لماذا تعود الفرقة 101 المحمولة جواً إلى #العراق؟

صبحي ناظم توفيق

لستُ معارضاً لهذا الطرف أو مؤيداً لذاك، ولا ممتدحاً لإمكانات هؤلاء أو مُنكّلاَ ‏بقدرات آخرين، بل وددتُ في هذه السطور تسليط البعض من الضوء على واقع ‏الفرقة 101 وأسباب عودتها لأرض العراق.‏

 

فهذه الفرقة تكامل تشكيلها عام (1942) بمثابة "فرقة مظلية" إلى جانب زميلتها ‏‏"الفرقة المظلية/82"وأُخريات إبان الحرب العالمية الثانية بلغ مجموعها (5) فرق ‏مظلية أمريكية، وفيما ظلـّت تلكما الفرقتان على حالهما بعد أن وضعت تلك الحرب ‏أوزارها فقد أُلغيت (3) فرق مظلية لإنتفاء الحاجة وإقتصاداً بتكاليفها الباهظة، وسمّيت-‏أسوة بشبيهتها- بـ"الفرقة المحمولة جواً=‏AIR BORNE DIVISION ‎‏" كونها تمتلك من ‏طائرات النقل ضمن ملاكاتها ما تكفي لحملها مع كامل أسلحتها ومعداتها وذخائرها إلى ‏مسافات تبلغ مئات الكيلومترات وقذفها بالمظلات حسب الإقتضاء، حتى إنبثقت ‏السمتيات/الهليكوبترات إلى الوجود لتستثمرها بدءاً من عقد الستينيات في عمليات ذات ‏صبغة ميدانية بدلاً عن الإعتماد الكامل على المظلات، ولكن من دون الإستغناء عنها ‏في بعض المواقف.‏

شاركت هذه الفرقة سواء بمجموعها أو بعدد من وحداتها في معظم الحروب التي ‏خاضتها الولايات المتحدة في بقاع عديدة من العالم بدءاً من الإنزال الحليف في ‏‏"نورماندي" عام (1944)،فحرب "كوريا" (1950-1953) ثم "فييتنام" (1965-‏‏1975)، وتدخلتفي العديد من بلدان "أمريكا اللاتينية"، ثم في حرب الخليج الثانية ‏‏(1991)، فغزو "أفغانستان" (2001) قبل "العراق" وإحتلاله (2003)... وهي فرقة‏‏- رغم تابعيتها لرئاسة أركان الجيش الأمريكي (القوات البرية)- فإنها من الأهمية بمكان ‏لا يمكن لأي قائد عسكري أمريكي حتى بمستوى "رئيس هيئة الأركان العامة المشتركة ‏للقوات المسلحة الأمريكية" أن يحرّك وحدة صغيرة منها إلاّ بموافقة رئيس الولايات ‏المتحدة عند إقتضاء الحاجة فحسب، كونها مخصصة للأغراض الإستراتيجية، فهي ‏الذراع الطولى للقيادة السياسية الأمريكية وقوة خاصة باهظة الثمن يُنتقى ضباطها ‏وجنودها من أفضل ما متوفر لدى الجيش الأمريكي، لذلك تُعتبر -إن جاز التعبير- ‏‏"نخبة النخبة"... وهي من الـمَعزّة بمكان بحيث لا يُفرَط بإستثمارها وسط أية بقعة من ‏العالم سوى لأغراض إستراتيجية غاية في الأهمية.‏

تمتاز الفرقة/101 المحمولة جواً والمدربة بإمتيازبخفة التحرك والإستجابة ‏السريعة للطوارئ وقابلية العمل في بيئات مختلفة والمناورة العالية لمديات بعيدة ‏دعماًلعمليات الإلتفاف والمشاركة في المخادعة وضرب مقرات القيادة أثناء العمليات ‏التعرضية، فضلاً عن توفر أسلحة متنوعة لدى وحداتهاومقدرة أفرادها على إستخدام ‏العديد منها، ناهيك عن إمكانات معالجة حركات التمرد والعصيان والثورات المضادة ‏والتمهيد لإنقلاباتسياسية وإسناد الـمُكَلـّفين بها، ودعم التنظيمات المسلـّحة الثائرة حيال ‏أنظمة حكم تعادي "واشنطن".‏

