احتضار الدبلوماسية في #العراق!

علي الكاش

قيل لبعض الحكماء: أي شيءٍ أنفع الأشياء؟ قال: الاعتدال. قيل: وما الاعتدال؟ قال: هو الشيء ‏الذي الزيادة فيه والنقص منه ضرر‎.

عندما يرسم المرء منحنيات لكافة المستويات في العراق بعد الغزو الأميركي الإيراني كالمستوى ‏الإقتصادي وما يتفرع عنه كإنتاج النفط والناتج الصناعي والزراعي، والتجارة الداخلية والخارجية ‏والمستوى المعاشي ومعدلات البطالة والفقر غيرها من المؤشرات، إضافة الى المستوى الثقافي ‏والإجتماعي والعمراني والأمني والصحي والتربوي سيجد أن كافة المنحنيات هبطت بشكل مفزع ‏الى الحدود الدنيا. ومن جملة هذه المؤشرات المستوى الدبلوماسي الذي تضطلع به وزارة ‏الخارجية العراقية ولجنة الشؤون الخارجية في البرلمان فقط كما يفترض! دون أن تدخل الكتل ‏السياسية والنواب وبقية المسؤولين من خلال تصريحات متضاربة دون الرجوع إلى وزارة ‏الخارجية بإعتبارها صاحبة الإختصاص الأول في العلاقات الدولية والأعرف بالقانون الدولي ‏وإلأتفاقيات والصكوك الدولية.‏

من المؤسف جدأ ان ينحدر مستوى وزارة الخارجية الى هذا المستنقع الضحل في التعامل الدولي، ‏وتكون أضحوكة أمام الوزارات النظيرة لها سوى العربية أو الدولية. الحقيقة إن إختار المعتوه ‏إبراهيم الجعفري لتولي هذه الوزارة السيادية كان خيارا سيئا ولا يفسر إيجابيا بأي حال من ‏الأحوال، ليس من المعقول أن يشغل هذا الوزير المهووس هذه الوزارة المهمة وان يدخل أسمه ‏مع منظومة العمالقة من وزراء الخارجية منذ تأسيس الجمهورية العراقية ولغاية العدوان الغاشم، ‏إنها فعلا مأساة دبلوماسية، سيما أنه لم يدرك بعد إنه وزير خارجية وليس رئيس حزب الدعوة ‏عندما يعبر عن رأي الوزارة . وطالما أنه مُنح هذه الوزارة خارج منظومة المحاصصة الطائفية، ‏كان من الأجدر أن يُسلم وزارة أو مؤسسة تتناسب مع مؤهلاته العقلية والنفسية وخبراته السابقة ‏مثلا، مسؤول الوقف الشيعي، أو بعثات الحج وغيرها. أما أن يتسلم وزارة الخارجية وهو معتوه، ‏وخارج السن الوظيفي، ومنفذا لأجندة ولاية الفقيه، فهذه كارثة ما بعدها كارثة في العمل ‏الدبلوماسي. ‏

هذا الوزير كما معروف عنه يعيش كوابيس اليقظة وهواجس الزهايمر، لذلك تجده يهذي في ‏الكلام لحد السفسطة، ولا يوجد رابط بين كلماته والجمل الني يتفوه بها، إنه يظن إنه بعبارته غير ‏المتزنه والبعيدة عن التدوال اللغوي، وألغاز طلاسمه المضحكة، وفوضى شعر رأسه، كأنه يريد ‏أن يخبرنا بأنه شوبنهور العراق. إن سقطاته وشطحاته المعلوماتية معروفة للبعيد القريب، من ‏يرى ان الحكومة العراقية الحالية حكومة ملائكية على حد وصفه، مع كل مؤشرات الفساد المحلية ‏والدولية، ولا يعرف ان نهري دجلة والفرات ينبعان من تركيا، ويرحب بالإنفتاح على داعش، لا ‏يمكن ان يكون سويا كإنسان عادي وليس كوزير خارجية فحسب. كان البعض يظن أن الجعفري ‏سيعيد عروبة الوزارة بعد أن كردٌها الزيباري، فإذا به يفرسها، وكأنك يا بو زيد ما غزيت.‏

ربما شطحته الأخيرة خلال زيارته لإيران ولقائه نظيره الإيراني محمد جواد ظريف في 6/1/2016 ‏وتصريحه في مؤتمر صحفي مشترك قد زاد الطين بلة، وأضاف نقطة الى رصيد فشله ‏الدبلوماسي. فقد أكد بأن" ما أقدمت عليه المحكمة في‎ ‎الحكم على الشيخ نمر النمر استنكرناه ‏ونعتبره جريمة، خصوصا ان الرجل من‎ ‎دعاة الإصلاح، وكان يؤكد على عدم اللجوء إلى السلاح ‏واستخدام الأسلوب‎ ‎السلمي في اخذ الحقوق، وهذا نموذح يقل ان يكون المعارض يتحدث بهذه ‏الطريقة‎ ‎الحضارية، أن هذه الخطوة كانت‎ ‎بالنسبة لنا صعقة". وكان المتحدث الرسمي باسم ‏الوزارة أحمد جمال وهو من الطارئين على الوزارة كوزيره، قد صرح قبله في 03/01/2016 ‏بأن وزارة عمه الجعفري" تعرب عن استنكارها وشجبها لتنفيذ حكم الاعدام الجائر بحق العالم‎ ‎الشيخ نمر باقر النمر".‏

