لكل فعل رد فعل

رجل دين مسيحي

ايها القراء الأعزاء                  

المقدمة

من المعلوم اني سوف لا اعطي لحضرتكم، في هذا المقال، درسا فـي قانون حركـة المادة وفي طبيعته الفيزيائية. فهذه الأمور ليست من اختصاصي ولا من واجباتي. غير اني سأقدم لكم فكرا انثروبولوجيا ( انسانيا )، يوظف قانونا من قوانين الفيزياء، هو قانون نيوتن الثالث، من اجل الكلام عن افعال انثروبولوجية، تصدر عن الانسان، سواء كانت هذه الأفعال صالحة ام كانت طالحة، وعلى ردود الفعل الفيزيائية التي تصدر عن هذه الأفعـال الحسنة او السيئة. علما بأن هذه المنهجية الفرعية جديدة علي وعلى غالبية الكتاب والمفكرين، هذا، وقد اجد قوانين اخرى علمية، يمكن تطبيقها على معطيات انثروبولوجية، مثلما فعلنا مع قانون نيوتن الفيزيائي.

 

قانون نيوتن الثالث

اما منطوق قانون نيوتن الثالث، فيقول: ان لكل قوة فعل، قوة رد فعل، مساوية لهـا فـي المقدار ومعاكسـة لهـا في الاتجـاه. غير اننا كتبنا هذا القانون مختصرا في باب العنوان، بالشكل التالي الذي يقول: لكل فعل رد فعل. مع العلم اننا قد نحتاج العبارة الأخيرة التي تقول بأن رد الفعل مساو للفعل بالمقدار ومعاكس له بالاتجاه، لكي يكون لنا الكلام المناسب، بشأن هذه العبارة، وبشأن كل القانون الفيزيائي المذكور معها.

 

تماثل الفيزيائي والأنثروبولوجي

لفترة طويلة من الزمن لم يكن المفكرون واللاهوتيون يرون علاقة بين الوجود الفيزيائي والوجود الأنثروبولوجي. غير اننا من جانبنا نرى وجود علاقة وجودية حقيقية بين الوجودين المذكورين. اما هذه العلاقة فتقوم على اساس ان الوجودين المذكورين يعودان الى وجود واحد، هو الوجود الكوني المادي الذي يُعَدُ البعدُ الروحي احد امتداداته Dimensions، كما يعلمنا عالم الاحاثة والفيلسوف واللاهوتي الكبير الأب تيار ده شاردن. وعليـه، وعلى هذا الأساس المشترك بينهما، يمكننا ان نتكلم عن وجودين متماثلين، يشتركان في منظومة مادية واحدة، ويختلفان من حيث وظيفتيهما المختلفتين ضمن هذه المنظومة.

 

العلاقة بين الميتافيزيقي والأنثروبولوجي

اما الآن، فإذا ما بقينا في مجال العلاقة الوجودية  Relation existentielle، بين ما هو ميتافيزيقي وما هو انثروبولوجي ( انساني )، فإننا نسأل عن الكيفية التي يستطيع فيها قانون فيزيائـي مادي، مثل قانون نيوتن، ان يخدم منظومة انثروبولوجية انسانيـة وروحيـة، بأغلب ابعادهـا، خدمة لا تتعلق بمسألة العقاب والثواب  اللاهوتية الغيبية، ولكنها تتعلق بمسألة عقاب وثواب انثروبولوجية، هنا على ارضنا التي استلمت من الباري، من يوم ان براها او خلقها من العدم  Ex nihilo والى ما بعد يومنا هذا من زمن لا احد يعرف له حدودا، كل القوانين التي تجعل سير العالم المادي والعالم الانسانية سيرا موفقا وفق قوانين هي قوانين الهية – انسانية في المحصلة النهائية.

اما مزية هذه الرؤية الأنثروبولوجية الانسانية فهي الواقعية والوضوح، ولا تحتاج أي فعل ايمان ديني للتأكد من حصولها، وفق القواعد التي سنتكلم عنها بإيجاز لاحقا، حتى انه اذا ما كان هناك من لا يؤمن بوجود اله يعاقب ويجازي الجزاء الحسن، فانه، ومن خلال هذا القانون الفيزيائي المذكور والقانون الأنثروبولوجي والإنساني الذي يماثله، يجب ان يعرف انه لا يفلت انسان من شر اعماله، سواء كان ذلك بشكل مباشر وفوري، ام على مدى طويل من الزمن، وذلك على شكل رد فعل لأفعال الانسان الصالحة ام الطالحة. وهكذا، نستطيع القول بثقة علمية  ان الجمع في منظومة واحدة بين ابعادٍ فيزيائية وأبعاد انسانية انثروبولوجية، امـر ممكن ومفيد ايضا، من كثير من الأوجه، كما سنرى ذلك لاحقا. مما يعني ان مادة المنظومة التي نتكلم عنها، هي مادة من طبيعة واحدة، هي الطبيعة المادية التي ترتدي صورا متعددة ومختلفة، ومنها صورة الأحياء وصورة البشر.

