تدويل القضية العراقية!‏

جاسم الشمري

يقصد بالتدويل "تدخل دولة، أو مجموعة دول بشأن ‏دولة أخرى للحد من الممارسة القاسية التي تمارسها ‏ضد مواطنيها بشكل يهز ضمير الإنسانية".‏

 

والظاهر من خلال قراءة نصوص منظمة الأمم المتحدة ‏أن التدخل الإنساني مثار جدل قانوني بين الباحثين بين ‏من يرون توافقه مع قواعد القانون الدولي العام، ومن ‏يرون تعارضه مع سيادة الدول.‏

عموماً فإن الفقرة الرابعة من المادة الثانية من ميثاق ‏الأمم المتحدة تنص على:" يمتنع أعضاء الهيئة جميعاً ‏في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة، أو ‏استخدامها ضد سلامة الأراضي، أو الاستقلال السياسي ‏لأية دولة، أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم ‏المتحدة".‏

وهذا التدخل- بحسب العديد من خبراء القانون الدولي‏‏- لا يتناقض مع تلك الفقرة ما دام لا يؤدي إلى انتهاك ‏التكامل الاقليمي والاستقلال السياسي لدولة ما، فهو لا ‏يتعارض مع مقاصد الأمم المتحدة.‏

والعراق اليوم صار ساحة للعنف والقتل على الهوية ‏ومسرحاً لتغول المليشيات، وصارت هنالك حاجة ملحة ‏لقوة محايدة تنشر السلم المجتمعي، وفي ذات الوقت لا ‏تكون قوات احتلال، وهذا الوصف لا ينطبق إلا على ‏القوات الدولية.‏

وغالبية العراقيين منقسمون بخصوص قضية التدويل ‏إلى فريقين.‏

الفريق الأول: يرفض أصحابه الموضوع جملة ‏وتفصيلاً، ويعدونه غير ضروري كون أن ما يجري ‏جزء من عمليات "مكافحة الإرهاب"، وهؤلاء غالبيتهم ‏من الأحزاب المشاركة في الحكومة ومن الأطراف ‏المتنفذة في المشهد السياسي.‏

الفريق الثاني: يرى أصحابه ضرورة وجود قوات ‏دولية لحماية المدنيين في مرحلة الانهيار شبه التام ‏للمنظومة الأمنية الحكومية، وهؤلاء يمثلون بعض ‏السياسيين، وبعض القوى الشعبية والوطنية المعارضة ‏لعمليات القتل والتهجير والإرهاب.‏

وصول مجمل الملفات السياسية والأمنية والخدمية إلى ‏مراحل مرعبة لا يمكن السكوت عليها من ناحية ‏التناحر والتفكك والانهيار والدمار، سيجعل هذه ‏المرحلة أفضل المراحل الدافعة لإنقاذ العراق من دمار ‏تام، وحرب أهلية ساحقة.‏

تدويل القضية العراقية لا يعني الدعوة لوضع العراق ‏تحت الاستعمار من جديد، وإنما المقصود منه إدخال ‏قوات دولية لحفظ السلام لإيقاف استهتار المليشيات ‏واستخفافها بدماء العراقيين وأعراضهم.‏

أما أهم الأسباب الموجبة لتدويل القضية العراقية فهي:‏

‏- عجز الحكومة والبرلمان عن إدارة شؤون البلاد ‏السياسية والأمنية والخدمية.‏

‏-‏ انتشار أكثر من (50) مليشيا مسلحة في عموم ‏المدن، غالبيتها مدعومة من الحكومة، وهي ‏مستمرة في تدمير الوطن، وتنشر الخوف والرعب ‏والقتل والدمار، وبصورة علنية، وعلى مرأى ‏ومسمع الحكومة وقواتها الأمنية .‏

‏-‏ انهيار شبه تام للمنظومة الأمنية وضياع شبه كامل ‏لهيبة الدولة في منظور غالبية العراقيين.‏

‏-‏ عجز الشركاء السياسيين عن الوصول لقواسم ‏مشتركة للتفاهم فيما بينهم من جهة، ومع الأطراف ‏المعارضة لهم من جهة أخرى.‏

‏-‏ ضعف المنظومة القضائية ووقوعها تحت مطرقة ‏الفساد المالي وسندان الخوف من عصابات ‏الجريمة المنتظمة، الرسمية وغير الرسمية. ‏

‏-‏ إقبال الدولة على مرحلة الإفلاس المالي المؤكد ‏وفقاً لتصريح وزير المالية هوشيار زيباري الذي ‏أكد أن الدولة لا تملك رواتب شهر نيسان / أبريل ‏القادم، مما يعني ازدياد الجريمة المنظمة في ‏البلاد.‏

تدويل القضية العراقية أضحى مطلباً جماهيرياً ‏وسياسياً لأن الحياة الإنسانية لا يمكن أن تنتظم مع  ‏غياب الدولة وانعدام القانون.‏

لا شك أن قضية التدويل لن تكون سهلة وهينة ‏التحقيق لأن العملية السياسية في العراق - وعلى ‏الرغم من هشاشتها - مدعومة من أطراف دولية ‏كبرى ومنها الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، ‏وعليه فإن قضية التدويل بحاجة إلى ضغط سياسي ‏ودبلوماسي وشعبي  متواصل، وخطة دقيقة للوصول ‏إلى مرحلة فرض الرأي الدافع باتجاه القبول بتدويل ‏القضية، وإلا فإن الأمور ستبقى في العراق على هذا ‏الحال المرعب من القتل، والتشريدن والتناحر، ‏وغياب الدولة، وبالتالي لن يستقر العراق وسيبقى ‏أبناءه مشتتون في داخل البلاد وخارجها.‏

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :135,627,729

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"