في كل يوم تثبت الأحداث أن العراق دولة الميليشيات، ومنذ العام 2005 وحتى الآن والعراقيون تقع عليهم كوارث وجرائم الميليشيات غير المنضبطة بدين أو قانون.
آخر الجرائم الميليشياوية ما وقع في مدينة المقدادية شمال شرق مدينة بعقوبة مركز محافظة ديالى (45 كم شمال شرق بغداد)، حيث نفذت تلك الميليشيات عشرات الجرائم بحجة الانتقام لضحايا التفجير الإجرامي الذي وقع في مقهى شعبي في المدينة، والغريب أن غالبية ضحايا التفجير هم من السنة وليسوا من الشيعة، ورغم ذلك وجدنا أنه - وخلال أقل من ساعتين - تم تفجير أربع مساجد بعد انتشار الميليشيات في عموم المدينة وعبثها بأرواح المدنيين العزل وممتلكاتهم، وهذا يؤكد أن الأمر دبر بليل!
السؤال الذي حير ملايين العراقيين هو:
من الذي يقود هجمات القتل والاختطاف والخراب في المقدادية وغيرها، هل هي الأجهزة الأمنية الحكومية أم ميليشيات الحشد الشعبي؟!
الحقيقة أن الطرفين متهمان بالقضية. فإذا كانت الأجهزة الأمنية تقف وراء تلك الكوارث من طرف خفي - وهو ما أكدته التجارب السابقة - فتلك مصيبة ما بعدها مصيبة، وذلك لأنه حينما يكون المسؤول عن حماية أرواح الناس وممتلكاتهم هو القاتل واللص، فتلك كارثة لا يمكن علاجها إلا ببناء قوات أمنية جديدة من الألف للياء!
ويبقى الطرف الآخر - وهو المتهم الواضح في القضية - وهم عناصر الحشد الشعبي.
وهذا الاحتمال يقودنا لنقاش الموضوع على النحو الآتي:
الحشد الشعبي نُظم بموجب فتوى السيد علي السيستاني المرجع الشيعي، فهذا يعني - بحكم الشريعة والمنطق - أن الحشد منضبط بالدين - ونحن هنا نفترض فرضيات ينبغي تفهمها - بينما أفعالهم تشهد بخلاف ذلك!
حينما نقرأ ساحة الجرائم التي يمارسها الحشد يمكننا أن نجزم أن غالبيتهم قتلة مأجورون لا يضبطهم خلق أو دين، وإلا فهل قتل الآمنين من المدنيين والنساء والشيوخ هو من الجهاد الكفائي؟!
ثم في أي دين أو مبدأ أخلاقي أو إنساني تستباح المساجد وتفجر؟!
وهل اعتقال المواطنين بلا ذنب جزء من مكافحة الإرهاب المزعوم؟!
وهل نهب المحلات التجارية وسرقة منازل المهجرين حلال في قواميس الحشد؟!
ثم وفقاً لأي قانون أو مبدأ سياسي أو أمني يمكن تفهم أن كلاً من رئيس مجلس النواب سليم الجبوري، ورئيس الحكومة حيدر العبادي لم يتمكنا من دخول المقدادية بسبب سيطرة الميليشيات عليها، فهل هي دولة ميليشيات، أم دولة شيء آخر لا يمكننا توصيفه بسهولة؟!
هذه التساؤلات وغيرها بحاجة إلى إجابات دقيقة وصريحة من مكاتب المرجعيات الشيعية ومن مكتب رئيس حكومة بغداد باعتباره رئيساً للحكومة والقائد العام للقوات المسلحة، الذي يقود الحشد الشعبي عبر هيئة الحشد المرتبطة به مباشرة!
وهنا يمكننا أن نقترح بعض المقترحات الهادفة لإنهاء حالة الفلتان الأمني في العراق، ومنها:
- حل ميليشيات الحشد الشعبي بأمر مباشر من رئيس الحكومة، بعد استصدار فتوى من المراجع الشيعية بحرمة هذه الحشود غير الشرعية وغير القانونية باعتبارها هي التي أفتت ابتداءاً بتشكيلها.
- عدم السماح بحمل أي سلاح خارج نطاق القوات المسلحة وفقاً للدستور.
- اعتقال كافة أفراد الحشد الشعبي الذين ثبتت بحقهم جرائم قتل وتسليب واستخدام جائر للقانون.
- عدم السماح لأفراد الحشد بالانخراط في صفوف القوات الأمنية بأي حال من الأحوال.
هذه المقترحات يمكن أن تعيد بعض الهيبة للدولة التي صار القاصي والداني يشهد بأنها دولة ميليشيات يأكل القوي فيها الضعيف!
حالة الفوضى الأمنية لا يمكن أن تكون سبباً من أسباب الوفاق والتلاحم المجتمعي والإنساني بين العراقيين، بل على النقيض من ذلك ستكون سبباً لنشر الجريمة المنظمة وزرع الأحقاد، وانهيار البلاد أمام هذه الأمواج الجارفة من الإجرام الميليشياوي العلني والمدعوم من المرجعية والحكومة وغالبية الأطراف الفاعلة في الساحة السياسية العراقية بما فيها مكتب رئيس حكومة بغداد.