في المؤتمر الصحفي نفسه يذكر الجعفري" انطلقنا‎ ‎بهذا التحرك بعد قرار مجلس الوزراء ‏بضرورة التحرك لتهدئة الأجواء التي‎ ‎شهدت شيئا من التوتر في المنطقة، خصوصا ان لنا علاقات ‏وطيدة مع إيران بحكم‎ ‎الجوار والمصالح المشتركة ولنا علاقات مع العرب كلهم". ويكرر حديثه ‏‏" الغريب إن لا‎ ‎يتحرك العراق لأننا تربطنا مع إيران علاقات وثيقة بالتاريخ والجغرافية‎ ‎وعدالة ‏القضية، وبنفس الوقت نرتبط مع السعودية كدولة جوار". يلاحظ من كلامه التأكيد على أهمية ‏إيران وسموها عن علاقات العراق مع العرب، فقد ذكر" لنا علاقات مع العرب"، و" نرتبط ‏بالسعودية كدولة جوار" فقط! في حين ذكر عن إيران" لنا علاقات وطيدة مع إيران بحكم‎ ‎الجار ‏والمصالح المشتركة" وأضاف" لأننا تربطنا مع إيران علاقات وثيقة بالتاريخ والجغرافية‎ ‎وعدالة ‏القضية". من خلال التصريح نستشف بأنه يعتبر العلاقة مع أيران أسمى من العلاقة مع الدول ‏العربية كافة، وهي نظرة طائفية ضيقة تعبر عن الإنحياز التام لإيران، سيما بعد أن إعتبرها " ‏دولة مسالمة" في حين العالم كله يرى إنها" راعية للإرهاب"! إن كان هذه موقف الوزير من ‏المسألة وقد عبر بوضوح عن موقفه غير المحايد، فكيف يقوم بوساطة بين البلدين في مثل هذا ‏الجو السياسي المتوتر؟ وكيف ستقبل المملكة العربية السعودية بوساطته وهو منحاز الى الطرف ‏الذي يعاديها؟ ‏

إنها مبادرة تحمل فشلها بين طياتها، وغير مقبولة في العلاقات الدولية. الوسيط لابد ان يتصف ‏بالحياد بين الطرفين المتنازعين لكي تقبل وساطته، وإلا أن يعتكف في وزارته ولا يطرح ‏مبادرات تجعله في موقف السخرية والعبث! على العكس من هذا الموقف المنحاز كان موقف ‏تحالف القوى العراقية والوطنية والكابينة الوزارية، التي أكدت على عن اهمية بناء علاقات ‏متوازنة مع دول الجوار تقوم على اساس‎ ‎عدم التدخل في الشأن الداخلي للدول الاخرى، فيما لفتت ‏الى ان الدستور العراقي منع التدخل في الشؤون الداخلية للدول الاجنبية حسب ما نصت عليه‎ ‎المادة الثامنة من الدستور. ‏

العجيب ان الجعفري بعد مخالفته الدستورية الصارخة يصرح" نحن لا نتدخل بشؤون احد، ولكن ‏عندما يكون من‎ ‎طبقة العلماء لا يمكن إن نقف مكتوفي الأيدي". لا نفهم ما علاقة وزارة الخارجية ‏برجل دين سعودي الجنسية يخضع لقوانين بلده؟ هل من إختصاص وزارة الخارجية العلاقات ‏الدولية مع رجال الدين الشيعة؟ هل أفتتح قسم جديد في دائرة شؤون الدول المجاورة  بإسم ( قسم ‏العلاقات الشيعية)؟ هل صارت وزارة الخارجية تابعا لوزارة الأوقاف/ الوقف الشيعي؟ حتى هذه ‏الوزارة لا حق لها في التدخل بشؤون دولة أخرى حسب النص الدستوري!‏

هناك الكثير من التساؤلات التي يمكن الوقوف عندها، منها على سبيل المثال: ‏

ـ لماذا لم تستفيد الخارجية العراقية من الاخطاء السابقة في تعاملها مع الاشقاء العرب، ومنها على ‏سبيل المثال وليس الحصر موقفها من المعارض البحريني (علي السلمان) والذي بسببه توترت ‏العلاقات بين الدولتين وما زالت. وكذلك الموقف مع الشيخ المصري حسن شحاته. اليس الغبي من ‏عثر بحجرة واحدة مرتين؟ والأكثر غباءا من عثر اكثر من مرتين بنفس الحجرة.‏

