الخطوط الجوية العراقية.. خيوط المؤامرة

تقرير من إعداد مؤسسة أبعاد البحثية خاص لوجهات نظر

مقدمة

أثارت قضية حظر الخطوط الجوية العراقية من التحليق فوق الأجواء الأوروبية بقرار الوكالة الأوروبية لسلامة الطيران التابعة للاتحاد الأوروبي، ردود فعل سياسية وشعبية واسعة في العراق، قوبلت ببرود شديد من إدارة الخطوط ووزير النقل في حكومة حيدر العبادي.

والواقع أن القضية أكبر من الحظر، فهي مؤامرة كبيرة تطبخ منذ سنوات على نار هادئة، وسنحاول في هذا التقرير، الذي بني على جمع المعلومات والاتصال بذوي الشأن من طيارين سابقين وآخرين يعملون في شركات عالمية، ورصد لتصريحات سابقة لها علاقة بموضوعنا ولا ترتبط به بشكل مباشر، لنتمكن من كشف خيوط المؤامرة وتتبعها ومعرفة مصير الناقل الوطني العراقي.

لمحة تاريخية

تأسست الخطوط الجوية العراقية سنة 1938 من قبل جمعية الطيران العراقية (نادي فرناس الجوي حاليا) وباشرت عملها سنة 1945، وتعد أكبر خطوط ملاحة جوية في العراق والناقل الوطني، وهي عضو في الاتحاد العربي للنقل الجوي.

وكانت هذه الخطوط متميزة ورائدة تصل أماكن لم تكن تصلها الشركات العربية الأخرى، ولم تتأثر هذه الخطوط بحرب الخليج الأولى (1980-1988) إلا أنها تأثرت كثيرا بعد حرب الخليج الثانية نتيجة فرض الحصار الدولي على العراق من قبل الأمم المتحدة سنة 1990، قبل غزو العراق عام 2003 كانت تمتلك 17 طائرة لنقل المسافرين، نقل معظمها إلى دول مجاورة.

وبعد غزو العراق وتحديدا في 30 مايو 2003 قررت الشركة مزاولة عملها من جديد فكانت أول رحلاتها في 3 أكتوبر 2004 من بغداد إلى الأردن، ثم توسعت في فتح خطوط أخرى بعد ذلك، ومن الجديد بالذكر أن هذه الشركة لم تتعرض طائراتها لحادث خلال مدة عملها، سوى حادثة واحدة أيام حكم عبدالكريم قاسم، عندما لم تفتح عجلات إحدى طائراتها فبقي الطيار محلقا في سماء بغداد حتى نفد وقود طائرتها وأنزلها على المدرج الترابي بنجاح، هذا بالإضافة إلى أنه لم تكن هناك أي مخالفات في مجال الطيران، لأنها ملتزمة بشكل صارم بكل الإجراءات العالمية وجاهزية الوثائق الخاصة بالطائرة والطيارين والكادر.

 

واقع الخطوط الجوية العراقية اليوم

تمتلك الخطوط الجوية العراقية اليوم 30 طائرة، معظمها طائرات حديثة خمسة منها دخلت الخدمة سنة 2007 و 2008 والباقي حديثة جدا، وهناك طائرات أخرى بانتظار استلامها من الشركات المصنعة، هذا على مستوى الطائرات أما على مستوى الكادر فما زال بعض الطيارين الأكفاء الذين عملوا فيها في ثمانينيات القرن الماضي يقودون طائراتها، وهؤلاء كلهم تخرجوا من مدرسة الطيران في أكسفورد لأن العراق لم يكن يعترف بمدارس طيران غيرها، لكنهم قلة وسط كادر جديد اختير على أسس طائفية وحزبية لدرجة أن مضمداً صحياً يعمل في شركة الخطوط أرسل ليدرس الطيران وتخرج بالفعل فقط لأنه أحد عناصر ميليشيا بدر أو عضو في المجلس الأعلى الذي يقوده عمار الحكيم، أما باقي الأمور فهي في فوضى عارمة كالفوضى التي يعيشها العراق اليوم، وهنا بعض المخالفات التي ترتكبها الخطوط الجوية بشكل متعمد، منها:

1ـ اهمال الاتصالات خلال الرحلات.

2ـ الانحراف عن خط سير الطائرات في بعض الأحيان.

3ـ التدخين في قمرة القيادة.

4ـ الانشغال بالأحاديث الشخصية.

5ـ تحويل الطائرة إلى مكان لإجراء الطقوس الطائفية الشيعية.

