#حيدر_العبادي الضعيف

الصورة: العبادي يلتقي مع زعماء عصابات الحشد الشعبي بشكل دائم.

محمود العراقي

يتحدث كثيرون عن ضعف مفترض يعاني منه حيدر العبادي، رئيس وزراء الحكومة الحالية في العراق. ويضرب هؤلاء أمثلة على مظاهر هذا الضعف في كل حدث مَـفصِلي يمر به العراق بصمت العبادي وأعضاء حكومته تجاه الإرهاب الذي تمارسه الميليشيات التابعة لمكونات هذه الحكومة والأحزاب الفاعلة والمؤثرة فيها، ويفسرون هذا الصمت بأنه ضعف. فهل العبادي حقاً ضعيف؟ وهل صمته يعني شيئاً محدداً في هذا الإطار؟!

 

يعقد البعض مقارنات بينه وبين سلفه سيء الذكر، لا ردّه الله ولا عافاه، نوري المالكي. فالمالكي كان كثير الكلام ولا يخفي طائفيته النتنة وتقسيمَـه المجتمعَ العراقي إلى معسكرات، مع وضد، دونما وجل ولا خجل، بينما يرون أن العبادي قليل الكلام ومتردد بعض الشيء، ولذلك فإنهم يعتقدون أنه أفضل وأكثر وطنية وإنسانية!

لكن المتابع لما يجري في العراق يرى أن سياسة المالكي والعبادي ليست أكثر من خط مستمر لنهج واحد، وإنْ كان العبادي أقل كلاما، لا سيما أنهما من مدرسة واحدة، ويرضعان من ثدي واحد هو ثدي الولي الفارسي وتشيـُّعِهِ الصفوي، وينتميان من حيث السياسة لحزب الدعوة العميل نفسِه المرتبطِ قلباً وقالباً بخيوط قم وطهران.

في التصنيف الرسمي، يعد العبادي رئيس وزراء، بمعنى أن لديه سلطةً قانونيةً ذاتَ شرعيةٍ مستمدةٍ من دستور، وإن كان دستوراً للاحتلال. ثم إنه القائد العام للقوات المسلحة، بمعنى أن القواتِ المسلحةَ تأتمر بأمره أو بأمر من يمثله في سلم القيادة. وبهذا، تكون السلطتان المدنية والعسكرية في يده، ولا يمكن الحديث من حيث المنطق عن أنه لا يأمر ولا ينهى، أو أنه مجرد فزاعة، بل إن بإمكانه إلغاءَ كل هذه الميليشيات، ناهيك عن منع عملها، ومحاسبتها، لو أراد.

عندما تسلم العبادي رئاسة الوزراء، أعلن أنه سيوقف قصف المدن، لكن القصف لم يتوقف، ولم يفِ بأيٍّ من وعوده بمحاربة الفساد. وحتى إجراءات الإصلاح التي أعلنها لذر الرماد في عيون العراقيين، لم ينفذ منها شيئاً.

يجدر بالذكر أن العبادي لم يكن في مرحلة دعاية انتخابية، مثلاً، لكي نقول إنه يكذب ليصل للسلطة. فقد أصبح فعلاً في السلطة بفضل الاحتلال والمحاصصة الطائفية. فما الداعي للكذب؟!

نحن الذين نسميه كذباً. لكنه في الواقع ليس كذباً وإنما هو منهج حياة بالنسبة للعبادي وكل أتباع المرجعية الصفوية. هو جزء من سياسة مُعتـَمَدة ومتعمّدة، لا سيما أن العذر متوافر في كل الأحوال تجاه المناطق السُّنيّة وهو أنه إنما يحارب ما يسمونه الإرهاب، بصرف النظر عن الضحايا بين المدنيين من النساء والأطفال وكبار السن، لا بل حتى الشبان العاديين المسالمين الباحثين عن عيش كريم في بلدهم، ناهيك عن التدمير الذي ينال المنازل والممتلكات الأخرى غير القابلة للتعويض في ظروف العراق الحالية. وعندما يعلن العبادي أو غيره أنه يحارب الإرهاب فستقف معه فوراً أميركا صاحبة مشروع الاحتلال. وتقف معه أوروبا الباحثة عن امتيازات ومنافع من الاحتلال ورموزه. أما إيران، فهي المستفيد المباشر من كل ذلك، من العراق كذبيحة، ومن الدول الأخرى التي تسعى للحصول على مواطئ أقدام في العراق، ببساطة لأنها المقاول من الباطن للاحتلال، فضلا عن أنها الأم الشرعية لكل أزلام الاحتلال الذين لا ينفكون يعلنون ولاءهم لها بأشكال مختلفة.

الجرائم الأخيرة التي ارتكبتها العصابات الطائفية المحمية داخلياً وإقليمياً ودولياً في مدينة المقدادية بمحافظة ديالى توفر مثالاً لتفحّص مدى دقة مقولة إن العبادي ضعيف، إذ يبين ما حدث في ظاهره أن العبادي لا حول له ولا قوة تجاه الميليشيات وأنه لم يتمكن حتى من الوصول إلى المدينة المنكوبة لأن هذه الميليشيات منعته أو هددته. لكن الحقيقة بالتأكيد غير ذلك، وربما هي بعكس ذلك.

