#العراق.. سيادة إيرانية متوجّسة من القوة التركية!

علي الأمغاري

وجدت تركيا نفسها بعد نصر أول تشرين الثاني المشهود، أمام تحالف كان يحرص على السرية ويناور ويخطط في الكواليس، لكن بعد إسقاط الجيش التركي للطائرة الحربية الروسية في 24 من تشرين الثاني، خرج هذا الحلف للعلن، وبدأت تظهر مخططاته التي تهدف لتقزيم تركيا والحد من دورها في نصرة القضية السورية والمشاركة الفاعلة والقوية في إدارة ملفات المنطقة، طبعا مع مراعاة مصالحها القومية والإستراتجية، وسعيها للحفاظ على مبادئها وقيمها في أثناء تحقيق هذه المصالح والقيام بهذا الدور الذي فرضه الموقع الجغرافي، والذي قال عنه رئيس الوزراء التركي، أحمد داود أوغلو، إنه "يضع تركيا في حلقة النار".

 

هذا الحلف غير المتجانس في الرؤية والأهداف له خصم مشترك واحد، يقف سدا منيعا أمام تحقيق أجندته في المنطقة، وأهم أعضائه: روسيا والكيان الصهيوني، وإيران وحكومة العبادي، ونظام الأسد المجرم وحزب حسن نصرالله الإرهابي، وحزب العمال الكردستاني وفرعه في سوريا -حزب صالح مسلم- الإرهابيين، وقوى أخرى تزعجها تركيا وإن كانت معها مصالح كبرى، فهي تريد تركيا تابعا لا فاعلا.

 

إيران المتوجّسة من قوة تركيا

وتبقى إيران هي العضو المتوجّس في ذلك الحلف من تصاعد الدور التركي بالمنطقة، و ينظر إليها على أنها المنافس النّد الذي يقف أمام أطماعها الاستعمارية والتوسعية منذ قيام الدولة الصفوية في أوائل القرن السادس عشر ميلادي على يد الشاه إسماعيل الصفوي، وكان هذا التنافس يشتد ويخفت حسب الظروف وأحوال كل دولة،  في جميع المستويات، السياسي منها والاقتصادي والثقافي والمذهبي والعسكري، حيث كانت الغلبة فيها للعثمانيين على الصفويين.

لكن تغيّرت الأحوال بعد قيام كل من الجمهورية التركية والجمهورية الإيرانية في العشرينات من القرن الماضي، فغابت الحروب وحضر التنافس الجيوسياسي، الذي ربحت إيران أحد جولاته في العراق عبر بسط نفوذها والتحكم في المؤسسات العراقية بذريعة وحدة المذهب وحماية الطائفة، ثم سعيها لإفشال الثورة السورية والحؤول دون تحقيقها أهدافها بدعم لامحدود لبشار الأسد ونظامه.

وبعد فشل إيران في تحقيق كل أهدافها في سوريا، وخصوصا القضاء على المعارضة المسلحة المدعومة من تركيا، وبعد الصدمة التي تلقّاها الروس بإسقاط طائرة”سوخوي24″ من قبل الطيران الحربي التركي، كانت حادثة دخول150 جنديا تركيا إلى معسكر بعشيقة في الموصل، لاستبدال وحدة كانت متواجدة منذ أكثر من سنة، مهمتها تدريبية وليست قتالية، فرصة لروسيا لرد الصفعة لتركيا، فحرّكت إيران -حليف روسيا- حكومة العبادي من أجل إحراج تركيا أمام شعبها والعالم، بأنها قوات محتلة لم تحترم سيادة العراق واستقلاله، وهي التي لم تصبر على دخول الطائرات الروسية لبضع دقائق إلى مجالها الجوي.