 

وحدة الفيزيائي والأنثروبولوجي

بناء على ما تقدم نصل الى نتيجة تقول بأن منظومـة مادية يمكنها ان تحوي قانونين متماثلين، احدهمـا هو قانون نيوتن الفيزيائي وثانيهمـا هو قانون انثروبولوجي، شبيه بالفيزيائي، في بعض صفاته، ومختلف عنه في بعض صفاته الأخرى. فالفعل الأنثروبولوجي شبيه بالفعل الفيزيائي، من حيث نجد فيه الفعل ورد الفعل. غير ان الفعل الأنثروبولوجي يختلف عن الفعل الفيزيائي، من حيث تعدد نوع الأفعال التي يمكن ان يقوم بها الانسان، فردا او جماعة، وكذلك من حيث التباين الذي يمكن ان نجده في ردود الأفعال الأنثروبولوجية الانسانية، في حين ان الفعل الفيزيائي هو فعل واحد ورد فعله هو واحد ايضا، أي انه رد فعل من طبيعة الفعل بشكل كامل، حيث يحدث كل شيء حسب نمط واحد، وبشكل حتمي، وبدون تأخير، بحسب منطوق قانون نيوتن نفسه.

 

ردود فعل الأفعال الأنثروبولوجية

اذا كان رد الفعل الفيزيائي، من طبيعة الفعل الفيزيائي نفسه، كما رأينا اعلاه، فان ردود فعل الأفعال الأنثروبولوجية البشرية التي يقوم بها الانسان، فردا او مجتمعا، يجب ان تكون هي الأخرى من طبيعة الأفعال الأنثروبولوجية نفسها، اعني تكون ردود فعل انثروبولوجية انسانية. اما ردود الأفعال الأنثروبولوجية فلن تأتي بالمعنى المطلق والمحدد الذي نراه في ردود الأفعال الفيزيائية المختلفة، وإنما يتضمن تنوعا كبيرا جدا، هذا التنوع الذي يأتي حسبما اذا كان الفعل آتيا من فرد انسانـي واحدٍ او كان آتيا من مجتمع، سواء كان هذا المجتمع مؤسسة دينية او اجتماعية او سياسيـة،او غيرها من المؤسسات، علما بأن هذا التنوع الذي لا حدود له، لا يأتي فقط مـن تنوع القائمين بفعل معين، ولكنـه يأتـي ايضا، من تنوع المتلقين لفعل الآخرين، في شتى مجالات الحياة.

 

ردود فعل متباينة في طبيعتها

تكلمنا عن ردود فعل الأفعال الأنثروبولوجية بشكـل عام، غير اننا في هذه الفقرة نتكلم عن بعض ردود فعل الأفعال البشرية، بشيء من التفصيل. وعليه  نجد ان ردود فعل الأفعال البشرية يمكن ان تكون ايجابية وصالحة ويمكن ان تكون سلبية وسيئة وإجرامية، كما نرى ذلك في المجالات السياسية، وغير السياسية ايضا. كما اننا يمكننا ان نتوقع  ان تكون ردود فعل الأفعال الخيرة خيرا، لفاعلي الخير ولمجتمعاتهم، وتكون ردود فعل الأفعال الشريرة شرا على فاعلي الشر، وعلى مجتمعاتهم وعلى انصارهم، وعلى من ينتسب اليهم، بأي شكل كان هذا الانتساب، حتى اذا كان بمجرد الكلام او بالصمت.

ومـن الجدير بالذكـر، ان ردود الأفعال الأنثروبولوجية، او الانسانية، هي ردود حتميـة، الا ان هذه الردود ليست مرتبطة بزمن معين ولا بنمط واحد، كما انها لا تأتي بشكـل فوري، الا فيما ندر، وفي حالات فردية فقط، كحالات الاهتداء الروحي، مثلا. هذا ومن الممكن ان نلاحظ ايضا ان فعل الخير ينتج خيرا، وان فعل الشر ينتج شرا، الا في حالات محدودة ايضا، اذ يمكن ان يؤول الشر الى خير والخير الى شر ايضا.

