم وأفراد.‏

‏هذا المخطط رغم أن جرى التخطيط له بدقة، وينفذ بأحكام، إلا أن الأرض ستنتصر في النهاية، ربما ‏سندفع ثمناً غالياً، ولكن في النهاية لا يصح إلا الصحيح، ليس هناك نصر جذوره في جريمة!‏

 

‏1‏

ذروة الإرهاب


ذروة الشيء هي أعلى نقطة يبلغها تطور معين، ومن بعده هبوط تدريجي أو سقوط حر مدمر. والسؤال: ‏هل داعش أعلى تطور بلغته صناعة الإرهاب في منطقتنا أو في العالم؟!‏

لاشك أن داعش هي منتوج تختلط فيه حزمة خرافات، وألعاب مخابرات، وخطوط تسلل وألغام مبثوثة ‏هنا وهناك، بحيث تجعل من هذه المنظمة حزمة من الأكاذيب والمبالغات، ولكن الحقائق أيضاً في ‏حزمة متداخلة متشابكة يصعب بلوغ كنهها الحقيقي.‏

ونعتقد، بأرجحية كبيرة، أن توليفة كهذه، معقدة لهذه الدرجة، قد تعمد منتجوا هذا الكيان أن يمحوا ‏آثارهم ليصعب أقتفاء آثارهم والتوصل إلى كنهة الكيان الحقيقية، في هذا العصر الذي يتسم بحقيقة أن ‏الوسائل الالكترونية قد أصبحت بمستوى ألعاب الأطفال، بحث من السهل جداً لطفل لم ينهي الدراسة ‏الابتدائية أن يؤسس موقعاً في الفيس بوك بدقائق، أو موقعاً على الأنترنيت بدراهم معدودة، ولكن ‏داعش تمثل قلعة من الغموض أقرب إلى كونها منظمة سرية منها إلى دولة تريد أن يبدو خطها واضحاً ‏للعيان قريباً للفهم، ولا معلومات لدينا عنها سوى مشاهد مفزعة مفرطة في القسوة، القصد الوحيد منها ‏هو إلقاء الرعب لا السكينة والإقناع، ومن المؤكد أن لا وعي ولا ولاء حقيقي ينجم عن الخوف.‏

نتوصل إلى قناعة أن هذا الكيان ينطوي على الغموض أكثر من الوضوح، والكثير من الأوهام ‏والأسرار، وبالتالي فالناس غير مرغمين على إطاعة كل من يرفع سكينه أو سيفه أو فأسه، ويحق لمن ‏يريد أن يبحث في أصل الأشياء، أن يعتقد أن هذا الكيان من ألعاب المخابرات منتج في مختبرات ‏الأجهزة السرية، ولم يسبق لنا أن واجهنا كياناً كهذا منذ عقود طويلة جداً وربما منذ قرون، ويتعمد من ‏يقف وراءه أن يفجر مفاجئات تسيئ إلى الإسلام أكثر مما تفيده، وتكتل جهات ومعسكرات ضده، فهذه ‏لا تدل على مقدرة سياسية، ولا مقدرة تكتيكية، فما يحصل هو خراب ودمار لا غير، وذرائع يمنحها ‏بالمجان لمن يشحذ أنيابه واضلافه ليهاجم الإسلام والمسلمين بتهمة التخلف، وأشهد أن داعش تمنحهم ‏هذه الفرصة الذهبية.‏

ومن هنا تحديداً شاعت فكرة أن الأجهزة الغربية لا تريد لداعش نهاية سريعة، وممارساتهم العملية ‏تفصح عن ذلك، عبرت عتها تصريحات مسؤولين غربيين ومن الولايات المتحدة بصفة خاصة، فما ‏تقوم به مفيد لها بنوع ما، وهو الإساءة للإسلام والمسلمين، ولسان حالها يقول دعهم يعمقون الحفرة، ‏فسيأتي يوم على الناس لا تستطيع فيه سماع أسم الحركات الإسلامية المعتدل منها أو المتطرف، ولكن ‏شعوبنا تدفع ثمن هذا العبث في مصائرها.‏

هناك قاعدة ذهبية في التحقيق، القاعدة تقول: أبحث عن المستفيد. وهنا في هذه الحالة تحديداً لا نبحث ‏ولا نحقق طويلاً ..... النتيجة واضحة للعيان.‏