يبلغ تعداد الفرقة حوالي 17 ألف من الضباط والمراتب، 10 آلاف منهم من ‏المشاة المقاتلين، والباقي لأغراض الإسناد الناري والإداري وتقديم الخدمات... وتستخدم ‏وحداتها -بعد إتمام تنقـّلها ونشرها وسط بقاع آمنة- طائرات مسيرة بدون طيار ‏وسمتيات خفيفة لإجراء الإستطلاعات الضرورية مع الإفادة من الأقمار الصناعية ‏وطائرات الإستطلاع المتخصصة، فيما تستثمر  ما مجموعها (280) سمتية متنوعة ‏من طرز مختلفة الأغراض، أمثال "‏CHINOOCK‏" العملاقة لنقل الأفراد والأسلحة ‏الساندة وعجلات القتال إلى أقرب ما يمكن من الموقع المستهدف، في حين تقدّم سمتياتها ‏الهجومية "‏APATCHI‏" دعماً نارياً للوحدة القائمة بتنفيذ أية عملية قبل العودة إلى حيث ‏إنطلقت.‏

وعلى الرغم من كل التصريحات المختلفة التي أطلقها كبار المسؤولين والساسة ‏العراقيين بضرورة عدم عودة هذه الفرقة كون العراق ليس بحاجة إلى قوات برية في ‏حربه ضد "داعش"، فإننا لم نستغرب هبوط طائرات نقل أمريكية عملاقة في قاعدة ‏‏"عين الأسد" الجوية الواقعة غربي البلاد وقد نقلت جنوداً وعجلات قتال ودبابات ‏ومدافع خفيفة تشير إلى جدية السيناتور الأمريكي "جون ماكين" في حديثه من مبنى ‏السفارة الأمريكية في قلب "المنطقة الخضراء" ببغداد، وأمام أنظار الملايين من ‏مشاهدي القنوات الفضائية، بأن الحاجة تدعو لهذا الإجراءالذي ينبغي أن يسبق تشكيل ‏قوة عربية/إسلامية بتمويل أقطار الخليج وأُخرَيات من الأثرياء للقضاء على "داعش" ‏في العراق وسوريا معاً.‏

والآن فلنضع أمام ناظرينا الإحتمالات من وراء تمركز هذه الفرقة في أرض ‏‏"العراق".

‏1.‏ قد تكون هذه القوة الصغيرة التي تم إنزالها في قاعدة "عين الأسد" طليعة يُطلق ‏عليها -كمصطلح عسكري- تسمية "جماعة متقدمة" تستحضر لتحقيق الأمن ‏والخدمات لـِما سيُستجلب لاحقاً من وحدات "القسم الأكبر" في قادم الأيام.‏

‏2.‏ لا يشترط أن تـُستـَجلـَب الألوية الثلاثة التابعة للفرقة بكاملها، إنما يتم ذلك حسب ‏الحاجة وتطورات المواقف الميدانية.‏

‏3.‏ لا تمتلك الدولة العراقية من الأدوات المؤثرة بحيث تتصدى لقوات من الجيش ‏الأمريكي، كي تتخذ "بغداد" قراراً سياسياً لمجابهة الأمريكيين، ولا يتوفر لديها ‏جيش تستطيع التعرض به على القوة الأمريكية، لاسيما وأن العراق بحاجة ملحّة ‏لـ"واشنطن" في مجالات التسليح والتجهيز والتدريب والدعم السياسي، وكذلك ‏ينطبق الحال بشأن "دمشق" إذا ما تدخّل الأمريكيون في الأرض السورية.‏

‏4.‏ أما "إيران" -النافذة في شؤون تلكما الدولتين-فلم نستشعر بها يوماً ما أنها ‏واجهتالأمريكيين بقوة السلاح بعد عام (1980) إثر حل أزمة السفارة الأمريكية ‏في "طهران"، وقد تواصل هذا النهج الـمُريح بعد إبرام الإتفاق النووي مع ‏‏(5+1) وبلوغه حيّز التنفيذ قبل أيام فحسب.‏

‏5.‏ لا بد أن نتلمّس في الأسابيع القليلة اللاحقة إن كانت "واشنطن" جادّة في ‏إستكمال تحشيد عناصر هذه الفرقة، أم أن الرئيس "باراك أوباما" سيحاول ‏المماطلة لبضعة أشهر ليقذف بهذه المسؤولية على عاتق خلفه لدى تركه"البيت ‏الأبيض" خلال عام واحد فحسب.‏