أما أهم الأسباب التي دعت الاتحاد الأوربي إلى منع شركة الخطوط الجوية العراقية من التحليق في أجوائها فكانت:

1ـ الطائرات الحديثة التي يمتلكها العراق كانت تحتوي على وثائق خاصة بها ما بين 15-20 كراسا خاصا بكل طائرة من تلك الطائرات، لكن لجان التفتيش في منظمات الطيران الدولية أكدت أنها غالبا ما تجد تلك الوثائق والكراريس الخاصة بالطائرات قد مزقت بشكل متعمد من قبل طواقم الخطوط الجوية العراقية.

2ـ عدم إكمال الوثائق المطلوبة من الشركة، من قبل مشغل البلد الثالث (TCO) التي أوجدها الوكالة الأوروبية لسلامة الطيران (EASA) وهي خاصة بكل شركات الطيران غير الأوروبية التي تريد تسيير رحلات إلى أوروبا لتتم إجراء توثيقي يتعين إرساله إلى الوكالة الأوروبية لسلامة الطيران عن طريق المشغل الثالث، ورئيس شركة الخطوط الجوية العراقية، أسامة الصدر، يعترف أنه لم يكمل الأوراق بسبب تباطؤ شركته في إرساله، ويعتبر أن غير ملزم بإرسالها سريعاً، وأن المشغل الثالث هو من يتخيل أن الخطوط العراقية ستجيبه بسرعة! كذلك فإن الشركة تحتاج استحداث أقسام لتكمل هذه الأوراق.

والخلاصة أن الخطوط الجوية العراقية الآن في وضع لا تحسد عليه، فكادرها مليء بالطائفيين وأعضاء الميليشيات والجهلة غير المهنيين، والخطوط ممنوعة من التحليق فوق الأجواء الأوروبية وباتت خطوط رحلاتها محدودة.

 

الشركات المنافسة

لم تكن لشركة الخطوط الجوية العراقية قبل احتلال العراق شركات طيران منافسة، فقد كانت هي الشركة الوحيدة والناقل الوطني، لكن بعد الاحتلال ظهرت أسماء لخمس شركات كلها ليست بارزة إلا شركة واحدة لمع نجمها وكانت هي الأخيرة بينهم في التأسيس والتسجيل وهي شركة فلاي بغداد المملوكة علنا لرجال أعمال، ومالكها الحقيقي عمار الحكيم زعيم المجلس الإسلامي الأعلى، وقد دخلت هذه الشركة سوق الطيران التجاري ونافست شركة الخطوط الجوية بقوة، وسنأتي على ذكر هذه الشركة فهي مرتبطة بشكل وثيق بمشاكل شركة الخطوط الجوية العراقية.

 

شركة فلاي بغداد وبداية المؤامرة

قبل الحديث عن هذه الشركة لابد من الحديث عن وزير النقل الحالي، باقر جبر صولاغ، زعيم كتلة المواطن في برلمان المنطقة الخضراء والقيادي في المجلس الأعلى الذي يتزعمه عمار الحكيم، فقد استغل هذا الشخص منصبه لصالح المجلس الأعلى وزعيمها مالك شركة فلاي بغداد، فقد أسس هذه الشركة لصالح الحكيم وبعبارة أدق أنجز إجراءات التأسيس كافة بشكل سريع واستثناها من كل الضوابط والتعليمات التي بموجبها تسجل شركات الطيران، وبعد إتمام التسجيل وانطلاق الشركة في العمل بدأ التخطيط لتمكين هذه الشركة من الاستحواذ على خطوط الرحلات المربحة خصوصا تلك المتوجهة إلى أوروبا، وطبعا كل هذه الخطوط بيد الخطوط الجوية العراقية.

ولأن وزير النقل الحالي، صولاغ، استبدل إدارة مطار بغداد الدولي بآخرين تابعين للمجلس الأعلى وهم أشخاص جهلة بأمور الطيران والقوانين الدولية التي تفرضها منظمة الطيران المدني، بالإضافة إلى تواطؤ بعض العاملين في شركة الخطوط الجوية العراقية الذين تعمدوا تمزيق كتيبات الطائرات ولم يوفوا بالتزامات الشركة أمام المنظمات العالمية، كذلك تعمد الموظفون الكبار عدم الإجابة على خطابات المنظمات العالمية، وقد صرح بذلك رئيس شركة الخطوط الجوية العراقية، أسامة الصدر، الذي قال مع ابتسامة سمجة "لم نتواصل مع السلطات المعنية في الاتحاد الأوروبي وكان هناك تباطؤ من قبلنا".