 

مقارنـات بين المنهجيات

ايها القارئ الكريم

هنا، ربما يأتيني من يقول لي: ترى لماذا تصر على استخدام العلوم لإثبات حقائق انسانية، كحقائق الثوابت والفضائل الانسانية الأنثروبولوجية ونتائجها على حياة الانسان الفرد والإنسان المجتمع، ومنها ان من يقوم بعمل الخير يلقى خيرا، ومن يعمل الشر يلقى شرا، ولا تستخدم الدين، او الأديان، للكـلام عن هذه الأمور؟ ترى الا تعلم ان الأديان جميعا تدعوا الى التمسك بهذه الفضائل، وتنهى عن كل ما يخالفهـا؟ امـا جوابي فيقول: نعم انا اعلم ذلك بالتأكيد، واعترف بقيمة الأديان في هذا المجال وفي غيره، ولم اشك يوما بهذه القيمة، كما اني لم اشك يوما بمسؤولية الأديان وبحقهـا وواجبها الأساسي في دعوة  الناس الى ممارسة الفضائل المشتركة بين البشر، والابتعاد عما يخالف هذه الفضائل.

 

لكل مقام مقال

وفي الحقيقة ان كاتب هذا المقال رجل دين ومفكر ولاهوتي، بحسب منهجية علمية، ولهذا يعرف ان يزاوج بين معطيات الايمان ومعطيات العلم، كما يعرف علميا ايضا، مزايا ما يعطيه العلم ومزايا ما يعطيه الايمان، ولذلك يحظى العلم عنده، حاله حال الايمان بكل تقدير واحترام، دون ان يغفل الحقيقة التي تقول: لكل مقام مقال. غير ان الكاتب، لا يختار بين العلم والإيمان بشكل عشوائي، لكن اختياره يأتي بحسب الفئة العمرية والثقافية والحضارية التي يتعامل معها الكاتب، اي بحسب منطوق الفقرة الذي يقول: لكل مقام مقال.

 

أهمية اسلوب الحوار

فبناء على ما اسلفنا اعلاه، نرى انه قد لا يصلح اسلوب الحوار الذي يقام مع الناس البسطاء، للمتعلمين تعليما عاليا ايضا، ولا يصلح الحوار الذي يقام مع المؤمنين، للعلمانيين كذلك، وحتى لكل من يؤمن بالعلم ايمانا حقيقيا. كما قد لا يصلح الحوار الذي يقام مع اهل الريف، لأبناء المدن ايضا، حيث ان عقلية اهل المدن هي غير عقلية اهل الريف، في امور كثيرة. لأن التمييز بين الحالات سيد الكلام، بدون شك، ولأن شيطان الخطأ يقبع في الأمور العامة وغير الدقيقة، وغير المفصلة تفصيلا كافيا Non nuancées   

 

لماذا افضل أن أسلك درب العلوم

لكي اجيب على هذا السؤال بصراحة، لا يسعني سوى ان اقول بأنني شخصيا افضل درب العلوم، لأن هذا الدرب يوصلني الى الهدف المذكور اعلاه،  بسهولة اكبر من درب الايمان، هذا الايمان الذي يكون غالبا مبطنا بكثير من الاعتبارات التي تشوش على معناه الحقيقي، ولاسيما عندما يأتينا الايمان محمولا على قصة دينية شبيهة بالتاريخ، Para Historique يجعل التقليد منها قصة تاريخية Historique لأسباب لا نخوض فيها الآن. اما عندما نوظف علما فيزيائيا كقانون نيوتن، فإننا انما نوظف قانونا لا يمكن انكاره، لأنه بمنتهى الواقعية والوضوح. اما عندما نكتب منهجية لاهوتية او منهجيـة من اجل الكلام عن الانسان، حينئذ نرى ان يكون المنهج العلمي سيد هذه المنهجية، لكي لا يكون ما نكتبه مجرد ايديولوجية لا تقنع الا بعض الناس.فالفكر المكتوب هو غير الفكر الذي يعظ به رجال دين من على المنابر، حيث لا يستطيع المستمعون سوى ان يقولوا آمين.

 

مكمن آخر للخلل

غير ان سلوك الكاتب طريق العلم احيانا كثيرة، لا يأتي فقط للأسباب المذكورة اعلاه، ولا يأتي فقط لأسباب تعود الى العلوم او الى الأديان او الحالات الايمانية، وإنما يأتي تفضيل الكاتب لمنهجية العلوم، لسبب خلل مزمن Chronique وشبه طبيعي، نجده عند رجال الدين من كل الأديان، هذا الخلل الذي لا يأتي عندهم بسبب دينهم او بسبب ايمانهم، وإنما يأتي من ظاهرة المؤسسة الدينية التي غالبا ما تكون مؤسسة محافظة ومتمسكة بالقديم. غير ان هذا الكلام يعني ان الخلل يأتي من التغيير الجدلي الحضاري mutation de civilisation  والذي تكون السلطات المؤسسة الدينية غير مستعدة لهذا التغيير فترفضه بشدة. اما اذا تكلمنا بلغة علم النفس او بلغة الأنثروبولوجيا، فنقول ان هذا التغيير يأتي من ضعف الحاجة الأنثروبولوجية او من موت هذه الحاجة موتا تاما، مما يسبب ضعف الايمان او موته، او لجوءه الى بدائل الحاجة الأنثروبولوجية الضعيفة، او الذهاب مباشرة الى الحاجة الجديدة التي كانت سببا في ازاحة الحاجة القديمة وأخذ مكانها، حسب القانون الجدلي Dialectique. 

