أكلما وقع حدث في بلد مجاور أو بعيد جغرافيا ويسبب انزعاجا لإيران، تشتعل الساحة العراقية بتصريحات من التحالف الحاكم الذي يقوده المالكي من خارج السلطة وامتيازاتها ووجاهتها!
بحيث تؤكد هذه الأطراف أنها فارسية، أكثر من يزدجرد كسرى أو من “أبو لؤلؤة الفيروزي” أو من الفردوسي صاحب الشاهنامة ومن بشار بن برد أو من خميني “وإن كان أصله الفارسي مشكوكا فيه”، وكذلك من جوقة المنافقين من الكتل السنية التي تمارس تقية رخيصة تجعل منهم أضحوكة للقاصي والداني، فقد أغضبوا السنة الذين احتقروهم لنفاقهم السياسي وخاصة أولئك الذين يرتدون ملابس رجال الدين ويضعون العمائم على رؤوسهم أو من شيوخ العشائر، هؤلاء لم ينالوا رضا شيعة السلطة وقادة المليشيات الذين ضحكوا عليهم ملء أشداقهم، بمعنى أنهم قبضوا بموقفهم ثمنا قليلا ومؤقتا من رضا إيران، لأنها تريد إنزالهم من وجاهتهم الفارغة إلى حضيض الذل الأبدي، وسرعان ما تنفض يدها عنهم وتتركهم في العراء دون غطاء أخلاقي، فحملوا عار الدنيا والآخرة في جباههم وحملوا الأوزار على أكتافهم.
مؤخرا نفذت سلطات المملكة العربية السعودية حكم الإعدام بالمدعو “نمر باقر النمر” مع 46 مدانا آخر، لاتهامه بالتحريض على العنف وإثارة الفتنة الطائفية والدعوة إلى إسقاط نظام الحكم وتجزئة البلاد ومطالبته بتبعية عدة أقطار عربية وخضوعها لدولة الولي الفقيه في إيران، بما فيها المملكة العربية السعودية، وأخيرا مقاومة الأجهزة الأمنية أثناء محاولتها اعتقاله مما أدى إلى حصول إصابات بما فيها إصابته بجرح في ساقه.
بمجرد انتشار الخبر أقامت إيران الدنيا وما تزال جاعلة من نفسها وصياً على سلوك الدول الأخرى، وكأنها دول لم تبلغ سن الرشد، على الرغم من أن عمر الدولة السعودية الحديثة يفوق عمر دولة الولي الفقيه في إيران بعدة أضعاف، وعاشت استقرارا لم تعرفه كل المنطقة من دون استثناء، فثبتت أمام كل الرياح الصفراء والحمراء، أما إيران فقد عاشت أزمات سياسية متتالية حتى انتهت بفوضى عام 1978 والتي انتهت بوصول خميني إلى السلطة في 11 شباط 1979، ومنذ ذلك اليوم دخلت إيران في دوامة العنف والرعب والدم بسبب الصراع المركب على السلطة بين المعممين والسياسيين من جهة، وبين الجيش والحرس الثوري من جهة أخرى، وداخل المؤسسة الدينية نفسها، فالكل يطمح بإشغال منصب الولي الفقيه باعتباره صاحب صولجان السلطة المطلقة ومتسّيد المشهدين السياسي والديني، فكانت تسعى إلى تصدير أزماتها الداخلية حيثما ما امتدت أذرعها والخلايا الإرهابية التي أسستها.
وكان لشعار تصدير الثورة الأثر السيء في تعريض المنطقة والعالم لحالة من الفوضى والاضطراب التي لم تعرف لها مثيلا، ودفعت إيران كثيرا من الأموال لكثير من الأضداد من أجل أن التحكم بسلوك الحركات الإرهابية بالكيفية التي تخدم مشروعها القومي وأمنها الوطني.