 

اعتراض عراقيّ بخلفية إيرانية

فبعد أكثر من 36 ساعة من دخول القوات التركية للمعسكر، خرج كل من رئيس الوزراء العراقي ورئيس الجمهورية بتصريحات مفادها أن “توغل القوات التركية في الأراضي العراقية انتهاك للأعرف والقوانين الدولية وخرق للسيادة الوطنية وضرب لعلاقات حسن الجوار وعدم التدخل في شؤون الدول ودعيا أنقرة إلى الإسراع بسحب قواتها من العراق”.

بعدها دخلت روسيا على الخط ورفعت القضية إلى مجلس الأمن، وبدأ القادة العراقيون يتفنّنون في دعوة تركيا إلى سحب قواتها فورا وفي حدود 48 ساعة، وإلا سيتّخذون الإجراءات القانونية لحفظ سيادة العراق واستقلاله، كما استدعت الحكومة العراقية السفير التركي ببغداد وسلّمته مذكرة احتجاج بشأن دخول قوات تركية إلى العراق، كما اعتبر “حاكم الزاملي”رئيس لجنة الأمن والدفاع بمجلس النواب العراقي أن دخول القوات التركية خطوة لاستبدال داعش بقوات محتلة أخرى، ودعا حيدر العبادي القائد العام للقوات المسلحة إلى إصدار أوامر بقصف القوات التركية في حال رفضت الخروج من الأراضي العراقية.

لم نعتد من السياسيين والرموز الدينية الشيعية في العراق على هذه الجرأة في التصريحات والشجاعة في الدفاع عن السيادة العراقية، لدرجة تهديد تركيا برفع الملف إلى الأمم المتحدة، وضرب القوات التركية التي دخلت الموصل، قالوا كلاما لم تقله روسيا حينما أُسقِطت طائرتها الحربية، فأول ما نفته روسيا هو نيّتها الدخول في حرب مع تركيا.

 

حكومة عراقية بأيدي إيرانية

لكن الحقيقة أن العبادي وحكومته وحزبه والرموز الدينية الشيعية في العراق، مجرد لعبة بيد إيران وولاية الفقيه، تحرّكها كيف شاءت وقت ما شاء.

إيران تقدم الدعم لحليفها الروسي انتقاما من قيام تركيا بواجبها في حماية حدودها وأجوائها، فلا شك عند كثير من متتبعي شؤون المنطقة أن إيران وروسيا هما جزء رئيس من حلقة النار التي تريد إحراق تركيا، والكل يعلم أن الأراضي التي دخلتها القوات التركية هي أراض عراقية، كما الكل يعلم أن سيادة العراق عليها شبه معدومة.

 فالسيادة الحقيقية على العراق هي سيادة ولاية الفقيه والحرس الثوري، وحاكم العراق الحقيقي هو الجنرال سليماني الذي يتجول في العراق كما يتجول في طهران.

تصريحات كثير من القادة الإيرانيين تعتبر العراق جزءا من إيران الكبرى، وأشدها وضوحا وصراحة ما قاله مستشار الرئيس الإيراني، علي يونسي "إيران اليوم أصبحت إمبراطورية كما كانت عبر التاريخ وعاصمتها بغداد حاليا، وهي مركز حضارتها وثقافتها وهويتها.. وإن جغرافيا وثقافة إيران والعراق غير قابلتين للتجزئة، وإن كل منطقة الشرق الأوسط إيرانية، وسيتم الدفاع عنها بكل قوة لأنها جزء من إيران. وسنقف بوجه التطرف الإسلامي والتكفير والإلحاد والعثمانيين الجدد والوهابيين والغرب والصهيونية.. وإن منافسينا التاريخيين من ورثة الروم الشرقية والعثمانيين، مستاؤون من دعمنا للعراق" نقلا عن وكالة إيسنا الإيرانية.

تصريحات علي يونسي هذه لا تدع مجالا للشك من تضايق إيران من تركيا والشعور بأنها هي السد الذي يقف أمام تحقيق أطماعها الاستعمارية بالمنطقة.