والمتابع لهذا الملف يدرك بشكل واضح أن هناك تعمد على إسقاط الخطوط الجوية العراقية وتهميشها وجعلها خطوطا ثانوية.

 

تصريحات وزير النقل

بعد حظر الخطوط الجوية العراقية من التحليق في الأجواء الأوروبية ظهر صولاغ بتصريحات كان أبرزها تصريحين:

الأول: تنصل عن المشكلة وحمّلها للوزراء الذين سبقوه والحكومة العراقية في العهد الوطني أي قبل احتلال العراق عام 2003، متهما إياها بتدمير شركة الخطوط الجوية العراقية، ولو عدنا إلى الوراء قليلا وتحديدا  في الفترة التي كانت تعمل فيها الخطوط الجوية العراقية أي قبل سنة 1990 فقد كانت هذه الشركة تربط أوروبا بشرق آسيا ولها رحلات إلى أماكن بعيدة لم تكن تصلها كثير من الخطوط الجوية العربية، علما أن فترة الثمانينيات لم يكن هناك مسافرين من العراق بشكل كبير لأن السفر كان ممنوعاً بسبب ظروف الحرب العراقية الايرانية، لكن الطائرات كانت ممتلئة بالأجانب الذين يسافرون من أوروبا إلى آسيا وبالعكس، ومن الأماكن التي لم تكن تذهب لها كثير من الشركات هي البرازيل، التي كان للعراق رحلة أسبوعية إليها وفي بعض الرحلات لم يكن هناك مسافرين لكنها كانت تذهب وتنقل البريد وبعض البضائع، وكان الهدف من الإبقاء على هذه الرحلات هو إيصال العلم العراقي إلى هناك، ونقل البريد الدبلوماسي والبضائع، أما حقيقة الوضع اليوم فالخطوط محظورة في أوروبا، لكن الوزير لا يخجل من الكذب.

الثاني: قوله هناك نية لتوحيد طائرات الخطوط الجوية العراقية لتكون كلها من نوع بوينغ الأميركية، وهذا التصريح ينبئ عن نية الخطوط التخلص من الطائرات الحديثة التي اشترتها وهي من نوع إيرباص و سي آر جي الاقتصاديتين، وحتما ستظهر شركة فلاي بغداد لتكون هي المشتري بأبخس الأثمان وطبعاً بموافقة الوزير الحالي، وهكذا تبني شركة فلاي بغداد أسطولها على حساب الشعب العراقي وناقله الوطني!

أما من الناحية الفنية فإن تصريحه الأخير هذا خطأ من نواحي عدة، فليس لشخص مثل صولاغ أن يختار نوع الطائرات، لأن من يحدد هذا لجان متخصصة كبيرة وفق برامج خاصة تملكها شركات عالمية، فهذه عملية تجارية بحتة وكل طائرة لها مواصفاتها وتنجح وتكون مربحة في خطوط رحلات مناسبة لها، وهناك طائرات ضخمة حتى لو امتلأت بالركاب ستكون رحلتها خاسرة إذا كانت المسافة قريبة، المسألة الثانية توحيد الشركة بنوع واحد يعني إمكانية شلل الخطوط مرة واحدة في حالة حدوث مشكلة لدى الشركة المصنعة للطائرات أو خلل في طائراتها، بالإضافة إلى أن الشركة المنتجة للطائرات ستتحكم بشركة الخطوط كما تريد، ويكون التوحيد إيجابياً فقط في مسألة تدريب الطيارين والفنيين والأدوات الاحتياطية، لكن خطوة كهذه لا تصلح لدول العالم الثالث.

 

وزير النفط والمؤامرة

هذه المؤامرة ليس (بطلها) الوحيد وزير النقل، فهناك وزير آخر يشاركه المؤامرة، وهو وزير النفط عادل عبد المهدي التابع لعمار الحكيم ومجلسه الأعلى أيضا، فهذا الوزير، وبأوامر مباشرة، هو من يجهز شركة فلاي بغداد بالوقود بأسعار تقل بكثير عن أسعار الوقود المجهَّز لشركة الخطوط الجوية العراقية، الأمر الذي جعلها منافسا قويا للناقل الوطني بل منافسا مهيمنا، بعد أن أصبحت تكلفة رحلاتها أقل بكثير من تكلفة رحلات الخطوط الجوية العراقية، وعلى سبيل المثال فإن سعر تذكرة السفر من بغداد إلى أربيل، رحلة ذهاب فقط، على شركة الخطوط الجوية العراقية يبلغ 100 دولار أميركي في حين سعر التذكرة، ذهاباً وإياباً على شركة فلاي بغداد يبلغ 100 دولار، أما الرحلات الخارجية فقد هبطت شركة فلاي بغداد بأسعارها إلى 100 دولار للذهاب فقط إلى اسطنبول، هذا يعني أن شركة الخطوط الجوية العراقية في طريقها إلى الابتعاد عن السوق الذي تعمل فيه فلاي بغداد، والفضل يعود للوزيرين التابعين لعمار الحكيم.