 

مسك الختام

بما ان هذا المقال محدود في غاياته، وليس موضوعا عاما عن الفعل ورد الفعل في المجال الفيزيائي وفي المجال الأنثروبولوجي، وبما اننا نوظف ظاهرة فيزيائية وظاهرة انثروبولوجية من اجـل الوصول الـى الكـلام العلمي الدقيق عن الفضائل الانسانية الثابتة، وعن العقاب والثواب، لم يبق لنا سوى ان نبين بالملموس كيف عادت افعال الأشرار في العراق الى نحورهم، وكيف هُدِم بيتهم على رؤوسهم وعلى رؤوس اعوانهم الأشرار. مع تأكيدنا المنهجي على ان القادم من الأيام والسنين يمكن ان يكون اسوأ مما هو عليه الآن، ولاسيما اذا اخذنا قانون بطء الحركة الأنثروبولوجية الانسانية بالحسبان.

 

كلامنا الآن عن الأخيار

قبل ان نتكلم عن ردود فعل الأخيار على انفسهم وعلى وطنهم، وعلى العالم اجمع، بحسب فذلكة روحية تقول: اذا ارتفعـت نفس ترفع العالـم كله معها، وإذا انخفضت نفس خفضت العالم كله معها، يمكننا من الآن ان نجزم بأن ما يقوم به الانسان من افعال حسنة، تكون ردود فعل افعاله حسنة ايضا، تعطي ثمارا يانعة للفاعلين ولبلادهم وللعالم اجمع، في حين تنتج الأفعال الشريرة ثمارا مرة وفاسدة، تفسد حياة الأشرار وتقض مضاجعهم، ولاسيما بعد ان تعم ردود افعالهم عليهم وعلى عائلاتهم وعلى اوطانهم وعلى العالم اجمع، حيث تأتي هذه النتيجة على فاعلي الشر بشكـل حتمي، سواء كان ذلـك آجلا ام عاجلا، هذا، مع العلم ان ما نعرفه عن ردود الأفعال الأنثروبولوجية لا يقول لنا كيف يحدث الرد وكم ستكون شدته وكم سيستغرق الوقت بين الفعل ورده. علما بأن هذا الكلام يجب ان يخيف كل من لا دين له، ولا يؤمن باله يجازي الخيرين خيرا ويعاقب الأشرار جراء شرورهم، في النار الأبدية، حيث يكون هناك  البكاء وصرير الأسنان. فالرد الحتمي آتٍ سواء آمن الانسان باله سماوي ام لم يؤمن.

 

من هم الأخيار يا ترى؟

مما لا شكل فيه ان الأخيار هم جميع الذين سلكوا في حياتهم سلوكا حسنا وأدوا واجباتهم نحو الههم ونحو اخوتهم البشر. وإذا اردنا ان نعرف عنهم اكثر من ذلك نقول، ان الأخيار هم كل الذين احبوا وأحبوا وطنهم العراق وأهله العراقيين جميعهم، ولم يشارك في تدمير العراق، حتى ولا بكلمة واحدة، لا بل لم يشارك المحتلين بكلمة سوء قالها عن العراق وعن رئيسه، او عن رؤسائه، لا بل لم يشارك المحتلين حتى ولا بصمته السلبي. فضلا عن ذلك يمكننا ان نقول ان الأخيار هم كل السياسيين الطيبين، والكتاب الذين بذلوا من اجل سيادة العراق عصارة عقولهم وفكرهم ومشاعرهم. ويقينا ان الأخيار هم خاصة شهداء  العراق، الأكرم منا جميعا، والذين لم يبخلوا على العراق بعرقهم ودمائهم، وعلى رأسهم جميعا شهيد الأضحى المبارك، المرحوم صدام حسين، ورفاقه الشهداء الآخرون، طيب الله ثراهم جميعا. فهؤلاء جميعا وضعوا افعالا جبارة كان من شأنها ان تكون لها ردود فعل، تصبح خلاصا للعراق ولجميع من ابتلوا بالنازية الجديدة.

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,055,288

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"