إيران التي تسوق المئات من المعارضين السياسيين وحملة الفكر المضاد لمفهوم ولاية الفقيه، لمجرد معارضتهم من دون ارتكاب أي فعل جنائي ومن دون إحالتهم إلى قضاء حقيقي نزيه وعادل، وتُعّرِضُهم لأسوأ أنواع التعذيب الجسدي، وكذلك تفعل السلطة الطائفية الحاكمة في المنطقة الخضراء ومليشياتها مع كل من يعارض العملية السياسية المصممة من جانب الاحتلال الأميركي، لا يحق لهما بل هما آخر من له حق الاعتراض على بلد اتخذ كل إجراءات التقاضي العادل للمتهمين واستمرت محاكماتهم لوقت كاف استوفى شروط العدالة، وما حصل في مدن العراق منذ الاحتلال واغتيال المئات من علماء الدين وأئمة المساجد لا لسبب ما وإنما لأنهم كانوا يعترضون على سياسة التهميش التي يتعرض لها السنة العرب في العراق، لأنهم لا نصير ولا معين لهم من القوى الدولية وحتى العربية، أما الأكراد فلأنهم يمتلكون القوة العسكرية الذاتية ويحضون بدعم دولي غربي وشرقي على حد سواء، فإن التحالفات الحاكمة ومليشياتها لم تتقدم خطوة واحدة للتعرض لهم إلا ما يصدر عن إعلام هذه الجهات التي تنفذ مشروع إيران التوسعي للهيمنة على الوطن العربي من استعراض بائس لقوة السلطة وسيطرتها على كل أنحاء العراق وتهديدات جوفاء ضد الأكراد.
ما حصل من اعتداءات على مساجد محافظة بابل وقتل عدد من العاملين عليها والمصلين فيها، بعد تنفيذ حكم الإعدام بسبعة وأربعين مدانا في القضاء السعودي بمن فيهم مثير الفتنة الطائفية نمر باقر النمر، كان مثار دهشة واستغراب شديدين من جانب العراقيين والمهتمين بالشأن الإسلامي أو المشروع الإيراني التوسعي، فكل من تم تنفيذ الإعدام بهم هم حملة الجنسية السعودية باستثناء شخص واحد وهو من تشاد وليس من إيران أو من العراق، ومن اتخذ قرار التنفيذ هي السلطة السعودية وليس مؤذن مسجد في بابل، فلماذا هذا التحريض الذي كان مدّعي تزعم التحالف الشيعي والمدافع عنهم نوري المالكي وبقية الشلة الفاسدة التي أدلت لأجهزة الإعلام بتصريحات نارية عما تنوي اتخاذه من ردود فعل ضد السعودية.
لماذا التقى قادة المليشيات الإيرانية التمويل والولاء وأصدروا بيانهم بضرب المصالح السعودية وهددوا المملكة بالويل والثبور وتصوروا أنفسهم القوة التي لا تقهر، وأنهم قادرون على تحقيق أهدافهم مهما كانت الصعوبات، ونسوا أنهم وقفوا عاجزين في كل المعارك التي دخلوا فيها عام 2015 في مدن العراق لولا الدعم الأميركي أو الإيراني أو دعم الطرفين، فراحوا يبحثون عن أهداف سهلة، وهي الأهداف العزلاء عن السلاح والمساجد والمدنيون لإحداث الصدمة والترويع في الوسط الذي يريدون إرهابه وجعله يتصرف كيفما يريدون، وهذا السلوك يعكس أخلاقيات هذه الأطراف التي تحاول ركوب كل موجة لتؤكد أنها ما زالت على قيد الحياة، وأنها وحدها من يمثل الشيعة في العراق لتكون ممثلة لهم في طهران، وتريد يذلك نزع هذه الصفة عن الأطراف الأخرى مهما كانت صفاتها وتوجهاتها الفكرية والسياسية.
وكما أن حماقة الإيرانيين التي تمثلت بإحراق السفارة السعودية في طهران والقنصلية العامة في مشهد قد قلبت الطاولة على رأسهم دوليا، كذلك كان إحراق مساجد السنة في بابل إذ فقدت المليشيات كثيرا من رصيدها الافتراضي وتأكد طابعها الإرهابي لمن كان يحسن الظن بها.
من غرائب المشهد السياسي أن إبراهيم الجعفري القيادي في التحالف الحاكم الذي يقوده المالكي ووزير خارجية حكومة المنطقة الخضراء، عرض الوساطة بين الرياض وطهران، إلا يعتبر هذا العرض شيزوفرينيا سياسية ودبلوماسية تجسدها حكومة العبادي؟