ـ معظم المواقف التي تتخذها وزارة الخارجية العراقية هي محاكاة لموقف ولاية الفقيه سيما في ‏علاقتها مع الدول العربية كالسعودية والبحرين وسوريا، حتى صارت أشبه بالببغاء، يردد ‏الجعفري كلام ظريف بحرفيته. هل صارت وزارة الخارجية تابعة للنظام الإيراني وتدار من قبله؟ ‏من لا يتفق معنا بهذا الصدد، ليقدم لنا موقفا واحدا للخارجية العراقية تعارض مع الموقف ‏الإيراني. العجيب أن لا تسمع صدى تصريحات ولاية الفقية سوى في دويلات العبادي وحسن ‏نصر الله وبشار الأسد والحوثي! هل العالم كله على باطل، وهذه الدويلات على حقّ؟

ـ هل الوزارة تعمل بالتنسيق مع لجنة البرلمان الخارجية؟ ام لا علاقة بين الطرفين، فموقف شيعة ‏السلطة يتعارض مع موقف سنة السلطة في مجلس النواب، وهذا أمر يثير السخرية! لابد ان يكون ‏هناك موقفا برلمانيا موحدا، او لا يصدر أي تصريح من النواب، عليهم أن يكرموتنا بسكوتهم، ‏ويكبتوا سخافاتهم. قال إبراهيم بن المهدي:‏

ولئن ندمت على سكوتك مرة‎ ... ‎فلقد ندمت على الكلام مرارا

ـ هل يعرف وزير الخارجية نصوص الدستور العراقي ام لا؟ ان عرف! لماذا يخالف المادة الثامنه ‏منه، التي لا تسمح بالتدخل في الشؤون الداخلية لبقية الدول. وان لم يعرف! فأية كارثة هذا الوزير. ‏

ـ هل يرجع وزير الخارجية الى مستشاريه عندما يطلق تصريحا ما؟ سيما انه جاهل بالعلاقات ‏الدبلوماسية والقانون الدولي واتفاقيات فيينا للعلاقات الدبلوماسية والقنصلية وبقية الصكوك ‏الدولية؟ او انه ينطلق في تصريحاته من هووسه؟ من المعروف ان الموقف الحكومي لرئيس ‏الوزراء أو الجمهورية يستند إلى توصية وزارة الخارجية، من ثم يناقش في مجلس الوزراء قبل ‏الإعلان عنه رسميا. وقبلها يقوم وزير الخارجية بمناقشة الموضوع مع رئيس الدائرة والقسم ‏المختص ويأخذ خلاصة وافية عن المشكلة، قبل أن يقدم مشورته إلى رئيس الوزراء. وغالبا ما ‏تكون مناقشة الموضوع في الكابينة الوزارية بحضور وزير الخارجية. كان هذا الأسلوب هو ‏المتبع في وزارة الخارجية قبل الغزو، وهو أسلوب أثبت نجاح منقطع النظير. فقد أشار أحد ‏السفراء، بأن تسلسل المناقشة في وزارة الخارجية في فترة الأستاذ الفاضل محمد كاظم سعيد ‏الصحاف، يبدأ من رئيس القسم المختص ـ رئيس الدائرة المختصة ـ المكتب الإستشاري للوزير ـ ‏وكيل الوزارة المختص ـ الوزير ـ غرفة العمليات السياسية (برئاسة الأستاذ الراحل طارق عزيز ‏وعضوية الأستاذ الصحاف وبعض الوزراء أصحاب العلاقة المباشر بالموضوع المطروح) ـ ‏رئاسة الجموهورية. والرئاسة هي التي تقرر قبول، أو رفض التوصية، أو تعديلها (إضافة أو ‏حذف)، وهكذا يتخذ القرار السياسي ويكون صائبا جدا!‏

ـ تحدث الوزير الجعفري عن جانب واحد في مؤتمره الصحفي مع نظيره الإيراني، وهو إعدام ‏النمر، لكنه تغافل عن موضوع لا يقل أهمية عنه، بل هو في صلب إختصاصه الدبلوماسي، سيما ‏إنه يتعلق بالعلاقات الدولية وإتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية والقنصلية، ونقصد به تأمين سلامة ‏البعثات والقنصليات في الدولة المضيفة. لم يذكر الجعفري شيئا عن قيام الغوغاء بإشراف الحرس ‏الثوري الإيراني بسلب وحرق السفارة والقنصلية السعودية! في الوقت الذي كرمت المملكة السفير ‏والدبلوماسيين الإيرانيين بهدايا قبل ترحيلهم لبلدهم كأشخاص غير مرغوب بهم، وهو تقليد راقِ ‏وفي قمة التعامل الدبلوماسي المرن.‏

أما الفاجعة الدبلوماسية الأخرى فهي ترحيب الرئيس الأميركي أوباما بمبادرة الجعفري للوساطة ‏بين المملكة العربية السعودية وإيران! الحقيقة لا نعرف أن كان يمزح في هذا الأمر! أم كان ‏جديا.‏

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,040,230

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"