‏6.‏ وإذا ما إستمرت وحدات الفرقة/101 بالتدفق نحو "العراق" خلال الأسابيع ‏القادمات، فأكبر الظن أن قاعدة "عين الأسد" لوحدها لا تستوعب (17,000) ‏من العساكر وجعلهم وسط موقع محدد قد يسهل إيذاؤهم فيه... لذا فإن التشكيلات ‏الأخرى قد تتمركز وسط قواعد جوية عراقية أخرى أمثال "الحبانية، التاجي، ‏بـَلـَد، صلاح الدين/سبايكر" إن ظلـّت آمنة نسبياً مثلما حالها الآن، أو ربما ‏بمطارات "إقليم "كردستان" ذات الأمان الأفضل.‏

‏7.‏ لا نعتقد مطلقاً أن يتم إستثمار وحدات هذه الفرقة في عمليات تعرضية على مدن ‏وبلدات عراقية وزجّهم في قتالات شوارع ومناطق مبنية -مثلما يعتقد البعض- ‏لأنه يكلـّف أرواحاً أمريكية عزيزة وسط "الأنبار والموصل وصلاح الدين" ‏وسواها، ما دامت أرواح العراقيين والسوريين رخيصة لدرجة لا تأبه دولهم ‏بها،بل أن هذه القوات الخاصةستستهدف قياداتومستودعات ومخازن ذات أهمية ‏خاصة، فضلاً عن إمكاناتها في قطع خطوط التراجع للهاربين من مناطق القتال ‏وتخليص المرتهنين متى ما تطلـّب الأمر. ‏

‏8.‏ وعلى أية حال، وبعد إخفاق دولتـَي "العراق وسوريا" معاً في تحطيم هذه الآفة ‏التي نخرت كل شيء لديهما، وبعد عدم نجاح "إيران" في دعمهالهما للقضاء ‏على "داعش"، وعدم تحقيق "روسيا الإتحادية"نتيجة باهرة-رغم تدخلها الجوي ‏العنيف والعشوائي- منذ ما يقارب (4) أشهر، فأن إستراتيجية "واشنطن" بشأن ‏محاربة "داعش" -وخصوصاً بعد التدخل الروسي في "سوريا"- تبدو قد إرتقت ‏من مستويات المشورة والتدريب والتسليح والدعم الجوي نحو مواجهة هذا ‏التنظيم بقوات برية.‏

‏9.‏ لكن هذا الإرتقاء ليس لسواد عيون العراقيين والسوريين وأهل المنطقةحفاظاً ‏على أرواحهم وأجسادهم وممتلكاتهم ومستقبلهم، بل لإشغال مسلـّحي"داعش" ‏وحسر فعالياتهم وطموحاتهم وسطهذه البقاع تحديداً تفادياً لتوسّعهم أكثر مما هم ‏عليه بالوقت الراهن،وللحيلولة دون إنتقالهم -وهم مُشبعون بتطرف مُرعبوتقبّل ‏للموت-وقد أتقنوا إستخدام السلاحوخبروا القتال وأضحى البعض منهم خبراء في ‏التفجيرات والنواسف على تنوعها... وبذلك فلربما لا يخططونولا ‏يفكّرونبالأنتقال بويلاتهم نحو الولايات المتحدة وأقطار الغرب الأوروبي ‏والشرق، ما دام في الشرق الأوسط والمنطقة العربية ((طُعم)) يكفيهم.‏

‏10.‏ ومع كل تلك الإحتمالات والحقائق المتاحة، فإن الذي يشغل بالنا هو سبب ‏إنعدام إستهداف مسلـّحي (داعش) لقاعدة "عين الأسد" ذات الأهمية ‏الإستراتيجية، ورغم كون البقاع المحيطة بها من جميع الإتجاهات تحتوي بلدات ‏كبيرة أمثال "البغدادي، حديثة، بروانة، الحقلانية" وسواها، والتي ما ‏زالت -منذ حوالي سنتين- يستحوذون على معظمها، أو يستهدفونها بهجمات شرسة ‏بين حين وآخر... فذلك ما يرسّخ في أعماقنا أكثر من ((علامة إستفهام يتيمة)) ‏نحو حقيقة مجريات الأمور وسط أهم بقاع "محافظة الأنبار" الواسعة ‏برمّتها!‏

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,049,572

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"