عمر الراوي
من الميزات التي امتازت بها أمتنا الاسلامية أنها أمة الجسد الواحد، إذا اشتكى منها فرد من مرض أو جوع أو فقر أو ظلم اجتمعت الأمة لحاجته، ولم يهنأ بقية افرادها إلا بإغاثته ونصرته.
وهذه القاعدة سار عليها المسلمون منذ أن بزغ نور الإسلام دون تمييز بين رئيس ومرؤوس، وقد ذكر لنا تاريخنا الاسلامي أوقاتا عصيبة مر بها المسلمون ومنها ما حدث لهم أيام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في عام الرمادة حيث اشتدت الحاجة بالمسلمين، واسودت الأرض من قلة المطر، حتى أصبح لونها شبيهاً بالرماد، أو أن ألوان الناس من شدة الجوع أضحت كالرماد.
قال ابن كثير ((إن عمر عسَّ المدينة ذات ليلة عام الرمادة، فلم يجد أحداً يضحك، ولا يتحدث الناس في منازلهم على العادة، ولم ير سائلاً يسأل، فسأل عن سبب ذلك، فقيل له: يا أمير المؤمنين، إن السُّؤال سألوا فلم يُعطوا، فقطعوا السؤال، والناس في هم وضيق فهم لا يتحدثون ولا يضحكون)).
لكن فاروق الأمة كان يُدرك الحاجة التي نزلت بالناس، فلم يهنأ بطعام أو شراب، وكان يعمل كل ما بوسعه لإغاثة الناس وتقديم المساعدة لهم، فعن أبي هريرة أنه رأى عمر عام الرمادة يحمل على ظهره جرابين، وعكة زيت، وإنه ليعتقب هو وأسلم، قال: فلما رأيته أخذت أعقبه، فحملنا حتى انتهينا إلى صرار، فإذا صرم نحو 20 بيتاً من محارب، فقال عمر: ما أقدمكم؟ قالوا: الجهد.. فرأيت عمر طرح رداءه ثم ائتزر، فما زال يطبخ لهم حتى شبعوا، وأرسل إلى المدينة، وجاء بأبعرة فحملهم عليها حتى أنزلهم الجبانة، ثم كساهم، وكان يختلف إليهم وإلى غيرهم.
وليس هذا فحسب بل إنه رضي الله عنه لم يتذوق طعاما سوى خبز سُرد بالزيت، وذات يوم نحروا جزوراً فأطعمها الناس، وغرفوا له طيبها، فأُتي به، فإذا فدر من سنام ومن كبد، فقال: أنى هذا؟ قالوا: يا أمير المؤمنين، من الجزور التي نحرنا اليوم، قال: بخٍ بخٍ، بئس الوالي أنا إن أكلت طيبها وأطعمت الناس كراديسها، ارفع هذه الجفنة، هات لنا غير هذا الطعام، قال: فأتي بخبز وزيت، فجعل يكسر بيده، ويثرد ذلك الخبز، ثم قال: ويحك يا يرفأ! احمل هذه الجفنة حتى تأتي بها أهل بيت يثمغ، فإني لم آتهم منذ ثلاثة أيام، فأحسبهم مقفرين، فضعها بين أيديهم.
فهذا التصرف لا يخرج إلا ممن استشعر بحاجة الناس، وعرف أنه مسخر لخدمتهم وتوفير كل ما يحتاجون إليه.
أما حالنا اليوم فليس له صلة بذلك الحال، فمن تسلّم أمر المسلمين ما عاد يهتم بحال المسلمين، سواء جاعوا أو ماتوا أو حدث معهم أي شيء، المهم عند ولاة اليوم أن يُشبعوا رغاباتهم وشهواتهم دون أي استشعار للحالة التي يمر بها المسلمون في شتى أنحاء المعمورة.
أين أنت يا فاروق الأمة كي ترى حالنا، فمن تولى أمور المسلمين اليوم أصبح شغله الشاغل كيف يصنع أكبر شجرة عيد ميلاد، أو أكبر حلاوة يتباهى من خلالها أمام أعداء الله تعالى، والمسلمون في العراق وسوريا وغزة وبورما وفي المشرق والمغرب يعيشون في بؤس وجوع وحرمان.
ولم يكن هذا حال حكام المسلمين اليوم فحسب، بل انتقل هذا الداء إلى قسم كبير من المحكومين، فترى قسما كبيرا من أغنياء المسلمين في وقتنا الحاضر قد اهتموا بسفاسف الأمور فهذا يشتري شيئا تافها بملايين الدنانير لكي يباهي غيره، وذاك ينافسه في تفاهة أخرى، يا لهول المصيبة التي نعيشها، تسابقوا على التفاهات والترهات، وتركوا أعظم طريق يوصلهم إلى رضوان الله ونعيمه ألا وهو إغاثة اللهفان.
لقد أصبح تفرق الأجساد ظاهرا على الجميع، فالشبعان لا يبالي بمن جاع، وكم من المسلمين اليوم يشتكي ولكن لا يستشعر إلا قلة من المسلمين شكواهم.
ملايين المسلمين اليوم قد تشردوا وهُجروا، ويعيشون ظروفا صعبة في مخيمات وتحت خيم لا تقيهم حر الصيف وبرد الشتاء، ولا نسمع أحدا يستغيث لصرخاتهم.
فأين ذهبت قاعدة الجسد الواحد التي وضعها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وهل لها حقيقة في مجتمعنا المعاصر؟
وأقول لمن بذخ الأموال من أجل أن يتباهى بأنه احتفل بمولده عليه الصلاة والسلام، لو أنفقتها لإغاثة المكلومين والملهوفين الذين يعيشون في المخيمات لكان احتفالك حقيقة لا قولا.
إن من الواجب على المسلمين أن يحققوا الهدف الذي رسمه لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمتمثل بقوله: ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمّىّ)).
وما نعيشه اليوم هو نتيجة لذهاب الود والتراحم والتعاطف بيننا، فأصبحنا لا نأبه إن بات أحدنا شبعانا وهناك مسلم يتضور من الجوع والعطش، وهذا يدل على أن أجسادنا قد فقدت عنصرا مهماً يحتاجه كل جسد كل مؤمن ألا وهو الغذاء النبوي! فإذا أشبعناها منه عادت إلينا روح الجسد الواحد.