فلو تفحّصنا بعض المعطيات فسنرى، على سبيل المثال، أنه أزبد وأرعد تجاه من فجّر بيوت الله بما يُظهره للوهلة الأولى أنه صاحب موقف وطني. لكن موقفه لا يختلف في جوهره عن موقف المرجعية التي دانت التفجيرات وفي ثنايا إدانتها تشم رائحة أن المقصود بذلك أناس غير الذين قد يخطرون ببالك. فالمجرمون الإرهابيون المعنيون في بيان المرجعية هم إما داعش، كما يسمون تنظيم الدولة الإسلامية، أو من يسمونهم فلول النظام السابق، بعثيين صداميين تكفيريين ووو، في إشارات واضحة إلى أنهم في كل الأحوال من "السُّـنة"، وهذا هو المقصود الحقيقي إيرانياً من وراء كل ما يحدث. كما أنه وحده كفيل بتبرئة الميليشيات مما يجري. فالعبادي لم يصل إلى المقدادية ليس لأنهم منعوه أو خافوا عليه، وإنما لأنه هو لم يكن راغباً في ذلك أصلا في انتظار أن تكمل الميليشيات الواجب المكلفة به في إيقاع أكبر قدر ممكن القتل والتدمير والإذلال لسكان المنطقة من "السـُّـنّة". فالقوات الموجودة هناك قواته. والميليشيات الموجودة ميليشياته وميليشيات أطراف حكمه. وداعش، كما قالوا لنا منذ أكثر من سبعة أشهر، طردت من المحافظة. فلماذا الخوف إذاً.

كما يعزز ذلك موقف ذيل الاحتلال، رئيس ما يسمى مجلس النواب، سليم الجبوري، الذي يدعو أهل المقدادية إلى التعاون مع قتلتهم من الميليشيات والقوات الأمنية لتفويت الفرصة على الإرهابيين، حسب تعبيره. وهذه إشارة واضحة من جانب هذا الذيل التافه إلى تبرئة الميليشيات، من جانب، وتجريم جهة يجب أن تكون "سُنيّـة"، من جانب آخر، بتدبير وتنفيذ ما يجري في المقدادية!

وفي هذا الشأن، تحضر إلى الذاكرة صور العبادي في تكريت بعد أن انتزعها سلاح الجو الأميركي من يد تنظيم الدولة وسلمها للميليشيات. كان يكاد يطير فرحاً ومعه كل قادة الميليشيات، وبينهم قائد ميليشيا الحشد، هادي العامري. وتحضر كذلك أسئلة عن مواقفه من الميليشيات: ماذا كان رأيه في الميليشيات حينما نهبت منازل المواطنين وحرقتها وفجرت متاجرهم وأسباب رزفهم في تكريت وبعد ذلك سموها "مندسين"؟ ماذا كان رأيه في الميليشيات التي فجرت المساجد ودور المواطنين في بيجي وهم يهتفون لبيك يا زهراء، ولبيك يا حسين؟ ألم يعتبر ذلك نصراً مبيناً؟ وماذا كان رأيه حينما قال أبو مهدي المهندس إن ميليشيا الحشد ستدخل الرمادي رغم تأكيدات العبادي وأركان حكمه أن ميليشيا الحشد لن تشارك؟ وماذا كان رأيه أيضا بتصريحات قيس الخزعلي الذي قال إن ميليشياه ستدخل الفلوجة ولن تلتفت لرأي أحد؟ ثم من يوفر السلاح والتمويل لهذه الميليشيات؟ ومن يقدم لها الخدمات الإدارية واللوجستية؟ ومن يوفر لها بطاقات الهوية الأمنية ويوفر لها الغطاء القانوني؟ فكيف نقبل الآن أنه عجز عن دخول منطقة فيها الميليشيات نفسها التي يرعاها ويعتبرها سنداً وضمانة لحكومة الاحتلال؟ وكيف لا يستطيع القائد العام للقوات المسلحة دخول بلدة في (دولته) التي يحكمها وفيها تعديات وتفجيرات وتدمير لأرواح المواطنين وممتلكاتهم؟ ماذا لو، على سبيل المثال، تقدمت قوات الدولة الإسلامية ودخلت المقدادية وسحقت هذه الميليشيات؟ ألا يأمر القائد العام قواته للتدخل وحماية هذه الميليشيات؟ ألا تهرع واشنطن لإرسال طائراتها لحماية هذه الميليشيات؟ ألا ترسل إيران، والدتهم الرؤوم، جنرالاتها وبسيجها وأفراد حرسها الثوري لحماية هذه الميليشيات؟ فهل هي ميليشيات سائبة حقاً ولا أحد لها؟!

أعتقد أنه لا يصح الحديث عن ضعف أو قوة العبادي، فهو من حيث المبدأ أضعف ما يمكن أمام سادته في طهران وواشنطن، لكنه في قمة القوة والطغيان والدموية تجاه العراقيين العزَّل.

ولعل من أهم الحقائق أن العبادي، وقبله المالكي، يفتقران للذكاء المتّسم بأي قدر من الإنسانية اللازمة لأي قائد. كما أنهما يفتقران لأي قدر من الكاريزما التي يحتاج إليها القادة، فالطائفية وخدمة المشروع الصفوي أعمتهما وأعمت غيرهما من أركان الحكم.

لكن المؤكد هو أن العبادي يعمل دون ضجة في تنفيذ مشروع الاحتلال، وتعميق الطائفية في المجتمع العراقي، ولعله في ذلك أسوأ من سلفه المالكي. لا يأبه كثيراً للنقد والتعليق. إنه صمت العقارب والأفاعي. لكنه عندما لا يريد أن يصمت، فإنه يعلن موقفه المؤيد لأعمال هذه العصابات الإجرامية ويدافع عنها ويمنحها ما يملك من غطاء رسمي يتمتع به بفضل ما منحه الاحتلال من قوة معنوية. وهذا الموقف ينبع بكل تأكيد من قناعة راسخة لديه بأن كل ما تأمر به المرجعية الصفوية أمرٌ مسلم به، أمرٌ واجب التنفيذ. ولذلك، فإن مقولة إنه ضعيف لا تصمد أمام وقائع الحال.

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :135,624,726

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"