 

جذور المؤامرة

لم يكن عمار الحكيم والوزراء التابعين لمنظمته الجهة الأولى التي فكَّرت في تدمير الخطوط الجوية العراقية والسيطرة على سوقها، فقد سبقهم أحمد الجلبي الذي تنبه لقيمة هذه الشركة  منذ بداية الاحتلال، ففي نهاية العام 2003 اتصل الجلبي بالمسؤولين عن جمعية الطيارين العراقية وهم مجموعة من الطيارين العراقيين والمشتغلين في هذا المجال، وحضر اثنين منهم للقائه في بيته، وقال لهم "لقد مضى عليكم زمنا لم تسافروا وسنرسلكم دورة لأميركا لتحدثوا معلوماتكم"، وهنا بادره أحدهم بالسؤال "هل هذا الكلام خاص بنا أم بجميع الطيارين؟"، فقال لهم "حاليا أنتما الاثنان فقط لكن هدفنا كل الطيارين" وكان يعلم أن الاثنين لهما تأثير على باقي الطيارين لأنهم هم من أعاد فتح الجمعية وجمع باقي كادر الطيران، ثم عرض عليهم مبلغ (10) مليون دولار يدعم بها جمعية الطيارين، وهنا سأله أحد الطيارين عن مقابل كل هذا السخاء الجلبي، قال لهم بشكل واضح أنه يريد الاستحواذ على ما تبقى من طائرات الخطوط الجوية العراقية والطائرات العسكرية ويؤسس بها شركة خطوط جوية تكون هي الناقل الوطني، فقالا له "لا يمكن لشخص أو شركة خاصة أن تكون الناقل الوطني وفق القانون، ثم أننا لا نملك الصلاحية لمنحك طائرات العراق، فنحن لا نهب ما لا نملك، إضافة إلى أننا ضد فكرة خصخصة الناقل الوطني، وإذا كنت جادا في المشروع فيمكنك شراء طائرات من العالم وتأسيس شركة طيران".

أحمد الجلبي قال هذا الكلام في فترة كانت عصاباته توقف السيارات الفارهة في شوارع بغداد وتستولي عليها من أصحابها الشرعيين، وتصور أنه قادر على فعل الشيء نفسه مع الطائرات، وبالتأكيد فإن أحمد الجلبي يعرف أكثر من غيره مدى أرباح شركة الخطوط الجوية العراقية في وضع العراق وقتها.

وما لم يتمكن الجلبي من تحقيقه تمكن منه عمار الحكيم لكن بأسلوب مختلف!

 

الخلاصة

من كل ما سبق يتضح أن مؤامرة رسمت ونفذت ضد شركة الخطوط الجوية العراقية (الناقل الوطني) هذه المؤامرة ستتسبب بالآتي:

1ـ الإطاحة بالشركة وجعلها شركة ثانوية خاسرة تعمل على خطوط رحلات لا عوائد مالية منها، وقد تكتَّف بالطيران الداخلي أو للدول المجاورة فقط.

2ـ ابتعاد الشركة عن السوق لصالح شركة فلاي بغداد المملوكة لعمار الحكيم التي ستحل محلها ليس ناقلا وطنيا وإنما ناقل رابح مستحوذ لأرباحها.

3ـ كل أعمال التخريب في الشركة كانت مدبرة ومقصودة من المجلس الأعلى والوزيرين التابعين له.

4ـ ستستحوذ شركة فلاي بغداد على طائرات شركة الخطوط الجوية العراقية عن طريق شرائها بثمن بخس، كما ستستحوذ على خطوط الرحلات الأوربية التي حرمت منها الخطوط العراقية، خصوصا وأن عمار الحكيم صرَّح بأن شركة فلاي بغداد ستعوض النقص في هذا الجانب.

5ـ لم يكن كل ذلك ليحصل لولا وجود صولاغ وعبد المهدي على رأس وزارتي النقل والنفط فكلاهما كان عاملا مباشرا في تدمير الشركة الحكومية وإحلال شركة خاصة مكانها!

 

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,057,257

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"