 

العراق الإيراني

لذلك وبعد بسط نفوذها في العراق أصبحت إيران تعتبر سيادة العراق جزءا من سيادتها، ومن أدلة ضياع سيادة العراق وأن الأمر فيه لطهران لا لغيرها ما يلي:

– احتلال حزب العمال الكردستاني الإرهابي لجبال قنديل العراقية لسنوات، وجعلها معقلا لهجماته الإرهابية ضد تركيا والجنود الأتراك، بتمويل ودعم إيراني وغربي.

– وجود قوات إيرانية بالآلاف في عدة مناطق عراقية تدعم الحشد الشعبي والميليشيات الشيعية في تطهير المناطق السنية من أهلها وتهجيرهم قسرا من دورهم، ومنها قوات إيرانية خاصة دخلت ديالى، وبقيت فيها ثلاثة أشهر بشكل سري، ولما انتشر خبرها خرج بعض المسؤولين العراقيين يدّعون أن هذه القوات دخلت العراق بتنسيق مع الحكومة العراقية من أجل حفظ الأمن ومحاربة داعش.

– دخول 200جندي من القوات الخاصة الإيرانية لمحافظة كركوك من خلال تسهيلات قدّمها حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال طالباني، وتسلّل عناصر «البسيج» والحرس الثوري للعمق العراقي وتقتيلهم لسنة العراق وهم يرفعون الرايات والأعلام الإيرانية، ويصرخون بالشعارات الطائفية.

– مشاركة قوات إيرانية قوامها 1500 جندي إلى جانب قوات كردية في الهجوم على أطراف مدينة جلولاء واستخدمت السلاح والمدفعية ضد قوات تنظيم داعش السنة الماضية.

– العجز الكامل  في محاربة منظمة داعش الإرهابية، والتي احتلت ثلث العراق بعد مؤامرة المالكي ضد السنة ومناطقهم.

– دخول 860 ألف إيراني للعراق حسب مصادر إعلامية إيرانية مقرّبة من الحرس الثوري، حيث اخترق زوار إيرانيون الحدود العراقية عبر معبر زرباطية في أيام الزيارة الأربعينية، ورفض إيران الاعتذار عن ذلك، بل وصرّح أحد جنرالاتها أن من حق الإيرانيين الدخول إلى العراق بدون تأشيرة.

– عدم رجوع كثير من الإيرانيين الذين عبروا الحدود العراقية- الإيرانية إلى بلادهم، حيث أصرّوا على الاستقرار في العراق بداعي حب آل البيت والسعي لمجاورتهم والسكنى بجانب المراقد المقدسة، كما احتل بعضهم دور السنة الذي هجّروا في ديالى والتي تتعرّض لتغير ديمغرافي.

– أما القوات الأميركية والبريطانية فلا تحتاج لإذن من أحد لعقد اجتماعات مع أتباعها والعشائر التي تأتمر بأمرها، فكلما شاء مسؤول عسكري أو مدني إقامة اجتماع أو إملاء أمر على العراقيين، عقد اجتماعه ولا يعلم به العبادي وزمرته إلا من وسائل الإعلام، وكذلك يفعل “قاسم سليماني” وغيره مع الميليشيات الإرهابية الشيعية أو ما يسمى بالحشد الشعبي الطائفي في ديالى وكركوك ومحافظة صلاح الدين .

إن القوات التركية دخلت أراضٍ عراقية جغرافيا، لكنها خرقت السيادة الإيرانية ومسّت نفوذ ولاية الفقيه واقعيا، لذا حرّكت إيران رعاياها من الطائفيين، لتتوعّد تركيا وتضغط عليها في أمر لا يحتاج كل هذه الجعجعة.

الظاهر أن حلقة النار حول تركيا تشتد اشتعالا، مما يدل على أن تركيا تحقّق أهدافها وتفشل أجندات تحالف "الطاعنين في الظهر" حيث أزعجتهم وأربكت حساباتهم.

 

المصدر

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,027,680

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"