إذا كانت داعش تمثل ذروة غير مسبوقة، ليس في الإرهاب فقط، بل في إبداء آيات وضروب من ‏التوحش، لم نكن نعرفها، فقد غادرنا هذا النمط منذ عهود ... وهي ليست من طبائع أهل المنطقة، فاليوم ‏أجهزة المخابرات تشتغل بالالكترونيك، وتضم أجهزتها فروع مختصة بهذا العلم الواسع، اختصوا به ‏ليسترقوا المكالمات، ويزرعوا الفايروسات في الكومبوترات، لإفسادها أو إتلافها، وليس من المستبعد ‏أن ينتجوا كياناً مماثلاً يفوقه في أمران : ‏

الأول: في تشتيت الدلائل لمن يحاول‏ أن يقتفي الآثار.‏

الثاني: في سبيل الانتشار والقمع.‏

قبل أيام، وأنا لا أتخذ مواقفي السياسية والفكرية بناء على الشحن والعصبية، بل على المشاهدة العيانية ‏والتقرب لدرجة الملامسة، ودراسة الحالة من جميع أبعادها، وتقليب الأمر على كل وجوهه، قال لي ‏محدثي : ألا ترى من الغريب والعجيب أن تتمكن داعش من الوصول لعاصمة دولة أوربية وهي ‏باريس، المعروف بامتلاكها جهاز بوليسي وأمني كفء، وأميركا القلعة الأمنية، وأن تنفذ عمليات ‏كبيرة بدقة وإتقان، فيما لم تحاول الوصل إلى ثلاث عواصم تدعي عداءها: تل أبيب ودمشق وطهران. ‏لماذا ...؟

لا نزيد فالزيادة كالنقصان.‏

 

‏2‏

محنة في فقه الإرهاب


ليس في العالم العربي أو الإسلامي فقط، بل أني أعتقد جازماً أن هناك خلافاً غير بسيط في فقه ‏الإرهاب بين كافة الدول بل وحتى في المؤسسات القانونية الدولية بما في ذلك محكمة العدل الدولية ‏ومحكمة الجنايات الدولية، سيستمر لوقت طويل قادم. ويمتد هذا الخلاف حتى إلى أشهر معاهد التفسير ‏والتكيف القانوني، والسبب في ذلك بتقديري أن العالم يفتقر إلى الديمقراطية الحقة، ومجلس الأمن لا ‏يمثل سوى توافق القوى العظمى في قيادة العالم، وهذا هذا الغطاء الشرعي الفضفاض سهل الاختراق، ‏ويمنح انطباعاً واضحاً أن مسرح السياسة الدولية في الواقع يعبر عن تفاهم القوى العظمى يتقاسم مواقع ‏النفوذ في محاولة لتجنب الصدام بينها.‏

الإرهاب في العالم ليس جديداً، بل هو قديم، يتطور عبر مراحل التاريخ، منذ أن أطلق شاب صربي ‏يدعى برنسيب النار على ولي عهد النمسا في حزيران / 1914 متسبباً بالحرب العالمية الأولى ‏ويكتسب أهمية متواصلة متصاعدة، ولكن غالباً ما يزعم طرف ما أن الإرهابي هو ثائر يأس من إحقاق ‏الحق، فلجأ إلى خرق القانون والنظام، فيما يرى الطرف الآخر، أن غضب الثائر هو محض جريمة. ‏وبين هذا وذاك تقع مصائر أمم وشعوب ربما ضحية لسوء التفسير.‏

وقد يحدث، وربما غالباً، أن الطرف الضعيف، لا يمتلك القدرة على رفع صوته وإيصاله إلى كافة ‏الصالات المقفلة والقصور المحروسة جيداً، فيعمد إلى إيصال رسالة، أن طالما تتجاهلون حقي، فلن ‏أدعكم تهنأون، وليس نادراً تكون هذه الرسالة تسيل منها الدماء، وليس من المستبعد أن تكون دماء ‏أبرياء.‏

في التاريخ الحديث، علامات بارزة تمثل مفارقات، فعلى سبيل المثال كان مناحيم بيغن وفق القانون ‏إرهابياً قتل جنود وضباط انجليز عندما فجر فندق الملك داؤود في القدس 1946، وحوكم غيابياً وحكم ‏عليه، ولكنه زار بريطانيا كضيف رسمي فرش له سجادة حمراء، وليس هذا فحسب، بل ومنح جائزة ‏نوبل للسلام وهو الذي محكوم بجناية وحكم ساري المفعول.‏

في أواخر الخمسينات وأوائل الستينات، شهد العالم مسلسل خطف الطائرات الأميركية إلى كوبا، أو ‏بالعكس، واليوم نشهد الكثير جداً من حوادث الخطف والأبتزاز والقتل، ففي الولايات المتحدة لوحدها ‏هناك المئات من المنظمات السرية التي تقوم بأعمال قتل وتخريب منها مثلاً حادثة تفجير المركز ‏التجاري في أوكلاهوما سيتي 1995من قبل عصابة تيموثي ماكفي، وعموماً شهدت الولايات المتحدة ‏الكثير جداً من الأعمال الإرهابية التي كانت دوافعها عنصرية من قبيل جرائم الكلوكس كلان ‏العنصرية، أو جرائم طابعها مادي، أ ومختلين نفسياً وعقلياً من مما يطلق عليهم (‏Running Amok‏) ‏أو سعار القتل، وهم من نتائج الحروب التي تشنها الولايات المتحدة في العالم فيحترف جنودها القتل ‏المجاني الذي لا حساب عليه.‏

وفي أوربا نشهد الكثير جداً من هذه الفعاليات، ولكن تتجنب الصحافة إطلاق كلمة إرهابي ‏‏(‏Terorrist‏) فغالباً ما يكتبون مريض نفسي، أو مصاب بلوثة، أو أي شيئ ويستحق العناية الصحية ‏والاجتماعية، أما في إسرائيل فلا يعتبر هذا إرهابياً، ولا تطلق كلمة واحدة سلبية على إرهابي ‏الصهاينة.‏

موضوعة الإرهاب وتفسيراته، هو موضوع مناقشة في كليات القانون في العالم، وكنت مدعواً إلى ‏مؤتمر في إحدى الجامعات عن إرهاب الدول العظمى التي أجرت تجارب وتفجيرات نووية في العديد ‏من البلدان ويعاني سكان تلك المناطق حتى بعد مرور عقود طويلة على تلك التفجيرات. ولكن الدول ‏العظمى التي تحتكر حق إجراء تجارب نووية علنية، وتخوض حروباً تستخدم شتى أنواع الأسلحة، لا ‏تقبل بإحالة جنودها للمحاكم الجنائية الدولية، وترفض التوقيع على المعاهدات والاتفاقيات الخاصة ‏بذلك، وفي مقدمة تلك الدول الولايات المتحدة الأميركية.‏

الغرب والولايات المتحدة يدركون بدقة تامة أن الكثير مما يشكون منه هو من أفاعيل أياديهم، حروبهم ‏وغزواتهم، وصواريخهم التي تنهمر على رؤوس الناس، فيصاب بعضهم بلوثة التوحش فعلاً، وينطلق ‏في طريق عاطفي انفعالي، وهناك الآن من يتحدث بهذه الحقائق الموضوعية، من يغامر بوظيفته ‏الإعلامية، أو الجامعية، ويقبل بمقاطعته مقابل قول الحقيقة كلها. الآن هناك من يتحدث بصوت عال، ‏معتقدين أن الصمت غير مقبول. ورؤوساء أميركا ووزراء الدفاع فيها لا يجرأون على قول الحقيقة إلا ‏بعد أن يضمن تقاعداً مريحاً، ثم يبدأ بالأسف والتأسف، وقد لا يخجل ويعترف بأنه كذب.‏

محاولة الدوائر السياسية والصحفية التي تحاول من جعل الإسلام والعرب شماعة، بائسة شرعاً وقانوناً، ‏فلا توجد عقوبات شاملة، أن تعاقب كل من يبدأ أسمه بحرف (م) أو (ق)، ناهيك ليس بوسعك أن تحاكم ‏وتحاسب شعوباً وأمم، الفقه القانوني العالمي يزخر بقواعد ملزمة للتفسير وتعتبر مصابيح إنارة:‏

•      لا جريمة ولا عقاب إلا بنص.‏

•      المتهم برئ حتى تثبت إدانته.‏

سياسات الغرب تسير في طرق تجد نفسها في تناقض وتصادم دائماً لأنها مؤسسة على المصلحة الذاتية ‏دون النظر إلى من يحيط بهم. الغرب قوي ومسلح حتى الأسنان .... نعم .... ولكن لدينا مثل شعبي ‏رائع في العراق يقول (مو كل سمن عافية)‏ أي ليس كل سمين يتمتع بصحة وعافية.. فبعض مؤشرات السمنة هي ورم وانتفاخ!‏

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :135,620,209

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"